Print this page

ما هي التداعيات الكارثية لضرب كوريا الشمالية وما البديل؟

نيسان/أبريل 25, 2017 27237

لفت الباحث جون ديلوري، في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إلى أن الضربة الأمريكية الصاروخية ضد سوريا قد نالت استحسان المعلقين من اليسار واليمين على حد سواء، لدرجة أنها أثارت جدلاً حماسياً بين البعض حول استخدام "الحل العسكري" ضد كوريا الشمالية للحد من برنامجها النووي.

ويرى ديلوري، أستاذ مشارك في الدراسات الصينية بجامعة يونسي في سيول، أن المقارنة تُعد من الأمور المضللة بشكل خطير؛ إذ لا توجد وسيلة لتوجيه ضربة عسكرية ضد كوريا الشمالية من دون قيام الأخيرة بالرد بضربة أكثر صعوبة، وبخاصة في ظل غياب الوسائل العسكرية القادرة على تدمير إمكاناتها، بما فيها النوو ية، في ضربة عسكرية "جراحية"، ولذلك فإن أي استخدام للقوة ضد كوريا الشمالية سيقود إلى إشعال فتيل الحرب التي ستكون خسائرها مذهلة.

تداعيات فادحة
ويتساءل ديلوري: "ربما يكون من الجائز في العهد الذي يرفع شعار (أمريكا أولاً) تجاهل مقدار الخسائر في الأرواح وحجم الدمار الذي يمكن أن يتكبده 10 ملايين شخص يعيشون في سيؤول التي تصل إليها مدفعية كوريا الشمالية وصواريخها القصيرة المدى، ولكن هل نهتم بقرابة 140 ألف مواطن أمريكي يقيمون في كوريا الجنوبية بما في ذلك الجنود الأمريكيين بالقواعد العسكرية هناك وأسرهم، فضلاً عن الأمريكيين الآخرين الموجودين في اليابان المجاورة؟ وماذا عن اقتصاد كوريا الجنوبية المندمج عالمياً بحوالي 1,4 تريليون دولار والذي يتضمن 145 مليار دولار لحجم التبادل التجاري بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة؟ وهل سننزعج من صواريخ كوريا الشمالية التي ستنهال على مطار إنتشون الدولي، أكثر المطارات ازدحاماً في آسيا، وكذلك على ميناء بوسان، سادس أكبر ميناء للحاويات في العالم؟ تُرى ماذا سيحدث للاقتصاد العالمي عندما يندلع الصراع على عتبة الصين ويبتلع اليابان؟".

خدعة الخيار العسكري
ويؤكد ديلوري أن الجمهور الأمريكي وأعضاء الكونغرس، بغض النظر عن التوجهات الحزبية، يتفقون على أن تلك التداعيات لا يمكن تحملها، وطالما أن إدارة ترامب تضم العديد من الخبراء الإستراتيجيين وصانعي السياسات ذوي الخبرة الواسعة، فإنه يبدو من المعقول استنتاج أن الضربات العسكرية تُعد بمثابة "خدعة"، كما أن التفكير في انتهاج الحل العسكري يشتت الانتباه عن اتباع الخيارات الدبلوماسية للتفاوض المباشر مع كوريا الشمالية بدلاً من مجرد انتظار نتائج الضغط الاقتصادي من جراء العقوبات الصينية.

ويشير ديلوري إلى أن إدارة أوباما كانت منفتحة على الحوار مع كوريا الشمالية ولكنها راهنت على الضغط من خلال العقوبات بسبب انتقال السلطة من كيم جونغ ايل إلى كيم جونغ أون، ولكن للأسف لم تتأثر كوريا الشمالية (مثل الدول التجارية الأخرى ومنها إيران) من جراء تلك العقوبات؛ حيث أن كوريا الشمالية منعزلة فعلاً عن الاقتصاد العالمي ومنقطعة عن المجتمع الدولي، ولذلك لا يغير تعميق تلك العزلة في حساباتها إلى حد كبير.

طموحات كيم جونغ
وعلى الرغم من أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لديه طموحات لتحسين الاقتصاد في بلاده، وقد حققت سياساته المحلية بالفعل نمواً متواضعاً، فإن أولوياته الأولى هي بقاء النظام والأمن القومي، ومن أجل ذلك يعتبر أن البرنامج النووي من الأمور الأساسية، وحتى مع مرور ثماني سنوات من العقوبات والضغط، فإن كوريا الشمالية لم تتوقف عن تحسين قدراتها العسكرية وتوسيع ترسانتها.

الدبلوماسية والتفاوض
ويشير ديلوري إلى إعلان إدارة ترامب أن نهج أوباما "الصبر الإستراتيجي" قد انتهى، ولكنه يرى أن بداية الحقبة الجديدة لا تتمثل في تشتيت الرأي العام الأمريكي بالتهديدات المتهورة لشن الحرب وفي الوقت نفسه إهدار الوقت في انتظار عبثي لهزيمة كيم جونغ من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبدلاً من ذلك يتعين على إدارة ترامب التحرك لعقد محادثات مباشرة مع بيونغ يانغ تبدأ بالتفاوض على تجميد إنتاج المواد الإنشطارية وعودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك وقف اختبار الصواريخ الباليستية البعيدة المدى.

وفي المقابل، على الولايات المتحدة الترحيب على الأقل بطلب بيونغ يانغ الدائم لتعليق المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، وربما يقبل كيم جونغ بما هو أقل من ذلك مثل تعديل حجم تلك المناورات، وقد يكون منفتحاً على البدء في محادثات لتحويل اتفاق الهدنة لعام 1953 إلى معاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية، ولا سبيل لتحقيق مثل هذه الخيارات إلا من خلال الوصول إلى طاولة المفاوضات، ويبدو أن الوقت مناسب الآن للقيام بذلك.

استراتيجية طويلة الأمد
ويوضح ديلوري أن "التجميد" يُعد أولى التحركات التي يجب القيام بها في الاستراتيجية الطويلة الأمد لتغيير الديناميات الكامنة ومعالجة ما يراه الطرفان جوهر الأزمة في هذه المعضلة. ولا يمكن معرفة ما يريده فعلاً كيم جونغ أون من دون بدء المفاوضات، بيد أن ثمة إشارات قوية إلى أن طموحاته تتجاوز الردع النووي وأن هدفه الحقيقي يتمثل في التنمية الاقتصادية، ومن ثم فإنه بدلاً من التهديد بشن الحرب أو تعميق العقوبات، يمكن دعم كيم باتجاه الطريق الذي اتبعته البلدان الرئيسية في شرق آسيا وهو التحول من السلطة إلى الثروة، وإذا كان كيم يطمح لأن يكون الديكتاتور "التنموي" لكوريا الشمالية، فإن أفضل إستراتيجية طويلة الأمد للولايات المتحدة هي مساعدته في تحقيق ذلك، ومن غير المنطقي أن نتوقع أن يتخلى كيم عن برنامجه النووي في بداية هذه العملية، ولكنه سيفعل ذلك حتماً في نهاية المطاف.

ويخلص ديلوري في ختام مقاله إلى أن الوقت قد حان لأن تبدأ الولايات المتحدة مبادرة دبلوماسية لإعادة فتح قنوات التفاوض وتخفيف حدة التوتر مع كوريا الشمالية وذلك بالتعاون مع الحكومة الجديدة في سيؤول وغيرها، فضلاً عن دعم استراتيجية طويلة الأمد لدمج كوريا الشمالية في الاستقرار والازدهار الإقليمي؛ للتخفيف من معاناة شعب كوريا الشمالية ومنحهم فرصة للنجاح اقتصادياً.

Related items