Print this page

هل تعلم واشنطن ما هي خطوتها القادمة في سوريا؟

نيسان/أبريل 17, 2017 10671

منذ الحرب العالمية الثانية، خسرت أميركا كل حرب بدأتها بدون سبب عادل وواضح، وحرب فيتنام بالإضافة إلى حرب العراق الثانية دليل مأساوي على هذا الاستنتاج.

هذا الإخفاق في التدخل العسكري الأميركي كان نتيجة لفشل إداراتها في ممارسة التفكير الاستراتيجي والحكم السليم، ومن جهة ثانية يبدو أن واشنطن تفتقر إلى المعرفة والفهم الكافيين للظروف التي استخدمت فيها القوة.

بعبارة أخرى، البيت الأبيض لم يتمكن من الرد على أهم سؤال حين كان يعطي الأوامر ببدء حرب ما، وهو "ماذا بعد ذلك؟" دخلتم الحرب لكن ما هي خطوتكم التالية؟

في الأسبوع الماضي أمطرت صواريخ التوماهوك قاعدة الشعيرات الجوية السورية بعد هجوم بغاز السارين على مدنيين سوريين في خان شيخون، قالت أميركا إن نظام الأسد من قام بتفيذه، وبذلك يكون النظام في سوريا قد خرق القانون الدولي، استناداً للمعاهدة الدولية لحظر استخدام الأسلحة الكيميائية، وبموجب قانون سلطات الحرب والمادة الثانية من المعاهدة، من الواضح أن للرؤساء سلطة الرد بالقوة، ومع ذلك، كما هو الحال مع الهجمات في خليج تونكين في أغسطس 1964 التي أعطت "ليندون جونسون" الحقللتدخل في فيتنام، وأيضا حجة وجود أسلحة الدمار الشامل التي لم يثبت وجودها والتي أعطت جورج دبليو بوش الأساس المنطقي لغزو العراق في 2003 ووضع المنطقة كلها على النار، انطلاقا من هاتين الحادثتين كان من المفروض أن تجيب إدارة ترامب على السؤال الرئيسي " ماذا بعد؟" ولكن يمكن أن تكون هذه النصيحة متأخرة بعض الشيء الأن.

هل ينبغي استبدال بشار الأسد ونظامه الذي لا يرحم بنظام يسعى إلى تحقيق العدالة وسيادة القانون؟ بالتأكيد هذا مايجب أن يحدث عاجلا أم أجلا! ومع ذلك، ولإنجاز هذه المهمة، ما هي الدول المستعدة لتكوين جيش أرضي قوامه ربما نصف مليون واحتلال سوريا طالما أنها تحتاج إلى تهدئة وتوحيد البلد الذي دمرته وخربته ست سنوات من الحرب الأهلية؟ الجواب المأساوي والبراغماتي لا أحد!.

وأكثر من ذلك، هل ضربات الصواريخ التي نفذتها أميركا تقوي أو تضعف يدها في التعامل مع سوريا وحلفائها الروس والإيرانيين؟ وخصوصا أن القاعدة الجوية التي ضربتها عادت للعمل مباشرة في اليوم التالي، وكانت تلك إشارة واضحة إلى أن دمشق لم تتأثر بهذه الهجمات. هذا الشيء يدفعنا للتشكيك في أن ضربات التوماهوك الدعائية ستردع النظام السوري عن قتل المواطنين سواءبالبراميل المتفجرة أو القنابل أو من تسميمهم بالأسلحة الكيميائية.

إن زيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون لموسكو لم تحدث أثرا إيجابيا كبيرا. والواقع أن الرئيس دونالد ترامب والرئيس فلاديمير بوتين متفقان على أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا غير واضحة في الأفق.

وبعد الضربات الأميركية سارعت موسكو لإرسال سفينتين حربيتين صغيرتين وقوة دعم لوجستية إلى البحر المتوسط لتتبع مدمرة أيجيس الأمريكية التي أطلقت التوماهوك كرد فعل دعائي، وببساطة ما لم تبدأ الولايات المتحدة بوضع خطة اتصالات استراتيجية فعالة لتقديم أدلة دامغة على استخدام النظام السوري لغاز السارين لإضفاء الشرعية على مزاعمها التي تنكرها روسيا فإن موسكو يمكن أن تنكر هذه التهم دائما.

وعلاوة على ذلك، كان بوتين دائما أكثر ذكاء من الولايات المتحدة في لعبة العلاقات العامة، والتأثير في الرأي العام، ومن المؤكد أن الجمع بين روسيا وإيران وسوريا متحدين في غزل قصة بديلة سوف يتم التقاطها من قبل وسائل الإعلام، مما سيمنح موسكو آلة دعائية فعالة ضد واشنطن.

ما الذي ينبغي أن تفعله أمريكا وما الذي يحتمل أن تفعله؟ ولماذا لم تقم الإدارة بشن هجوم إعلامي مقنع وإطلاق أدلة دامغة على استخدام النظام السوري للسارين والمواد الكيميائية الأخرى؟ إن مجرد الادعاء بأن مجتمع الاستخبارات لديه "ثقة عالية" في هذا التقييم ستواجهه حجة أن صدام حسين لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل عندما دخلتم حرب العراق في عام 2003، وهذه النقطة الجوهرية ستحتم على أميركا تقديم الأدلة المقنعة أو سيكون مصير تدخلها في الحري السورية فشل أخر يضاف إلى ما وقعت فيه مسبقاً.

بالعودة إلى التاريخ، نتذكر حينما أرسل الرئيس جون كينيدي رسولا شخصيا إلى الرئيس الفرنسي شارل ديغول خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، مع وجود أدلة فوتوغرافية لا يمكن دحضها على الأسلحة السوفياتية التي يجري تركيبها في كوبا، واليوم يجب على ترامب أن يفعل الشيء نفسه مع بوتين، فقبل خمس وخمسين عاما، كان ديغول يقول إنه لا يحتاج إلى أي دليل لأن كلمة الرئيس الأمريكي يمكن الوثوق بها، ولكن هذه الثقة غير موجودة بين ترامب وبوتين.

ثم بدلا من تهديد روسيا أو اتهامها بأنها من خلال وحداتها المتمركزة أو المتواطئة والداعمة لانتهاك سوريا للقانون الدولي، هناك حاجة إلى حجة أكثر ذكاء. فكما نعلم روسيا من الدول الموقعة على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وكانت مسؤولة أيضا عن إزالة هذه الأسلحة من سوريا، فهل روسيا إلى جانب القانون الدولي؟ أم أنها تسعى بإرادة طيبة إلى دعم دولة انتهكت القوانين الدولية؟

وطبعا الرد الأولي على تقصير واشنطن في ابراز الحقائق هو أن كلا من سوريا وروسيا انكرتا استخدام السارين ولم تقبلا الدليل الذي قدمته واشنطن لأنه غير مدعوم بوثائق كافية، ومع ذلك، ومع مرور الوقت، فإن معظم المجتمع الدولي قد يقتنع بالحجة الروسية والسبب التاريخ الأميركي المليء بالأخطاء الاستراتيجية.

الأمر الأكيد حاليا هو عدم وجود حل مفيد في سوريا بعيدا عن التعاون مع روسيا، وفي الواقع، يمكن القول بأن سوريا سوف تثير الآن محاولة لخلق المزيد من اللاجئين الفارين من البلاد لمزيد من الضغط على الدول المجاورة وعلى أوروبا، وبما أنه لن يتطوع أحد لوضع قوى كبيرة على الأرض، فإن هناك حاجة إلى خطة بديلة، فهل ستقوم الولايات المتحدة بمحاولة اقناع الدول العربية للالتزام بإرسال قوة للاستيلاء على الرقة من تنظيم داعش؟.

ثم مع هذا الالتزام، ربما سيتم إنشاء ما يكفي من النفوذ لإقناع موسكو بأن الخطوات التالية يمكن أن تشمل أي طيران والمناطق الآمنة في سوريا، ومن هذه الخيارات يمكن استنتاج إلى أي مدى قد يذهب التحالف المناهض لداعش. وبإمكان بوتين أن يدرك بعد ذلك أن التفاوض كان أفضل بكثير من تحريك المزيد من القوات الروسية، ولكن حاليا من الواضح أنه لا توجد بعد أي خطة مثالية.

لسوء الحظ، كما فشلت الإدارات الرئاسية الثلاث السابقة في التعامل مع روسيا وسوريا، السؤال الأن هو ما إذا كان فريق ترامب الحالي سيوفق في ذلك أم لا، وبدون الإجابة على هذا السؤال، سيلف الغموض مستقبل الكثير من الناس ليس في المنطقة فحسب بل على الصعيد العالمي أيضا.

 

Related items