المرسى الكبير .... جوهرة الجزائر
مما لا شك فيه أن أي شخص مهتم بالمجال العسكري قد سمع يوما ما عن القاعدة البحرية ( المرسى الكبير ) وذلك لما تتمتع به من سمعة محلية و عالمية . حيث أنها تصنف كأكبر قاعدة بحرية في البحر المتوسط و الوطن العربي إضافة إلى أنها تعتبر من أهم و أقوى القواعد البحرية في العالم و ذلك نظرا لشساعتها و لتصميمها الفريد من نوعه علاوة على موقعها الجد استراتيجي المشرف على مضيق جبل طارق
وهذا ما دفعني اليوم لأقدم هذا الموضوع المتواضع حول هذه المنشأة العملاقة حتى يتسنى للإخوة الأعضاء التعرف عليها وذلك رغم ما واجهته من نقص في المعلومات و الصور باعتبار القاعدة تحاط بالسرية و التعتيم لدوافع عسكرية
في الجهة الغربية للجزائر ، و على مقربة من الباهية وهران، يتراءى للعيان صرح مرسى الكبير متربعا بهيبته و جبروته و هو يطل بجرأة على البحر المتوسط، محتميا بحصون الطبيعة و متحديا آلاف السنين الغابرة.
استمدت تسمية مرسى الكبير من اللغة العربية، و هي تحمل في طياتها النزعة البحرية للدولة الجزائرية. استوعبت الأمم البحرية منذ القدم الأهمية التي يكتسيها صرح مرسى الكبير سواء تعلق الأمر بالموقع الذي يحتله بالنظر للشواطئ الأيبيرية، مضيق جبل طارق و سواحل جبال الريف بمليلية و التي أضفت عليه طابعا استراتيجيا يسمح له بمراقبة تدفق الملاحة البحرية بين مضيق جبل طارق و قناة السويس، أو بميزة الملجأ الطبيعي التي يتمتع بها بفضل تموقعه بين مرتفعات سانتا كروز من الشرق و سانتون من الغرب و التي تسمح له بوقاية السفن من الرياح العاتية الآتية من الشمال و الشمال الغربي .
استمدت تسمية مرسى الكبير من اللغة العربية، و هي تحمل في طياتها النزعة البحرية للدولة الجزائرية. استوعبت الأمم البحرية منذ القدم الأهمية التي يكتسيها صرح مرسى الكبير سواء تعلق الأمر بالموقع الذي يحتله بالنظر للشواطئ الأيبيرية، مضيق جبل طارق و سواحل جبال الريف بمليلية و التي أضفت عليه طابعا استراتيجيا يسمح له بمراقبة تدفق الملاحة البحرية بين مضيق جبل طارق و قناة السويس، أو بميزة الملجأ الطبيعي التي يتمتع بها بفضل تموقعه بين مرتفعات سانتا كروز من الشرق و سانتون من الغرب و التي تسمح له بوقاية السفن من الرياح العاتية الآتية من الشمال و الشمال الغربي .
كان مرسى الكبير، مكرها لا مخيرا عرضة لاعتناق ديانات و مِلل عديدة، فقد كان في البداية مرفأ رومانيا يطلق عليه مرفأ الآلهة تلجأ إليه السفن و البوارج القتالية لتحتمي من الاعتداءات الآتية من الغرب. فبالرغم من تعرضه للتدمير فيما مضى، تمكن بفضل العناية الإلهية من الانبعاث مجددا على أنقاض أطلاله.
بلغت التجارة البحرية بين الجزائر و شبه جزيرة أيبيريا خلال العهد الإسلامي أوجها، حيث وجد البحارة في ميناء مرسى الكبير ضالتهم، فأضحى المناص و المحطة الرئيسية لعبور و توقف سفنهم التجارية.
طوّر الخليفة عبد المؤمن بن علي، مؤسّس دولة الموحدين خلال سنة 1162، مرسى الكبير إلى ميناء عسكري، و الذي أضحى ترسانة للصناعة البحرية ناهيك عن مهمته التجارية.
ساهم سقوط دولة الموحدين سنة 1269 و ظهور دويلات ثلاث هي: المرينية بفاس، بني عبد الواد بتلمسان و الحفصيين بتونس إلى حد بعيد في إضعاف مسلمي الأندلس و نشوب معارك تجارية ضارية بين المسلمين و المسيحيين للسيطرة على موانئ البحر المتوسط .
مكّن سقوط غرناطة سنة 1492 و استعادة المسيحيين لكامل بلاد الأندلس إسبانيا من احتلال موانئ عديدة من السواحل الجزائرية من بينها مرسى الكبير سنة 1505. خلال هذه الفترة كان الأخوان عروج و خير الدين بربروس يجوبون البحر المتوسط لحماية و مواكبة اللاجئين المسلمين الفارين من القمع الصليبي بالأندلس إلى بلاد المغرب. تمكن الأخوان بربروس خلالها من صد الهجمات الاسبانية المتكررة جاعلين من الجزائر أيالة للباب العالي.
كانت البحرية الجزائرية خلال العهد العثماني قوة بحرية رائدة تحت إمرة بحارة بواسل الأخوان عرّوج و خير الدّين بربروس و العلج علي، حيث عملت على حماية مدينة الجزائر و كذا السفن الدولية العابرة بالبحر المتوسط مما اضطر الأسبان إلى التنازل عن وهران و مرسى الكبير سنة لصالح أيالة الجزائر.
بعد انهزام الأسطول الجزائري في معركة نافرين سنة 1827 و سقوط مدينة الجزائر في يد الاحتلال الفرنسي سنة 1830، شنت إدارة الاحتلال الفرنسي حملة بحرية تجاه الغرب انتهت باحتلال مرسى الكبير سنة 1831 بعد مقاومة شرسة من لدن أهالي المنطقة.
خلال سنوات الثلاثينيات من القرن المنصرم، أولت إدارة الاحتلال الفرنسي عناية فائقة لقاعدة مرسى الكبير، حيث بذل كل من وزير و قيادة أركان البحرية مساع حثيثة لغرض اعتماد النص القانوني لشهر جويلية 1934 و الذي يضع قاعدة مرسى الكبير في خانة المنفعة العمومية. شرعت السلطات الاستعمارية بدءا من سنة 1936 في مباشرة أشغال واسعة النطاق لكنها لم تستكمل إلا بعد الحرب العالمية الثانية في إطار ما يعرف بالحرب الباردة، بسبب تصعيد توتر الوضع الأمني في البحر المتوسط، عكف خلالها كل الوزراء و رئاستي الأركان دون إعطاء أدنى اعتبار لتكاليف الأشغال لتجسيد مشروع القاعدة البحرية العسكرية، غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 وقف حائلا دون تجسيد تلك المرامي.
كانت قاعدة مرسى الكبير بتاريخ 3 جويلية 1940، مسرحا لصدام عنيف و خطير نجم عن اختلاف مأسوي بين بريطانيا و فرنسا، تمثل في قنبلة البريطانيين لعمارة بحرية فرنسية بعد أن رفضت التحذير البريطاني الأخير يلزم الطرف الفرنسي بوقف القتال أو مواصلة الحرب ضد ألمانيا و الذي انتهى بمقتل 1300 بحارا فرنسيا.
في خريف سنة 1943، رست السفينة القتالية " Iowa " ذات حمولة 50000طن، على متنها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت، الذي كان في طريقه إلى إيران للمشاركة في مؤتمر طهران بمرسى الكبير و الذي يمكن اعتباره المرفأ الوحيد في إفريقيا الشمالية الذي يمكنه استقبال بعجالة،حافة سفينة برصيف مرفأ، سفينة بذالك الحجم.
تجلت الأهمية الإستراتيجية لقاعدة "مرسى الكبير" مع مرور الوقت أكثر فأكثر، ففي سنة 1945، تنامت وتيرة الاستثمارات حول أشغال بحرية و أخرى تحت الأرض في غاية الأهمية، جعلت مرسى الكبير القاعدة البحرية العسكرية الأولى لفرنسا الاستعمارية و المرفأ الأول في البحر الأبيض المتوسط الواقي من الإشعاعات الذرية عن جدارة و استحقاق. أ عيد النظر سنة 1950 في الطراز المعماري لقاعدة "مرسى الكبير"، حيث كرس لإنجاز الرصيفين الشمالي و الشرقي بسبب تقليص في الميزانية.
شهدت الفترة من اندلاع الثورة التحريرية الكبرى سنة 1954، إلى غاية الاستقلال، تقليصا كبيرا في الميزانيات المخصصة للبحرية الفرنسية، و التي تم تخصيصها لفائدة القوات الأخرى المشاركة في الحرب. في غمرة هذه الأحداث، حققت الجزائر وحدتها الترابية و السياسية كدولة و أمة بعد استقلالها في 05 جويلية 1962 بعد تضحيات جسام استشهد خلالها مليون و نصف مليون شهيد من خيرة أبناءها.
كانت قاعدة "مرسى الكبير" محور جدول أعمال إتفاقيات إيفيان سنة 1962، حيث كانت الإدارة الفرنسية تنوي بموجبها الإبقاء على القاعدة لمدة خمس عشرة سنة إضافية على الأقل قبل استعادتها من لدن الجزائر، لكنه بسبب تحول فرنسا في تلك الفترة إلى قوة نووية، تمكن الوفد الجزائري المفاوض بحنكته الدبلوماسية من إقناع السلطات الفرنسية باستحالة استغلالها مرسى الكبير كقاعدة حربية و رفضه المطلق التنازل عنها أو تأجيرها للقوات الأخرى، انتهى بالجلاء الفرنسي التام عن القاعدة بتاريخ 02 فبراير 1968.
لقد أصبحت قاعدة مرسى الكبير ملكا للدولة الجزائرية، كم كانت فرحة و فخر الجماهير عظيمين في ذلك اليوم المشهود الذي يبقى راسخا في ذاكرة الشعب الجزائري، و هي تشهد إنزال العلم الفرنسي الذي حلت محله الراية الجزائرية شاهقة خفاقة فوق صرح استكملت به مسيرة نضال شعب في سبيل تحقيق السيادة الوطنية و الوحدة الترابية، بفضل الخيار السياسي الذي تبناه الشعب الجزائري، المتمثل في إصراره على التحرر من قيود و أغلال الاستعمار الذي بدأ من جلاميد بلدة أخرى هي سيدي فرج و تحقيق سيادته الوطنية و وحدته الترابية. لقد رأت محاسن الصدف أن يتم هذا الجلاء في ظروف سلمية، ليتم استخدامها بحكمة واقتدار كوسيلة قيادة لتكون دعما تقنيا و لوجيستيكيا و ردعيا في المنطقة و حشد طاقاتنا لبناء مستقبل بحريتنا الوطنية في مجال الصناعة و الاستراتيجيات البحرية تستجيب من خلالها لتطلعات و احتياجات قطاعاتنا الاقتصادية .
مقتطف من مذكرات الرئيس السابق الشاذلي بن جديد يتحدث فيها عن القاعدة و استرجاعها من الفرنسيين و هو الذي كان قائدا للناحية العسكرية الثانية ( الغرب الجزائري ) حيث تتواجد القاعدة :
استعادة مرسى الكبير
في شهر فيفري 1968، بعد وصول بومدين إلى سدة الحكم الذي قرر إعادة النظر في بعض بنود اتفاقية إيفيان، أشرفت على جلاء الجيش الفرنسي من قاعدة مرسى الكبير قبل انقضاء آجال الاتفاقية وهو إنجاز اعتز به كثيرا. فقد كنت شخصيا، اعتبر استقلال الجزائر منقوصا مالم نستعد هذه القاعدة الاستراتيجية، وما لم يخرج آخر جندي فرنسي من التراب الوطني. وفي نهاية 1970 استرجعت القوات الجوية الجزائرية قاعدة بوصفر، آخر موقع احتفظ به الجيش الفرنسي في الجزائر بموجب اتفاقيات إيفيان.
والحقيقة أنني لم أكن مدركا لحجم التنازلات التي قدّمها في إيفيان الوفد المفاوض لفرنسا إلا بعد تعييني على رأس الناحية الثانية. واقتنعت أيضا، أن المجاهدين ما كانوا ليضعوا السلاح في جويلية 1962، لو أنهم كانوا على علم بكل تفاصيل بنود إيفيان.
مرسى الكبير منطقة حساسة استراتيجيا، فهي قاعدة بحرية وميناء مضاد للسلاح النووي. كانت بمثابة دولة داخل دولة، وكنا نجهل ما يحدث بداخلها. فقد أجرّت الجزائر هذه القاعدة لفرنسا لمدة 15 سنة ابتداء من الاستفتاء على تقرير المصير مع إمكانية تجديد الإيجار باتفاق الطرفين. ورغم أن فرنسا تعترف بالطابع الجزائري لهذه القاعدة إلا أنها حصلت على امتيازات وتنازلات كبيرة منها تعهد الجزائر بوضع أماكن وتسهيلات لفرنسا ضرورية لحسن سير القاعدة، ومنها الاستفادة من خدمات المطارات القريبة من القاعدة. وتعترف الجزائر بحق فرنسا في استعمال أرضية القاعدة وأنفاقها ومياهها الإقليمية والمجال الجوي، كما خوّلت الاتفاقية لفرنسا كل السلطات، فيما يخص مسائل الدفاع والأمن حفظ الأمن في حدود القاعدة. كانوا يسيطرون على المنطقة كلّها حتى عين الترك، وكان يمنع على جنودنا الدخول إلى هذه المنطقة.
كلّفني الرئيس هواري بومدين بالتفاوض مع الجيش الفرنسي للبحث عن إجراءات سريعة لخروج الفرنسيين من قاعدة مرسى الكبير قبل انقضاء آجال الاتفاق.
قبل أن أتطرق إلى المفاوضات يجدر بي أن أذكر بأن الفرنسيين شرعوا دون علمنا في بناء تحصينات دفاعية لحماية مرسى الكبير من أي هجوم محتمل. وتبدأ هذه التحصينات من مرجاجو (بوصفر)، وتمتد حتى سانتا كروز، لتطل على وهران. ومعنى ذلك أن الجيش الفرنسي إما أنه يتوقع هجوما محتملا من الجزائريين، وإما أنه كان يخطط للبقاء في القاعدة حتى بعد انتهاء أجال الاتفاقية.
كان الفرنسيون قد استلهموا دروس عملية "كاتابيلت" حين دمّرت البحرية الأمريكية في سنة 1940 أسطولهم في مرسى الكبير، كما درسوا تجربة الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. فعملية "طورش" التي قادها الجنرال إيزنهاور، لم تدم سوى ثلاثة أيام. في البداية أراد الحلفاء الدخول من مرسى الكبير معتقدين أنه تابع للحلفاء، لكنهم فوجئوا بقوات الماريشال بيتان تطلق النار عليهم. فاضطروا إلى إنزال قواتهم في الأندلس حيث المركب السياحي اليوم. في ذلك الوقت كان يوجد هناك رصيف إنزال ساعدهم على النزول في الشاطىء بدباباتهم وشاحناتهم. ثم صعدوا نحو مرجاجو، وشرعوا في قنبلة جنود الماريشال بيتان من أعلى، هكذا احتلت إذن قاعدة مرسى الكبير في الحرب العالمية الثانية. استخلص الفرنسيون الدرس، وفكروا أنه إذا حاول الجزائريون استعادة القاعدة، فإنهم سيلجؤون حتما إلى الطريقة نفسها.
كنت على صلة مستمرة بالجنرال قائد القاعدة. وعندما علمت أنهم شرعوا في بناء هذه التحصينات طلبت لقاءه. كان ديغوليا، يتمتع بحسّ رفيع في الشرف العسكري.
قال لي بصراحة اندهشت لها حين سألته عن سبب بناء هذه التحصينات: "وصلتنا أخبار تقول إنكم تستعدون لمهاجمتنا، ولهذا شرعنا في اتخاذ الاحتياطات الضرورية للدفاع عن أنفسنا".
قلت له: "لا توجد حجة تدفعنا إلى استعمال القوة، نحن موقّعون على اتفاقيات ايفيان، وهي واضحة في هذا الشأن". ثم أضفت: "أنا أطمئنك باسم وزارة الدفاع الوطني أنه ليس في نيّتنا مهاجمتكم". وعدني بتوقيف بناء التحصينات، وأقسم لي بشرفه العسكري. هكذا توقّفت الأشغال.
أثناء اللقاء قلت له إن اتفاقيات إيفيان على وشك الانتهاء، وطلبت منه أن يسمح لبعض ضباطنا الشباب من البحرية الوطنية بإجراء دورات تدريبية وتكوينية لضمان السير الحسن للقاعدة بعد الجلاء. وطلبت أيضا أن يتركوا لنا العتاد الموجود بها. وشرعنا في مفاوضات عسيرة معهم. فوافقوا على تكوين 50 ضابطا، وعلى التنازل على عتاد قيمته 15 مليار سنتيم في ذلك الوقت بمليار فقط. وأعتقد أن الجنرال ديغول هو الذي وافق على هذا المبلغ. أرسلت تقريرا مفصلا بذلك إلى وزير الدفاع الذي كان يتابع عن كثب المفاوضات. وسارت الأمور على ما يرام.
وفي مساء 31 جانفي نظّم حفل نزلت خلاله الألوان الفرنسية. وفي أول فيفري تم رسميا استعادة القاعدة. ولأول مرة يرفرف العلم الوطني ويعزف النشيد الوطني في القاعدة بعد 138 سنة من الاحتلال.
يوم الجلاء دعاني قائد القاعدة الجديدة فارنر ليسلّم لي المفاتيح إلى حفل استقبال. وأقيمت المأدبة فوق ظهر باخرة راسية بالقاعدة كانت البوارج الأخرى قد غادرت القاعدة. وشارك في الحفل الجنرال قائد القاعدة وقيادته العامة، وحضر كذلك السفير الفرنسي وحرمه، جئت أنا وأعضاء قيادة أركان الناحية. أثناء الحفل أخذت زوجة السفير قائمة الأكل، وطلبت من الجنرال أن يكتب لها كلمة بتوقيعه. لاحظت أن وجه الجنرال أحمّر واغرورقت عيناه بالدموع. طلب مني الإذن بالخروج مرة أخرى إلى الأرض الجزائرية. ثم توادعنا، قبل أن تبحر الباخرة مطلقة قذائف وداع في عرض البحر. وقمت رفقة هواري بومدين وأعضاء من مجلس الثورة والحكومة وضباط من البحرية الوطنية بتفقد الوحدات البحرية الجزائرية التي دخلت الميناء ويتعلق الأمر بسفينتين، الأولى نسّافة Torpilleur والثانية لحفر السواحل Patrouilleur
صور حالية للقاعدة :
لقد أصبحت قاعدة مرسى الكبير ملكا للدولة الجزائرية، كم كانت فرحة و فخر الجماهير عظيمين في ذلك اليوم المشهود الذي يبقى راسخا في ذاكرة الشعب الجزائري، و هي تشهد إنزال العلم الفرنسي الذي حلت محله الراية الجزائرية شاهقة خفاقة فوق صرح استكملت به مسيرة نضال شعب في سبيل تحقيق السيادة الوطنية و الوحدة الترابية، بفضل الخيار السياسي الذي تبناه الشعب الجزائري، المتمثل في إصراره على التحرر من قيود و أغلال الاستعمار الذي بدأ من جلاميد بلدة أخرى هي سيدي فرج و تحقيق سيادته الوطنية و وحدته الترابية. لقد رأت محاسن الصدف أن يتم هذا الجلاء في ظروف سلمية، ليتم استخدامها بحكمة واقتدار كوسيلة قيادة لتكون دعما تقنيا و لوجيستيكيا و ردعيا في المنطقة و حشد طاقاتنا لبناء مستقبل بحريتنا الوطنية في مجال الصناعة و الاستراتيجيات البحرية تستجيب من خلالها لتطلعات و احتياجات قطاعاتنا الاقتصادية .
مقتطف من مذكرات الرئيس السابق الشاذلي بن جديد يتحدث فيها عن القاعدة و استرجاعها من الفرنسيين و هو الذي كان قائدا للناحية العسكرية الثانية ( الغرب الجزائري ) حيث تتواجد القاعدة :
استعادة مرسى الكبير
في شهر فيفري 1968، بعد وصول بومدين إلى سدة الحكم الذي قرر إعادة النظر في بعض بنود اتفاقية إيفيان، أشرفت على جلاء الجيش الفرنسي من قاعدة مرسى الكبير قبل انقضاء آجال الاتفاقية وهو إنجاز اعتز به كثيرا. فقد كنت شخصيا، اعتبر استقلال الجزائر منقوصا مالم نستعد هذه القاعدة الاستراتيجية، وما لم يخرج آخر جندي فرنسي من التراب الوطني. وفي نهاية 1970 استرجعت القوات الجوية الجزائرية قاعدة بوصفر، آخر موقع احتفظ به الجيش الفرنسي في الجزائر بموجب اتفاقيات إيفيان.
والحقيقة أنني لم أكن مدركا لحجم التنازلات التي قدّمها في إيفيان الوفد المفاوض لفرنسا إلا بعد تعييني على رأس الناحية الثانية. واقتنعت أيضا، أن المجاهدين ما كانوا ليضعوا السلاح في جويلية 1962، لو أنهم كانوا على علم بكل تفاصيل بنود إيفيان.
مرسى الكبير منطقة حساسة استراتيجيا، فهي قاعدة بحرية وميناء مضاد للسلاح النووي. كانت بمثابة دولة داخل دولة، وكنا نجهل ما يحدث بداخلها. فقد أجرّت الجزائر هذه القاعدة لفرنسا لمدة 15 سنة ابتداء من الاستفتاء على تقرير المصير مع إمكانية تجديد الإيجار باتفاق الطرفين. ورغم أن فرنسا تعترف بالطابع الجزائري لهذه القاعدة إلا أنها حصلت على امتيازات وتنازلات كبيرة منها تعهد الجزائر بوضع أماكن وتسهيلات لفرنسا ضرورية لحسن سير القاعدة، ومنها الاستفادة من خدمات المطارات القريبة من القاعدة. وتعترف الجزائر بحق فرنسا في استعمال أرضية القاعدة وأنفاقها ومياهها الإقليمية والمجال الجوي، كما خوّلت الاتفاقية لفرنسا كل السلطات، فيما يخص مسائل الدفاع والأمن حفظ الأمن في حدود القاعدة. كانوا يسيطرون على المنطقة كلّها حتى عين الترك، وكان يمنع على جنودنا الدخول إلى هذه المنطقة.
كلّفني الرئيس هواري بومدين بالتفاوض مع الجيش الفرنسي للبحث عن إجراءات سريعة لخروج الفرنسيين من قاعدة مرسى الكبير قبل انقضاء آجال الاتفاق.
قبل أن أتطرق إلى المفاوضات يجدر بي أن أذكر بأن الفرنسيين شرعوا دون علمنا في بناء تحصينات دفاعية لحماية مرسى الكبير من أي هجوم محتمل. وتبدأ هذه التحصينات من مرجاجو (بوصفر)، وتمتد حتى سانتا كروز، لتطل على وهران. ومعنى ذلك أن الجيش الفرنسي إما أنه يتوقع هجوما محتملا من الجزائريين، وإما أنه كان يخطط للبقاء في القاعدة حتى بعد انتهاء أجال الاتفاقية.
كان الفرنسيون قد استلهموا دروس عملية "كاتابيلت" حين دمّرت البحرية الأمريكية في سنة 1940 أسطولهم في مرسى الكبير، كما درسوا تجربة الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. فعملية "طورش" التي قادها الجنرال إيزنهاور، لم تدم سوى ثلاثة أيام. في البداية أراد الحلفاء الدخول من مرسى الكبير معتقدين أنه تابع للحلفاء، لكنهم فوجئوا بقوات الماريشال بيتان تطلق النار عليهم. فاضطروا إلى إنزال قواتهم في الأندلس حيث المركب السياحي اليوم. في ذلك الوقت كان يوجد هناك رصيف إنزال ساعدهم على النزول في الشاطىء بدباباتهم وشاحناتهم. ثم صعدوا نحو مرجاجو، وشرعوا في قنبلة جنود الماريشال بيتان من أعلى، هكذا احتلت إذن قاعدة مرسى الكبير في الحرب العالمية الثانية. استخلص الفرنسيون الدرس، وفكروا أنه إذا حاول الجزائريون استعادة القاعدة، فإنهم سيلجؤون حتما إلى الطريقة نفسها.
كنت على صلة مستمرة بالجنرال قائد القاعدة. وعندما علمت أنهم شرعوا في بناء هذه التحصينات طلبت لقاءه. كان ديغوليا، يتمتع بحسّ رفيع في الشرف العسكري.
قال لي بصراحة اندهشت لها حين سألته عن سبب بناء هذه التحصينات: "وصلتنا أخبار تقول إنكم تستعدون لمهاجمتنا، ولهذا شرعنا في اتخاذ الاحتياطات الضرورية للدفاع عن أنفسنا".
قلت له: "لا توجد حجة تدفعنا إلى استعمال القوة، نحن موقّعون على اتفاقيات ايفيان، وهي واضحة في هذا الشأن". ثم أضفت: "أنا أطمئنك باسم وزارة الدفاع الوطني أنه ليس في نيّتنا مهاجمتكم". وعدني بتوقيف بناء التحصينات، وأقسم لي بشرفه العسكري. هكذا توقّفت الأشغال.
أثناء اللقاء قلت له إن اتفاقيات إيفيان على وشك الانتهاء، وطلبت منه أن يسمح لبعض ضباطنا الشباب من البحرية الوطنية بإجراء دورات تدريبية وتكوينية لضمان السير الحسن للقاعدة بعد الجلاء. وطلبت أيضا أن يتركوا لنا العتاد الموجود بها. وشرعنا في مفاوضات عسيرة معهم. فوافقوا على تكوين 50 ضابطا، وعلى التنازل على عتاد قيمته 15 مليار سنتيم في ذلك الوقت بمليار فقط. وأعتقد أن الجنرال ديغول هو الذي وافق على هذا المبلغ. أرسلت تقريرا مفصلا بذلك إلى وزير الدفاع الذي كان يتابع عن كثب المفاوضات. وسارت الأمور على ما يرام.
وفي مساء 31 جانفي نظّم حفل نزلت خلاله الألوان الفرنسية. وفي أول فيفري تم رسميا استعادة القاعدة. ولأول مرة يرفرف العلم الوطني ويعزف النشيد الوطني في القاعدة بعد 138 سنة من الاحتلال.
يوم الجلاء دعاني قائد القاعدة الجديدة فارنر ليسلّم لي المفاتيح إلى حفل استقبال. وأقيمت المأدبة فوق ظهر باخرة راسية بالقاعدة كانت البوارج الأخرى قد غادرت القاعدة. وشارك في الحفل الجنرال قائد القاعدة وقيادته العامة، وحضر كذلك السفير الفرنسي وحرمه، جئت أنا وأعضاء قيادة أركان الناحية. أثناء الحفل أخذت زوجة السفير قائمة الأكل، وطلبت من الجنرال أن يكتب لها كلمة بتوقيعه. لاحظت أن وجه الجنرال أحمّر واغرورقت عيناه بالدموع. طلب مني الإذن بالخروج مرة أخرى إلى الأرض الجزائرية. ثم توادعنا، قبل أن تبحر الباخرة مطلقة قذائف وداع في عرض البحر. وقمت رفقة هواري بومدين وأعضاء من مجلس الثورة والحكومة وضباط من البحرية الوطنية بتفقد الوحدات البحرية الجزائرية التي دخلت الميناء ويتعلق الأمر بسفينتين، الأولى نسّافة Torpilleur والثانية لحفر السواحل Patrouilleur
صور لعملية بناء القاعدة :
صور عن طريق الساتل :
تعليق