لا شك أن قرار بعض الدول السنية – وعلى رأسهم المملكة السعودية - مواجهة المشروع الصفوي - الذي استفحل وتغول في المنطقة منذ سنوات - لم يكن دون تكاليف في الأنفس والأموال ..... ولكنها على كل حال لا تقارن بالتكاليف والخسائر التي كان من الممكن أن تتكبدها الدول السنية لو لم تتحرك في الوقت المناسب لإيقاف أخطر مشروع يهدد وجودها وهويتها وأمنها واستقرارها, بل ويهدد مقدسات المسلمين الموجودة في كل من مكة والمدينة المنورة .
نعم ....لقد تسلل الرافضة إلى كثير من دول أهل السنة في المنطقة خلال العقد الأخير من الألفية الثانية والعقد الأول من الألفية الثالثة , واستغلوا ميل أهلها للسلام والتعايش مع الآخرين لنشر التشيع وإيجاد موطئ قدم في دول الجوار , متسترين بعقيدة التقية تارة , وبشعارات كاذبة مخادعة من أمثال المقاومة والممانعة تارة أخرى....حتى إذا حانت الفرصة واكتملت عناصر المشروع الصفوي الخبيث , كشف الرافضة عن وجههم الحقيقي القبيح , وراحوا يعيثون في الدول العربية السنية المجاورة فسادا وإفسادا .....
ولعل أولى بوادر المواجهة السنية الفعلية مع المشروع الصفوي كانت في البحرين , حيث حاول ملالي طهران العبث بهوية هذا البلد الخليجي السني , واستغلال ما يسمى "بالربيع العربي" للهيمنة على هذا البلد وإلحاقه بإحدى محافظات الامبراطورية الفارسية الحالمة , فما كان من دول مجلس التعاون الخليجي إلا أن عرقلت مخططات الرافضة وأفشلت تحركهم الانقلابي هناك , بإرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين .
والحقيقة أنه لولا هذه المواجهة السنية لأطماع طهران في البحرين حينئذ لكان من الممكن أن تكون تلك الدولة السنية الأصيلة ضمن الهيمنة الرافضية , الأمر الذي يثبت أن التدخل العسكري لمواجهة المشروع الصفوي كان صائبا وأقل تكلفة من الانجرار وراء خداع وخبث ما يسمى الحوار مع الرافضة .
وعلى الرغم من أن فترة الانخداع السني بتقية الرافضة وشعارتها الكاذبة كانت طويلة نوعا ما , كما أن قرار بعض الدول السنية مواجهة المشروع الصفوي جاء متأخرا..... إلا أن ثماره و أُكله قد ظهرت ليس في البحرين فحسب , بل في كل من اليمن وسورية على وجه الخصوص بشكل أجلى وأوضح :
1- أما في اليمن فإنه لولا التدخل الجريء من التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية بعد التغول الحوثي على البلاد , والانقلاب على الشرعية الذي قاموا به بالتنسيق مع المخلوع صالح .... فلربما كنا نتحدث اليوم عن لبنان آخر يهيمن فيه أزلام طهران - الحوثيون هذه المرة - على قرار البلد السياسي , تماما كما يهيمن حزب الله الإيراني على قرار لبنان .
بل يمكن القول بأنه لولا دعم عاصفة الحزم وإعادة الأمل للشعب اليمني السني المقاوم , لما كان بالإمكان انتزاع معظم المدن اليمنية من قبضة الحوثي و صالح , ولما كان متوقعا سماع إقرار المخلوع صالح بالهزيمة أخيرا , وإعلانه بشكل أو بآخر الاستسلام و استجداء طوق النجاة من المملكة السعودية في اللقاء المتلفز مع قناة الميادين أمس الثلاثاء .
لقد ظهرت أمارات الاضطراب وعلامات الهزيمة والاستسلام على وجه صالح ولسانه في ذلك اللقاء المتلفز , فقد بدا بحالة نفسية متعبة يائسة , كما أنه أظهر استسلامه بتعهده للسعودية بتنفيذ ما تطلبه منه , وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 , والالتزام بسحب المليشيات من العاصمة والمدن ....بل واستعداده للمثول أمام محكمة دولية !!
أما عبد الملك الحوثي فلم يكن أحسن حالا من صالح في كلمته المطولة التي بثتها قناة المسيرة بالأمس أيضا , فقد بدا في حالة هذيان من وطأة اقتراب المقاومة الشعبية والجيش الوطني اليمني المدعوم من قوات التحالف من أبواب صنعاء التي يتحصن بها , ويظهر ذلك الهذيان من حجم الاتهامات الكاذبة المضحكة التي كالها للمملكة السعودية , والتي لا تعبر في الحقيقة إلا عن مدى حنقه ومرارة هزيمته التي ذاقها من طائرات المملكة في السماء وقواتها ومدرعاتها على الأرض .
2- وأما في سورية فإن ثمرات المواجهة السنية للمشروع الصفوي تتجلى في أكثر من مظهر :
أولها : أن تلك المواجهة قد كشفت حقيقة الرافضة بعد خداع طويل انطلى على كثير من أهل السنة , وأماطت اللثام عن العدو الأكثر حقدا وتربصا بأهل السنة من اليهود والصليبيين , ولعل ما ارتكبوه مع الأقلية النصيرية في سورية من جرائم وحشية لم يشهد التاريخ لها مثيلا خير برهان على شدة عداوتهم وبغضهم لأهل السنة .
وثانيها : أن قرار مواجهة المشروع الصفوي في سورية من خلال دعم بعض الدول السنية المادي والعسكري للثوار على الأرض – وإن لم يكن بالشكل الأمثل المطلوب ميدانيا لحسم المعركة لاعتبارات إقليمية ودولية - أفشل أهم دعائم وركائز المشروع الصفوي في المنطقة , المتمثل في الهيمنة الرافضية على سورية أو الإبقاء على عمليهم فيها - طاغية الشام - .
ويظهر الفشل الذريع للمشروع الصفوي في سورية باضطرار كل من طهران والطاغية بالاستغاثة بالدب الروسي لإنقاذ الموقف وإيقاف الهزائم المتتالية التي منيت بها قوات الطاغية والمليشيات الرافضية , والتي يخشى مع استمرارها من سقوط النظام بأية لحظة .
ولعل مقتل أعلى قائد في الحرس الثوري الإيراني بسورية حسين همداني منذ أيام , بالإضافة لخبر مقتل كل من : فرشاد حسني زادة القائد السابق لفيلق "صابرين" التابع للحرس الثوري , و حميد مختار بند المعروف باسم : "أبو زهراء" من قادة الحرس الثوري في محافظة الأهواز العربية , ناهيك عن مقتل القيادي الميداني البارز في حزب الله اللبناني حسن حسين الحاج الملقب "أبو إقليم" يوم السبت الماضي , وكذلك القيادي مهدي حسن عبيد ..... وغيرهم كثير ...خير شاهد على عدم نجاح المشروع الصفوي بسبب المواجهة السنية .
وتبقى الثمرة الأهم المنتظرة لهذه المواجهة في عودة المسلمين إلى دينهم عودة حميدة , ويقينهم في أن أعداءهم قد وضعوهم في سلة واحدة , وأنه لا نجاة لهم من المشروع الصفوي المدعوم صهيونيا وغربيا إلا بوحدة الصف واجتماع الكلمة .