لا شك أن جيش تركيا يعد من أكبر الجيوش في العالم وهو الأكبر والأقوى بين جيوش الدول الإسلامية من حيث التدريب والتسليح, واستفاد كثيرا في ذلك من انضمامه لحلف شمال الأطلسي...
وازدادت قوة الجيش التركي مع تصاعد النمو الاقتصادي في البلاد منذ قدوم حكومة حزب العدالة والتنمية للحكم حيث ارتكنت قوة الجيش على قوة الاقتصاد فأصبحت تركيا قوة مخيفة للغرب..
أضف لذلك وجود حكومة تركية ذات جذور إسلامية منذ 13 عاما تقريبا أظهرت بوضوح حرصها على قضايا المسلمين حول العالم ولم تغلق على ذاتها كما فعلت كثير من الدول الإسلامية...حرص أنقرة على أمنها وقوتها وعلى قضايا المسلمين من ميانمار لآسيا الوسطى لفلسطين أدى إلى توتر وقلق بالغ في البيت الأبيض الذي أظهر رد فعل شبه مرحب بالانقلاب الفاشل لذي شهدته تركيا في الصيف الماضي والذي أسفر عن تزايد قوة حزب العدالة في الحكم وتمكنه من تطهير الخلايا النائمة في الجيش والشرطة وبقية مؤسسات الدولة...الخلاف بين أنقرة وواشنطن طفا على السطح بعد الانقلاب حيث ترفض أمريكا حتى الآن تسليم فتح الله جولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل والذي تحتضنه أمريكا منذ سنوات وهو ما يشكل الكثير من علامات الاستفهام...
ولكن هذه القضية ليست وحدها التي تشكل خلافا بين الطرفين فتركيا تتهم أمريكا بتهديد أمنها بدعمها للمسلحين الأكراد في سوريا الذين يعدون امتدادا لحزب العمال الانفصالي في تركيا المصنف على قائمة "الإرهاب" الأمريكية وهو ما يثير دهشة أنقرة...كما أن تركيا ترى أن موقف واشنطن المتخاذل من نظام بشار الأسد أحد أسباب طغيانه واستمرار قتله للمدنيين دون رادع, كما أنها تستنكر موقف واشنطن من حكومة العبادي الطائفية في العراق التي تترك المليشيات الشيعية تقتل السنة في الفلوجة ثم توافق على مشاركة نفس المليشيات معها في معركة الموصل ورفضها التام مشاركة قوات تركية في المعركة...
تركيا أفصحت بوضوح عن رفضها للتعهدات الأمريكية والعراقية بشأن معركة الموصل ولوحت بالتدخل البري شمال العراق حتى لو رفضت بغداد.. فقد هدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده لن تتردد في القيام بعملية عسكرية في شمال العراق في حال حصول "تهديد إرهابي مباشر" على الأراضي التركية، بما في ذلك "العملية البرية"...وقال الوزير: "في حال نشوء تهديد ضد تركيا سنستخدم جميع إمكاناتنا بما فيها إطلاق عملية برية"... وحول دعم الولايات المتحدة الأميركي لتنظيم "PYD " في سوريا قال الوزير: "أبلغنا الولايات المتحدة أكثر من مرة أن تعاونها مع " PYD " يعني دعما للإرهاب". في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا....هذه التصريحات تؤكد أن أنقرة لن تفسح الطريق أمام المخطط الأمريكي في المنطقة والرامي لتفتيتها وتسليمها للحلف الشيعي الذي تقوده طهران...
وقد أشارت إلى ذلك صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عندما أكدت أن تركيا تقوض الأهداف الأمريكية بالعراق بإصرارها على لعب دور في القتال بالموصل...وأوضحت الصحيفة أن الدبلوماسيين الأمريكيين حاولوا احتواء الأزمة لنحو عام وشجعوا الأتراك على الانضمام للقتال لكن تحت مظلة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة...وأضافت، أن تركيا أبقت على قواتها في بعشيقة العراقية، ووفقا لمسؤول بالخارجية الأمريكية طلب عدم الإفصاح عن هويته، فإن أنقرة لديها من 600 إلى 800 عسكري في بعشيقة مسلحين بدبابات ومدفعية..
وأفادت الصحيفة بأن تركيا لديها عدد من الأسباب الإستراتيجية للإبقاء على تواجدها العسكري شمال العراق كالتصدي لحزب العمال الكردستاني وحماية التركمان والعرب السنة والتصدي للتواجد الإيراني الشيعي الذي يهيمن على العراق ويتحكم في عدد من الميليشيات...وذكرت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد استعادة النفوذ التركي في المنطقة، ليس فقط في العراق وإنما في سوريا أيضا، حيث تدخلت بلاده عسكريا هناك في أغسطس الماضي....
هذه الإرهاصات تشير إلى قوة إسلامية عسكرية ترتكن لقوة اقتصادية تحاول كسر المخطط الأمريكي وهي تحتاج في ذلك لدعم من جميع الدول الإسلامية والعربية لتحقيق الهدف المنشود قبل فوات الأوان.