هل يعنينا-نحن المسلمين- أن يفوز دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون بمنصب الرئيس في أمريكا؟
***
أكتب هذه السطور قبل ساعات قليلة من إعلان اسم المرشح الفائز بمنصب رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة، في خطوة متعمدة، لاستكشاف الفروق بين ترامب وكلينتون، وهي فروق يضخمها المفتونون بأمريكا تبعاً لإعلامها ذو التأثير الواسع، لكنها عند التمحيص تتضاءل وخاصة في ما يتصل بالسياسة الخارجية لواشنطن إزاء العالم الإسلامي والبؤر الملتهبة منه بصفة أكثر تحديداً.
من يصنع القرار
من الناحية الشكلية، يعتبر منصب الرئيس في النظام السياسي الأمريكي منصباً رفيعاً وحاسماً، بالنظر إلى أنه نظام رئاسي –لا يوجد فيه منصب رئيس الحكومة- ولدى الرئيس صلاحيات كبيرة، بالرغم من بعض القيود التي يضعها الكونغرس، فساكن البيت الأبيض يتمتع بحق النقض "الفيتو" على قرارات الكونغرس، الذي يستطيع تجاوز فيتو الرئاسة إذا أعاد التصويت وحصل قراره السابق بأغلبية الثلثين، وهي حالة شهدناها أواخر شهر سبتمبر/أيلول في مبارة عناد بين أوباما والكونغرس حول قانون جاستا الذي يسمح بمقاضاة الدول الأخرى بتهمة رعاية الإرهاب فوق الأراضي الأمريكية!!
ومن يتعمق في خلفيات صنع القرار الأمريكي ورسم الإستراتيجيات، يدرك أن الرئيس لا يتجاوز أسلوبه في التنفيذ والإخراج وطريقته في مخاطبة الرأي العام المحلي أو العالمي.
فهناك مؤسسات من نوع ما، تحدد الأولويات وترسم الخطوط العريضة، لكنها تشرك في ذلك المؤسسات الدستورية تشريعية وتنفيذية وقضائية. وكان زبيغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر للأمن القومي ، قد سماها " الـمُجَمَّع الصناعي العسكري".. وهي عبارة عن تكثيف للعناصر القوية في الطبقة المهيمنة على المجتمع والتي يُرْمَزُ لها بـ: " الواسب" WASP) (أي الحرف الأول من : White Anglo-Saxon Protestant وتعني: أبيض بروتستانتي من أصول أنغلوسكسونية.
حتى إن الرئيس ذي الدور المهم ولكن غير المتفرد لا يأتي عملياً إلا من الواسب، ما عدا استثناءين هما جون كيندي الكاثوليكي لا البروتستانتي ( 1917-1963 وقد حكم البلاد ثلاث سنوات ولقي مصرعه في اغتيال ما زال الغموض يكتنفه حتى الآن) وباراك أوباما الأسود لا الأبيض.
شهاب الدين شر من أخيه
اختلفت الحملة الانتخابية بين ترامب وكلينتون عن سائر ما سبقها، بأنها كانت فضائحية محضاً، فترامب ذو سجل أسود في علاقاته الجنسية المتهتكة بالإضافة إلى تهربه "القانوني" من الضرائب، بينما فضائح هيلاري تتصل بإساءة التصرف خلال ممارستها مسؤولياتها الرسمية، ولا سيما عندما شغلت منصب وزيرة الخارجية في الفترة الأولى من حكم أوباما.
إذا فازت كلينتون فسوف تكون نسخة "محسنة" من أوباما لا أكثر، وذلك بالرغم من تقديمها في صورة المعترضة على سياساته إزاء المحنة السورية وعموم منطقة " الشرق الأوسط" –بحسب التسمية الاستشراقية الأمريكية.
وستكون أولوياتها : الحرص الشديد على أمن الكيان الصهيوني، ومتابعة مسرحية الملف النووي الإيراني وبخاصة أنها كانت من صانعيها المبكرين عندما كانت على هرم الدبلوماسية الأمريكية.
قد تختلف صورة واشنطن في عهدها من حيث الشكل، فتأخذ مسافة محدودة عن ملالي قم، وقد تستجيب لرجاءات تركيا بإنشاء منطقة آمنة للاجئين السوريين في شمال بلادهم المحتلة.
فاستقالة كلينتون من الخارجية قبل أربع سنوات لم تكن احتجاجاً منها على مشاركة رئيسها في رعاية جرائم خامنئي وبوتن وبشار الأسد، وإنما كانت تحضيراً مبكراً لمعركتها الانتخابية هذه، لئلا تتحمل أوزار إدارة أوباما وسياساته الخارجية التي تثير الجدل في الداخل الأمريكي.
وأما ترامب الهائج على اللعبة النمطية فسوف يصبح نسخة مشوهة من بوش الابن أو رونالد ريغان من قبل، لكن " المؤسسات " ستضبطه وتضبطه ضمن حدوده التي ترسمها له تلك المؤسسات، وستحيطه بنخبة من المستشارين الذين يصبحون هم صانعي الجزء المخصص له من القرار..
الانقسام يتجدد
في جميع الأحوال، أقرأ هذه الانتخابات على أنها ترسيخ لشرخ عمودي عميق في المجتمع الأمريكي، وليس كخلاف انتخابي عابر يزول عادة بعد أيام..
فللمرة الأولى أطلت نذر الانقسام داخل الحزب الواحد، ولا سيما في الحزب الجمهوري الذي تورط بترشيح ترامب، الذي اجتذب الصقور في الجماهير فاضطر حزبه إلى تبنيه كارهاً مُكرهاً.
وخطاب ترامب الزاعق خطاب عنصري تقسيمي لكنه يحظى بشعبية لدى البِيض!! وتأثيره سيكون كارثياً حيث لم يمضِ وقت طويل على تجاوز أمريكا لشروخها المزمنة(قانون الحقوق المدنية صدر سنة 1964 فقط بعد تضحيات هائلة ضد التمييز العنصري!!)..وكأن الواسب نادمون على الفرصة التي منحوها لأوباما كأول ملون يصل إلى البيت الأبيض، مثلما ندم آباؤهم على فرصة جون كينيدي كأول رئيس غير بروتستانتي!!
***
أكتب هذه السطور قبل ساعات قليلة من إعلان اسم المرشح الفائز بمنصب رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة، في خطوة متعمدة، لاستكشاف الفروق بين ترامب وكلينتون، وهي فروق يضخمها المفتونون بأمريكا تبعاً لإعلامها ذو التأثير الواسع، لكنها عند التمحيص تتضاءل وخاصة في ما يتصل بالسياسة الخارجية لواشنطن إزاء العالم الإسلامي والبؤر الملتهبة منه بصفة أكثر تحديداً.
من يصنع القرار
من الناحية الشكلية، يعتبر منصب الرئيس في النظام السياسي الأمريكي منصباً رفيعاً وحاسماً، بالنظر إلى أنه نظام رئاسي –لا يوجد فيه منصب رئيس الحكومة- ولدى الرئيس صلاحيات كبيرة، بالرغم من بعض القيود التي يضعها الكونغرس، فساكن البيت الأبيض يتمتع بحق النقض "الفيتو" على قرارات الكونغرس، الذي يستطيع تجاوز فيتو الرئاسة إذا أعاد التصويت وحصل قراره السابق بأغلبية الثلثين، وهي حالة شهدناها أواخر شهر سبتمبر/أيلول في مبارة عناد بين أوباما والكونغرس حول قانون جاستا الذي يسمح بمقاضاة الدول الأخرى بتهمة رعاية الإرهاب فوق الأراضي الأمريكية!!
ومن يتعمق في خلفيات صنع القرار الأمريكي ورسم الإستراتيجيات، يدرك أن الرئيس لا يتجاوز أسلوبه في التنفيذ والإخراج وطريقته في مخاطبة الرأي العام المحلي أو العالمي.
فهناك مؤسسات من نوع ما، تحدد الأولويات وترسم الخطوط العريضة، لكنها تشرك في ذلك المؤسسات الدستورية تشريعية وتنفيذية وقضائية. وكان زبيغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر للأمن القومي ، قد سماها " الـمُجَمَّع الصناعي العسكري".. وهي عبارة عن تكثيف للعناصر القوية في الطبقة المهيمنة على المجتمع والتي يُرْمَزُ لها بـ: " الواسب" WASP) (أي الحرف الأول من : White Anglo-Saxon Protestant وتعني: أبيض بروتستانتي من أصول أنغلوسكسونية.
حتى إن الرئيس ذي الدور المهم ولكن غير المتفرد لا يأتي عملياً إلا من الواسب، ما عدا استثناءين هما جون كيندي الكاثوليكي لا البروتستانتي ( 1917-1963 وقد حكم البلاد ثلاث سنوات ولقي مصرعه في اغتيال ما زال الغموض يكتنفه حتى الآن) وباراك أوباما الأسود لا الأبيض.
شهاب الدين شر من أخيه
اختلفت الحملة الانتخابية بين ترامب وكلينتون عن سائر ما سبقها، بأنها كانت فضائحية محضاً، فترامب ذو سجل أسود في علاقاته الجنسية المتهتكة بالإضافة إلى تهربه "القانوني" من الضرائب، بينما فضائح هيلاري تتصل بإساءة التصرف خلال ممارستها مسؤولياتها الرسمية، ولا سيما عندما شغلت منصب وزيرة الخارجية في الفترة الأولى من حكم أوباما.
إذا فازت كلينتون فسوف تكون نسخة "محسنة" من أوباما لا أكثر، وذلك بالرغم من تقديمها في صورة المعترضة على سياساته إزاء المحنة السورية وعموم منطقة " الشرق الأوسط" –بحسب التسمية الاستشراقية الأمريكية.
وستكون أولوياتها : الحرص الشديد على أمن الكيان الصهيوني، ومتابعة مسرحية الملف النووي الإيراني وبخاصة أنها كانت من صانعيها المبكرين عندما كانت على هرم الدبلوماسية الأمريكية.
قد تختلف صورة واشنطن في عهدها من حيث الشكل، فتأخذ مسافة محدودة عن ملالي قم، وقد تستجيب لرجاءات تركيا بإنشاء منطقة آمنة للاجئين السوريين في شمال بلادهم المحتلة.
فاستقالة كلينتون من الخارجية قبل أربع سنوات لم تكن احتجاجاً منها على مشاركة رئيسها في رعاية جرائم خامنئي وبوتن وبشار الأسد، وإنما كانت تحضيراً مبكراً لمعركتها الانتخابية هذه، لئلا تتحمل أوزار إدارة أوباما وسياساته الخارجية التي تثير الجدل في الداخل الأمريكي.
وأما ترامب الهائج على اللعبة النمطية فسوف يصبح نسخة مشوهة من بوش الابن أو رونالد ريغان من قبل، لكن " المؤسسات " ستضبطه وتضبطه ضمن حدوده التي ترسمها له تلك المؤسسات، وستحيطه بنخبة من المستشارين الذين يصبحون هم صانعي الجزء المخصص له من القرار..
الانقسام يتجدد
في جميع الأحوال، أقرأ هذه الانتخابات على أنها ترسيخ لشرخ عمودي عميق في المجتمع الأمريكي، وليس كخلاف انتخابي عابر يزول عادة بعد أيام..
فللمرة الأولى أطلت نذر الانقسام داخل الحزب الواحد، ولا سيما في الحزب الجمهوري الذي تورط بترشيح ترامب، الذي اجتذب الصقور في الجماهير فاضطر حزبه إلى تبنيه كارهاً مُكرهاً.
وخطاب ترامب الزاعق خطاب عنصري تقسيمي لكنه يحظى بشعبية لدى البِيض!! وتأثيره سيكون كارثياً حيث لم يمضِ وقت طويل على تجاوز أمريكا لشروخها المزمنة(قانون الحقوق المدنية صدر سنة 1964 فقط بعد تضحيات هائلة ضد التمييز العنصري!!)..وكأن الواسب نادمون على الفرصة التي منحوها لأوباما كأول ملون يصل إلى البيت الأبيض، مثلما ندم آباؤهم على فرصة جون كينيدي كأول رئيس غير بروتستانتي!!