يكاد يجمع العقلاء اليوم على أن داعش في سوريا تمارس دوراً خطيراً ضد مصالح الشعب السوري الثائر، تحت شعار الثورة والجهاد، ولكنها في الحقيقة تقدم أكبر الخدمات لإنقاذ نظام بشار الأسد وتعويمه. وهذا التيقظ للدور الخبيث الذي تمارسه داعش بالإساءة للثورة السورية عبر إشعال الصراعات الداخلية في صفوف الثوار بحجة عدم انصياعهم لحكم البغدادي (الخليفة) المجهول، والإساءة للإسلام نفسه عبر تبنى مفاهيم وسلوكيات منحرفة نابعة من جهل مركب أو خبث مقصود. وليست داعش هي بداية كارثة التطرف والغلو على مسيرة الدعوة الإسلامية، كلا فمنذ مقتل الشيخ الذهبي سنة 1977 والذي خطف من قبل تنظيم شكرى مصطفى والذي عرف إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة، ودوامة العنف والتطرف تضرب مسيرة الدعوة والعمل الإسلامي وتجلب له الكوارث والمصائب، وكل ذلك باسم الإسلام والجهاد، وللأسف أن هناك كثير من الشباب الصادق ينجذب للجماعات العنف والتطرف والتي ترف رايات الجهاد والتضحية، وذلك نقمة على الظلم والطغيان الذي يعيشه من جهة، وبسبب الجهل والعاطفة من جهة أخرى. وقد شهدت مسيرة العنف والتطرف ظهور جماعات كثيرة وفي بلاد متعددة وبقيادات متنوعة، ولكنها أيضاَ شهدت ظاهرة اختراق عجيب جداً بحيث أصبحت هذه الجماعات الأداة المثالية لتمرير كثير من الأجندات السياسية المتناقضة مع مصلحة الدعوة والعمل الإسلامي. ولو حاولنا تخيل وضع العالم بدون داعش وأخواتها وكيف سيكون ؟ ومن الذي يخسر من غيابهم؟ فقد نستطيع معرفة سبب وجودهم، وسبب استعصاء القضاء عليهم ؟ ومن هو المستفيد الحقيقي من وجودهم ؟ فمثلاً اعترف كثير من ضباط الأمن الجزائري بأنهم كتموا ينفذون كثيراً من عمليات القتل في التسعينيات بالجزائر، وينسبونها إلى الجماعات الإسلامية المسلحة بقيادة عنتر زوابرى وامثاله، والذي استولى على القيادة بطريقة مريبة أصلاً، وتحت ستار هذه الجماعات والعمليات الأمنية تم إهمال إنقلاب الجيش على الديمقراطية في الجزائر، وبقي الجزائر على حاله، فماذا كان سيكون حال الجزائر لو لم ترعى هذه الجماعات، ولم يستغل الأمن والسلطات وجودها ؟ ومن الذي كان سيخسر من غيابها ؟ وبسبب تفجيرات القاعدة في أمريكا، تم القضاء على حكم طالبان، واحتلالها من الأمريكان، وضرب العمل الخيري الإسلامي، والتضييق على الدعوة الإسلامية، فمن اهي الجهة التي كانت ستخسر من غياب هذه التفجيرات ؟ وبسبب تفجيرات القاعدة في السعودية، تأزمت الأوضاع في السعودية، وهوجم العمل الإسلامي هناك، فمن هي الجهة التي كانت ستخسر لو غابت هذه التفجيرات ؟ وفي مصر كشفت ثورة 25 يناير عن تورط الأمن المصري في قضية تفجير كنيسة القديسين قبيل الثورة، والتي ألصقت بالسلفيين، ومات تحت التعذيب شاب سلفي يدعى سيد بلال! كما كشفت الثورة عن أن تفجيرات فنادق شرم الشيخ سنة 2005 كانت بتدبير من جمال مبارك واعوانه بسبب خلافه مع رجل الأعمال حسين سالم على عمولته في صفقة الغاز المصري !! فعهد لوزير الداخلية حبيب العادلي أن يقوم بتأديبه بتفجير فنادقه وتخريب موسم السياحة، وقد نفذ ذلك التنظيم السري لوزارة الداخلية !! وطبعاً ألصق ذلك بالجماعات الإسلامية المتطرفة، فلو غابت هذه الجماعات، هل كان يمكن توتير العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، مما يجعل المسيحيين يلجأون للدولة والنظام مهما كانت كوارث النظام ؟ ولو غابت هذه الجماعات هل كان يمكن لجمال مبارك تأديب خصومه بهذه الطريقة ؟ وأما داعش في سوريا، فلولا وجود داعش، لما استطاع بشار وإسرائيل أن يقنعا العالم أن الإرهاب خليفة بشار؟ ولولا داعش لما تمكن نظام بشار من النجاة من جريمة قتل شعبه بالأسلحة الكيماوية ! ولولا داعش لما تمكنت إيران التي تتدخل في سوريا وتقتل الشعب السوري، من مخاطبة الغرب والعالم، تعالوا نتحالف ضد الإرهاب ! فمن المستفيد من غياب داعش ؟ وبحجة أعمال القرصنة قرب باب المندب، أصبحت البوارج الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية تسرح وتمرح هناك لحماية سفنها ! فمن كان سيخسر لو أن عمليات القراصنة لم تتم ؟ وفي العراق بحجة محاربة القاعدة وداعش تتم حرب طائفية ضد مناطق السنة، ويقصى الساسة السنة، فمن هو الخاسر من غياب عمليات القاعدة وداعش؟ وبحجة عملياتهم تتم صفقات شراء الأسلحة وأجهزة كشف المتفجرات بالمليارات، وبسبب الشفافية المعدومة، يصبح المناخ ملائم تماماً للعمولات وممارسات الرشوة، فمن الخاسر من غياب هذه العمليات العبثية ؟ وأخيراً، لو غابت داعش وأخواتها من المنطقة، كيف كانت ستبرر إسرائيل سياساتها العدوانية تجاه غزة ؟ وكيف كانت أمريكا ستتبنى سياسة محاربة الإرهاب وإستخدام الطائرات في مهاجمة قياداتهم ؟ وكيف ستعمل مصانع الأسلحة هناك مع عدم وجود عدو ؟ لا شك أن هناك مجموعات إسلامية متطرفة تسلك مسار الغلو والعنف، لكنها أصبحت شماعة تعلق عليها كثير من العمليات القذرة التي تقوم بها أطراف أخرى، ومن جهة أخرى أصبح وجودها ضروري، إما لتمرير أجندات سياسية تحتاج وجود خصم متطرف غبي يشكل ساتر دخان على الانتهازية السياسية أو السياسات الطائفية، أو لتمرير صفقات مالية ضخمة بحجة مكافحة التطرف. أما علاج التطرف الحقيقي بتجفيف منابعه الفكرية بالنقاش والحوار العلمي والموضوعي، وفضح نتائجه الكارثية على مسار الدعوة والعمل الإسلامي بالوثائق والوقائع، فهذا غير مطلوب ولا مرغوب، لأنه يقضى على الدجاجة التي تبيض ذهباً للانتهازيين والفاسدين. للأسف برغم أن هذه الجماعات تزعم أنها قامت لتنصر الإسلام والمسلمين إلا أنها جلبت الكوارث والمصائب، فلا الإسلام نصروا ولا الكفر كسروا، وأصبحت معول هدم وتخريب، فلم يربح منها الإسلام والمسلمين، وإنما أصبحت نتائجها مكسباً صافياً لخصومها، والأمة أكبر الخاسرين !!
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
بغياب "داعش" وأخواتها من يخسر ؟
تقليص
X
سحابة الكلمات الدلالية
تقليص
ما الذي يحدث
تقليص
المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 182,482, 05-21-2024 الساعة 06:44.