هيكلة السياسة الإيرانية ترسم مسالك القرارات
شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
المصدر: صحيفة مكة
يحاول هذا التقرير اطلاع القارئ الكريم على التركيبة السياسية في إيران وبالتالي تساعد على فهم التوجهات السياسية هناك وأحيانا تناقضات التصريحات التي تصدر من عدد من المسئولين في طهران. يحاول التقرير أيضا شرح مفهوم "الإصلاح" والتوجهات الإصلاحية عند الحديث عن الحالة الإيرانية.
عند الحديث عن مراكز القوى السياسية والدينية في إيران فعلينا بداية أن نتطرق لقوى الشخصية الأولى في البلاد والسلطة التي يتحكم بها بشكل مباشر وغير مباشر. لا اتحدث عن رئيس الجمهورية ولكن عن القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، ولي الفقيه، والمرشد (رهبر) آية الله سيد علي خامنئي. يعتبر ولي الفقيه القوة المتحكمة في كافة مؤسسات الدولة في الجمهورية الإسلامية في إيران وهو صانع القرار الأول في البلاد، وقد أسس هذا النظام وكما يعلم الجميع على يد آية الله روح الله الخميني بُعيد انتصار ثورة 1979 مباشرة . من صلاحيات الولي الفقيه، اعلان الحرب ضد أو السلم مع الدول، تحريك الجيوش وعزل عدد من المسئولين مثل رئيس المحاكم، المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون، قائد الحرس الثوري والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الامن والاستخبارات وغير ذلك.
بداية دعونا نلقي نظرة على قائمة أهم المؤسسات التي يمسك بزمامها المرشد الأعلى بصورة مباشرة:
- السلطة القضائية
- مجلس الخبراء
- مجلس صيانة الدستور
- مجلس تشخيص مصلحة النظام
- خطباء الجمعة
- ممثلو المرشد في جميع المؤسسات الحكومية
- ممثلو المرشد في الأقاليم
- الإذاعة والتلفزيون
- لجنة الأمن القومي
- الحرس الثوري
- الجيش النظامي
- قوات الأمن
- رئيس المحكمة الخاصة لرجال الدين
- رئيس مؤسسة الشهداء
- رئيس مؤسسة الإمام الرضا
- رئيس مؤسسة المستضعفين
جميع قيادات ورؤساء ومدراء هذه المؤسسات الحكومية وغير الحكومية يتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى في إيران. إضافة إلى ذلك، فالمرشد الأعلى يمكنه اصدار أوامره لرئيس الجمهورية أو ينقض أي قرار لا يتوافق مع توجهه.
ماذا عن المجالس الأهم في إيران وما هو مدى ارتباط أعضاءها بالمرشد الأعلى وهل الأعضاء يتم تعيينهم أو منتخبون؟
الرئيس يتم انتخابه من الشعب ولكن قبل ذلك هناك جهة وهي مجلس صيانة الدستور، تشرف على اسماء المترشحين للانتخابات الرئاسية وتستبعد من تشاء وتبقي على الأسماء التي لا تمانع من دخولها المعترك الانتخابي. بعبارة أخرى، لا يدخل الانتخابات إلا من يتم تأييده من قبل هذا المجلس الذي يتم تعيين رئيسه ونصف أعضاءه من المرشد الأعلى كما سيتم توضيح ذلك بالتفصيل لاحقاً.
يتكون تشكيل النظام السياسي الايراني من مؤسسات مرتبطة ببعضها البعض ولكنها في تنافسية في الوقت ذاته، بعض القوى السياسية رسمية و الأخرى ليس لها أي صبغة رسمية من الناحية التنظيمية. تتكون القوى الرسمية من مؤسسات الدولة والمراكز الموازية وهي التكوينات الدينية الرقابية، المؤسسات الجمهورية و المراكز الدينية. بعبارة أخرى، هناك ثلاث نخب تشكل النظام الإيراني وتعرف اقربها إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله سيد علي خامنئي بـ "الهيئات الإشرافية الدينية"(الآخران هما المؤسسات الدينية و الجمهورية أو التنفيذية). تلعب هذه الهيئات الدور الأبرز في صنع القرار في الجهورية الإسلامية في إيران. تنقسم هذه النخب إلى مجموعتين رئيسيتين، إحداهما رسمية والأخرى غير رسمية. تتكون المجموعة الأولى من ثلاثة دوائر استشارية ولكن ليست على مستوى واحد بل أن بعضها تمارس صلاحيات على الأخرى:
أولاً: مجلس الخبراء ومن واجباته اختيار المرشد الأعلى في حالة وفاة الحالي، كما يستطيع من الناحية النظرية عزل المرشد إذا كان لا يقوم بمهامه على الوجه المطلوب إلا أن تطبيق هذا على أرض الواقع من المستبعد تقريباً. عدد أعضاءه 86 عضوا يتم انتخابهم من قبل الشعب ويجتمعون مرة واحدة كل عام.
ثانياً: مجلس صيانة الدستور ، ومن مهامه الإشراف على القرارات التي يقرها البرلمان ومدى توافقها مع الشريعة الإسلامية. يشرف المجلس ايضا على الانتخابات البرلمانية، كما يشرف على مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية ومن يتم ترشيحه للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. يتكون هذا المجلس من اثنا عشر عضوا، يقوم المرشد الأعلى بتعيين ستة أعضاء منهم من رجال الدين ويرشح رئيس البرلمان الإيراني (معين من قبل المرشد) الستة الآخرين وغالبا من المتخصصين في القانون. يحق للأعضاء الستة الذين يقوم المرشد بتعيينهم بالتدخل في القرارات ذات الصبغة القانونية ويجب أن يحصل أي رأي قانوني على نسبة 75% (من الجانبين الديني والقانوني) ليتم الأخذ به، بينما لا يحق للقانونيين التدخل في التوصيات ذات الصبغة الدينية التي تختص بالأعضاء المعينين.
ثالثاً: مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن وظائفه التنسيق بين البرلمان ومجلس الخبراء، كما يعمل كجهة استشارية للمرشد الأعلى. من مسئوليات المجلس ايضا اتخاذ القرار في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد. يتكون المجلس من 31 عضوا يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية. ويعين المرشد الأعلى للثورة أعضاء المجمع الدائمين والمتغيرين ما عدا رؤساء السلطات الثلاث فإنهم ينضمون إلى المجلس بشكل تلقائي.
الهيئات غير الرسمية:
إضافة إلى هذه المؤسسات الثلاث، هناك مؤسسات مهمة أخرى ولكنها غير رسمية و تلعب دوراً بارزاً في صنع القرار وبعضها مرتبط بالمرشد الأعلى بشكل مباشر وتمثل توجهاته السياسية خاصة الخارجية منها. من بين هذه المؤسسات مكتب ممثلي المرشد الأعلى وهم منتشرون في كافة المؤسسات الحكومية و الأكاديمية، مؤسسة خطباء الجمعة وكذلك المحكمة الخاصة لرجال الدين. جميع أعضاء هذه المؤسسات يتم اختيارهم من قبل المرشد الأعلى، كما أنه يعد المرجع الأول والمباشر لخطباء الجمعة وغالباً ما يعكس الخطباء وجهات نظره الشخصية فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية للبلاد دون الحاجة للرجوع إلى وزارة الخارجية أو رئيس الجمهورية. بشكل عام، تعتبر هذه المؤسسات أسلحة في يد المرشد الأعلى ولكن ليس لها وضع قانوني ومن مهامها صياغة أفكار المرشد وتوجهاته وأيضا التعبير عن وجهات نظره فيما يتعلق ببعض المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، داخلياً وخارجياً
يسيطر المرشد الأعلى وممثليه المحليين على المؤسسات الدينية وتسيطر هذه المؤسسات على أجزاء كبيرة من الاقتصاد ومكلفة بحماية الصبغة الإسلامية والمبادئ الثورية للجمهورية الإسلامية في إيران. في الوقت نفسه، هناك الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات مالية لذوي الدخل المنخفض وأسر الشهداء والسجناء السابقين من حرب، وسكان الريف، والمعوقين، وتعمل أحيانا بالتوازي مع مؤسسات حكومية رسمية. جميع هذه المؤسسات والهيئات تصبح جهات فاعلة ومحورية في الصراع على السلطة بين مختلف فصائل السياسية الايرانية التي لا تخرج بطبيعة الحال عن أسس ومبادئ الثورة والدائرة الصغيرة للنظام السياسي هناك كما سنوضح لاحقا. هذه الجهات تصبح فاعلة ليس فقط من حيث التعبئة الجماهيرية، التلقين الأيديولوجي، والقمع، ولكن تؤمن أيضا الموارد المالية للتيارات المحافظة. وهذا يجعلها لها ثقلا كبيرا ليس من الناحية الاقتصادية فقط ولكن أيضا في تشكيل الجهات الفاعلة في تشكيل السياسات المحلية في البلاد، وهذا يعني أن المؤسسة الدينية تملك سلطة قانونية مباشرة، أو غير مباشرة، تؤثر على عمل الحكومة، وتنفيذ توجهات سياسية معينة.
مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان):
مؤسسات الجمهورية وهي السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، و السلطة التشريعية. ينتخب الشعب الإيراني أعضاء البرلمان كل أربع سنوات. منذ وفاة الخميني، فقد تزايدت الأهمية السياسية للبرلمان بشكل كبير. يعمل البرلمان على صياغة مسودات التشريعات، ويبرم المعاهدات، يوافق على حالات الطوارئ، ويوافق على القروض والميزانية السنوية، ويمكنه عزل الرئيس و الوزراء من مناصبهم. رسميا، فإن الرئيس، نظرياً، هو ثاني أقوى عضو من النخبة السياسية الايرانية، بعد المرشد الأعلى وهو مسؤول عن السياسة الداخلية ولكن ليس السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي كما أن الرئيس لا يسيطر على القوات المسلحة. عملياً، يأتي الحرس الثوري في مركز أعلى وأقرب إلى المرشد الأعلى من رئيس الجمهورية وتسيطر هذه المؤسسة العسكرية على جزء كبير من مفاصل الاقتصاد الإيراني ويمتلك استثمارات كبيرة داخل إيران وخارجها.
ولأنه لا يوجد أحزاب سياسية معترف بها في ايران، فإن التشكيلات السياسية هي من تطرح الأفكار المختلفة حول السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسة الخارجية أيضا. في هذا الصدد هناك قوى غير رسمية تعمل إلى جانب هذه المؤسسات والمراكز الحكومية، وتتكون من ثلاثة مستويات رئيسية:
المستوى الأول:
هي نخبة الدائرة الداخلية وتتألف من أعلى رجال الدين و تهيمن هذه الدائرة الداخلية على مؤسسات الدولة التي لم يتم انتخاب أعضاءها من قبل الشعب ويتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى ولا يخضعون لسلطة الحكومة. أهم المؤسسات التي تهيمن عليها الدائرة الداخلية، نخبة هي المرشد الأعلى، ومجلس الخبراء؛ مجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ورؤساء تلك المؤسسات التي يشرف عليها المرشد الأعلى بشكل مباشر مثل رئيس السلطة القضائية، قائد الجيش النظامي، ورئيس الحرس الثوري الإيراني، ومجلس ممثلي المرشد الاعلى في كل مؤسسات الدولة الهامة وفي المحافظات، ورؤساء مختلف المؤسسات الدينية، والذي يتم أيضا تعيينهم من قبل المرشد الاعلى. وبالتالي فإن الدائرة الداخلية، هي دائرة نخبة النخبة إن صح التعبير.
المستوى الثاني:
نخبة السلطة الإدارية ، وتتألف من الإيرانيين الذين يشاركون في عملية صنع القرار السياسي، وتقديم النصيحة للقيادة أو تنفيذ القرارات السياسية. النخبة الإدارية تشكل تنوعا أكبر من الدائرة الداخلية من حيث التوجهات والأفكار السياسية والأيديولوجية ومعظم أعضاءها من موظفي الدولة المدنيين، وهو ما يمثل السلطة التنفيذية، والقضائية، والتشريعية.
المستوى الثالث:
يضم المستوى الثالث من هيكل السلطة غير الرسمية نخبة المفكرين، وهم أعضاء النخبة السياسية الذين يشاركون
في الحديث عن قضايا السياسة الداخلية والخارجية. تنتمي إلى هذه النخبة بعض أعضاء دائرة النخبة الداخلية، وأعضاء النخبة الإدارية ورجال الدين الذين هم خارج دائرة النخبة الداخلية، فضلا عن الأكاديميين والكتاب والصحافيين، وعددا من قادة المنظمات غير الحكومية.
نستطيع أن نلحص هذه المستويات الثلاثة بالقول أن القوى السياسية غير الرسمية لا تتكون فقط من تلك الشخصيات التي لها تأثير سياسي بسبب موقعها ومراكزها في المؤسسات الحكومية، ولكن من أولئك الأفراد الذين يؤثرون أو يحاولوا التأثير على النقاش والجدال السياسي في ايران. هنا يمكننا الإشارة إلى ثلاث قوى ذات صلة ببعضها البعض: نخبة الدائرة الداخلية، الإداريون، والنخبة المثقفة. هنا يمكن القول أن التنافس بين الفصائل السياسية المختلفة في ايران يؤثر بشكل مباشر على رسم التوجهات السياسية كما أنها تشكل في الوقت ذاته عقبة أمام رسم سياسة متناسقة ومترابطة على المستويين الداخلي والخارجي. بينما تعد معظم مؤسسات الدولة في ايران ضعيفة جدا بسبب قواعد وأسس ولاية الفقيه المسيطرة على كل شيء، نجد أن العلاقات الشخصية قوية ومتمكنة. لذا فإن النظام الرسمي لرسم السياسة غالبا ما يتم تجاهله أو الالتفاف عليه لصالح القوى الغير رسمية وبناء على الشبكات الشخصية وعلاقات القوة
النخبة السياسية ذات الصلة:
لا توجد أحزاب سياسية رسمية في إيران كما ذكرنا آنفاً، إلا أن هناك الفصائل السياسية التي تمثل مختلف السياسات والتوجهات الداخلية والخارجية. هذه المقاربات المختلفة لديها أيديولوجية وعنصر مادي. أولا، هناك وجهات نظر مختلفة بين الفصائل وفي داخلها حول ما إذا كان الفقه الإسلامي يجب أن يكون النظام القانوني الوحيد وهناك الفصيل المحافظ الذي لا يقبل سوى الفقه الإسلامي - مع تفسيرات متباينة – المكون الرئيسي للنظام القضائي في إيران. الفصيل الاصلاحي فصيل يعتبر الفقه الإسلامي غير كاف لمعالجة جميع القضايا الاجتماعية في إيران.
من الناحية الاقتصادية، نجد أن الفصائل الراديكالية تتمتع بدخل مالي كبير من مصادر دينية خارج البلاد وداخلها ولا تعتمد بشكل كبير على المصادر المالية الرسمية، على عكس الفصائل الاخرى التي تعتمد فقط على المصادر المالية الرسمية وأجزاء من الطبقة الوسطى، وشرائح من السكان مع ميول ليبرالية وعلمانية.
الاصلاحيون:
يطلق مصطلح "الثاني من خرداد" الذي يشير إلى ائتلاف ثمانية عشر مجموعة سياسية في إيران على الجبهة الإصلاحية هناك، ليس ذلك فحسب بل يطلق على شخصية كان من المؤيدين للبرنامج الإصلاحي الذي بدأه الرئيس الإيراني الأسبق سيد محمد خاتمي عند انتخابه في عام 1997م، ومن هنا جاء المصطلح وهو تاريخ فوز خاتمي في الانتخابات الرئاسية ويصادف ذلك 23 من مايو 1997م. لهذا البرنامج الإصلاحي توجهات تتمحور حول الفكر الحداثي والتسامح والمحاسبة والاستفادة من القوانين الوضعية إلى جانب الشريعة الإسلامية (وفقا للمنهج الشيعي الاثناء عشري)، ما عدا ذلك فهي لا تختلف كثيرا عن التيار المحافظ كما سنوضح أدناه. يدعم هذا التوجه عددا من أصحاب الفكر ورجال الدين وأساتذة الجامعات والطلاب ومجموعة صغيرة جدا داخل البرلمان الإيراني.
تعتبر الحركة الإصلاحية في إيران حركة مرتبطة بنظام ولي الفقيه وهي خارجة من رحم هذا النظام والخلافات بين الجانب الإصلاحي والراديكالي تتمحور حول نقاط ليست محورية في توجهات الجمهورية الإسلامية ولا تتناقض، في الغالب، مع الأسس التي بناء عليها الخميني إيران ما بعد الثورة. فعند النظر إلى قيادات الحركة الإصلاحية أو الحركة الخضراء، نجد أن جميع هذه القيادات سبق وتولت مناصب عليا في النظام الحاكم. فعلى سبيل المثال، نجد أن مير حسين موسوي، الزعيم الإصلاحي الذي خسر انتخابات 2009م أمام محمود أحمدي نجاد، سبق وتولى منصب رئيس الوزراء في إيران خلال الفترة بين 1981-1989. إضافة إلى موسوي، هناك أيضا مهدي كروبي الزعيم الاصلاحي الذي يقبع حاليا (كما هو الحال بالنسبة لموسوي) تحت الإقامة الحبرية وسبق وتقلد مناصب في الدولة من أهمها رئاسة البرلمان الإيراني مرتين خلال الفترة من 1989م إلى 1992م ثم من 2000م إلى 2004م. وكان أيضا ممثل آية الله الخميني في مواسم الحج مع بداية الثورة وكان يشرف بشكل مباشر على المظاهرات التي كان يقوم بها الحجاج الإيرانيون في موسم الحج. الأمر ذاته ينطبق على سيد محمد خاتمي الذي ترأس إيران لفترتين رئاسيتين خلال الأعوام بين 1997-2005م، وكذلك الرئيس الحالي الدكتور حسن روحاني وإن كان هناك من يعتبره محسوباً على الفصيل المعتدل وليس الإصلاحي، والفرق، في واقع الأمر، ضئيل جدا بين هذين الفصيلين السياسيين.
ثالثاً: مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن وظائفه التنسيق بين البرلمان ومجلس الخبراء، كما يعمل كجهة استشارية للمرشد الأعلى. من مسئوليات المجلس ايضا اتخاذ القرار في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد. يتكون المجلس من 31 عضوا يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية. ويعين المرشد الأعلى للثورة أعضاء المجمع الدائمين والمتغيرين ما عدا رؤساء السلطات الثلاث فإنهم ينضمون إلى المجلس بشكل تلقائي.
الهيئات غير الرسمية:
إضافة إلى هذه المؤسسات الثلاث، هناك مؤسسات مهمة أخرى ولكنها غير رسمية و تلعب دوراً بارزاً في صنع القرار وبعضها مرتبط بالمرشد الأعلى بشكل مباشر وتمثل توجهاته السياسية خاصة الخارجية منها. من بين هذه المؤسسات مكتب ممثلي المرشد الأعلى وهم منتشرون في كافة المؤسسات الحكومية و الأكاديمية، مؤسسة خطباء الجمعة وكذلك المحكمة الخاصة لرجال الدين. جميع أعضاء هذه المؤسسات يتم اختيارهم من قبل المرشد الأعلى، كما أنه يعد المرجع الأول والمباشر لخطباء الجمعة وغالباً ما يعكس الخطباء وجهات نظره الشخصية فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية للبلاد دون الحاجة للرجوع إلى وزارة الخارجية أو رئيس الجمهورية. بشكل عام، تعتبر هذه المؤسسات أسلحة في يد المرشد الأعلى ولكن ليس لها وضع قانوني ومن مهامها صياغة أفكار المرشد وتوجهاته وأيضا التعبير عن وجهات نظره فيما يتعلق ببعض المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، داخلياً وخارجياً
يسيطر المرشد الأعلى وممثليه المحليين على المؤسسات الدينية وتسيطر هذه المؤسسات على أجزاء كبيرة من الاقتصاد ومكلفة بحماية الصبغة الإسلامية والمبادئ الثورية للجمهورية الإسلامية في إيران. في الوقت نفسه، هناك الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات مالية لذوي الدخل المنخفض وأسر الشهداء والسجناء السابقين من حرب، وسكان الريف، والمعوقين، وتعمل أحيانا بالتوازي مع مؤسسات حكومية رسمية. جميع هذه المؤسسات والهيئات تصبح جهات فاعلة ومحورية في الصراع على السلطة بين مختلف فصائل السياسية الايرانية التي لا تخرج بطبيعة الحال عن أسس ومبادئ الثورة والدائرة الصغيرة للنظام السياسي هناك كما سنوضح لاحقا. هذه الجهات تصبح فاعلة ليس فقط من حيث التعبئة الجماهيرية، التلقين الأيديولوجي، والقمع، ولكن تؤمن أيضا الموارد المالية للتيارات المحافظة. وهذا يجعلها لها ثقلا كبيرا ليس من الناحية الاقتصادية فقط ولكن أيضا في تشكيل الجهات الفاعلة في تشكيل السياسات المحلية في البلاد، وهذا يعني أن المؤسسة الدينية تملك سلطة قانونية مباشرة، أو غير مباشرة، تؤثر على عمل الحكومة، وتنفيذ توجهات سياسية معينة.
مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان):
مؤسسات الجمهورية وهي السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، و السلطة التشريعية. ينتخب الشعب الإيراني أعضاء البرلمان كل أربع سنوات. منذ وفاة الخميني، فقد تزايدت الأهمية السياسية للبرلمان بشكل كبير. يعمل البرلمان على صياغة مسودات التشريعات، ويبرم المعاهدات، يوافق على حالات الطوارئ، ويوافق على القروض والميزانية السنوية، ويمكنه عزل الرئيس و الوزراء من مناصبهم. رسميا، فإن الرئيس، نظرياً، هو ثاني أقوى عضو من النخبة السياسية الايرانية، بعد المرشد الأعلى وهو مسؤول عن السياسة الداخلية ولكن ليس السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي كما أن الرئيس لا يسيطر على القوات المسلحة. عملياً، يأتي الحرس الثوري في مركز أعلى وأقرب إلى المرشد الأعلى من رئيس الجمهورية وتسيطر هذه المؤسسة العسكرية على جزء كبير من مفاصل الاقتصاد الإيراني ويمتلك استثمارات كبيرة داخل إيران وخارجها.
ولأنه لا يوجد أحزاب سياسية معترف بها في ايران، فإن التشكيلات السياسية هي من تطرح الأفكار المختلفة حول السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسة الخارجية أيضا. في هذا الصدد هناك قوى غير رسمية تعمل إلى جانب هذه المؤسسات والمراكز الحكومية، وتتكون من ثلاثة مستويات رئيسية:
المستوى الأول:
هي نخبة الدائرة الداخلية وتتألف من أعلى رجال الدين و تهيمن هذه الدائرة الداخلية على مؤسسات الدولة التي لم يتم انتخاب أعضاءها من قبل الشعب ويتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى ولا يخضعون لسلطة الحكومة. أهم المؤسسات التي تهيمن عليها الدائرة الداخلية، نخبة هي المرشد الأعلى، ومجلس الخبراء؛ مجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ورؤساء تلك المؤسسات التي يشرف عليها المرشد الأعلى بشكل مباشر مثل رئيس السلطة القضائية، قائد الجيش النظامي، ورئيس الحرس الثوري الإيراني، ومجلس ممثلي المرشد الاعلى في كل مؤسسات الدولة الهامة وفي المحافظات، ورؤساء مختلف المؤسسات الدينية، والذي يتم أيضا تعيينهم من قبل المرشد الاعلى. وبالتالي فإن الدائرة الداخلية، هي دائرة نخبة النخبة إن صح التعبير.
المستوى الثاني:
نخبة السلطة الإدارية ، وتتألف من الإيرانيين الذين يشاركون في عملية صنع القرار السياسي، وتقديم النصيحة للقيادة أو تنفيذ القرارات السياسية. النخبة الإدارية تشكل تنوعا أكبر من الدائرة الداخلية من حيث التوجهات والأفكار السياسية والأيديولوجية ومعظم أعضاءها من موظفي الدولة المدنيين، وهو ما يمثل السلطة التنفيذية، والقضائية، والتشريعية.
المستوى الثالث:
يضم المستوى الثالث من هيكل السلطة غير الرسمية نخبة المفكرين، وهم أعضاء النخبة السياسية الذين يشاركون
في الحديث عن قضايا السياسة الداخلية والخارجية. تنتمي إلى هذه النخبة بعض أعضاء دائرة النخبة الداخلية، وأعضاء النخبة الإدارية ورجال الدين الذين هم خارج دائرة النخبة الداخلية، فضلا عن الأكاديميين والكتاب والصحافيين، وعددا من قادة المنظمات غير الحكومية.
نستطيع أن نلحص هذه المستويات الثلاثة بالقول أن القوى السياسية غير الرسمية لا تتكون فقط من تلك الشخصيات التي لها تأثير سياسي بسبب موقعها ومراكزها في المؤسسات الحكومية، ولكن من أولئك الأفراد الذين يؤثرون أو يحاولوا التأثير على النقاش والجدال السياسي في ايران. هنا يمكننا الإشارة إلى ثلاث قوى ذات صلة ببعضها البعض: نخبة الدائرة الداخلية، الإداريون، والنخبة المثقفة. هنا يمكن القول أن التنافس بين الفصائل السياسية المختلفة في ايران يؤثر بشكل مباشر على رسم التوجهات السياسية كما أنها تشكل في الوقت ذاته عقبة أمام رسم سياسة متناسقة ومترابطة على المستويين الداخلي والخارجي. بينما تعد معظم مؤسسات الدولة في ايران ضعيفة جدا بسبب قواعد وأسس ولاية الفقيه المسيطرة على كل شيء، نجد أن العلاقات الشخصية قوية ومتمكنة. لذا فإن النظام الرسمي لرسم السياسة غالبا ما يتم تجاهله أو الالتفاف عليه لصالح القوى الغير رسمية وبناء على الشبكات الشخصية وعلاقات القوة
النخبة السياسية ذات الصلة:
لا توجد أحزاب سياسية رسمية في إيران كما ذكرنا آنفاً، إلا أن هناك الفصائل السياسية التي تمثل مختلف السياسات والتوجهات الداخلية والخارجية. هذه المقاربات المختلفة لديها أيديولوجية وعنصر مادي. أولا، هناك وجهات نظر مختلفة بين الفصائل وفي داخلها حول ما إذا كان الفقه الإسلامي يجب أن يكون النظام القانوني الوحيد وهناك الفصيل المحافظ الذي لا يقبل سوى الفقه الإسلامي - مع تفسيرات متباينة – المكون الرئيسي للنظام القضائي في إيران. الفصيل الاصلاحي فصيل يعتبر الفقه الإسلامي غير كاف لمعالجة جميع القضايا الاجتماعية في إيران.
من الناحية الاقتصادية، نجد أن الفصائل الراديكالية تتمتع بدخل مالي كبير من مصادر دينية خارج البلاد وداخلها ولا تعتمد بشكل كبير على المصادر المالية الرسمية، على عكس الفصائل الاخرى التي تعتمد فقط على المصادر المالية الرسمية وأجزاء من الطبقة الوسطى، وشرائح من السكان مع ميول ليبرالية وعلمانية.
الاصلاحيون:
يطلق مصطلح "الثاني من خرداد" الذي يشير إلى ائتلاف ثمانية عشر مجموعة سياسية في إيران على الجبهة الإصلاحية هناك، ليس ذلك فحسب بل يطلق على شخصية كان من المؤيدين للبرنامج الإصلاحي الذي بدأه الرئيس الإيراني الأسبق سيد محمد خاتمي عند انتخابه في عام 1997م، ومن هنا جاء المصطلح وهو تاريخ فوز خاتمي في الانتخابات الرئاسية ويصادف ذلك 23 من مايو 1997م. لهذا البرنامج الإصلاحي توجهات تتمحور حول الفكر الحداثي والتسامح والمحاسبة والاستفادة من القوانين الوضعية إلى جانب الشريعة الإسلامية (وفقا للمنهج الشيعي الاثناء عشري)، ما عدا ذلك فهي لا تختلف كثيرا عن التيار المحافظ كما سنوضح أدناه. يدعم هذا التوجه عددا من أصحاب الفكر ورجال الدين وأساتذة الجامعات والطلاب ومجموعة صغيرة جدا داخل البرلمان الإيراني.
تعتبر الحركة الإصلاحية في إيران حركة مرتبطة بنظام ولي الفقيه وهي خارجة من رحم هذا النظام والخلافات بين الجانب الإصلاحي والراديكالي تتمحور حول نقاط ليست محورية في توجهات الجمهورية الإسلامية ولا تتناقض، في الغالب، مع الأسس التي بناء عليها الخميني إيران ما بعد الثورة. فعند النظر إلى قيادات الحركة الإصلاحية أو الحركة الخضراء، نجد أن جميع هذه القيادات سبق وتولت مناصب عليا في النظام الحاكم. فعلى سبيل المثال، نجد أن مير حسين موسوي، الزعيم الإصلاحي الذي خسر انتخابات 2009م أمام محمود أحمدي نجاد، سبق وتولى منصب رئيس الوزراء في إيران خلال الفترة بين 1981-1989. إضافة إلى موسوي، هناك أيضا مهدي كروبي الزعيم الاصلاحي الذي يقبع حاليا (كما هو الحال بالنسبة لموسوي) تحت الإقامة الحبرية وسبق وتقلد مناصب في الدولة من أهمها رئاسة البرلمان الإيراني مرتين خلال الفترة من 1989م إلى 1992م ثم من 2000م إلى 2004م. وكان أيضا ممثل آية الله الخميني في مواسم الحج مع بداية الثورة وكان يشرف بشكل مباشر على المظاهرات التي كان يقوم بها الحجاج الإيرانيون في موسم الحج. الأمر ذاته ينطبق على سيد محمد خاتمي الذي ترأس إيران لفترتين رئاسيتين خلال الأعوام بين 1997-2005م، وكذلك الرئيس الحالي الدكتور حسن روحاني وإن كان هناك من يعتبره محسوباً على الفصيل المعتدل وليس الإصلاحي، والفرق، في واقع الأمر، ضئيل جدا بين هذين الفصيلين السياسيين.
بعبارة أخرى، إن من يطلق عليهم الحركة الإصلاحية في إيران ليست سوى حلقة داخل دائرة ولي الفقيه الضيقة جدا. ويرى كثيرون أنها لا تعدو سوى محاولة من النظام لمخادعة الشارع الإيراني بتصنيفات كثيرة جدا لتوجه واحد.
كل من في هذه الدائرة الصغيرة يحسب على المحافظين في إيران، ولكن يمكن تقسيم من هم داخل هذه الدائرة إلى ثلاثة أصناف رئيسية: اليمين المتطرف أو يمين اليمن، البراغماتيون أو المعتدلون و يسار اليمين وهم من يطلق عليهم في إيران التيار الإصلاحي. هذا يعني أن جميع الأطياف الأخرى واليساريون بكافة انتماءاتهم اللبرالية والعلمانية مستبعدة تماما من التركيبة السياسية والتنافس السياسي في البلاد.
كل من في هذه الدائرة الصغيرة يحسب على المحافظين في إيران، ولكن يمكن تقسيم من هم داخل هذه الدائرة إلى ثلاثة أصناف رئيسية: اليمين المتطرف أو يمين اليمن، البراغماتيون أو المعتدلون و يسار اليمين وهم من يطلق عليهم في إيران التيار الإصلاحي. هذا يعني أن جميع الأطياف الأخرى واليساريون بكافة انتماءاتهم اللبرالية والعلمانية مستبعدة تماما من التركيبة السياسية والتنافس السياسي في البلاد.