الهندسة العسكرية military engineering مجموعة التدابير الهندسية التي تنفذ لمساعدة القوات المقاتلة على القيام بمهامها القتالية في المعركة وعرقلة أعمال العدو. ومن أهم هذه التدابير الاستطلاع الهندسي وتجهيز الأرض للدفاع أو الهجوم وتعزيز القوات بالوحدات والتجهيزات الهندسية.
لمحة تاريخية
لجأت الجيوش منذ القدم إلى تنفيذ بعض الأعمال الهندسية التي تتعلق بإنشاء الطرقات؛ ولاسيما الطرقات الرومانية، وإنشاء الحصون ونقب حصون العدو، ونشر بعض عتاد الحرب وما إلى ذلك.
وفي العصر الإسلامي ظهرت الهندسة المتخصصة إلى جانب الفرسان والمشاة، وسميت وحداتها بالمعماريين والنقابين للقيام ببعض مهام الهندسة العسكرية البسيطة، وكان أفرادها يزودون بالمعاول والفؤوس والمجارف والمناشير والحبال علاوة على أسلحتهم من السيوف والتروس. وقد تطور عمل هذه الوحدات ليشمل شق الطرق وتجهيز المخاضات على العوائق المائية وإقامة الحصون والأبراج وتجهيزها بكوى الرمي وحفر خنادق الماء حولها وصنع المجانيق ونصبها وصنع دبابات نقب الحصون، إضافة إلى نقب حصون العدو.
وفي أوربا تطورت هذه الوحدات وخصوصاً في فرنسا في عهد لويس الرابع عشر Louis xiv ت(1643-1715) الذي أسس سلاح المهندسين بمساعي مارشال فرنسا سباستيان فوبان Sébastien Vauban المفوض العام للتحصينات (1678) الذي اشتهر بإقامة التحصينات في العديد من ميادين القتال. وتأسست المدرسة الملكية الهندسية العسكرية الفرنسية في ميزييرMézières (من أعمال الآردن Ardenne).
نشطت أعمال الهندسة العسكرية في الحروب الحديثة مع تطور العتاد وفن الحرب، فازدادت المعدات الهندسية تعقيداً وتنوعاً، كما تطورت أعمال التحصينات والحواجز الهندسية، وخصوصاً الألغام والملاغم ووسائل مكافحتها على نطاق واسع إلى جانب التمويه.
قوات الهندسة العسكرية
إن قوات الهندسة العسكرية engineer corps قوات تخصصية تعمل على تنفيذ مهام التأمين الهندسي لصنوف القوات الأساسية والخاصة، وتقسم إلى قوات هندسة الميدان engineer field units أو النقابين sappers، وقوات هندسة خاصة تتألف من وحدات الطرق والجسور ووسائل العبور ووحدات إنشاء معمارية وغيرها.
يعدّ القائد المشترك المنظم الرئيسي لتدابير الهندسة العسكرية، ويتبع له رئيس الهندسة العسكرية chief engineer الذي يقوم بدوره بوضع خطة التأمين الهندسي، ويشرف على تنفيذها.
مهام التأمين الهندسي
مع اتساع مسرح الأعمال القتالية وتقدم التقانة وابتكار وسائل التدمير المعقدة ازدادت أعمال التأمين ضخامة، واتسع نطاقها، وتوجب على قوات الهندسة توفير ما يساعد القوات المقاتلة على خوض أعمال الدفاع، ويسهل تقدمها في الهجوم، إضافة إلى عرقلة أعمال العدو في مختلف أنواع الأعمال القتالية.
1ـ التأمين الهندسي في الدفاع ويشمل:
- الاستطلاع الهندسي للعدو والأرض بإنشاء مراصد الهندسة وتسيير الدوريات الهندسية.
- تحصين الأرض في نطاق الحيطة ونطاقات الدفاع بإنشاء شبكة خنادق trenches وخنادق المواصلاتcommunication trenches والملاجئ المزودة بأجهزة التصفية والتهوية. وتضم الخنادق عادة مساند للرمي من أسلحة المشاة ومخابئ وملاجئ خفيفة ومرابض للدبابات، ومساتر للمركبات، ومرابض أساسية وتبادلية للمدفعية وللمدفعية المضادة للطائرات (م/ط)، ومقرات القيادة والرصد، وخطوط انتشار القوات المقاتلة والاحتياطات المضادة للدبابات (م/د)، إضافة إلى تحصين منشآت المؤخرة.
- زرع حقول الألغام والملاغم أمام نطاق الحيطة والحد الأمامي للدفاع ونطاقات الدفاع ومواضع تمركز القوات وعلى الجوانب، وأمام خطوط انتشار الاحتياطات م/د، إضافة إلى تحصين المؤخرات.
تقسم حقول الألغام إلى حقول ألغام مضادة للمشاة (م/أ) وحقول ألغام مضادة للدبابات (م/د). وتزرع الألغام مطمورة في الأرض، أو على سطح الأرض قبل المعركة وفي أثنائها.
- إقامة حواجز وموانع وسواتر مختلفة: ترابية أو إسمنتية أو معدنية أو خشبية كالمحطومات والمتاريس والجُدُرexcarp والجُدُر المعاكسة والخنادق المضادة للدبابات وأضراس التنين والقنافذ والكتل الإسمنتية الشائكة وحواجز الأسلاك، مثل السياج الشائك والأسلاك الحلزونية concertina والقنافذ الشائكة.
- شق الطرقات الطولانية والعرضانية.
- نصب الجسور الميكانيكية والطوفية والمرتجلة.
- تجهيز نقاط التزويد بالماء.
- إنشاء الملاجئ shelters.
- التمويه camouflage، وهو أحد تدابير التأمين القتالي والعملياتي، ويهدف إلى إخفاء القوات المقاتلة عن الرصد المعادي، وتضليل العدو فيما يتعلق بانتشار القوات وأعمالها ونواياها.
يقسم التمويه إلى تمويه قتالي (سلبي)، بدءاً من اللباس المموه وتمويه السلاح والعتاد القتالي والهندسي وصولاً إلى تمويه الحواجز على اختلافها وأعمال التحصين والطرقات ومقرات القيادة والرصد وخطوط انتشار القوات المقاتلة وأغراض المؤخرة ومناطقها ومحاور الإمداد والإخلاء.
وتمويه عملياتي عن طريق القيام بأعمال تظاهرية demonstration ومزيفة، تقلد تحشد القوات وأسلحتها وعتادها ومناطق تمركزها ونشاطها وأغراض المؤخرة وطرق الإمداد والإخلاء في فترة الإعداد للمعركة أو في أثنائها. وتعمل الأركان العامة أو أركان الجبهة على تنظيم التمويه العملياتي بما يتفق وخطط أعمال القتال.
يتطلب تمويه السلاح والعتاد والمنشآت وأعمال التحصين مهارة فائقة، فاللون أو مجموعة الألوان المستعملة في التمويه التي تبدو منسجمة مع محيطها من ارتفاع معين، قد تصبح عنصراً فاضحاً من ارتفاعات أخرى. ويحتاج الأمر إلى خبرة واسعة في مجال المزج بين اللون ودرجة لمعان السطوح وعكسها للضوء.
- الأعمال الهندسية المضادة للإنزالات البحرية، مثل إقامة الحواجز في الماء على أعماق مختلفة وعلى الشاطئ، إضافة إلى الألغام.
- تعزيز القوات المقاتلة بوحدات الهندسة.
2ـ التأمين الهندسي في الهجوم: تقوم قوات الهندسة في مرحلة الإعداد للهجوم، بتجهيز مناطق تحشد (انتظار) القوات وشق محاور التحرك نحو خط الزج في القتال وتأمين الفتح بتراتيب القتال وإعداد مرابض المدفعية والمدفعية م/ط من أجل التمهيد الناري وإنشاء مقرات القيادة والسيطرة وتعزيز القوات المقاتلة بوحدات المهندسين.
ومع بداية الهجوم تقوم قوات الهندسة بفتح الثغرات في حقول الألغام م/د وم/أ الصديقة والمعادية باستخدام الحشوات المتطاولة والأفاعي الطائرة المزودة بمحرك صاروخي، إضافة إلى استخدام كاسحات الألغام mine exploders التي تدفعها الدبابات واستخدام الحشوات المتطاولة التقليدية التي تجرها خلفها لتوسيع الثغرات. كما تستخدم ـ لفتح الثغرات في الحواجز الترابية وشق الطرق أمام القوات المهاجمة ـ القواحط المدرعة tankdozers وغيرها من المعدات الهندسية.
وفي أثناء تطوير الهجوم تقوم قوات الهندسة بإعداد مرابض تبادلية لتنقل المدفعية والمدفعية م/ط وزرع حقول ألغام مرتجلة hasty minefields بزارعات الألغام (أو الحوامات على اتجاهات مناورة العدو) بالتعاون مع الاحتياط م/د. كما تتابع فتح الثغرات أمام القوات المهاجمة، وإقامة الجسور الطوافية والعوامات أو الجسور العائمة لعبور العوائق المائية، كذلك تنفيذ جميع الأعمال الهندسية التي تساعد على التشبث بالخطوط المستولى عليها أو رؤوس الجسور، وتجهيز المساتر والمساند والمراصد لمقرات القيادة والرصد عند تنقلها.
خصائص التأمين الهندسي البحري
تتميز أعمال الهندسة البحرية بضخامة الألغام التي تزرعها على اتجاهات عمل سفن العدو، وقد تبلغ الحشوة المتفجرة 350كغ للغم الواحد فأكثر. والألغام البحرية على أنواع منها الألغام القاعية والألغام الطافية والألغام الغائصة، ومنها مايثبت بمرساة تشده إلى القاع. وتقسم بحسب مبدأ عملها إلى ألغام طرقية contact وغير طرقية (مغنطيسية magnetic، أو تحريضية inductine أو هدرودينامية hydrodynamic أو صوتية acoustic أو مختلطة). تزرع الألغام البحرية بوساطة السفن أو بإسقاطها من الطائرات، في حين تقوم كاسحات الألغام mine sweepers بكسح ألغام العدو وتفجيرها.
المعدات الهندسية
من أبرز المعدات الهندسية العسكرية حفارات الخنادق excavating machines، والمسويات الآلية motor graders (المحمولة على عربات أو دبابات)، وآليات شق الطرق track layers، وقواحط الدبابات tankdozers، وعربات الإنزال البرمائية، وآليات نصب الجسور (الجسور الميكانيكية الخفيفة أو الثقيلة «المحمولة على دبابات»)، ومجموعات الأطواف، وكاسحات الألغام mine exploders المحمولة على الدبابات.
ومع تعاظم قدرات التقانة وتنوع مهام الطائرات والحوامات والسفن والتحكم الإلكتروني والإشعاعي تزداد إمكانات الهندسة العسكرية في مضماري الهجوم والدفاع ازدياداً متعاظماً.