Print this page

عبد الله الجنيد: داعش المتدحرجة

تشرين1/أكتوير 21, 2015 1655

{jcomments on}أولا يستوجبنا الحال العربي ان لا ننغمس كثيراً في جدل لغوي او فقهي في تناولنا لماهية الإهارب فكرا و هوية ، لأن عنوانه دم و قهر ، و إرثة خراب . و الإرهاب هو نتاج ثقافة لا تمتلك شروط الإستدامة انسانيا او اخلاقيا في حال التخلص من حالة الارتباك و التخبط القائمة على تبرئة الاسلام منه . بل بمواجهته كفعل جرمي يستوجب الحد الاقصى من اليات القانون الشرعي او الوضعي . فتلك التنظيمات بما فيها المتبناة من قبل دول او اجهزتها الاستخبارية كتنظيم مثل طالبان ، يمتلك خاصية الاستدامة فقط في حال توفر ظروف الانتماء لثقافة المكان و القدرة على توظيف القهر عبر ثقافة الموروث الاجتماعي و الديني في التجاوز على القانون لخدمة مصالح اكثر من طرف قد يكون دولي او إقليمي .

 

وبالعودة لقراءة تاريخ تنظيم طالبان او نشأته ، و تشرذم ذلك التنظيم بعد الغزو الامريكي لافغانستان لا قبله ، فسوف نجد ان هذا التنظيم بشقيه الباكستاني و الافغاني مثل حقل التجارب الاول القابل للاستنساخ في اكثر من مكان عبر برامج غربلة في اكثر من ظرف مكاني يملك خاصية استدامته ( تسلط المورث و العرف على الدولة و القانون ) . و طالبان افغانستان احتضنت سياسيا من قبل اجهزة دول لانها امتلكت خاصية لم تمتلكها القاعدة في افغانستان ، كونها هي نتاج ثقافة المكان و تمتلك قدرة الاستدامة مكانيا بخلاف تنظيم القاعدة الدخيلة .

ذلك النجاح قاد لتخليق نسخ من طالبان تحت مسميات اكبرها داعش في اماكن اخرى ، فداعش تم تخليقها في العراق بعد وقت لاحق للغزو الامريكي في ٢٠٠٣ ، و الذي عكف اولا على تدمير كل هياكل الدولة القائمة ، مما مثل تهيئة المناخ و البيئة الطبيعية القابلة لإستدامة تنظيمات مثل داعش . فداعش في نسختها القائمة جاءت بعد عدة تجارب ميدانية فاشلة في التخليق نتيجة عدم تهيئة الظرف المناسب لاستدامتها ، لكن انتفاضة الانبار العراقي و الثورة السورية أوجدت نقاط التقاء مصالح نظامي المالكي و بشار في التوظيف الأمثل لها عبر حدود بلديهما ، هذا اولا . اما لاحقا فأننا لاحظنا دخول اكثر من طرفاً إقليمي و دولي على خط توظيف داعش بعدما تقاطعت مصالحها الإقليمية ، و لاضفاء ابعاداً اخرى في التوظيف الميداني و السياسي و الإعلامي .

كل ما سبق يقودنا لطرح السؤال التالي : هل الموقف العربي التعريفي او السياسي من داعش هو الأمثل ! فبقراءة النتائج تتضح اكبر الأخطاء التى وقع فيها الموقف السياسي العربي من داعش ، بالتسليم او الاقرار بالتعريف الامريكي له ، مما خدم قدرة التوظيف الإعلامي و السياسي لداعش . و اكبر اشكال ذلك التوظيف هو التواصل العسكري ميدانيا بين الولايات المتحدة و إيران في العراق ، بل و اعتبارها شريك اصيل في الحرب على داعش لاسترضائها في ملفات اخرى على رأسها ملفها النووي . ثانيا تاخر حسم الملف السوري اوصول الوضع الانساني فيها الى ما تجاوز الكارثة ، لدرجة تقبل بعض الأطراف الدولية لسيناريو دور محدود للاسد بعد التدخل الروسي المباشر .

داعش ستستمر في التدحرج جغرافيا حسبما تقتضية تقاطع المصالح الدولية او الإقليمية كما حدث في ليبيا فقط لتأصيل حالة الدولة المنهارة و تحقيق الاهداف التالية :

اولاً : اعادة هيكلة تواجد الفصيل الام ” القاعدة ” في الشمال العربي الأفريقي عبر الاستحواذ على تنظيمات تفتقد لهيكلية تنظيمية و عملياتية واضحة ، لذلك جاء اول تصريح لتركي البنعلي ممثل البغدادي في شمال افريقيا حينها ، بضرورة مسارعة الجميع الى مبايعة البغدادي او تحمل عواقب ذلك . و كلنا يرى حجم التردي في المصير السياسي الليبي او موقف الداعمين للمؤتمر المنحل و هو الشريك السياسي لداعش .

ثانياً : توافر البيئة السياسية و الاجتماعية المثلى في ليبيا مما هو علية الحال في العراق او سوريا نتيجة الاستهداف العسكري لها هناك ، مما يؤهلها لتكون الحاضن الأمثل لها بعد تحقق حالة الدولة الفاشلة و الاستفادة من ديمغرافيا المكان و تقاطع مصالح اكثر من طرف .

ثالثاً : حاجة الطرف السياسي الأضعف حاليا ” الإخوان عبر البرلمان المنحل ” لزخم سياسي ميداني يعطي محادثات الشراكة السياسة المهددة بالتعطل بعداً جديداً ، مما ينبئ بقابلية تطبيق ذلك التخليق في اكثر من بلد أفريقي ، و بالأخص في شرق و غرب افريقيا .

لكن ما يجب ان يشغلنا حقيقةً هو توافر ظروف مماثلة لليبيا في اكثر من موقع تمتد الى عمق افريقيا الوسطى غربا ( بوكوحرام ) و يمثل الصومال الهدف الجغرافي الاخر لما يتوفر فيها من ظروف مناسبة لاستدامة التنظيم ، مما يستوجب ان يجابة بموقف و بجهد دولي حقيقي فورا . فالصومال تمثل اكبر أمثلة الدولة الفاشلة و تمتد جغرافيا في شكل خنجر الى خاصرة الجزيرة العربية . فحالة عدم الاستقرار السياسي في اليمن يعتبر المناخ الأمثل لاحتضانه او توظيف اسم التنظيم ، و هذا ما حدث مؤخرا في المناطق المحررة من الجنوب اليمني . ناهيك عن قدرة انتقال مرتزقة التنظيم او محازبية من دول افريقيا التي تشهد نزاعات مسلحة الى اليمن . و لليمن خصائص ديمغرافية و طبوغرافية هي الانسب لتوظيف داعش الهلامي ، عندها سوف يفشل اي برنامج احتواء للتنظيم ضمن الحدود اليمنية .

داعش ليست تنظيما ارهابيا بل آلية خُلقت لتثبيت حالة الفراغ السياسي عربيا لا لخلق دولة الخلافة ، فهي اداة تكتيكية لا مشروع سياسي ، و علينا التعامل معها من ذلك المنطلق لا باي شكل اخر . و ان ندرك سريعا ان الاستمرار بقبول حالة الفراغ السياسي في الخواصر يجب ان يتم التعامل معه من باب التهديد المباشر للامن القومي لا السياسي القابل للتعاطي معه عبر الآليات الدبلوماسية او السياسية التقليدية

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 22 تشرين1/أكتوير 2015 14:54

Latest from رئيس التحرير