لماذا المركبات الخزفية على وجه التحديد ؟؟
أي مادة تستخدم لهزيمة ودحر مقذوف عالي السرعة ، يجب أن تتعامل مع الطاقة الحركية وزخم ذلك المقذوف وفق ثلاثة آليات : أولاً امتصاص واستيعاب طاقة الارتطام كالحرارة والتشويه الحاصل لمادة الهدف ، ثانياً العمل على توجيه طاقة المقذوف بعيداً أو حرف المقذوف وارتداده بحيث تعمل مادة الهدف على مواجهة كتلة الخارق ، ثالثاً السعي لتحقيق تشويه فادح وخطير لكتلة المقذوف .. إن الآلية الأخيرة هي الوسيلة الأكثر كفاءة لهزيمة المقذوفات الخارقة للدروع ، لأن أغلب الطاقة الحركية سوف تمتص وتستغرق في تحطيم البناء الهيكلي للمقذوف نفسه . في المقابل ومع ارتداد محدود وهامشي للمقذوف ، فإن انتقال الزخم أو قوة الاندفاع إلى الدرع ستكون مقللة ومخفضة . لسوء الحظ ، صفائح الدرع الفولاذية التقليدية غير قادرة عملياً على هزيمة ودحر مقذوفات الطاقة الحركية عالية القسوة والكثافة ، كما هو الحال مع المقذوفات الخارقة للدروع المجهزة بقضيب من سبائك التنغستن tungsten alloy أو اليورانيوم المستنزف DU . نتيجة لذلك ، تشكيلة متنوعة من الدروع طورت ، بما في ذلك الدروع المركبة متعددة الطبقات والدروع التفاعلية المتفجرة وغيرها من وسائل الحماية السلبية والنشطة (الدرع التفاعلي له طبقة من المواد المتفجرة التي تشتعل عند الاصطدام ، لتطلق صفيحتين معدنيتين خارجيتين باتجاهين متعارضين بهدف حرف أو تحطيم المقذوف أو استهلاك طاقة نفاث الشحنة المشكلة) . على أية حال ، أحد المشاكل الرئيسة التي تواجه مصممي الدروع عند عملهم ، هي تلك المرتبطة بخاصية الوزن وعدم الرغبة بزيادة ثقل الدبابة وبالتالي تقييد حركتها . وهذا بالفعل ما حدا بالمطورين للبحث عن مواد جديدة لأنظمة الدروع ، تكون خفيفة الوزن لكن صعبة الاختراق .. جانب آخر أقترن بتقديم الذخيرة المضادة للدبابات المستندة في عملها على الشحنات المشكلة shaped charges ، والتي أثبتت قدرتها على اختراق وثقب الدروع الفولاذية السميكة بسهولة نسبية . لقد أدت هذه الأمور مجتمعة للبحث عن استخدام مواد أخرى جديدة وترتيبات ملائمة لتوزيع الدروع في العربات القتالية ، بهدف توفير المزيد من الحماية ضد هذه التهديدات .
الاستخدام الحالي للمواد الخزفية ceramic materials في دروع الدبابات والعربات القتالية الأخرى ، يجب أن لا يثير دهشة القارئ ، فهذه المواد مألوفة بملكياتها الميكانيكية mechanical properties ولمستويات محددة . كما أنها تمتلك في الغالب قوة عالية نسبياً لمقاومة الانضغاط عند مقارنتها إلى الفولاذ ، التيتانيوم ، سبائك الألمنيوم ، ونواة جميع المقذوفات الخارقة للدروع . علاوة على ذلك تمتلك المواد الخزفية حجم كثافة منخفض نسبياً ، على الأقل نصف ما يمتلكه الفولاذ . لهذا السبب ، وحدات سميكة جداً من هذه المواد يمكن استخدامها بسهولة لتزويد وتوفير المستوى المطلوب من الحماية level of protection ، بينما يبقي على وزن التدريع عند حدوده المقبولة .
ونتيجة لصلادتهم hardness المعروفة والتي تبلغ نحو أربعة أضعاف ما يمتلكه الفولاذ ، تستخدم المركبات الخزفية لعرقلة المقذوفات القادمة عن طريق إما التسبب بتمزيقها وتحطيمها كما هو الحال مع نفاث الشحنات المشكلة ، أو عن طريق سحجها وكشطها كما هو الحال مع رؤوس خوارق الطاقة الحركية . مركبات الخزف المستخدمة في الدروع متعددة الطبقات متنوعة ، مثل أكسيد الألمنيوم (Al2O3) ، كربيد البورون (B4C) ، كربيد السيلكون (SiC) , نتريد الألمنيوم (AlN) ، بوريد التيتانيوم (TiB2) ، ولكل من هذه المواد خصائص تميزها عن غيرها من حيث الكثافة Density والصلادة Hardness والمرونة Elasticity . لهذا فإن اختيار المركب الخزفي الأنسب لمادة الدرع يتم من خلال بحث عميق لخصائص وملكيات كل نوع من أنواع هذه المركبات ، مع مراعاة طبيعة الخطر المراد مواجهته . على سبيل المثال أكسيد الألمنيوم Alumina كان من أوائل الأنواع المستخدمة في تراكيب الدروع الواقية ، وله حجم كثافة يبلغ 3,810-3,920 غرام/سم3 ، ومعامل صلادة تتراوح بين 1,500-1,900 حسب مقياس فيكرز للصلادة Vickers Hardness . أما اليوم فإن أكثر المركبات الخزفية استخداماً هي كربيد البورون وكربيد السيلكون ، نتيجة للصلادة العالية التي تمتاز بها ، فكربيد البورون على سبيل المثال يعتبر في المرتبة الخامسة بين أكثر المواد المعروفة صلادة ، التي تبلغ 2,800-3,400 حسب مقياس فيكرز . هما كذلك أقل كثافة من أكسيد الألمنيوم ، حيث تبلغ كثافة كربيد البورون 2,500-2,520 غرام/سم3 ، في حين تبلغ كثافة كربيد السيلكون 3,090-3,220 غرام/سم3 (أثناء تجارب باليستية أجريت في العام 1987 ، تم إطلاق مقذوف طاقة حركية من سبيكة التنغستن بسرعة 1.6 كلم/ث باتجاه طبقة خزفية محصورة بقوة ، وكانت النتيجة استهلاك كامل الخارق ، ودون تحقيق أية اختراق) .
تعليق