رد: متابعات الثورة السورية - ثورة الكرامه
" معاذ الكساسبة " وكواليس القرار في تنظيم الدولة الإسلامية
===========
في 1997م أطلق الجندي أحمد الدقامسة النار على مجموعة فتيات إسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء صلاته
يَتبنى فريق من تنظيم الدولة الإسلامية موقفاً حازماً وواضحاً يقضي بضرورة إعدام الأسير فور
يرى أنصار فريق التفاوض أن مصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في تحقيق زيادة في شعبية الدولة الإسلامية
عندما يطغى صوت طيران التحالف الدولي على صوت النقاش يطوي كلا الفريقين أوراقهما ويمتشقان السلاح إستعداداً للقادم .
مرة أخرى يصبح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حديث الساعة في آخر ساعات العام 2014م وبملفات أكبر وأعقد ربما كان آخرها ملف الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة.
ربما كان المشهد على الجانب الرسمي الأردني واضحاً تماماً – فالمملكةالأردنية الهاشمية ذات تاريخ إحترافي عريق في التعامل مع هذا الصنف من الأزمات رغم الإقرار بصعوبة الملف الحالي وتعقيداته . يتذكر الجميع كيف قلب الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال ببراعة أزمة المحاولة الإسرائيلية لإغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الأردنية في العام 1997م . شكلت الدولة الأردنية منذ اللحظات الأولى خلية للتعامل مع ملف الطيار الأسير ووعدت بإستعادته .فرضت ضبطاً إعلامياً على القضية يحد من إستثمار تنظيم الدولة الإسلامية لهذا الحدث إعلامياً ونفسياً وفتحت في ذات الوقت "قنوات إتصال" عديدة مع حلفاءها وأعداءها ووسطاء مقتدرين فيما لم تتوقف عملية جمع المعلومات وتحليلها حول ظروف ومكان أسر الطيار الأردني منذ لحظة وقوعه في الأسر.
في المقابل يبدو المشهد مغايراً تماماً على ضفة النهر الأخرى – فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إكتفى ببث صور أولية للطيار الأردني الأسير ثم ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتحليلات والتخمينات بل والشائعات أيضاً . في الايام الماضية رتبت كل ما إستمعت إليه أو قرأته من معلومات عامة أو خاصة عن الكثير مما يدور في عدة دوائر متتالية من دوائر " النقاش والتنظير الفكري " التي لا تعكس إتجاه " القرار" في قيادة تنظيم الدولة وإنما تقدم من خلال أفكارها ونقاشاتها رسماً لخارطة شبه كلية للكيفية التي يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام التعامل بها مع ملف الطيار معاذ الكساسبة. كل ألوان هذه الخارطة تسير في إتجاه إستثمار معقد لهذا الملف وتحقيق الحد الأقصى من الأرباح والمكاسب. يعول تنظيم الدولة الإسلامية على عامل " الزمن " وعلى اللعب بـ " الأعصاب المتوترة " و" التلهف الشعبي " حول مصير الطيار الأسير معتبراً أنه أياً كانت مآلات هذا الملف فإنه " الرابح الوحيد في كل الحالات " مع تفاوت نسبة الربح بحسب طريقة اللعب . في ذات الوقت يبدو جلياً أن " أفكاراً متباعدة " بين "تيارات مختلفة " ضمن الدائرة الضيقة لتنظيم الدولة هي سبب إضافي للغموض الذي يتعامل به تنظيم الدولة الإسلامية على ملف الطيار الأردني منذ وقوعه في الأسر وإلى أجل قريب لن يتجاوز الساعات الأخيرة للعام الحالي 2014م.
تبنى فريق من تنظيم الدولة الإسلامية موقفاً حازماً وواضحاً يقضي بضرورة " إعدام الأسير فوراً" ويَسوقُ هذا الفريق مبررات شرعية غالباً لموقفهم من القضية يأتي على رأسها أن ملف الطيار الأردني مختلف عن غيره من الأسرى والرهائن الذين قام التنظيم بإعتقالهم ومحاكمتهم فالطيار الأردني ليس صحفياً أجنبياً ساقته الأقدار إلى قبضة التنظيم وإنما رجل عسكري وقع في الأسر ضمن عمل عسكري يستهدف " الدولة الإسلامية " ومن سوء حظ الطيار الأردني أن يكون إعتقاله قد تم بعد ساعات فقط من مجازر دامية نفذها طيران التحالف الدولي لا سيما في مدينة الرقة السورية ذهب ضحيتها ما يزيد عن 30- 40 شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال ... يُذكر هذا التيار بأن التهمة الأولى الموجهة إلى الطيار الأسير ليست القتل والتسبب في مجازر لمسلمين وإنما " الردة المغلظة " التي لا يستتاب فاعلها و" موالاة الكفار وقتال المسلمين " وبالتالي يدفع هذا التيار بإتجاه إقرار محاكمة الطيار الأردني وإعدامه دون تأخير ... لا يغيب عن بال هذا الفريق التذكير دائماً بمنهج سلاح " الرعب " و"هيبة دولة الخلافة " ولا التأكيد على أهمية بث الخوف والرعب الذي سيزرعه المشهد الأخير للطيار الأردني في قلوب " الطيارين " وهم يحلقون في السماء على أمل أن لا يلاقوا ذات المصير.
تمثل رسالة الدكتور الأردني سعد الحنيطي إلى والدة الطيار الأردني وتعليق "أبو سعد العتيبي"، أحد شرعيي الدولة الإسلامية أنموذجاً لهذا الفريق فالدكتور سعد الحنيطي يقول في رسالة عبر حسابه في "تويتر"، موجهًا كلامه إلى والدة الطيارالأردني الأسير : "هل تعلمين كم أمٍّ مسلمة ثكلى بسبب ابنك؟ هل تعلمين أنه ينصر عبّاد الصليب على أهل التوحيد؟" "كل من يقاتل مع التحالف الصليبي فردّته ردّة مغلظة". أما "أبو سعد العتيبي"، أحد شرعيي الدولة الإسلامية فيُعَلِقُ على موضوع الطيار بالقول :" إن عقوبته أن "يقتل بسبعين سكين بأيدي أسود الدولة وأولياء القتلى ويقطع سبعين قطعة جزاءً وفاقاً " على حدّ قوله. في حقيقة الأمر يبدو هذا التيار حتى هذه اللحظة التيار الأوفر حظاً في حسم الخلاف لصالحه وهو سيزيح – دون أن يشعر – هماً ثقيلاً عن كاهل الدولة الأردنية إن تمكن من تمرير رأيه والتسريع في تنفيذه.
يتمسك تيار آخر – ذو مساحة مقبولة في التأثير في تنظيم الدولة – بضرورة التعامل بطريقة مختلفة و" مبتكرة " مع هذا الملف . فالتفاوض بحد ذاته مع دولة عضو في التحالف الدولي مكسب سياسي وإعلامي كبير لتنظيم الدولة في رأي هؤلاء وهم في سبيل التقارب مع الفريق الأول يقترحون طريقة " غير تقليدية" في التعامل مع الملف عبر تقسيم الثمن المطلوب إلى ثلاثة أثمان في وقت واحد وليس ثمناً واحداً.
يرى أنصار فريق التفاوض أن مصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في " تحقيق زيادة في شعبية الدولة الإسلامية " وتحقيق تأثير إعلامي وسياسي " أفضل بكثير من مصلحة قتل الأسير الأردني . يعتمد هؤلاء في أطروحاتهم على إنتهاج سياسة مدروسة تؤدي إلى "إحراج الدولة الأردنية وإجبارها على ثمن باهض مؤلم " أمام الرأي العام الأردني والإسلامي وذلك بتضمين قائمة المطالب ثلاثة أثمان مختلفة الأهداف وليس ثمناً واحداً . يشترط هؤلاء لنجاح مقترحهم " نفساً طويلاً" و" وقتاً معقولاً" يتيح لتنظيم الدولة إستخدام الأسير الأردني كـ " منصة إعلامية لأفكار تنظيم الدولة " الأمر الذي سيسخر منظومة "إعلام أعداء الدولة " لصالح نشر أفكارها ورؤاها ويقترحون ضمن هذا السياق إعتماد بث مشاهد مرئية حية لآثار قصف التحالف الدولي وبشكل دائم كخلفية لكل التسجيلات التي يمكن تصويرها للطيار الأسير وبالتالي كسب تعاطف وتفهم الملايين من بين الجمهور الكبير المتابع لتطورات هذه القضية في أنحاء العالم. يقترح هذا الفريق المطالبة أولاً بثمن " تعجيزي " يدرك تنظيم الدولة الإسلامية أنه " غير واقعي ويستحيل تحقيقه أو الإستجابة له" ويتلخص بإشتراط إنسحاب الدولة الأردنية من التحالف الدولي .
أحمد الدقامسة جندي أردني خدم في حراسة الحدود الأردنية . في 12 مارس 1997م أطلق الجندي أحمد الدقامسة النار على مجموعة فتيات إسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء صلاته قرب الباقورة وحكم عليه بالسجن المؤبد . في العام 2008م ناشدت سبعون شخصية أردنية الملك عبد الله الثاني العفو عنه وفي عام 2011م وصف وزير العدل حسين المجالي الجندي " الدقامسة " بـ " البطل " الذي " لايستحق السجن اصلاً " .
يعتقد المتبنون لهذا الطرح داخل تنظيم الدولة أن مجرد طرح ملف الجندي الدقامسة أمام الرأي العام سيجذب للتنظيم تعاطفاً شعبياً كبيراً ويبني إنطباعاً حالماً في أذهان الناس حول " دولة الخلافة " التي تسير في طريقها لـ " تحرير فلسطين وإستعادة المقدسات " وهم يصرون أن تنظيم الدولة سيقطف ثمرة هذا الطرح بغض النظر عن "إستجابة الدولة الأردنية له أو عدم إستجابتها ". في مرحلة لاحقة سيطرح تنظيم الدولة الإسلامية قائمة مطالب تتضمن الإفراج عن عدد من أنصاره المعتقلين ودفع ديّات لذوي ضحايا عمليات التحالف كثمن ثالث وأخير ... يذهب هذا الفريق في مرونة رؤيته المقترحة أمام التأصيل الشرعي للقضية والتي يتشبث بها الفريق الأول إلى حد الموافقة على " تفاوض من أجل تخفيف العقوبة عن الطيار الأردني وليس إلغاءها " معتبراً أن سلوك الطريقة المقترحة لن يلغي فكرة " المحاكمة والتنفيذ " والتي ستبقى " مطروحة وجاهزة " تطل برأسها في أي محطة من محطات هذه القضية مع الفرق الواضح في حساب المكاسب و الأرباح.
عندما يطغى صوت طيران التحالف الدولي على صوت النقاش يطوي كلا الفريقين أوراقهما ويمتشقان السلاح إستعداداً للقادم .. قد يكون القادم "مغامرة عسكرية محتملة" تُخَلِّصُ كلا الطرفين من خياراتهما المعقدة والصعبة وتطوي الملف برمته لكنها لن تخلص شمس الأيام القادمة من رائحة الدم الذي إلتصق بحياتنا جميعاً ولن تطوي صفحة الألم الذي يسكننا أينما رحلنا وحللنا.
المشاركة الأصلية بواسطة لادئاني
مشاهدة المشاركة
" معاذ الكساسبة " وكواليس القرار في تنظيم الدولة الإسلامية
===========
في 1997م أطلق الجندي أحمد الدقامسة النار على مجموعة فتيات إسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء صلاته
يَتبنى فريق من تنظيم الدولة الإسلامية موقفاً حازماً وواضحاً يقضي بضرورة إعدام الأسير فور
يرى أنصار فريق التفاوض أن مصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في تحقيق زيادة في شعبية الدولة الإسلامية
عندما يطغى صوت طيران التحالف الدولي على صوت النقاش يطوي كلا الفريقين أوراقهما ويمتشقان السلاح إستعداداً للقادم .
في مثل هذه الأيام من العام الماضي 2013م دفعت الأقدار بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى واجهة الأحداث وصدارة الإهتمام العالمي عبر ملفات عديدة كان من أبرزها على الصعيد السوري ملف الطبيب الشهيد حسين السليمان " أبو ريان" الذي أعدمه التنظيم في آخر ساعات العام 2013م.
مرة أخرى يصبح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حديث الساعة في آخر ساعات العام 2014م وبملفات أكبر وأعقد ربما كان آخرها ملف الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة.
ربما كان المشهد على الجانب الرسمي الأردني واضحاً تماماً – فالمملكةالأردنية الهاشمية ذات تاريخ إحترافي عريق في التعامل مع هذا الصنف من الأزمات رغم الإقرار بصعوبة الملف الحالي وتعقيداته . يتذكر الجميع كيف قلب الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال ببراعة أزمة المحاولة الإسرائيلية لإغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الأردنية في العام 1997م . شكلت الدولة الأردنية منذ اللحظات الأولى خلية للتعامل مع ملف الطيار الأسير ووعدت بإستعادته .فرضت ضبطاً إعلامياً على القضية يحد من إستثمار تنظيم الدولة الإسلامية لهذا الحدث إعلامياً ونفسياً وفتحت في ذات الوقت "قنوات إتصال" عديدة مع حلفاءها وأعداءها ووسطاء مقتدرين فيما لم تتوقف عملية جمع المعلومات وتحليلها حول ظروف ومكان أسر الطيار الأردني منذ لحظة وقوعه في الأسر.
في المقابل يبدو المشهد مغايراً تماماً على ضفة النهر الأخرى – فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إكتفى ببث صور أولية للطيار الأردني الأسير ثم ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتحليلات والتخمينات بل والشائعات أيضاً . في الايام الماضية رتبت كل ما إستمعت إليه أو قرأته من معلومات عامة أو خاصة عن الكثير مما يدور في عدة دوائر متتالية من دوائر " النقاش والتنظير الفكري " التي لا تعكس إتجاه " القرار" في قيادة تنظيم الدولة وإنما تقدم من خلال أفكارها ونقاشاتها رسماً لخارطة شبه كلية للكيفية التي يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام التعامل بها مع ملف الطيار معاذ الكساسبة. كل ألوان هذه الخارطة تسير في إتجاه إستثمار معقد لهذا الملف وتحقيق الحد الأقصى من الأرباح والمكاسب. يعول تنظيم الدولة الإسلامية على عامل " الزمن " وعلى اللعب بـ " الأعصاب المتوترة " و" التلهف الشعبي " حول مصير الطيار الأسير معتبراً أنه أياً كانت مآلات هذا الملف فإنه " الرابح الوحيد في كل الحالات " مع تفاوت نسبة الربح بحسب طريقة اللعب . في ذات الوقت يبدو جلياً أن " أفكاراً متباعدة " بين "تيارات مختلفة " ضمن الدائرة الضيقة لتنظيم الدولة هي سبب إضافي للغموض الذي يتعامل به تنظيم الدولة الإسلامية على ملف الطيار الأردني منذ وقوعه في الأسر وإلى أجل قريب لن يتجاوز الساعات الأخيرة للعام الحالي 2014م.
تبنى فريق من تنظيم الدولة الإسلامية موقفاً حازماً وواضحاً يقضي بضرورة " إعدام الأسير فوراً" ويَسوقُ هذا الفريق مبررات شرعية غالباً لموقفهم من القضية يأتي على رأسها أن ملف الطيار الأردني مختلف عن غيره من الأسرى والرهائن الذين قام التنظيم بإعتقالهم ومحاكمتهم فالطيار الأردني ليس صحفياً أجنبياً ساقته الأقدار إلى قبضة التنظيم وإنما رجل عسكري وقع في الأسر ضمن عمل عسكري يستهدف " الدولة الإسلامية " ومن سوء حظ الطيار الأردني أن يكون إعتقاله قد تم بعد ساعات فقط من مجازر دامية نفذها طيران التحالف الدولي لا سيما في مدينة الرقة السورية ذهب ضحيتها ما يزيد عن 30- 40 شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال ... يُذكر هذا التيار بأن التهمة الأولى الموجهة إلى الطيار الأسير ليست القتل والتسبب في مجازر لمسلمين وإنما " الردة المغلظة " التي لا يستتاب فاعلها و" موالاة الكفار وقتال المسلمين " وبالتالي يدفع هذا التيار بإتجاه إقرار محاكمة الطيار الأردني وإعدامه دون تأخير ... لا يغيب عن بال هذا الفريق التذكير دائماً بمنهج سلاح " الرعب " و"هيبة دولة الخلافة " ولا التأكيد على أهمية بث الخوف والرعب الذي سيزرعه المشهد الأخير للطيار الأردني في قلوب " الطيارين " وهم يحلقون في السماء على أمل أن لا يلاقوا ذات المصير.
تمثل رسالة الدكتور الأردني سعد الحنيطي إلى والدة الطيار الأردني وتعليق "أبو سعد العتيبي"، أحد شرعيي الدولة الإسلامية أنموذجاً لهذا الفريق فالدكتور سعد الحنيطي يقول في رسالة عبر حسابه في "تويتر"، موجهًا كلامه إلى والدة الطيارالأردني الأسير : "هل تعلمين كم أمٍّ مسلمة ثكلى بسبب ابنك؟ هل تعلمين أنه ينصر عبّاد الصليب على أهل التوحيد؟" "كل من يقاتل مع التحالف الصليبي فردّته ردّة مغلظة". أما "أبو سعد العتيبي"، أحد شرعيي الدولة الإسلامية فيُعَلِقُ على موضوع الطيار بالقول :" إن عقوبته أن "يقتل بسبعين سكين بأيدي أسود الدولة وأولياء القتلى ويقطع سبعين قطعة جزاءً وفاقاً " على حدّ قوله. في حقيقة الأمر يبدو هذا التيار حتى هذه اللحظة التيار الأوفر حظاً في حسم الخلاف لصالحه وهو سيزيح – دون أن يشعر – هماً ثقيلاً عن كاهل الدولة الأردنية إن تمكن من تمرير رأيه والتسريع في تنفيذه.
يتمسك تيار آخر – ذو مساحة مقبولة في التأثير في تنظيم الدولة – بضرورة التعامل بطريقة مختلفة و" مبتكرة " مع هذا الملف . فالتفاوض بحد ذاته مع دولة عضو في التحالف الدولي مكسب سياسي وإعلامي كبير لتنظيم الدولة في رأي هؤلاء وهم في سبيل التقارب مع الفريق الأول يقترحون طريقة " غير تقليدية" في التعامل مع الملف عبر تقسيم الثمن المطلوب إلى ثلاثة أثمان في وقت واحد وليس ثمناً واحداً.
يرى أنصار فريق التفاوض أن مصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في " تحقيق زيادة في شعبية الدولة الإسلامية " وتحقيق تأثير إعلامي وسياسي " أفضل بكثير من مصلحة قتل الأسير الأردني . يعتمد هؤلاء في أطروحاتهم على إنتهاج سياسة مدروسة تؤدي إلى "إحراج الدولة الأردنية وإجبارها على ثمن باهض مؤلم " أمام الرأي العام الأردني والإسلامي وذلك بتضمين قائمة المطالب ثلاثة أثمان مختلفة الأهداف وليس ثمناً واحداً . يشترط هؤلاء لنجاح مقترحهم " نفساً طويلاً" و" وقتاً معقولاً" يتيح لتنظيم الدولة إستخدام الأسير الأردني كـ " منصة إعلامية لأفكار تنظيم الدولة " الأمر الذي سيسخر منظومة "إعلام أعداء الدولة " لصالح نشر أفكارها ورؤاها ويقترحون ضمن هذا السياق إعتماد بث مشاهد مرئية حية لآثار قصف التحالف الدولي وبشكل دائم كخلفية لكل التسجيلات التي يمكن تصويرها للطيار الأسير وبالتالي كسب تعاطف وتفهم الملايين من بين الجمهور الكبير المتابع لتطورات هذه القضية في أنحاء العالم. يقترح هذا الفريق المطالبة أولاً بثمن " تعجيزي " يدرك تنظيم الدولة الإسلامية أنه " غير واقعي ويستحيل تحقيقه أو الإستجابة له" ويتلخص بإشتراط إنسحاب الدولة الأردنية من التحالف الدولي .
يرى البعض أن البدء بمثل هذا الثمن يشكل رفعاً تقليدياً لسقف التفاوض وإحراجاً للطرف الآخر قبل الإنتقال إلى الثمن الثاني وهو الثمن الأقسى في رأيهم إن تمت الإستجابة له. يعتقد هذا الفريق أن " تعدد الاثمان " يمنح تنظيم الدولة ميزة " تعدد الفرص والمكاسب " فرفض ثمن واحد قد يكون مقبولاً أمام الرأي العام - لا سيماالأردني - لكن رفض ثمن ثانٍ وثالثٍ سيشكل ضغطاً على الطرف الأردني في ظل التعاطف الشعبي الأردني مع عائلة الطيار الأسير . إن أكثر الأثمان إشكالية وتعقيداً هو ما يطرحه هذا الفريق ليس كـ " ثمن لإطلاق سراح الطيار الأسير " وإنما كـ " ثمن للقبول بالتفاوض حول الطيار الأسير " وإشكالية التعقيد والحساسية هاهنا لا تتوقف عند هذا الحد وإنما تتجاوزها إلى طبيعة الثمن المطلوب إذا ما صدقت التسريبات أو التوقعات حول ذلك الثمن المقترح . على نحو ما قلّب فريق " الأثمان الثلاثة " هذا جيداً في الملف الأردني ويبدو أنهم عثروا على " كنزهم المفقود" الذي كانوا يبحثون عنه .. إنه بالتأكيد ليس أحد الأسماء المتداولة حالياً في وسائل الإعلام .. إنه ليس " ساجدة الرياشي " ولا " زياد الكربولي " .. إنه الجندي الأردني المعتقل في السجون الأردنية " أحمد الدقامسة "..!
أحمد الدقامسة جندي أردني خدم في حراسة الحدود الأردنية . في 12 مارس 1997م أطلق الجندي أحمد الدقامسة النار على مجموعة فتيات إسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء صلاته قرب الباقورة وحكم عليه بالسجن المؤبد . في العام 2008م ناشدت سبعون شخصية أردنية الملك عبد الله الثاني العفو عنه وفي عام 2011م وصف وزير العدل حسين المجالي الجندي " الدقامسة " بـ " البطل " الذي " لايستحق السجن اصلاً " .
يعتقد المتبنون لهذا الطرح داخل تنظيم الدولة أن مجرد طرح ملف الجندي الدقامسة أمام الرأي العام سيجذب للتنظيم تعاطفاً شعبياً كبيراً ويبني إنطباعاً حالماً في أذهان الناس حول " دولة الخلافة " التي تسير في طريقها لـ " تحرير فلسطين وإستعادة المقدسات " وهم يصرون أن تنظيم الدولة سيقطف ثمرة هذا الطرح بغض النظر عن "إستجابة الدولة الأردنية له أو عدم إستجابتها ". في مرحلة لاحقة سيطرح تنظيم الدولة الإسلامية قائمة مطالب تتضمن الإفراج عن عدد من أنصاره المعتقلين ودفع ديّات لذوي ضحايا عمليات التحالف كثمن ثالث وأخير ... يذهب هذا الفريق في مرونة رؤيته المقترحة أمام التأصيل الشرعي للقضية والتي يتشبث بها الفريق الأول إلى حد الموافقة على " تفاوض من أجل تخفيف العقوبة عن الطيار الأردني وليس إلغاءها " معتبراً أن سلوك الطريقة المقترحة لن يلغي فكرة " المحاكمة والتنفيذ " والتي ستبقى " مطروحة وجاهزة " تطل برأسها في أي محطة من محطات هذه القضية مع الفرق الواضح في حساب المكاسب و الأرباح.
عندما يطغى صوت طيران التحالف الدولي على صوت النقاش يطوي كلا الفريقين أوراقهما ويمتشقان السلاح إستعداداً للقادم .. قد يكون القادم "مغامرة عسكرية محتملة" تُخَلِّصُ كلا الطرفين من خياراتهما المعقدة والصعبة وتطوي الملف برمته لكنها لن تخلص شمس الأيام القادمة من رائحة الدم الذي إلتصق بحياتنا جميعاً ولن تطوي صفحة الألم الذي يسكننا أينما رحلنا وحللنا.
تعليق