تتزايد ظاهرة اعتناق الإسلام في الغرب ( conversion to Islam ) بشكل ملحوظ . وما زالت أنباء من يعتنقون الإسلام تجد لها مساحة واهتمام في الإعلام الإسلامي ، وبشكل بسيط في الإعلام الغربي إلا في بعض الحالات ، عندما يكون من أعتنق الإسلام شخصية معروفة أو ذات مركز علمي أو سياسي . إن وجود ثمانية ملايين مسلم في أوربا الغربية يلعب دوراً هاماًفي هذه الظاهرة . فهؤلاءالمسلمون يعيشون بين ظهرانيالمجتمعات الغربية ، وبلا شك تنشأ علاقات بين الجانبين من خلال العمل ، الجيران ، والاحتكاك اليومي في الشارع والمدرسة وغيرها . ونتيجة لهذا ألاحتكاك تحدث لقاءات ومناقشات وحوارات تتعلق بالقضايا الثقافية والعقائدية كما أن الممارسات اليومية للمسلمين من عادات وتقاليد تمنح الفرصة للأوربيين التعرف عن قرب على الإسلام والمسلمين ، بل إن هذا التعامل المباشر مع المسلمين يلعب دوراًملحوظاً في رسم الصورة الحقيقية للمسلمين ، وهو بحد ذاته يشكل رداً ،إلى حد ما ، على كل الاتهامات التي يهاجم الإعلام الغربي الإسلام بها . وتوفرالمراكز الإسلامية والمساجد والمطبوعات الإسلامية فرصاً جيدة للتعرف على الإسلام وتعاليمه وأحكامه وعقائده .
لا احد يعلم كم هو عدد المعتنقين للإسلام في الغرب . ولاتوجد إحصاءات دقيقة بل هناك تخمينات وأرقام غير دقيقة تعتمد على الخبرة والتعامل مع المعتنقين . ففي هولندا ، يقدر عدد المعتنقين للإسلام بحوالي 15الف شخص . وفي فرنسا ، مثلا ، يتراوح عدد المعتنقين بين 50 ألف معتنق حسب تقدير أحد الباحثين الغربيين ، إلى 200 ألف معتنق حسب مصدر إسلامي في باريس[2] هذا التفاوت يعود إلى مبالغة المصادر الإسلامية من جهة وإلى محاولة التقليل من أهمية الموضوع من قبل الغربيين من جهة أخرى، إذ أن مايقلق المراكز المسيحية هو كيف يتقبل الاوربيون دين المهاجرين ؟
وسأحاول في هذه الدراسة الإجابة على التساؤل التالي : هل أن اعتناق الإسلام يحدث كنتيجة للنشاطات الدعوية التي تقوم بها المراكز الإسلامية والمساجد والإعلام أم يعود لأسباب ذاتية تتعلق بالفرد الأوربي الذي يجد الإسلام حلا للمشاكل والصعوبات التي يعانيها ؟ وسأحاول تسليط الأضواء على الدوافع النفسية والاجتماعية والدينية والظروف التي دفعتهم لاعتناق الإسلام . وهل هناك تأثير للعمر والجنس والتعليم والجو الاجتماعي في اتخاذهم قرار اعتناق الإسلام .
1-النشاط الدعوي الإسلامي في هولندا
إلى حد الخمسينات من هذا القرن لم يكن في هولندا سوى عدد ضئيل من المسلمين ، حيث كان عددهم عام 1960 يبلغ 1400 مسلم فقط [3] ارتفع عام 1992 إلى 484 ألف مسلم حيث يشكلون 3.2% من مجموع السكان الهولنديون البالغ عددهم 15مليون نسمة. [4] ويشكل الإسلام الدين الثاني في الدول الغربية ومنها هولندا حيث تبلغ نسبة المسلين ضعف مجموع بقية الديانات الأخرى عدا المسيحية ( اليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها).[5]
أنشأ المسلمون العديد من المساجد والمراكز الإسلامية لممارسة الشعائر الإسلامية وأماكن لإقامة النشاطات الاجتماعية والتعليمية والثقافية . وفي هولندا هناك 380 مسجداً موزعة على 128 مدينة . وتتركز هذه المساجد في المدن الكبرى حيث يوجد في أمستردام 29 مسجداً وفي روتردام 26 مسجداً وفي لاهاي 21 مسجداً.[6] وتوجد هناك مئات المنظمات والجمعيات الإسلامية تمارس أنواع النشاطات ، منها مثلاً ، 80 مسجداً للمسلمين المغاربة و96 مسجداً و6 مراكز شباب للأتراك . وتمثل هذه المنظمات الأقليات العرقية والمذهبية للجاليات الإسلامية المقيمة في هولندا . وتقوم بتحقيق الأهداف والنشاطات والخاصة بكل مجموعة عرقية أو توجه إقليمي أو سياسي معين . وتتركز نشاطاتها بين أعضائها بصورة رئيسية ، بينما لايحتل الجانب الدعوي بين غير المسلمين إلا هامشاً محدوداً ، يعتمد بالدرجة الأولى على المبادرات الفردية لبعض المسلمين الذين يمتلكون خلفية ثقافية وعلمية جيدة إضافةإلى إجادتهم اللغة الهولندية التي تلعب دوراً هاماً في التخاطب والحوار مع الهولنديين . إن الدعوة للإسلام عمل تطوعي وواجب إسلامي قد يقوم به أي فرد مسلم ، ولا يتحدد بهذا المركز أو تلك المؤسسة الإسلامية .
مركز المعلومات الإسلاميMuslim Information Center
وهو من أشهر المؤسسات في هولندا هو مركز المعلومات الإسلامي
Muslim Information Centrum ذات الصلة بالعمل الدعوي . وقد تأسس هذا المركز في لاهاي عام 1980 من قبل بعض المسلمين الهولنديين وعلى رأسهم عبد الواحد فان بومل ، الذي اعتنق الإسلام عام 1967 ، ودرس العلوم الإسلامية لمدة أربع سنوات في تركيا . وقد كان مديراً للمركز منذ تأسيسه حتى عام 1993 ، حيث يديره حالياً السيد عبد القيوم ، وهو مسلم من سورينام (مستعمرة هولندية سابقة).
تقام في المركز ندوات ودورات ومحاضرات للمسلمين الجدد (الذين اعتنقوا الإسلام مؤخراً) وكذلك غير المسلمين (الهولنديين) الراغبين في التعرف على الإسلام . وتتضمن المحاضرات تقديم معلومات وافية عن تعليم وعقائد الإسلام ، وغالبا ما تعقبها مناقشات غير محدودة .[7]
وقد ذكر السيد عبد القيوم بأنه عادة تنصح الهولنديين الراغبين في اعتناق الإسلام والنطق بالشهادة بالتريث حتى يأخذوا فكرة كافية عن الإسلام ، وأن تتوضح لهم قواعد وتعليم الإسلام بصورة وافية يتمكنوا بواسطتها من تكوين قناعات متينة يمكن أن تكون أرضية صلبة لاتخاذ قرار الاعتناق ومايتبعه من نتائج ومسؤوليات . اذ ليس بالمستطاع التراجع عن هذا القرار ، إنه قرار أبدي بنظر الإسلام ، فمن يتراجع يعتبر مرتداً وسيتحمل عقوبة إلهية . وتستمر الدورات ثلاثة أسابيع في المركز ، بعد ذلك يكون المشاركون مستعدين للنطق بالشهادة.[8] بعدها يمنح المعتنق شهادة رسمية تؤيد اعتناقه الإسلام ، حيث يمكن استخدام هذه الوثيقة لإثبات وضعه الجديد وخاصة عند الزواج بمسلم أو مسلمة ، أو الذهاب إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج . وهناك دورات خاصة بالنساء تقوم فيها بعض النساء الناشطات في إعطاء محاضرات. ويقوم مركز المعلومات الإسلامي بترتيب زيارات إلى السجون والمستشفيات ومراكز استقبال اللاجئين ومراكز الشرطة والمؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بالمسلمين ، حيث يقوم المركز بإعطاء معلومات حول الإسلام وتعاليمه ، ومواجهة المشاكل التي تواجهها هذه المؤسسات والتي تنشأ بسبب نقص الفهم للإسلام وأحكامه . وقد حدث أن أحد الموظفين الاجتماعيين قد اعتنق الإسلام بعد سماعه المحاضرات . أن هدف المحاضر كان إعطاء فكرةواضحة عن الإسلام كي يتفهموا طبيعة ومشاعر المسلمين الذين يتعاملون معهم ، ولكنه الإسلام العظيم الذي وجد أرضا خصبة فنمت بذرته وأثمرت . ويقوم المركز بلقاء أولئك النزلاء في المؤسسات المذكورة من أجل دعوتهم للإسلام أو التأكيد على التزام المسلمين منهم به.ويقوم المركز بإصدار كتب ومطبوعات وأشرطة كاسيت ، تتضمن معلومات فقهية ،تفسير آيات قرآنية ،التاريخ الإسلامي والقضايا المعاصرة ، وكلها باللغة الهولندية . كما يقدم المركز خدمات أخرى مثل إجراء عقود الزواج والذبح الإسلامي ، إضافة إلى خدمات أخرى هي إقامة صلاة الجمعة وصلاة العيدين والاحتفال بالمناسبات الإسلامية . إن المسلمين الهولنديين هم النسبة العظمى من المترددين على المركز . ويقوم المركز بهداية حوالي 100هولندي وهولندية إلى الإسلام سنويا .
وحول مواصفات الداعية الإسلامي يقول عبد القيوم " على الداعية أن يمتلك القدرة والجدارة وخلفية جيدة من المعرفة الإسلامية ، إضافة إلى إلمام جيد بالديانة والثقافة الهولندية وطبائع المجتمع وعاداته ، وكذلك معرفة كافية بالفرق والطوائف المسيحية كالكاثوليكية والبروتستانتية والكالفنية ، لأنه قد يكون معرضا لأسئلة من إتباع تلك الطوائف يسال عن الفرق بينها وبين الإسلام والمفروض به أن يعطي أجوبة مقنعة .
منظمة المسلمات الهولنديات (Dutch Muslim Women )
وقد تأسست هذه المنظمة التي تسمى (An-Nisa) في أمستردام عام 1980 . وتقوم المنظمة بالعديد من النشاطات التي تتركز في إعطاء محاضرات ومعلومات حول الإسلام والحياة الإسلامية . وغالبية المشاركات هن من الهولنديات اللائي اعتنقن الإسلام ويرغبن بتلقي المزيد من المعرفة حول الإسلام . وقد كان الدافع الرئيسي لتأسيس "النساء" هو أن اغلب المنظمات الإسلامية هي منظمات رجالية ، وتستخدم لغة قومية أخرى غير الهولندية مما يعني عدم استفادة غير الناطقين بها . إن اغلب الرجال المسلمين يمانعون في ذهاب نساءهم (بنات ، زوجات ، أمهات وأقارب)إلى المنظمات الإسلامية ، ولكنهم لايمانعون في ترددهن على منظمات نسائية . إن المسلمات الهولنديات سرعان ما يفقدن علاقتهن مع أقاربهن وصديقاتهن بعد اعتناقهن الإسلام . والمجتمع الهولندي يولي أهمية للعمل والجماعة المنظمة . ومنظمة النساء منظمة مستقلة وإسلامية على المذهب السني ، وهي غير تابعة أو مرتبطة بأي مسجد أو جماعة رجالية .[9]
الإذاعة الإسلامية الهولندية (Dutch Islamic Broadcast )
من المؤسسات الإسلامية الهامة في هولندا هي الإذاعة الإسلامية الهولندية
Nederlandse Moslem Omroep ويرمز لها (NMO) . وكانت فكرة إنشاء الإذاعة قد طرحت عام 1979، ولكنها استغرقت سبع سنوات حتى تحققت عام 1986 . وتدار من قبل الأقليات المغربية والتركية والسورينامية . وتقوم وزارة الثقافة الهولندية بتمويلها . ويديرها حاليا عبد الواحد فان بومل . وبدأت نشاطها ببث برامج إذاعية وتلفزيونية أسبوعية ، والتي تتضمن برامج تلفزيونية تعرض الآراء الإسلامية والفكر الإسلامي إضافة إلى متابعة شؤون المسلمين وتقارير عن أوضاعهم وما تعرضه وسائل الإعلام الغربية . وتعقد ندوات وحوارات مع مفكرين مسلمين ، كما تتضمن مناقشة القضايا الهامة للمسلمين سواء خارج هولندا أو المقيمين فيها ، كما تستضيف أناس اعتنقوا الإسلام للتحدث حول تجاربهم ومشاكلهم . وأما البرامج الإذاعية فهناك برامج باللغات العربية والتركية والهولندية .
يعتمد موقف الإذاعة الهولندية على التنديد بالعنف واستخدامه أو المشاركة فيه بأي طريقة . وتشجيع الحوار بين الديانات السماوية ،الإسلام والمسيحية واليهودية ، التركيز على الشباب الذي يواجه الانحراف أثناء بحثه عن السعادة ، حيث تسعى الإذاعة لمساعدتهم في تفادي الانحراف .[10]
أما أهداف الإذاعة فهي :
1-أن البرامج موجهة لكافة قطاعات المشاهدين والمستمعين من الذين يلعب الإسلام دوراً مركزياً كديانة وأسلوب للحياة Lifestyle .
2-تشجيع اندماج المسلمين في المجتمع الهولندي .
3-التأكيد على غير المسلمين وإيصال المعلومات الصحيحة وكسب ثقتهم بالإسلام والثقافة الإسلامية .
4-إن البرامج لن تشكل أية دعاية لأي تيار ديني أو حزب سياسي أو حكومة .
5-معاملة المذاهب والفرق الإسلامية بمستوى واحد .[11]
وحسب المعلومات الإحصائية فان أغلبية مشاهدي برامج تلفزيون الإذاعة الإسلامية هم من الأقليات الإسلامية ، بينما لاتتجاوز نسبة المشاهدين الهولنديين سوى 5% فقط .
(جدول يمثل نسبة مشاهدة برامج الإذاعة الإسلامية الهولنديةNMO )
من المعتاد استخدام الإذاعة والتلفزيون كمنبر للدعوة الدينية ونشر مبادئها بين مشاهديها ومستمعيها . ولاتوجد معلومات أو تقييمات لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الوسائل الإعلامية في الترويج للعقائد الدينية أو تأثيرها في تغيير عقائد الناس أو اعتناقهم العقيدة أو المذهب التي تروج له ومن المعلوم أهمية الإعلام في المجال السياسي وتأثيره على الرأي العام داخلياً وخارجياً في تدعيم مواقف الجماعات السياسية والحكومات . ويبدو من الصعب التمييز بين الإيمان الديني والموقف السياسي وردود الأفعال العاطفية تجاه البرامج التي تبثها الإذاعة . يقول مدير الإذاعة عبد الواحد فان بومل أن 70% من ردود الأفعال التي تتلقاها الإذاعة هاتفيا بعد عرض البرنامج تأتي من المشاهدين الهولنديين ، مع أن نسبتهم قليلة من مجموع المشاهدين . يعود ذلك إلى عدم تعود المسلمين المهاجرين على التعبير عن آرائهم سواء بالهاتف أو الرسائل . تضمن بعض ردود الأفعال اعتراضات على بعض البرامج التي تتضمن مواقف وأفكار لاتنسجم مع أفكارهم ، مثلا وردتنا ردود أفعال عديدة اثر عرض تحقيق عن أوضاع المسلمين في جنوب لبنان ومعاناتهم اليومية من الاحتلال الإسرائيلي إذ تركز البرنامج على عرض وجهة نظر الجانب اللبناني وليس الجانب الآخر.[12]
ديناميكية اعتناق الإسلام
الموضوع المتجاهل
إن موضوع اعتناق الإسلام قلما تعرض للبحث والاهتمام من قبل الباحثين الغربيين، ويلاحظ ذلك توماس آرنولد T.W. Arnold إذ يقول أن الكتابات الإسلامية ضعيفة في تسجيل ما يتعلق باعتناق الآخرين بالإسلام . بينما يحظى هذا الأمر بأهمية خاصة في كتابات الكنيسة المسيحية . ويؤيد الباحث الفرنسي ريشارد بولييه Richard Bulliet ذلك، ويقول أن الاهتمام بهذا الموضوعأخذ يتزايد فقط بالسنين الأخيرة . إن عمليات اعتناق الإسلام الواسعة التي غيرت التاريخ جذرياً عبر توحيد سكان الشرق الأوسط في الديانة الجديدة ستكون بحاجة إلى مؤرخين جدد هذه المرة . ويتساءل الأمريكي لاري بوستون : لاأحد من هؤلاء الباحثين والمؤلفين طرح سبب هذا الإهمال.[13]
ويسأل المستشرق الأمريكي ستيفن همفريز R. Stephen Humphreys، صاحب كتاب التاريخ الإسلامي Islamic History الذي قضى في تأليفه أكثر من عشر سنوات ، وتعتمده الجامعات ككتاب أكاديمي في الدراسات الإسلامية ، نفس السؤال ثم يضيف " إن موضوع اعتناق الإسلام بقي مهملا في حقول الدراسات الإسلامية . إن جميع الدراسات الهامة في هذا الموضوع يمكن تدوينها في صفحة واحدة فقط ! لايوجد أي عمل يقوم بتعريف هذا المجال من الدراسات ويضع الخطوط الرئيسية للبحوث المستقبلية".[14]
بعد أن يعرّف الاعتناق Conversionبأنه عملية تبديل مجموعة من المعتقدات الدينية والشعائر من دين إلى آخر ، يعلل همفريز هذا الإهمال ويعزوه إلى " أن المستشرقين الغربيين ، إلى حد الحرب العالمية الأولى على الأقل ، كانوا يضمرون – إن لم يكن صراحة – عدائهم للإسلام . وأن هذا النمط من التفكير قادهم إلى سلوك منحرف . إن موضوع اعتناق الإسلام يعني انه عقيدة تتفوق على المسيحية واليهودية.[15]
إن من أهم الدراسات التي تناولت موضوع اعتناق الإسلام هي:
1 -( اعتناق الإسلام )To IslamConversion لـ " لفشن نهيميا" الصادرة عام 1979 .
2- ( اعتناق الإسلام في العصور الوسطى)Conversion To Islam in the medieval period لريتشارد بوليه ، الصادر عام 1979 .
3- ( الدعوة الإسلامية في الغرب ) Islamic Da'wah in the west لـ لاري بوستون ، والصادر عام 1992 .
الدراسات النفسية والاجتماعية Socio-psychological studies
منذ بداية هذا القرن ،طرحت عدة نظريات تشرح ظاهرة التحول الديني Religious Conversionوتحاول تفسير الدوافع النفسية والاجتماعية التي تجعل الفرد يغير عقيدته ودينه. وقد حظيت ظاهرة التحول الديني باهتمام تدريجي بين علماء النفس والاجتماع والمؤرخين إضافة إلى اللاهوتيين . وهذه قائمة بأهم الدراسات النفسية والاجتماعية واللاهوتية 17:
1- (سايكولوجية الديانة) قام بها "ادوين ستار بوك " عام 1900 .
2- (تنوع الممارسة الدينية ) قام بها " وليم جيمس " عام 1958 .
3- ( أن تصبح منقذ العالم : نظرية في التحول الديني ) قام بها كل من جون لوفلاند و رودني ستارك عام 1965 .
4- ( بعض العوامل النفسية في التحول الديني ) قام بها أف . جي . روبرتس عام 1965 .
5- ( الاعتناق تحت الهيمنة الإسلامية : دراسة مقارنة ) قام بها ليفشن نهيميا عام 1981 .
6 – ( تغيير القلب : اختبار بعض النظريات المتعلقة بالتحول الديني ) قام بها ماكس هيرخ عام 1977 .
7 – ( سايكولوجية الديانة والتحول الأيديولوجي ) قام بها ليون سازلمان عام 1953 .
إن هذه الدراسات تركز على الجانب النفسي والاجتماعي ، إذ تحاول التأكيد على أن الذين يغيّرون ديانتهم هم من الأشخاص المريضين نفسياً ، أو لديهم مشاكل اجتماعية يحاولون التخلص منها باللجوء إلى الحل الديني . وهذا لا ينطبق على موضوع اعتناق الإسلام لكن هذه الدراسات تتضمن تحليلات وملاحظات هامة ، وسأقوم بمقارنتها بالنتائج التي حصلت عليها من خلال المقابلات التي أجريتها مع عدد من الذين اعتنقوا الإسلام .
نتائج الدراسة
أن هدف الدراسة هو تحديد طبيعة اعتناق الإسلام في البيئة الغربية ، في هولندا ، انطلاقاً من الخصائص النفسية والاجتماعية والدينية لهؤلاء المعتنقين من حيث العمر ، الجنس والخلفية الدينية والتعليم وغيره ، إضافة إلى الدوافع التي جعلتهم يقررون اعتناق الإسلام بالذات دون غيه من العقائد والأديان والأيديولوجيات . وسأحاول تحديد الدور الذي تقوم به الدعوة الإسلامية في اعتناقهم الإسلام . وقد أجريت لقاءات مع سبعة أشخاص ، أربعة رجال وثلاث نساء ، كانوا قد اعتنقوا الإسلام في أوقات متفاوتة، بعضهم منذ 25 سنة وآخرون اقل من ذلك ، وبعضهم كنت الشاهد على اعتناقهم الإسلام ووفقنا الله سبحانه وتعالى لشرح التعاليم الإسلامية لهم قبل اعتناقهم . ولغرض المحافظة على سرية المعلومات الشخصية التي أدلوا لي بها سأتجنب ذكر أسمائهم .
عدد وجنس المعتنقين للإسلام
يقدر عدد الذين اعتنقوا الإسلام في هولندا بحوالي 15000 شخصاً . ولايوجد أي مصدر يمكنه تزويدنا بالرقم الحقيقي . ويعلل المستشرق الهولندي فان كوننكز فيلد Van Koningsveld بان هذا النقص يعود " لأسباب شخصية حيث أن المقررات الدستورية تفصل الدين عن السياسة ، مما يعني عدم وجود تسجيل رسمي للمواطنين يبين انتمائهم وعقائدهم الدينية [16] . إن اغلب المعتنقين للإسلام غير مسجلين كمسلمين في أي مكان ، فمركز المعلومات الإسلامي في لاهاي يقوم بسجيل أولئك الذين ينطقون بالشهادة فيه . كما أن المعتنقين يحتفظون بأسماهم الغربية في السجلات والأوراق الرسمية كجواز السفر وإجازة السياقة والسجل المدني وغيرها . إن النساء يشكلن الغالبية العظمى من الذين يعتنقون الإسلام . وتبلغ النسبة حوالي 80%.[17] إن هذه النسبة العالية بين النساء الهولنديات هي على عكس منها بين النساء الغربيات حيث أن نسبة النساء اللائي يعتنقن الإسلام تبلغ في أمريكا 50% وفي أوربا هي 32%.[18] ويحاول لاري بوستن تفسير هذه الظاهرة أي انخفاض نسبة اعتناق الإسلام بين النساء الأوربيات عنه بين النساء الأمريكيات فيقول " إن الإعلام الغربي يعرض المرأة المسلمة على أنها محجبة منعزلة غير متعلمة، واعتبارها أكثر قليلاً من المواد الممتلكة من قبل الرجل مما يجعلها مدانة بنظر المرأة الغربية المعاصرة. كما أن الملابس التقليدية للمرأة الشرقية وأسلوبها الاجتماعي لايمكن اعتبارهما كقاعدة في البيئة الغربية . ويقوم الإعلام الغربي بتضخيم قضية استعباد الرجل للمرأة ؛مما يوثر في تشويه صورة المرأة ،كل ذلك يمكن أن يكون سبب إعراض المرأة عن اعتناق الإسلام ".[19]
وإذا كانت الأسباب المذكورة أعلاه تنطبق في أوربا الغربية فلماذا تختلف الوضعية في هولندا وهي جزء من أوربا؟حيث ترتفع نسبة النساء المعتنقات للإسلام 0 إن أغلب الهولنديات المسلمات يتقيدن باللباس الإسلامي 0 لقد ذكرت لي سيدتان مسلمتان بأنهما كانا يعلمان قبل إسلامهما بضرورة ارتداء الحجاب، وأنهما واجهتا صعوبات في ارتدائه في محيطهما .فالناس من حولهما يسألونهما دائماًعن ذلك الزي المرتبط في أذهانهم بالنساء الشرقيات .وهما مضطرتان للإجابة على تلك الأسئلة .أغلب النساء المعتنقات يعانين من هذا الأمر وخاصة في العمل .وبعضهن اضطررن لترك العمل أو طردن منه لهذا السبب بالذات.
يعتبر الزواج أهم عامل في اعتناق الهولنديات للإسلام ،وهذا ما يتفق عليه الجميع ،من الدعاة للإسلام أو المعتنقين أنفسهم . وهذه الحقيقة تناقض تحليلات لاري بوستن L .Poston الذي يقول بأن المرأة الأوربية في الزواج من مسلم . ثم يضيف " لاتوجد معلومات إحصائية حول هذه القضية ".[20] أن هذا الموضوع بحاجة إلى بحث أكثر من اجل الوصول إلى نتائج منطقية تفسر طبيعة سلوك المرأة الغربية تجاه الرجل المسلم . لقد اعتمد لاري بوستن في استنتاجه ذاك على دراسة بريطانية قامت بها السيدة حرفية بل Harfiyah Ball.[21]
إن ذلك يشير إلى أن المرأة الهولندية لاتجد صعوبة أو عائقاً في الزواج بالمسلم أو بالأجنبي عموماً . صحيح أنه لاتوجد إحصائيات في هولندا تبين نسبة أو عدد النساء الهولنديات المتزوجات بمسلمين أو أجانب ، ولكن ارتفاع نسبة الهولنديات المعتنقات للإسلام يمكنها أن تدعم الاستنتاج الذي ذكرته .
برأي الإسلام ، كما يعرضه السيد أبو القاسم الخوئي ( لايجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعاً ، لادواماً ( زواجاً دائماً) ولاانقطاعاً ( زواج متعة) . وفي الكتابية قولان أظهرهما الجواز في المنقطع بل وفي الدائم ايضاً).[22] ذلك يعني أن بإمكان المرأة غير المسلمة الاحتفاظ بديانتها (المسيحية أو اليهودية أو المجوسية أو الصابئية )[23] بعد زواجها بمسلم. ومع ذلك وجدت أن المرأة الهولندية تبدي رغبة لاعتناق الإسلام بعد زواجها ، إن لم تكن قد اعتنقته قبل الزواج . ويفضل المسلمون الملتزمون بالتعاليم الإسلامية أن تعتنق زوجاتهم الإسلام قبل الزواج . أما المرأة المسلمة فلا يجوز لها أن تتزوج بغير المسلم . وهذا الأمر يدفع العديد من الرجال غير المسلمين لإشهار إسلامهم قبل زواجهم بمسلمة . وقد كان أحد الشباب المعتنقين للإسلام والذي أجريت معه مقابلة،قد اتخذ ذلك القرار لأنه أراد الزوج بفتاة مسلمة .
بالنسبة للديانات السابقة للمعتنقين فقد تضمنت المذاهب المسيحية ، الكاثوليكية ، البروتستانتية والكالفنية . وكانت هناك حالات نادرة في هولندا ، إذ أسلم شاب هندوسي ، كما أسلمت فتاة يهودية . أما بالنسبة للمذاهب الإسلامية فأغلبية المعتنقين أسلم وفق المذاهب السنية ، كما يوجد البعض ممن يؤمن بالمذهب الشيعي الاثنا عشري .ولوحظ حالات يكون فيها المعتنق يميل للتصوف والصوفية . ويعود ذلك إلى مذهب المسلم الذي أقنعه أو المؤسسة التي أشهر إسلامه فيها .
أعمار المعتنقين للإسلام
إن معدل العمر بين معتنقي المسيحية – أي الذين يتحولون من مذهب مسيحي إلى آخر – يتراوح بين 15- 16 عاماً.[24] في ذلك السن – في مرحلة المراهقة- يبدأ المرء برفض ديانة الوالدين. وينطبق هذا الأمر إلى حد ما على الهولنديين المعتنقين للإسلام ، فقد ذكر أحد الرجال انه كان يراوده مثل ذلك الشعور عندما كان في سن 15- 16 عاماً . وذكرت إحدى السيدات أنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة عندما كان عمرها 18 عاماً ، كما قال شاب آخر انه لم يجد ما يثير اهتمامه بالدين عندما كان في سن مبكر ، بين 10- 12 عاماً ،أي قبل المراهقة . ويقول رجل آخر أنه عندما كان في سن 14 عاماً ، كانت لديه تساؤلات مما جعله يرفض ديانته المسيحية ومذهب الكالفنية Calvinism ، كما رفض أداء قسم الولاء للدين . هذا القسم يؤدي بين سن 12 و 18 عاماً .
إن معدل أعمار المعتنقين للإسلام – أي عمرهم حين إي أعمارهم حين اعتناقهم – يبلغ في أمريكا 29 عاماً . وفي أوربا ( 7،33) عاماً . أما في هولندا فإن الصورة التقريبية هي :
الأكثرية 25-35 عاماً ( بمعدل 30 عاماً )
الفئة الثانية ( الأقلية ) 18 -25 عاماً ( بمعدل 5 ،21 عاماً)
الفئة الثالثة ( الأقل ) أكثر من 40 عاماً
لقد كانت أعمار الذين أجريت معهم مقابلات كالآتي : بالنسبة للرجال 23، 28 ،29 ،30 عاماً .أما النساء فكانت أعمارهن 26 ، 29، 34 عاماً على التوالي. فيكون بذلك معدل العمر حين اعتناق الإسلام هو (4،28) عاماً ، مما يعني أن الهولنديين يعتنقون الإسلام في سن أقل من نظرائهم الأوربيين والأميركيين .
ويمضي المعتنق الغربي فترة طويلة نسبياً حتى يصل إلى قرار اعتناق الإسلام ، اذ تبلغ (14.6) عاماً.[25] وهذه الفترة تمثل المدة من بداية رفضه للديانة السابقة إلى أن يصبح مسلماً.أما في هولندا فتبلغ حوالي (13.4) عاماً ، إذا اعتبرنا أن معدل العمر حين البدء برفض الديانة السابقة يبلغ 15 عاماً. ويدل ذلك على أن الفرد الهولندي يحتاج إلى وقت أقل من بقية الغربيين كي يعتنق الإسلام .
دور النشاط الدعوي في اعتناق الإسلام
كما ذكرنا سابقاً ، فان الدعوة للإسلام ، عموماً ، تبقى معتمدة على المبادرات الشخصية أكثر من العمل المنظم . وهناك بعض المؤسسات الإسلامية التي تمارس النشاط الدعوي ، ولكنها لاتمثل كل النشاط الدعوي ، ولاتدعي ذلك أيضاً.
إن وجود المسلمين في المجتمع الهولندي له تأثير كبير في ظاهرة اعتناق الإسلام حيث يوجد حوالي نصف مليون مسلم حالياً . إن هذا العدد من المسلمين لايعني بالضرورة أنهم كلهم ملتزمون بالتعاليم والأحكام الشرعية ، أو أن أفكارهم وسلوكهم نابعة من شعور ديني محض . ورغم أنهم يصفون رسمياً من المسلمين ، ولكن يمكن تقسيمهم إلى عدة فئات حسب التزامهم الديني إلى: [26]
1. الملتزمون The Confessionals وهم الذين يؤدون الشعائر الإسلامية
ويعتبرون الإسلام ليس دينا فحسب بل طريقة اجتماعية – ثقافية في الحياة .
2. المعتقدون The Believers وهم الذين يقبلون الأحكام الدينية والقواعد الاجتماعية – الأخلاقية الإسلامية، ولكنهم لايلتزمون بأداء الواجبات الدينية .
3. المتحررونThe Liberals وهم الذين يعتقدون ببعض القيم الأخلاقية والمبادئ الفلسفية للإسلام، لكن لديهم انتقادات أو يرفضون بعض المظاهر الدينية وخاصة فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية – السياسية .
4. اللاأدريةThe Agnostics وهم الذين لايؤمنون بالأحكام والتعاليم الإسلامية، ويرفضون أن يكون الدين أساساً للحياة الاجتماعية –الثقافية .
هؤلاء المسلمون يعيشون بين ظهراني المجتمع الهولندي ويقيمون علاقات وصداقات ، ويحاول الملتزمون منهم أن يشرحوا الإسلام للهولنديين . وقد تأثر هؤلاء سواء بالحوار والحديث أو من خلال الممارسات الإسلامية والعادات الشرقية التي يجد الغربيون فيها نمطاً جديداً من التفكير والسلوك ، أقرب للبساطة والفطرة والذوق الإنساني من الأفكار والفلسفات والعادات الأوربية .
شهادات من الواقع
إن جميع الذين التقيتهم قد صرحوا بتأثّرهم بصديق أو أصدقاء مسلمين ، وأنه كان لهم دور في اتخاذ المعتنقين قرارهم بإشهار الإسلام . ذكر لي أحدهم بأنه "كان لي صديق مسلم وكان يحثني عن الإسلام ، فوجدت نفسي مهتماًبالأمر . عندما بلغ عمري 22 عاماً ، تزوج صديق لي بفتاة مسلمة . لقد ذهبت معه للإقامة بين تلك الجالية الاندونيسية المسلمة . لقد مكثت بينهم ثلاثة شهور تعرفت خلالها على الإسلام وعقائده . لقد كانوا يمتازون بالبساطة ودماثة الخلق . بعد ذلك قررت أن أصبح مسلماً".
وتقول سيدة مسلمة : لقد تعرفت على شاب عراقي مسلم ، أخذ يحدثني عن الإسلام . لقد كان الإسلام شيئاً غامضاً في ذهني، وكنت أحمل الصورة السلبية التي رسمتها وسائل الإعلام الغربية . لقد كان يشرح لي المفاهيم الإسلامية وفلسفة الأحكام الشرعية .
وتقول شابة أخرى :لقد التقيت بشاب عراقي متدين ، وكان يتحدث عن الإسلام بطريقة عقلانية وثقة . في البداية لم تكن لي رغبة في الحديث عن الإسلام لما في ذهني من نظرة سلبية تجاهها ، ولكن فيما بعد وجدتني أصغي إليه باهتمام . ومن جانبه لم ييأس أو يتردد أو يخجل من عرض الإسلام وتعاليمه علي.
يقول شاب مسلم لقد تعرفت إلى فتاة مسلمة أثناء قضاء إجازتي في المغرب وأعجبت بها ولما قررنا الزواج قالت لي يجب أن تصبح مسلماً كي يمكنك الزواج بي ، أنا سعيد الآن بالاثنين ، بالزواج وباعتناقي الإسلام .
ذكر لي رجل " لقد هاجرت إلى جنوب أفريقيا ، وتعرفت هناك على صديق أسود . كان سكيراً عصبياً فوضوياً . وبعد سنوات من الفرق التقيته وكان قد أصبح مسلماً . لقد تغير كلياً ، لقد أصبح هادئاً رزيناً يتحدث بنمطق جديد وأفكار إنسانية لم نسمع بها من قبل . صار أكثر شفافية ومتمسكاً بالروحيات حتى غدا متصوفاً . لقد أصبت بصدمة عندما شاهدت ذلك الانقلاب الكبير في شخصيته ، وتساءلت في نفسي : ماهي هذه القوة التي قلبت كيان صديقي رأساً على عقب؟ إن هذه القوة القادرة على فعل هذه المعجزة لجديرة بالإحترام والتقدير ، بل وبالعبادة ، عندها قررت أن أصبح مسلماً ."
أما اتصالهم بالمراكز الإسلامية والمساجد ،فقد حدث قبيل الإسلام أو بعده . فقد ذكر بعض الهولنديين أنهم تلقوا دروساً في الإسلام في مركز المعلومات الإسلامي في لاهاي . وقال أحدهم " عندما كنت في سن 18 عاماً ذهبت إلى مسجد الأحمدية في أمستردام – كان المسجد الوحيد آنذاك – كانت المحاضرة قد جذبتني بعمق بأفكارها ومفاهيمها الإسلامية". وذكر رجل آخر بان استعار نسخة من القرآن الكريم من مسجد في لاهاي ، ثم نطق بالشهادة في نفس المسجد .
إن الأفراد المسلمين والدعاة الناشطين يلعبون معاً دوراً مشتركاً في عملية التحول واعتناق الإسلام . فالفرد المسلم يهدي غير المسلم نحو الإسلام ، بطريقة ما ، عبر العلاقة الشخصية والحوار والنقاش حتى يقتنع بالإسلام ، ثم يبدأ دور الداعية الإسلامي في ترسيخ البناء العقائدي له وتزويده بالمعلومات اللازمة من عقائد ومفاهيم وتعاليم إسلامية ، عبر الدروس والمحاضرات والنقاشات المفتوحة والكتب والمطبوعات . والبدء بردم بقايا تعاليم الديانة السابقة وإحلال التعاليم الإسلامية محلها . فإذا ما طويت هذه المراحل يصبح الفرد مستعداً لإشهار الإسلام والنطق بالشهادة ، ويصبح مسلماً جديداً وعضواً في المجتمع الإسلامي الكبير. وقد يلعب أي فرد مسلم دور الداعية للإسلام بشرط أن تكون لديه المقدرة والكفاءة في إدارة الحوار وإقناع الآخر بالتعاليم الإسلامية ، مع مراعاة كل حالة وظروفها ومستوى تعليمها واهتمامها . فقد نجح احد المؤمنين العراقيين في إقناع امرأتين غربيتين ليس باعتناق الإسلام فحسب ، بل بالزواج منهم .أن تعدد الزوجات الغربيات يعتبر من الحالات النادرة .
دوافع التحول الديني Conversion
يشير العالم النفسي المختص بالديانات ، وليم جيمس William James إلى أن اعتناق الديانة الجديدة هو عملية تدريجية أو فجائية ، عندما يتنازع الشخصية شعوران:أحدهما شعور واعي بالخطأ والتعاسة، يتحول بعدها إلى شعور واعي بالصواب والسعادة ، يترسخ تدريجياً بالحقائق الدينية.[27] ويعرف عملية التحول الديني بأنها " في جوهرها ظاهرة عادية في مرحلة المراهقة ، حين يجتاز المراهق هذه المرحلة نحو النضج والانتقال من عالم الطفولة إلى الحياة الناضجة بما تتضمنه من مشاعر روحية وتطور عقلي واسع".[28] ويعزو عملية التحول إلى عوامل أخرى مثل الفشل في الاندماج الاجتماعي نتيجة انحرافات نفسية Psychological Malformation أو مرض ذهني Mental illness عندها يعتقد أن التحول إلى ديانة أخرى سيكون حلاً لمشكلة الاندماج".
ويميز وليم جيمس بين نوعين من التحول الديني ، احدهما واعي وتطوعي
Conscious and Voluntary بينما النوع الآخر يكون إجبارياً ولاواعياً
Involuntary and Unconscious .ويحدث هذا الأخير في القسم اللاشعوري واللاواعي من الدماغ ، ويوصف عادة بالتحول الديني التلقائي.[29]
ويرى ليون سالزمان Leon Salzman بأن التحول التلقائي لايحقق مهمة الاندماج ، وفي أحسن الأحوال يكون حلاً مؤقتاً للمشاكل النفسية.[30] لقد أجرى روبرتس F.J Roberts دراسة شملت 43 طالباً من اللاهوت ، تبين أن 23 طالباً منهم قد شهد تحولاً فجائياًSudden Conversion داخل المسيحية. ووجد أن الانبساط أو الاهتمام بخارج الذات Extroversion والعصاب Neuroticism قد توزعا على كلا المجموعتين دون تفاوت ، ثم استنتج بأن العصاب ليست له علاقة بنوع التحول الديني . وهذا على العكس ما اعتقده ليون سالزمان.[31]
وكان سالزمان Salzman قد قدم نظرية اعتمد في وضعها على مشاهداته وخبرته في معالجة المرضى النفسيين حيث يقول : إن التحول الديني يحدث بعد شعور طاغٍ بالاستياء والكره والعداء وميول تدميرية Destructive Tendencies، وليس من خصائصه الانسجام والسمو والسعادة والاستقامة الواعية . وقد ذكر سالزمان أن المتحولين إلى الديانة الجديدة يتصفون بما يلي :
1.حدة مبالغ فيها ولاعقلانية في إيمانهم بالعقيدة الجديدة .
2.علاقتهم بالمظهرأكبر من اهتمامهم بمبادئ المعتقد الجديد .
3.موقفهم تجاه الديانة السابقة يتسم بالاحتقار والضغينة والرفض .
4.عدم التسامح تجاه أي شيء أو أي شخص يشكل انحرافاً عن العقيدة الجديدة .
5.حماسة (صليبية) في تحويل الآخرين إلى العقيدة الجديدة .
6.نزعاتهم الماسوشية/ السادية Masochistic / Sadistic Tendencies تدل على رغبتهم في الاستشهاد Martyrdom ، واستغراقهم في إنكار الذات Self-Denial.[32]
قدم جون لوفلاند John Lofland ورودني ستارك Rodney Stark نظرية يعزوان فيها التحول الديني إلى نفسية ارتدادية أو عكسية Reverse Psychology . لقد افترضا أنه في المجتمعات الغربية ذات الشعور العالي بالفردية Individuality غالباً ما ينجذب الفرد إلى وجهة نظر مجهولة وغامضة ويقلل من شأن النظام الذي يعيشه . وعندها يصبح التحول بمثابة اعتراض على الظروف العائلية والاجتماعية التي تبدو اقل من الحالة المثالية التي يصبو إليها.[33] وبناء على تلك النظرية فقد قدما تفسيراً لطبيعة الظروف والعوامل التي تهيئ هؤلاء الأشخاص للتحول الديني ، هذه المراحل هي :
1.التوتر Tension حيث تتجاذب الفرد حالتان هما الوضعية الخيالية المثالية والحالة الواقعية التي يعيشها . هذا التجاذب يؤدي إلى الشعور بالإحباط والغضب أو العجز .
2.أن يكون للمتحول Convert منظور ديني لحل المشكلة ، فلم يتحدث احد من أولئك المتحولين إلى ديانة أخرى عن حل نفسي أو سياسي للمشاكل المطروحة . إن اغلبهم قادمون من مدن صغيرة أو مجتمعات متدينة ، لذلك هم يعتقدون أن الحل يمكن في الإيمان الديني . ومع اعترافهم أنالقناعة الدينية حلولا جيدة لمشاكلهم ولذلك كان عليهم أن يبحثوا عن حل آخر .
3 – مرحلة البحث Seekership فكل واحد منهم يصنف نفسه بأنه رحالة
يسافر من أرض إلى أخرى بحثاً عن إمكانيات جديدة سواء في النمط
الحياتي أو النظرة للعالم . إن كل فرد منهم يبلغ في مرحلة معينة نقطة الانعطاف Turning Point وهي اللحظة التي تبدأ فيه العقيدة القديمة قد
اكتملت أو فشلت أو تعطلت .
4- مرحلة الإيمان التأملي – الشخصي Individuative- Reflective
Faith وتمتد هذه الفترة من سن البلوغ وحتى سن 35 عاما . وتدعى
بمرحلة (نقض الأسطورة Demythologizing Phase) حيث يبدأ
بالادعاء بهوية يمكن تعريفها بأنها مجموعة مركبة من الأدوار والمعاني مع
بعضها .
5- مرحلة الإيمان الموحد Conjunctive Faith حيث تبدأ في منتصف
العمر، حين يبدأ التكامل مع النفس والنظرة للحياة . وفي هذه المرحلة
يدرك الفرد العبارات الموهمة Paradoxes ، كما يعي الحقائق المتناقضة ،
ويكافح لتوحيد هذه المتناقضات في العقل والتجربة .
6- وتحل هذه التناقضات في المرحلة السادسة ، وهي مرحلة الإيمان العالمي
Universalizing Faith. وفي هذه المرحلة يظهر النشاط وتجسيد
الالتزامات في الحب المطلق والعادلة المطلق على الرغم من تعريض نفسه
أو جماعته للمخاطر أو الترتيبات العرفية للواقع الحالي . إن القليلين هم
الذين يبلغون ذلك المستوى ، فهو محجوز للذين يرغبون بدفع ثمن عال
لالتزاماتهم الدينية. [34]
في عام 1977 نشر ماكس هيرخ Max Heirich مقالة تضمنت آراءه بالتحول الديني . وقد كانت آراؤه تخالف جميع البحوث السابقة . وقسم هيرش دراسته إلى ثلاثة أدوار هي :
1.إن التحول قد يكون في البداية حل خيالياً Fantasy لمواجهة الضغط ، عندها يتم التعامل مع حالة التهديد إما بالتوجه للقوى ما فوق الطبيعية
Supernatural Forces ، أو بتغيير الواقع بحيث تبدو المادة المحزنة السابقة غير ذات أهمية .
2.إن التحول يعزى إلى الظروف السابقة التي تجعل هناك طريقا واحداً هو التحول. وقد تكون للتوجيهات الأبوية تأثير على الطفل ، ودور التعليم الجنسي يمكن أن يفسر هيمنة الإناث المتحولات على الذكور .
3.إن المعلومات المستقاة من الآخرين تصبح مشتركة وقوية بحيث أن الفرد يرى الأشياء من خلال عيون الآخرين . ثم يعترف هيرش بأن العامل الذي يحث على التحول الديني ما زال غامضاً. [35]
أما فلوكونوي Flo Konway وجيم سيغلمان Jim Siegelman فهما يؤكدان على أن العوامل النفسية والاجتماعية تلعب دوراً في التحول الديني ، وتؤدي إلى حدوث تغييرات بيوكيمياوية Biochemical alterations في تركيب الدماغ نفسه ، تسبب حالة متغيرة من الوعي . إن مثل تلك التغييرات قد تحدث بسبب بعض وسائل التخاطب والاتصال Techniques Communications البسيطة مثلأسلوب وبلاغة الخطاب والقدرة على الإقناع ، وابتكار وسائل دعائية ذات تأثير جمعي، وفهم دقيق للعناصر المخاطبة إضافةإلى ديناميكية الجماعات النشطة.[36] إن جميع الدراسات المذكورة آنفاً تركزعلى الدوافع النفسية والظروف الاجتماعية مع التغافل وإهمال العامل الديني والعقائدي . إن عملية التحول الديني ذات صلة وثيقة بالدين أولاً وقبل كل شيء . وقد تجنب علماء النفس والاجتماع التطرق للعامل الديني دون سبب يذكر . ولو تجاوزنا سوء النية تجاه الإسلام ، وقلنا بأنهم موضوعيون مئة بالمائة ، فلعل السبب يعود إلى عدم رغبتهم في الخوض في الجدال الديني الذي لايثير اهتمامهم أوانه يؤدي بهم إلى طريق بعيد عن أهدافهم . وقد تكون هناك رغبة في تصوير أولئك الذين يعتنقون الإسلام بأنهم ليسوا أفراداًأسوياء، بل من المرضى النفسيين أو الذين يعيشون أزمات اجتماعية . لقد كانت تجاربهم على أفراد وجماعات بل وطوائف دينية بدائية ، وحاول بعضهم تطبيق تلك النتائج على الأفراد الأسوياء في مجتمعات متحضرة ، فكانت النتائج بعيدة عن الواقع بل حتى لو انطبقت على بعض الديانات فإنها لاتنطبق على الإسلام . وقد وصل إلى هذه النتيجة العالم الأميركي لاري بوستون إذ قال " إن الدوافع النفسية والاجتماعية لاتلعب أي دور أساسي في ظاهرة اعتناق الإسلام.[37]
وحاول سبيلمان G . M . Speelman وهو لاهوتي مسيحي هولندي أن يطبق نتائج تلك الدراسات على الذين يعتنقون الإسلام ليصفهم بالمرضى والعصابيين ، فنشر مقالته (لماذا يصبح المسيحي مسلماً) في مجلة (الكنيسة واللاهوت) حاول فيها أن يكون حديثه علمياً معتمداً على بحوث نفسية ودراسات اجتماعية . وهي محاولة بائسة لتبرير ظاهرة التخلي عن الديانة المسيحية واعتناق الإسلام.[38]
الدوافع الدينية The Theological motives
من خلال الإجابة على الأسئلة التي طرحتها على المجموعة الأشخاص المعتنقين للإسلام حصلت على نتائج قيمة تثبت أهمية العامل العقائدي في ترسيخ قناعتهم بضرورة اعتناق الإسلام . ولم تكن رحلة البحث سهلة ، ولم يكن الإسلام لدى معظمهم هو الديانة أو الفلسفة الأولى التي صادفوها أثناء المسير . وقد ذكر بعضهم انه بعد أن رفض الديانة المسيحية بدأ يبحث عن أيديولوجيا أو فلسفة جديدة تلبي احتياجاته الروحية والفكرية. فقد ذكر أحد الرجال بأنه قرأ البوذية وبعض الفلسفات الشرقية الأخرى . وذكرت سيدة بأنها سافرت إلى الهند في السبعينيات من القرن العشرين بحثاً عن قيم جديدة وجوانب روحية ، ولما سألتها : لماذا اخترت الهند بالذات ؟ أجابت : لقد كان ذلك رائجاً في أوربا ، بأن من يبحث عن القضايا الروحية ، فعليه أن يسافر إلى الهند . كما أن شيوع الفلسفات الهندية والرياضيات الروحية آنذاك في أوربا يعزز ذلك الاعتقاد .
وذكرت لي سيدة شابة بأنها انضمت إلى فريق يهتم بالقضايا الطبيعية والزراعة الحياتية Bio-agriculture. وأنها سافرت من أجل ذلك إلى سويسرا وفرنسا . وكان ذلك الفريق يهدف لتطبيق نظريات العالم شتاينر Rudolf Steiner .وقد أصيبت بالإحباط بسبب التناقض بين النظرية والممارسات العملية للفريق . وكانت قد جربت البوذية ومارست اليوغا Yoga .
إن رفض هؤلاء الأشخاص للديانة المسيحية يتركز بصورة رئيسية على أرضية دينية. فبعضهم أفصح عن عدم قناعته " بلا عقلانية فكرة التثليث Trinity، وعقيدة الخلاص Salvation ( أي أنه لاملجأللإنسان الا بالإيمان بالسيد المسيح الذي افتدى نفسه من أجل خلاص البشرية من خطيئة آدم ) ، وعقيدة اتحاد الإلوهية والناسوتية للسيد المسيح Incarnation ، وقيامة المسيح Resurrection، وعقيدة التحويل Transubstantiation ( أي استحالة خبز وخمر القربان إلى جسد المسيح ودمه ) وما شابهها .
يقول أحد الرجال كنت أرى المسيحية نفاقاً، لديها وجهان فمن جهة تتحدث عن المحبة ومن جهة أخرى تتصرف بأنانية مفرطة . لقد وجدت تناقضاً مريعاً بين المفاهيم المسيحية وبين المواقف العملية". وتقول سيدة أخرى "لم استطع فهم فكرة ( ابن الله ) . لقد كانت لديّ تساؤلات ومناقشات حول حياة السيد المسيح . وكانت لديّ انتقادات ضد البابا نفسه . كنت أراه شخصاًمنافقاً . كيف يمكنه أن يعيش كل هذه الحياة الباذخة والمترفة ؟ كيف يمكن أن يكون قدوة للمسيحيين؟ ويقول القسيس الذي أسلم : لم أفهم عقيدة التثليث مطلقاً . في المسيحية لايوجد مكان لفهم ما يتعلق بالأسرار المقدسة Sacraments ، بل يجب أن تتقبل وتؤمن بما يقال لك ". ويقول رجل آخر " كان والدي على المذهب الكالفني ، وهذه الطائفة تؤمن بالقدرية Predestinariaism، ويعتقدون بأنهم أفضل الناس في العالم ، وأنهم الفرقة الناجية من المسيحية . وكنت أتساءل : وماذا بالنسبة للناس الآخرين ؟ هل يمكن أن يكون الله لهم وحدهم ؟ إن المهاجرين الهولنديين في جنوب أفريقيا يؤمنون بأنهم ( شعب الله المختار ) . أن المسيحية تعامل السكان الأفارقة معاملة وحشية ، وحتى لو كانوا مسيحيين . أن المسيحيين يستخدمون الإنجيل لتبرير التمييز العنصري ضد السود . وأتذكر أن احد أساتذة الجامعة قال بأنه من الصعب إثبات التمييز العنصري بواسطة الإنجيل . فقامت عليه القيامة وأتهم بالكفر وحرم من الكنيسة كما طرد من الجامعة ".
إن الإعلام الغربي غالباً ما يحاول تشويه سمعة الإسلام ،ويعطي صورة مضخمة ومتحاملة عن الإسلام.مثل هذه الدعاية قد تؤثر على قطاعات واسعة من الأوربيين ، ولكن بعضهم قد يلتقي بكتابات إسلامية أو مسلمين يوضحون له الحقائق ويزودونه بمعلومات وافية عن الإسلام ،ويردّون على الشبهات والافتراءات التي تطلق ضد الإسلام والمسلمين . فترتسم في أذهانهم صورة جيدة تكون هي القدم الأولى في مسيرة الهداية . إن أغلبية الغربيين الذين يعتنقون الإسلام لديهم قسط وافر من التعليم العالي . والإنسان المتعلم يميل عادة للتفكير المنطقي وينظر للأمور بشكل عقلاني . ولا عجب أن يكون في قائمة المعتنقين للإسلام من المفكرين والأدباء والفنانين أمثال الرسام السويدي إيفان أكلي ، الصحفي النمساوي اليهودي ليوبولد فايس ( محمد أسد ) ، الفيلسوف والسياسي الفرنسي روجيه غارودي ، والاستاذين الانجليزيين جيمس ديكي ومارتن لنكز، والفيزيائي الفرنسي رينيه غنون ، وشاعر السويد العظيم كونر إيكلوف ، الأستاذ الجامعي البولندي عطا الله كوبانسكي ومراد ويلفريد هوفمان السفير الالماني ومدير الدائرة الإعلامية في حلف الناتو .
وفي هولندا فان الصورة التخمينية للفئات المتعلمة ، في وقت اعتناقهم للإسلام هي كالآتي:
مستوى الجامعة والماجستير 60%
ً مستوى الدراسة الاعدادية 30%
مستوى الدراسة الابتدائية 10%
إن حوالي 25% من الفئة الأولى هم من حملة الألقاب العلمية و المهنية (مهندس ، مدير، ماجستير ..) .
ما الذي يجذبهم في الإسلام ؟
وهنا قد يطرح سؤال جوهري وهو ما الذي يجذب الغربيين في الإسلام ؟ إن التحليل الدقيق لشهادات المعتنقين للإسلام وتجربتهم المفعمة بالمشاعر والأفكار والنقاشات العميقة ، توضح الأسباب الحقيقية التي دعتهم لاتخاذ هذا القرار الهام ، فليس من السهل على المرء أن ينسلخ من دينه وعقيدته وثقافته، ويتكيف مع دين جديد وثقافة جديدة ، وخاصة أنه يعرف تفوق مجتمعه وثقافته حضارياً وعلمياً . ولن أبحث في شهادات أولئك المفكرين القادرين على ترتيب أفكارهم وصياغة ألفاظهم بشكل علمي ومنطقي ، بل سأعتمد على شهادة أولئك الذين التقيت بهم ، ففتحوا صدورهم وعبّروا عن مشاعرهم وأفكارهم بكل عفوية وصدق وأمانة . وأهم الجوانب التي جذبتهم في الإسلام هي:
1- البساطة ٍSimplicity :
وهي من النواحي الواضحة في الإسلام ، فأنه أقل تعقيداً من المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية . إن مجرد النطق بالشهادة يجعل الفرد مسلماً ، دون طقوس أو مراسم معقدة أو كهنوت.كما أن أركان الإسلام (الصلاة والصيام والزكاة والحج) سهلة ولايجد المرء فيها تعقيدات لاهوتية أو تأملات فلسفية . يقول احد الرجال : الإسلام بسيط جداً ، بينما المسيحية معقدة . في المسيحية لو سأل أحد سؤالاً بسيطاً حول الله أو عيسى ، فأنه سيتلقى جواباً معقداً فالأوربيون يميلون للتعقيد . أما الإسلام فهو على العكس ، فهو يحاول تبسيط القضايا الصعبة. فإذا ما سألت أي مسلم ستجد جواباً بسيطاً ، وقد تهزأ بالجواب لبساطته لكن الحقيقة تكمن في البساطة . ويقول قسيس سابق: " أن الإسلام يعتبر عيسى نبياً ، وهذا أمر منطقي يمكن لأي إنسان قبوله بسهولة " . وتقول سيدة مسلمة: " لم أجد صعوبة في ممارسة الشعائر الإسلامية ، قد يكون صيام رمضان فيه شيء من المعاناة لكن بمرور الأيام اعتدت عليه . أنا أجد صعوبة في ارتداء الحجاب في المجتمع الغربي، ولكنني اشعر بالارتياح إذا زرت بلداً إسلامياً . وتقول سيدة أخرى:إن الإسلام دين سهل ، مفهوم وقريب جداً للبشر . بينما المسيحية ومن يمثلها بعيدون عن حياة الناس . خذ مثلاً البابا الذي يعطي آراء تتعلق بحبوب منع الحمل بينما هو ليس بمتزوج وليس لديه اطفال . تصور لو اخذت برايه ، معنا ذلك سيكون لي كل عام طفلاً ، ليس بمتزوج وليس له أطفال. تصور لو أخذت برأيه، معنى ذلك سيكون لي كل عام طفلاً. من جهة أخرى نجد رجل الدين المسلم على العكس من ذلك ، فهو لديه أسرة ويحيى حياة عادية بين الناس .
2- النظام الاخلاقي Ethical System :
الإسلام يؤكد على النظام الأخلاقي في شتى النشاطات الإنسانية ، في السياسة ، في الاقتصاد ، في الحرب والسلم في العلاقات الداخلية والدولية ، ليس بين المسلمين فحسب بل مع غير المسلمين أيضاً . الإسلام منظومة غنية بالمفاهيم الإنسانية ، فمبدأ " الأخوة الإنسانية " يجذب الكثير من الغربيين . إنهم يستشعرون فيه كممارسة واقعية وليست صياغات نظرية . فأولئك الذين يبحثون عن العدالة الاجتماعية والمساواة العنصرية يجدون في الإسلام النظام المتكامل وبديلاً جيداً لمعاناة البشرية .
يقول احد المعتنقين: " لا توجد أيديولوجيا أخرى غير الإسلام تولي الأخلاق هذا الاهتمام الكبير . الإسلام يرى إن جميع نواحي الحياة تلتقي مع بعضها البعض ،لا يوجد ما يفصل بينهما ، الاقتصاد ،السياسة ، الحياة الاجتماعية ،كل هذه ترتبط مع بعضها . إذا أردت أن تؤسس شركة ستسأل نفسك: كم سأربح منها ؟ هل باستطاعتي أن أحطم الآخرين من أجل الربح ؟ إذا نظرت للاتفاقيات المالية والاقتصادية بين الغرب والعالم الثالث ، ستجد أن هذه البلدان الفقيرة لن تستطيع أن تدفع ديونها حتى يوم القيامة ! كل هذه المآسي ناشئة من نظام الرباأو الفوائد الفاحشة المأخوذة عن الديون . إن الاقتصاد الغربي عدواني تجاه الآخرين ، لايهمه أن يجوع الآخرون في سبيل زيادة تخمته . ويؤيد معتنق آخر ذلك فيقول:إن النظام الربوي قد جعل أبناء العالم الثالث عبيداً . أن النظام الأخلاقي في الإسلام لايسمح بذلك ، فالأخلاق تحتل موقعاً هاماً في كل النشاطات التي يمارسها المسلمون . إنه نظام عظيم كفيل بحل مشكلة التمييز العنصري التي تعاني منها جنوب أفريقيا وبقية بلاد العالم . فالإسلام يدعو للأخوة الإنسانية والمساواة بين البشر جميعاً .
ويعبر القسيس السابق عن تجربته الشخصية فيقول: لقد وقعت تحت تأثير الخلق الإسلامي وخاصة في العلاقات الاجتماعية . الإسلام يوصي بالأقارب والجيران ومحبة كل الناس . إننا في المجتمع الهولندي قد فقدنا العلاقات الحميمة الصادقة وتزداد يوماًبعد آخر المسافة بين أفراده ، أنني اشعر كأنني في بيتي وأهلي وانأ بين المسلمين .
3-الايدولوجيا المتوازنةBalanced Ideology
لقد عبّر معتنقو الإسلام في الغرب عن تصوراتهم بأن الإسلام دين التوازن . فالإسلام يعطي لأتباع أسلوباً كاملاً وشاملاً في الحياة بحيث أن علاقات مع المجتمع تسير بانسجام تام . وقد لاحظ بعض المعتنقين الهولنديين ذلك.يقول أحدهم: " الإسلام يجعل هنالك توازناً دقيقاً بين المادة والروح ،بين حياة الفرد والمجتمع ، بين المؤقت والأبدي". ويقول آخر: إن النقص الكبير في الحضارة الغربية هو رفضها الاعتراف بالروح والأمور المعنوية . لقد اعتبرت الروح بأنها الإدراك ، والأولوية للمادية والعقلانية ، والدرجة السفلى هي للروحيات ".
4- المسؤولية الذاتية Self- Responsibility :
يعتبر الإسلام كل فرد مسؤول عن تصرفاته وأفعاله ، ولا أحد يتحمل أخطاء أو ذنوب الآخرين ، وحتى الأنبياء لايتحملون آثام ومعاصي أتباعهم ، في الإسلام لايوجد وسيط بين المرء وربه ، لا كهنوت ولا طبقات من القساوسة وغيرهم ، فالمؤمنون بالإسلام ليسوا بحاجة إلى وسيط يقوم بمهمة الحصول على مغفرة الرب لهذا العبد أو ذاك . أما المسيحية فعلى العكس ، إذ يوجد وسطاء وأكليروس . والمسيحية تدعو لعقيدة الخلاص التي تقول بأن السيد المسيح يحمل كل خطايا المؤمنين به ، ويجد المعتنقون هذه العقيدة غير منطقية وغير مقبولة .الإسلام يحمّل كل نفس أوزارها ويحاسب كل فرد على ما فعله هو وليس الآخرين .هذه العقيدة تنادي بقوة الفردية الغربية ، فالحضارة الغربية تؤكد على الفردية Individualism ،وهو ما يفسر ضعف الارتباط بالكنيسة . إن هذاالعامل يتناغم مع الشخصية الغربية.[39]
ويقول احد المعتنقين: يعتقد الأوربيون بالفصل بين المسؤولية ، الحرية الشخصية والمبادئالأخلاقية ، بينما الإسلام يقول بان كل مسلم يتحمل مسؤولية ما ، تجاه أسرته ، تجاه مجتمعه وتجاه البشرية كلها . هذه المسؤولية لا تنفصل عن القيم الأخلاقية مطلقاً . وقد يشعر المعتنقون الجدد بحالة من التوتر بين شخصياتهم من جهة وبين الاخلاق التي على المسلم التمسك بها."
ويلاحظ لاري بوستن هذه المميزات فيقول: إن مقارنة الإسلام عبر هذه الخصائص التي يمتاز بها يجعل المرء يستنتج بأن هذا الدين لديه قوة كامنة عظيمة على الانتشار في المحيط الأوربي . إن الإيمان الإسلامي يعتمد على الذات Self-Centered ، وعلى الاعتراف بعدم وجود وسائط بين الإنسان والله . كل فرد ، ذكر كان أو أنثى، مسؤول عن شعائره وصلاته ، وهو ما يستهوي الشباب الغربي.[40] ويقول أيضاً: إن قبول التقوى الإسلامية هو مفتاح انتشار الدين في العالم الغربي ، وكن ما هي التكهنات لهذا الانتشار في المستقبل ؟ [41]
الدوافع الاجتماعية – النفسية The Socio- Psychological Motives
إن أغلب الدراسات التي تعرضت لموضوع التحول الديني conversionتركز على الدوافع النفسية والاجتماعية والظروف النفسية التي تحيط بالمرء في بيئته، وقد يكون لهذه العوامل تأثير في اتخاذ القرار بالتحول إلىديانة جديدة ، ولكن إلى أي حد تساهم هذه الدوافع في صياغة القرار ؟ وهل توجد حلول أخرى غير الحل الديني لمواجهة المشاكل النفسية والضغوط الاجتماعية ؟ هذا ما لا تجيب عنه الدراسات التي قام بها أخصائيون بعلمي النفس الاجتماع .
لقدناقشتُ موضوع الدوافع الدينية التي أرى أنها الدافع الرئيسي في التحول الديني ، وسأحاول إلقاء الضوءعلى بقية الأسباب التي أرى أنها الدافع الرئيسي التي تجعل الإنسان يفكر بتغيير ديانته . يقول السيد عبد القيوم ، مدير مركز المعلومات الإسلامي في (لاهاي) ومن الناشطين في المجال الدعوي وله خبرة طويلة ، بأن نسبة المعتنقين للإسلام ويعانون من مشاكل نفسية واجتماعية تتراوح بين 15-20 % . وهم يعتقدون بأنهم يستطيعون التغلب عليها بواسطة الحل الديني Religious Solution أي باعتناق الإسلام . ويعطي مثلاً على ذلك فيقول : في أحد الأيام جاءني شاب وقال أنه يريد اعتناق الإسلام، فقلت له: يجب أن لاتتسرع في ذلك ، بل من الأفضل أن تتابع دورة للتعرّف على العقائد والأحكام الإسلامية . وبعد أسابيع اكتشفت انه كان مدمناً على المخدرات وكان يريد التخلص من الإدمان فقط .
وهنا تطرح بعضالأسئلة المتعلقة بهذا الأمر ، مثلاً ، ماذا تتضمن تجربة التحول الديني من جوانب نفسية واجتماعية ؟ أي نوع من الدوافع تشارك في صنع قرار التحول الديني ؟
إن تجارب التحول الديني تشير إلى أن هؤلاء الأشخاص كانوا بصدد البحث عن خيار آخر غير الديانة التي نشأوا عليها . إن ذلك يعني أنهم كانوا يطوون مراحل التحول وهم في حالة وعي وليس بشكل تلقائي أو عفوي ٍSpontaneous . إن هذا القرار لم يكن رد فعل انفعالي Emotional Reaction، إذ لم تكن هناك أزمة نفسية أو شعور باليأس ، ولكن يكن هناك إحساس بالإحباط يدفع المرء للبحث عن حل ديني للصعوبات التي يواجهها . لقد كانوا يتمتعون بعلاقات مستقرة مع عائلاتهم وأصدقائهم ومحيطهم . وكانوا يواصلون حياتهم وأعمالهم بنجاح في شتى المهن والوظائف . لقد اتخذوا قراراً واعياً وعقلانياً Conscious Rational Decision ، باعتناق الإسلام ثم أدوا الشهادة دون ضغط أو إكراه ، وبدأوا بممارسة الشعائر الإسلامية بوعي وإدراك. لقد كانت لديهم فكرة واضحة عن الإسلام وتعاليمه وأحكامه قبل النطق بالشهادة ، وقد ناقشوا كل شيء خطر على بالهم . وقد استغرقت عملية الوصول لهذا القرار سنين طويلة من النقاش والتمحيص . فمن المعلوم أن العقل الغربي يميل للبحث والاستقصاء وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الشخصية ، واتخاذ قرار خطير مثل ذلك القرار . انه قرارتغيير العقيدة يتبعه في المواقف والسلوك والتفكير بل وحتى المشاعر . إنه قرار بالانسلاخ عن المجتمع الذي تغذوا بثقافته وقيمه ومبادئه ، والانضمام إلى دين وثقافة ونمط من التفكير كانوا إلى وقت قريب لايعرفون عنه إلا ما هو سلبي ومشوه . إن (قرار اعتناق الإسلام) هو نفسه الذي يسبب لهم المشاكل النفسية ، والضغوط الاجتماعية هي التي تدفعهم إلى تغيير ديانتهم .
وقد ناقشت موضوع الأزمات النفسية والمشاكل العائلية مع المجموعة – التي هي مادة الدراسة – كما ناقشت كيفية اتخاذهم مثل هذا القرار الذي سيكون منعطفاً هاماً في حياتهم ، كم تطرق لردود أفعال أسرهم وذويهم . تقول إحدى السيدات: " لقد استغرقت من المناقشات حول الإسلام سنة كاملة . لقد كانت نقاشات عقلانية مع العراقي المؤمن ، تهدف إلى البحث عن الحقيقة . كنت أطرح خلالها جميع الشبهات والاستفهامات حول عقائد الإسلام وموقفه من المرأة والأسرة والحياة الاجتماعية والعلاقات مع الآخرين وقضايا الموت والنشور والقيامة والحساب والعقاب وكل شيء تقريباً . وفي إحدى المناسبات وحينما كنت في خضم نقاش مع صديقاتي المسيحيات وجدت نفسي أعبّر عن مواقفي وآرائي الجديدة التي هي آراء الإسلام ، شعرت في داخلي بأنني مسلمة . ومن ذلك الوقت اعتبرت نفسي مسلمة ."
إن ذلك يدل بوضوح على أن القرار المتخذ قرار عقلاني ، أي ضد النظرة الانفعالية تجاه الدين . وهذا يناقض ما توصل إليه ستاربوك Starbuck الذي يصف التحول الديني بأنه شحنة من الانفعالات . فقد ذكر " أن الطبيعة الكلية للمعتنق تكون في حالة قصوى من التوتر والمشاعر متقدة".[42]
إن المعتنقين للإسلام لايغادرون الحياة الاجتماعية ، بل يستمرون في حياتهم وأعمالهم التي اعتادوا عليها قبل اعتناقهم الإسلام . ويصدق ذلك على الرجال ، وعلى النساء إلى حد ما أن المرأة الهولندية تفقد ارتباطها – في الغالب مع أسرتها وأصدقائها . ولا يعني ذلك عدم رغبتها بعلاقات طبيعية معهم ، كما لايعني موقفاً إسلامياً ، بل على العكس فالإسلام يوصي بعلاقات حميمة مع الأهل والأقارب وخاصة الوالدين وحتى لو كانا من غير المسلمين . توضح اثنين من السيدات المعتنقات هذا الأمر فتقولان: " إن السبب الحقيقي يعود إلى طبيعة المواقف الحادة التي يتخذها الأهل والأصدقاء المجاورون . يستمرون بالنقاش حول الإسلام أو ملابسنا . وغالباً ما يهزأون بآرآنا ويتهموننا بالرجعية والتخلف الفكري . إنهم لايرغبون بسماع توضيحاتنا والدفاع عن أنفسنا في نقاش عقلاني هادىْ أنهم دائماً يسخرون بالإسلام والمسلمين وهذا ما لانرغب بسماعه ، لذلك نضطر إلى تحاشيهم تجنباً للتوتر ، إننا نريدهم ولكنهم لايريدونا " . وتتساءل إحداهن: أين هي الحرية الفكرية والعقائدية التي يتبجح بها الغرب ؟ أنها الحرية داخل المنظومة الفلسفية والفكرية الأوربية فقط . أن المجتمع الغربي لايتقبل أفكاراً ولا آراء غير أفكاره وآراءه ، فإذا كان المجتمع يمنح كل فرد حرية الاعتقاد فلماذا نواجه هذه المعارضة والاستهزاء؟
وتقول سيدة أخرى بأنها مازالت تخفي أمر إسلامها على أهلها رغم علمهم بأنها متزوجة بمسلم . ولما سألتها عن ذلك أجابت: " لا أود الدخول في نقاشات مع عائلتي قد أحرج فيها . أريد أولاً أن تكون لدي معلومات عميقة وكافية عن الإسلام طي استطيع مواجهة سيل الأسئلة والنقاشات التي سأدخل فيها . إنني أتجنب الاصطدام بعائلتي حالياً ".
العوامل المحفزة The motivational factors
وضع العالم النفسي ستارك بوك Edwin ،d .star buck ،عام 1900 نظريته في (سايكولوجية الديانة)تضمنت قائمة بالعوامل المحفزة الواعية التي تؤثر في نفسية وتفكير المعتنق والتي تساهم في دفعه لاتخاذ قرار بتغيير الديانة ، وهذه العوامل هي:[43]
1-الخوف fear وهي المخاوف التي تنتاب الفرد جراء عدم شعوره بالأمن في الحياة وتتركز حول الموت وما بعد الحياة .
2-الدافع الشخصي تجاه الآخرين self –regarding motive ويتمثل في الرغبة لبلوغ حالة معينة مثلا ،طموح رهباني في كهنوت ، رغبة في رؤية شخص محبوب في الجنة ، وما شابه ذلك .
3-الحوافز الغيرية Altruistic Motives وتتمثل في تصاعد الرغبة في أن يصبح جزءاً من ديانة مبنية على أخلاق الحب والتضحية وخدمة البشرية ، أي محبة الآخرين والتضحية من أجلهم .
4-إتباع المثال المعنوي Following out a Moral Ideal ويقتضي الانضمام إلى ديانة تمثل قمة المثالية دون غيرها من الفلسفات والأيديولوجيات .
5-الندم Remorse على ارتكاب الإثم والذنوب .
6-الاستجابة للتعليم Response to Teaching حيث أن اطلاع الفرد على آراء وفلسفات جديدة يوسع عقله وفكره ، فيبدأ بالمقارنة بينهما وقد يختار إحداها . وهذه الحالة تتم عبر اتخاذه قراراً فكرياً واعياً .
7-القدوة والتقليد Example and Imitation عندما يتأثر الفرد بالجو العائلي والأقارب والأصدقاء أو الخصوم ، حيث يقوم بمحاكاة سلوك الآخرين .
8-الإلحاح والضغط الاجتماعي Urging and Social pressure حين يتعرض الفرد للضغط من قبل أسرته وعشيرته فيضطر لمواجهته بالهرب منه واللجوء إلى مغادرة الديانة .
إن عملية التحول ليست سهلة ، فهناك العديد من العوامل التي تتدخل فيه . كل واحد منها يساهم بقسط معين في مرحلة محددة . وقد تتشارك معاً في جعل الفرد يتخذ قراراً بالتحول إلى دين آخر . لقد قمت بتحليل المعطيات التي استقيتها من حديثي ولقاءاتي مع الشخصيات موضع البحث . وقد قارنت تلك النتائج مع العوامل المذكورة آنفاً للاستدلال فيما إذا كانت قد شكلت جزءا من الدوافع نحو اعتناق الإسلام أم لا ، وإلى أي حد ؟
1-بالنسبة للخوف من الموت والجحيم ، لم يذكر احد أنه انتابه شعور بالخوف من الموت أو الحساب يوم القيامة . لقد ذكرت إحدى السيدات أنها كانت تفكر بالموت ، ولكن حين كان عمرها 6 سنوات فقط . وهو أمر طبيعي ، إذ كثير ما يطرح الأطفال مثل تلك التساؤلات التي تتعلق بالخالق والموت والآخرة والجنة والنار وغيرها .
2-وبالنسبة للدافع الشخصي تجاه الآخرين ، فإن ستاربوك ذكر مجموعة من المشاعر مثل ،(أريد أن ألقى استحسان الآخرين ) و(توفي والدي وأريد لقاءه).[44]لم يذكر احدهم أن مثل تلك الأفكار قد راودته ، وحتى تلك السيدة التي عاشت يتيمة ، إذ أنها فقدت والديها في سن مبكرة ، فقد قالت: " بالتأكيد قد افتقدتهما وخاصة في مرحلة المراهقة . لقد كنت بحاجة إلى حبهما وحنانهما وعطفهما ، ولكن لم تكن لدي رغبة باللحاق بهما ." ويذكر أحدهم: " لقد أصبت بالإحباط بعد وفاة زوجتي ، أصبحت اشك في كل شيء حتى بوجود الله . كنت أتساءل في نفسي : ما معنى الموت ؟ ما جدوى هذه الحياة ؟ إلى أين ذهبت زوجتي ؟ بالطبع كان ذلك قبل اعتناقي الإسلام ."
3-وحول الحوافز الغيرية يذكر ستاربوك بعض هذه الحالاتمثل (لقد شعرت أن عليّ أن أفعل الأحسن من أجل العالم ).[45] كما ذكر لي أحد المعتنقين: " في بداية مرحلة المراهقة ، كانت لديّ أسئلة عديدة حول الحياة ، العدالة ، الجيوش ،الأسلحة النووية والتسلح العسكري ، ولماذا كل هذه الحروب من أجل القوة والمال ؟ كنت أطرح بعض الأسئلة مثل :لماذا وجدت النقود ؟ أي دور تلعبه في حياة الناس ؟ كنت أبحث عن حل يعيد التوازن لهذا العالم".ويقول آخر: " لقد كنت أفكر دائما بحل لمشاكل جنوب إفريقيا.إن ذلك المجتمع يعاني بشدة من التمييز العنصري والاستغلال والظلم . لقد غادرت هولندا إلى جنوب أفريقيا هرباً من الخدمة العسكرية . لم أكن مستعداً للمشاركة . "
4-إن إتباع المثال المعنوي قد يكون من أسمى مميزات الإسلام ، ولكن تأثيره بعد اعتناق الإسلام والتزود بمعلومات كافية عنه .تقول إحدى السيدات: " إن الإسلام يمنح المرء قوة ديناميكية نحو التكامل ، فهو يفتح الآفاق الرحبة نحو السمو والرفعة . وإذا ما رفض ذلك وبقى خارج الحدود التي رسمتها الشريعة الإسلام فإنه سينزل إلى الحضيض ، إلى مستوى الحيوان ."
ويقول أحد المعتنقين: " لقد وجدت في الأخلاق والروحيات طريقي نحو هدفي ، لم أكن أعلم أن الإسلام يتضمن كل هذه الأمور ، ولكنني عرفتها بعد اعتناقي إياه ." وتقول إحدى السيدات: " لقد وجدت في الإسلام الديانة التي كنت بحاجة إليها . الإسلام نظام عالمي لكل البشرية ."
5-أما الشعور بالندم جراء الذنوب فقد كان غائباً عن أحاسيس جميع الذين التقيتهم . إن فكرة الشعور بالذنب والخطيئة هي فكرة مسيحية بحتة . فهذه الفكرة تدّعي أن كل إنسان يولد مذنباً بسبب خطيئة جده ٍٍِآدم . لم يشعر أي واحد منهم بذلك ، بل على العكس كانوا يشعرون بأنهم غير مخطئين من وجهة نظر مسيحية.
6-أما الضغط الاجتماعي فهذا يناقض فلسفة المجتمع الغربي التي تفسح المجال أمام الأفراد ومنحهم الحريات الكاملة في السلوك والاعتقاد ، فلا الدولة تمارس ضغوطها على الحياة الاجتماعية ولا العوائل تمارسه ضد أبنائها . إن الحريات في المجتمع الأوربي قد تجاوزت الحدود حتى وصلت إلى الإباحية والشذوذ وغيره . ولم يذكر أي واحد من المعتنقين أنه تعرض لضغط اجتماعي جعله يفكر بتغيير عقيدته ، بل على العكس فإنّ بعضهم تعرض لهذه الضغوط والمقاطعة بعد اعتناقهم الإسلام وليــسقبله . إنّ أغلب العوائل الغربية ترفض أن يترك أبنائها عقيدتها ويعتنقون ديناً آخر . والتعبير عن ذلك الرفض يتراوح بين الامتعاض والتوتر وقد يصل أحياناً إلى مستوى قطع العلاقة مع أبنائها بكل برود .
ذكرت إحدى السيدات بأن علاقتها قد انقطعت مع أصدقائها القدامى ، وما زالت والدتها مستاءة منها بسبب اعتناقها الإسلام . ويقول شاب قد أسلم حديثا:ً " لقد أصيب والداي بالصدمة عندما عرفوا برغبتي باعتناق الإسلام. لم يصدقا أنّ ولدهما سيترك دينهم والحضارة الغربية إلى دين ذي سمعة سيئة. أنهما ليسا بمتدينين، وليس مهماً في نظرهما أنني تركت المسيحية بقدر ما يغيظهما دخولي في الإسلام. فهناك حالة ايجابية واحدة إذ ذكر احدهم: " لقد كانت والدتي امرأة متدينة، وكانت متحمسة عندما سمعت باعتناقي الإسلام . قبل ذلك كانت تجدني شخصاً فوضوياً، مشغولاً بالموسيقى والشعر والفن . لقد قالت لي أنها سعيدة لأنني أصبحت متديناً لان الدين يمنحنا قوة عظيمة في الحياة ،كما علقت هي بذلك."
إن الضغط الاجتماعي يعتمد على طبيعة العلاقة قبل اعتناق الإسلام وبعده ،عمر المعتنق ، مركزه الاجتماعي سواء داخل العائلة أم في المجتمع ، ثقافة ومستوى التعليم ونمط الحياة لأفراد العائلة والأصدقاء . إن موقف المعتنق تجاههم يلعب دوراً هاماً في تحديد هذه العلاقة . ذكر احد الرجال بأنه مازال يتزاور مع أخته وأخيه ووالدته المسيحيين . وتقول إحدى السيدات إن علاقتها مازالت وثيقة بوالدتها .وذكر القسيس بأنه بقي محافظاً على مكانته بين أهله بعد اعتناقه الإسلام ،وما زال يعتبر عميد الأسرة الذي يراجعونه في أمورهم وشؤونهم كما في السابق . أما في عمله فهو يعمل مديراً لدائرة الشؤون الاجتماعية في بلدته ، وهذا المنصب جعله موضع احترام الموظفين العاملين تحت مسؤوليته ، فلم يعاني من أية مضايقات .
7- أما القدوة والتقليد فقد يكون له تأثير محدود ، فالشخصية الغربية تعتمد في قراراتها على قناعاتها الشخصية وتجربتها الخاصة . وقد يكون للقدوة جانباً مشجعاً وليس دوراً رئيسياً في تحفيز الفرد على المضي قدما فيما اقتنع به قبل ، أو توفر له ظروف أفضل لمعايشة الوضع الجديد الذي يرغب بالتحول إليه . ذكر احد المعتنقين بأنه أمضى ثلاثة شهور بين جماعة إندنونيسية مسلمة داخل هولندا ، تعرّف خلالها عن قرب على التعاليم الإسلامية . وكان سبب ذهابه لتلك الجماعة أن صديقه تزوج بفتاة مسلمة منهم ، فكان يراقب طقوس الزواج وأسلوب الحياة والعادات والأخلاق مما جعله ينجذب إلى الإسلام . بالطبع ليس كل من خالط المسلمين أصبح مسلماً ، ولكنه كان يبحث عن فلسفة جديدة للحياة ، وكان قد رفض المسيحية من قبل .فالأرضية كانت مهيأة للتحول الديني ، وكل ما كانت تنتظره هي الفرصة المناسبة . وكان رجل آخر قد تأثر بعمق عندما رأى صديقه الذي اعتنق الإسلام قد تغير كلياً ، أفكاره وأخلاقه وسلوكه . لقد أثارت تلك الصدمة في نفسه تساؤلات جدية حول هذا الدين ( الإسلام ) مما جعله يبحثأكثر وأكثر حتى وصل إلى شاطئ الهدى والإيمان .
8- ويعتبر عامل الاستجابة للتعليم من العوامل الهامة في اعتناق الإسلام ، إذ أن التزود بالمعلومات الجيدة عن الإسلام سيؤدي إلى بدء نقاش ومقارنته مع بقية الأديان والفلسفات ، والتعرف على الصعيد العملي ( الأخلاقي والسلوكي ) ، أو على الصعيد الفلسفي ( الفكري والنظري ) للإسلام. إن دراسة الإسلام تلعب دوراً رئيسياً في اتخاذ قرار اعتناق الإسلام . إن جميع الذين اعتنقوا الإسلام أتيحت لهم الفرصة للتعرف على الإسلام عن كثب قبل اعتناقهم إياه . فمن غير المعقول أن يعتنق أحد ديناً جديداً دون يعرف تعاليمه ومبادئه وأحكامه وعقائده والمسؤوليات والالتزامات المترتبة على من يعتنقه . إن النشاط الدعوي بين الغربيين يجب أن يعتمد المعلومة الصحيحة والحوار البناء والنقاش العقلاني الهادئ . إن الجهل عدو كل شيء ، فالفرد الغربي الذي يجهل الإسلام لايحمل سوى الصورة المشوهة التي يعرضها له الإعلام الغربي . وإذا ما أتيحت له الفرصة المناسبة والشخص المناسب الذي يعرف كيف يخاطبه سرعان ما يقتنع بالحقيقة ويكتشف زيف الشبهات والافتراءات التي تطلق على الإسلام .
يقول لاري بوستون أن 75% من الذين يعتنقون الإسلام ذكروا أن اطلاعهم على الإسلام ودراسة مبادئه لعب دوراً هاماً في اتخاذهم قرار الاعتناق.[46] إن جميع الذين التقيتهم في هذه الدراسة أكدوا على أنهم قد نالوا قسطاً من ( التعليم الإسلامي ) Teaching of Islam ، فقد ذكر احدهم أنه أمضى فترة طويلة في دراسة الإسلام والقران قبل اعتناقه ، ثم سافر إلى تركيا حيث درس الإسلام لمدة أربع سنوات ، عاد بعدها إلى هولندا ليعمل في مجال الدعوة الإسلامية . وكان القسيس السابق قد ذكر لي أنه أنفق 12 عاماً في دراسة الإسلام قبل إسلامه . كما أن معتنقاًآخر اطلع على الإسلام من خلال المسلمين أنفسهم حيث كان يستفسر عن كل شيء ، ولما أصبح مسلماً لم يكتف بذلك بل سافر مباشرة إلىالمغرب ، حيث درس العقائد الإسلامية واللغة العربية لمدة سنتين ، ثم سافر إلى المملكة السعودية لدراسة الشريعة لمدة أربع سنوات ونصف . ولم يكتف بذلك بل التحق بجامعة ليدن حيث أكمل دراسته في قسم الدراسات الإسلامية عام 1983 ، وهو اليوم داعية إسلامي وإمام لمركز إسلامي .
وقد مارس كاتب هذه الدراسة توضيح كثير من المفاهيم والتعاليم الإسلامية للهولنديين . بل إن إحدى الهولنديات التي اعتنقت الإسلام فيما بعد كانت قد طلبت منه أن يجمعها في لقاء مع سيدة غربية مسلمة ، فتم اللقاء وطرحت فيه الكثير من التساؤلات ، وسألتها عن تجربتها الخاصة في الإسلام كامرأة غربية ، حتى اقتنعت واطمأنت .
إن عقلانية المبادئ والفكر الإسلامي يجتذب المفكرين والباحثين عن ديانة أخرى . وقد ذكرت سابقاً أن 60% من الهولنديين المعتنقين حاصلون على درجات علمية وأكاديمية . ولايعني ذلك اقتصار اعتناق الإسلام على دائرة المثقفين والمفكرين ، فالإسلام قادر على جذب مختلف المستويات في المجتمع ولأسباب عديدة ، مصلحية أو معنوية. [47]
إن هناك ضرورة لإلقاء الضوء على ظاهرة اعتناق الإسلام بين السود في الغرب ، فهذا الأمر يتزايد بصورة ملحوظة . وما زال الإعلام يتداول بين حين وآخر أنباء عن شخصيات معروفة رياضية أو أكاديمية . وما زالت هناك حاجة لدراسة حركات المسلمين السود مثل (منظمة أمة الإسلام The Nation of Islam) . وفي هولندا لوحظ تنامي اعتناق الإسلام بين السود ولأسباب اجتماعية وفكرية تتعلق بنظرة الإسلام في المساواة بين المسلمين على اختلاف ألوانهم وقومياتهم ولغاتهم ، إضافة إلى رفضهم للمسيحية التي تعاملهم على أساس اللون .
الاستنتاجات
هناك مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات أضعها بين يدي المهتمين بالدراسات الإسلامية أو النشاط الدعوي في الغرب ، آملاً أن يكون هذا البحث مساهمة متواضعة في خدمة الإسلام وتوسيع رقع انتشاره في أرجاء الأرض إن شاء الله .
1.إن موضوع اعتناق الإسلام مازال بعيد عن متناول الباحثين والمؤرخين والمفكرين . فمازالت الدراسات الإسلامية تتجاهل هذا الموضوع مع العلم أنها تهتم بمجالات عديدة ، بعضها ثانوي ، وقسم منها يتركز على فرق إسلامية منقرضة أو أفكار وآراء لم يعد لها تجسيد واقعي . إن واحداً من أسباب هذا الإهمال قد ناقشته في هذه الدراسة وهو ما يتعلق بالباحثين الغربيين الذين لديهم دوافع عديدة لتجاهله . ولاتوجد في الواقع سوى دراستين ميدانيتين هامتين ، قبل دراستي هذه ، حسب علمي . من المثير أن يجري إغفال دراسة هذا الموضوع من قبل المؤسسات الإسلامية والجامعات ومراكز البحث العلمي ، وكذلك من قبل المفكرين والمهتمين بمجال الدعوة الإسلامية .
2.في الغرب . كما في هولندا ، مازال هناك نقص شديد في المعلومات والإحصائيات حول أعداد المعتنقين للإسلام أو نسبة حالات الزواج بين المسلمين والغربيين . كما لاتوجد معلومات دقيقة عن أعمارهم ، جنسهم ، مستوياتهم الدراسية وغيرها . إن المعلومات التي ذكرتها في الدراسة يجب أن تؤخذ بحذر لأنها تقريبية وليست دقيقة ، ولأنني استقيتها من قبل أشخاص مسؤولين ونشطين في المجال الدعوي ، وقد تتضمن تقديراتهم شيئاً من المبالغة .
3.بسبب ضيق الوقت المخصص لهذا البحث (ستة أسابيع) فقد اقتصرت المقابلات على سبعة معتنقين فقط . ورغم أن هؤلاء لايشكلون سوى شريحة بسيطة ، ولكنها يمكن أن تعطينا فكرة جيدة عن ظروف ومراحل وطبيعة التحول الديني وخلفيات كل عنصر وكيف اتخذ قراره باعتناق الإسلام .
4.إن الدافع الديني يشكل عاملاً رئيسياً في تشكيل قرار الأشخاص باعتناق الإسلام . إنهم رفضوا ديانتهم المسيحية لأنهم وجدوها ديانة غامضة ، وغير عقلانية ، معقدة وأسباب أخرى وردت في الدراسة .
5.إن الدوافع النفسية والاجتماعية تحتل نسبة ضئيلة في دفع المعتنق لتغيير دينه . وان العلماء والباحثين ركزوا عليها وتجاهلوا الدوافع الدينية والعقائدية . وحاول البعض أن يصو<span lang="AR-IQ" style="font-size: 14
المصدر / http://aldrajee.arabblogs.com/archiv.../5/556165.html
لا احد يعلم كم هو عدد المعتنقين للإسلام في الغرب . ولاتوجد إحصاءات دقيقة بل هناك تخمينات وأرقام غير دقيقة تعتمد على الخبرة والتعامل مع المعتنقين . ففي هولندا ، يقدر عدد المعتنقين للإسلام بحوالي 15الف شخص . وفي فرنسا ، مثلا ، يتراوح عدد المعتنقين بين 50 ألف معتنق حسب تقدير أحد الباحثين الغربيين ، إلى 200 ألف معتنق حسب مصدر إسلامي في باريس[2] هذا التفاوت يعود إلى مبالغة المصادر الإسلامية من جهة وإلى محاولة التقليل من أهمية الموضوع من قبل الغربيين من جهة أخرى، إذ أن مايقلق المراكز المسيحية هو كيف يتقبل الاوربيون دين المهاجرين ؟
وسأحاول في هذه الدراسة الإجابة على التساؤل التالي : هل أن اعتناق الإسلام يحدث كنتيجة للنشاطات الدعوية التي تقوم بها المراكز الإسلامية والمساجد والإعلام أم يعود لأسباب ذاتية تتعلق بالفرد الأوربي الذي يجد الإسلام حلا للمشاكل والصعوبات التي يعانيها ؟ وسأحاول تسليط الأضواء على الدوافع النفسية والاجتماعية والدينية والظروف التي دفعتهم لاعتناق الإسلام . وهل هناك تأثير للعمر والجنس والتعليم والجو الاجتماعي في اتخاذهم قرار اعتناق الإسلام .
1-النشاط الدعوي الإسلامي في هولندا
إلى حد الخمسينات من هذا القرن لم يكن في هولندا سوى عدد ضئيل من المسلمين ، حيث كان عددهم عام 1960 يبلغ 1400 مسلم فقط [3] ارتفع عام 1992 إلى 484 ألف مسلم حيث يشكلون 3.2% من مجموع السكان الهولنديون البالغ عددهم 15مليون نسمة. [4] ويشكل الإسلام الدين الثاني في الدول الغربية ومنها هولندا حيث تبلغ نسبة المسلين ضعف مجموع بقية الديانات الأخرى عدا المسيحية ( اليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها).[5]
أنشأ المسلمون العديد من المساجد والمراكز الإسلامية لممارسة الشعائر الإسلامية وأماكن لإقامة النشاطات الاجتماعية والتعليمية والثقافية . وفي هولندا هناك 380 مسجداً موزعة على 128 مدينة . وتتركز هذه المساجد في المدن الكبرى حيث يوجد في أمستردام 29 مسجداً وفي روتردام 26 مسجداً وفي لاهاي 21 مسجداً.[6] وتوجد هناك مئات المنظمات والجمعيات الإسلامية تمارس أنواع النشاطات ، منها مثلاً ، 80 مسجداً للمسلمين المغاربة و96 مسجداً و6 مراكز شباب للأتراك . وتمثل هذه المنظمات الأقليات العرقية والمذهبية للجاليات الإسلامية المقيمة في هولندا . وتقوم بتحقيق الأهداف والنشاطات والخاصة بكل مجموعة عرقية أو توجه إقليمي أو سياسي معين . وتتركز نشاطاتها بين أعضائها بصورة رئيسية ، بينما لايحتل الجانب الدعوي بين غير المسلمين إلا هامشاً محدوداً ، يعتمد بالدرجة الأولى على المبادرات الفردية لبعض المسلمين الذين يمتلكون خلفية ثقافية وعلمية جيدة إضافةإلى إجادتهم اللغة الهولندية التي تلعب دوراً هاماً في التخاطب والحوار مع الهولنديين . إن الدعوة للإسلام عمل تطوعي وواجب إسلامي قد يقوم به أي فرد مسلم ، ولا يتحدد بهذا المركز أو تلك المؤسسة الإسلامية .
مركز المعلومات الإسلاميMuslim Information Center
وهو من أشهر المؤسسات في هولندا هو مركز المعلومات الإسلامي
Muslim Information Centrum ذات الصلة بالعمل الدعوي . وقد تأسس هذا المركز في لاهاي عام 1980 من قبل بعض المسلمين الهولنديين وعلى رأسهم عبد الواحد فان بومل ، الذي اعتنق الإسلام عام 1967 ، ودرس العلوم الإسلامية لمدة أربع سنوات في تركيا . وقد كان مديراً للمركز منذ تأسيسه حتى عام 1993 ، حيث يديره حالياً السيد عبد القيوم ، وهو مسلم من سورينام (مستعمرة هولندية سابقة).
تقام في المركز ندوات ودورات ومحاضرات للمسلمين الجدد (الذين اعتنقوا الإسلام مؤخراً) وكذلك غير المسلمين (الهولنديين) الراغبين في التعرف على الإسلام . وتتضمن المحاضرات تقديم معلومات وافية عن تعليم وعقائد الإسلام ، وغالبا ما تعقبها مناقشات غير محدودة .[7]
وقد ذكر السيد عبد القيوم بأنه عادة تنصح الهولنديين الراغبين في اعتناق الإسلام والنطق بالشهادة بالتريث حتى يأخذوا فكرة كافية عن الإسلام ، وأن تتوضح لهم قواعد وتعليم الإسلام بصورة وافية يتمكنوا بواسطتها من تكوين قناعات متينة يمكن أن تكون أرضية صلبة لاتخاذ قرار الاعتناق ومايتبعه من نتائج ومسؤوليات . اذ ليس بالمستطاع التراجع عن هذا القرار ، إنه قرار أبدي بنظر الإسلام ، فمن يتراجع يعتبر مرتداً وسيتحمل عقوبة إلهية . وتستمر الدورات ثلاثة أسابيع في المركز ، بعد ذلك يكون المشاركون مستعدين للنطق بالشهادة.[8] بعدها يمنح المعتنق شهادة رسمية تؤيد اعتناقه الإسلام ، حيث يمكن استخدام هذه الوثيقة لإثبات وضعه الجديد وخاصة عند الزواج بمسلم أو مسلمة ، أو الذهاب إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج . وهناك دورات خاصة بالنساء تقوم فيها بعض النساء الناشطات في إعطاء محاضرات. ويقوم مركز المعلومات الإسلامي بترتيب زيارات إلى السجون والمستشفيات ومراكز استقبال اللاجئين ومراكز الشرطة والمؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بالمسلمين ، حيث يقوم المركز بإعطاء معلومات حول الإسلام وتعاليمه ، ومواجهة المشاكل التي تواجهها هذه المؤسسات والتي تنشأ بسبب نقص الفهم للإسلام وأحكامه . وقد حدث أن أحد الموظفين الاجتماعيين قد اعتنق الإسلام بعد سماعه المحاضرات . أن هدف المحاضر كان إعطاء فكرةواضحة عن الإسلام كي يتفهموا طبيعة ومشاعر المسلمين الذين يتعاملون معهم ، ولكنه الإسلام العظيم الذي وجد أرضا خصبة فنمت بذرته وأثمرت . ويقوم المركز بلقاء أولئك النزلاء في المؤسسات المذكورة من أجل دعوتهم للإسلام أو التأكيد على التزام المسلمين منهم به.ويقوم المركز بإصدار كتب ومطبوعات وأشرطة كاسيت ، تتضمن معلومات فقهية ،تفسير آيات قرآنية ،التاريخ الإسلامي والقضايا المعاصرة ، وكلها باللغة الهولندية . كما يقدم المركز خدمات أخرى مثل إجراء عقود الزواج والذبح الإسلامي ، إضافة إلى خدمات أخرى هي إقامة صلاة الجمعة وصلاة العيدين والاحتفال بالمناسبات الإسلامية . إن المسلمين الهولنديين هم النسبة العظمى من المترددين على المركز . ويقوم المركز بهداية حوالي 100هولندي وهولندية إلى الإسلام سنويا .
وحول مواصفات الداعية الإسلامي يقول عبد القيوم " على الداعية أن يمتلك القدرة والجدارة وخلفية جيدة من المعرفة الإسلامية ، إضافة إلى إلمام جيد بالديانة والثقافة الهولندية وطبائع المجتمع وعاداته ، وكذلك معرفة كافية بالفرق والطوائف المسيحية كالكاثوليكية والبروتستانتية والكالفنية ، لأنه قد يكون معرضا لأسئلة من إتباع تلك الطوائف يسال عن الفرق بينها وبين الإسلام والمفروض به أن يعطي أجوبة مقنعة .
منظمة المسلمات الهولنديات (Dutch Muslim Women )
وقد تأسست هذه المنظمة التي تسمى (An-Nisa) في أمستردام عام 1980 . وتقوم المنظمة بالعديد من النشاطات التي تتركز في إعطاء محاضرات ومعلومات حول الإسلام والحياة الإسلامية . وغالبية المشاركات هن من الهولنديات اللائي اعتنقن الإسلام ويرغبن بتلقي المزيد من المعرفة حول الإسلام . وقد كان الدافع الرئيسي لتأسيس "النساء" هو أن اغلب المنظمات الإسلامية هي منظمات رجالية ، وتستخدم لغة قومية أخرى غير الهولندية مما يعني عدم استفادة غير الناطقين بها . إن اغلب الرجال المسلمين يمانعون في ذهاب نساءهم (بنات ، زوجات ، أمهات وأقارب)إلى المنظمات الإسلامية ، ولكنهم لايمانعون في ترددهن على منظمات نسائية . إن المسلمات الهولنديات سرعان ما يفقدن علاقتهن مع أقاربهن وصديقاتهن بعد اعتناقهن الإسلام . والمجتمع الهولندي يولي أهمية للعمل والجماعة المنظمة . ومنظمة النساء منظمة مستقلة وإسلامية على المذهب السني ، وهي غير تابعة أو مرتبطة بأي مسجد أو جماعة رجالية .[9]
الإذاعة الإسلامية الهولندية (Dutch Islamic Broadcast )
من المؤسسات الإسلامية الهامة في هولندا هي الإذاعة الإسلامية الهولندية
Nederlandse Moslem Omroep ويرمز لها (NMO) . وكانت فكرة إنشاء الإذاعة قد طرحت عام 1979، ولكنها استغرقت سبع سنوات حتى تحققت عام 1986 . وتدار من قبل الأقليات المغربية والتركية والسورينامية . وتقوم وزارة الثقافة الهولندية بتمويلها . ويديرها حاليا عبد الواحد فان بومل . وبدأت نشاطها ببث برامج إذاعية وتلفزيونية أسبوعية ، والتي تتضمن برامج تلفزيونية تعرض الآراء الإسلامية والفكر الإسلامي إضافة إلى متابعة شؤون المسلمين وتقارير عن أوضاعهم وما تعرضه وسائل الإعلام الغربية . وتعقد ندوات وحوارات مع مفكرين مسلمين ، كما تتضمن مناقشة القضايا الهامة للمسلمين سواء خارج هولندا أو المقيمين فيها ، كما تستضيف أناس اعتنقوا الإسلام للتحدث حول تجاربهم ومشاكلهم . وأما البرامج الإذاعية فهناك برامج باللغات العربية والتركية والهولندية .
يعتمد موقف الإذاعة الهولندية على التنديد بالعنف واستخدامه أو المشاركة فيه بأي طريقة . وتشجيع الحوار بين الديانات السماوية ،الإسلام والمسيحية واليهودية ، التركيز على الشباب الذي يواجه الانحراف أثناء بحثه عن السعادة ، حيث تسعى الإذاعة لمساعدتهم في تفادي الانحراف .[10]
أما أهداف الإذاعة فهي :
1-أن البرامج موجهة لكافة قطاعات المشاهدين والمستمعين من الذين يلعب الإسلام دوراً مركزياً كديانة وأسلوب للحياة Lifestyle .
2-تشجيع اندماج المسلمين في المجتمع الهولندي .
3-التأكيد على غير المسلمين وإيصال المعلومات الصحيحة وكسب ثقتهم بالإسلام والثقافة الإسلامية .
4-إن البرامج لن تشكل أية دعاية لأي تيار ديني أو حزب سياسي أو حكومة .
5-معاملة المذاهب والفرق الإسلامية بمستوى واحد .[11]
وحسب المعلومات الإحصائية فان أغلبية مشاهدي برامج تلفزيون الإذاعة الإسلامية هم من الأقليات الإسلامية ، بينما لاتتجاوز نسبة المشاهدين الهولنديين سوى 5% فقط .
الأتراك | المغاربة | السورناميين | الانتليين | الهولنديين | |
عدد الذين شملهم الاستطلاع | 150 | 141 | 159 | 133 | 522 |
نسبة مشاهدة البرامج | % | % | % | % | % |
نعم لا |
57 43 |
65 35 |
32 68 |
15 85 |
5 95 |
من المعتاد استخدام الإذاعة والتلفزيون كمنبر للدعوة الدينية ونشر مبادئها بين مشاهديها ومستمعيها . ولاتوجد معلومات أو تقييمات لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الوسائل الإعلامية في الترويج للعقائد الدينية أو تأثيرها في تغيير عقائد الناس أو اعتناقهم العقيدة أو المذهب التي تروج له ومن المعلوم أهمية الإعلام في المجال السياسي وتأثيره على الرأي العام داخلياً وخارجياً في تدعيم مواقف الجماعات السياسية والحكومات . ويبدو من الصعب التمييز بين الإيمان الديني والموقف السياسي وردود الأفعال العاطفية تجاه البرامج التي تبثها الإذاعة . يقول مدير الإذاعة عبد الواحد فان بومل أن 70% من ردود الأفعال التي تتلقاها الإذاعة هاتفيا بعد عرض البرنامج تأتي من المشاهدين الهولنديين ، مع أن نسبتهم قليلة من مجموع المشاهدين . يعود ذلك إلى عدم تعود المسلمين المهاجرين على التعبير عن آرائهم سواء بالهاتف أو الرسائل . تضمن بعض ردود الأفعال اعتراضات على بعض البرامج التي تتضمن مواقف وأفكار لاتنسجم مع أفكارهم ، مثلا وردتنا ردود أفعال عديدة اثر عرض تحقيق عن أوضاع المسلمين في جنوب لبنان ومعاناتهم اليومية من الاحتلال الإسرائيلي إذ تركز البرنامج على عرض وجهة نظر الجانب اللبناني وليس الجانب الآخر.[12]
ديناميكية اعتناق الإسلام
الموضوع المتجاهل
إن موضوع اعتناق الإسلام قلما تعرض للبحث والاهتمام من قبل الباحثين الغربيين، ويلاحظ ذلك توماس آرنولد T.W. Arnold إذ يقول أن الكتابات الإسلامية ضعيفة في تسجيل ما يتعلق باعتناق الآخرين بالإسلام . بينما يحظى هذا الأمر بأهمية خاصة في كتابات الكنيسة المسيحية . ويؤيد الباحث الفرنسي ريشارد بولييه Richard Bulliet ذلك، ويقول أن الاهتمام بهذا الموضوعأخذ يتزايد فقط بالسنين الأخيرة . إن عمليات اعتناق الإسلام الواسعة التي غيرت التاريخ جذرياً عبر توحيد سكان الشرق الأوسط في الديانة الجديدة ستكون بحاجة إلى مؤرخين جدد هذه المرة . ويتساءل الأمريكي لاري بوستون : لاأحد من هؤلاء الباحثين والمؤلفين طرح سبب هذا الإهمال.[13]
ويسأل المستشرق الأمريكي ستيفن همفريز R. Stephen Humphreys، صاحب كتاب التاريخ الإسلامي Islamic History الذي قضى في تأليفه أكثر من عشر سنوات ، وتعتمده الجامعات ككتاب أكاديمي في الدراسات الإسلامية ، نفس السؤال ثم يضيف " إن موضوع اعتناق الإسلام بقي مهملا في حقول الدراسات الإسلامية . إن جميع الدراسات الهامة في هذا الموضوع يمكن تدوينها في صفحة واحدة فقط ! لايوجد أي عمل يقوم بتعريف هذا المجال من الدراسات ويضع الخطوط الرئيسية للبحوث المستقبلية".[14]
بعد أن يعرّف الاعتناق Conversionبأنه عملية تبديل مجموعة من المعتقدات الدينية والشعائر من دين إلى آخر ، يعلل همفريز هذا الإهمال ويعزوه إلى " أن المستشرقين الغربيين ، إلى حد الحرب العالمية الأولى على الأقل ، كانوا يضمرون – إن لم يكن صراحة – عدائهم للإسلام . وأن هذا النمط من التفكير قادهم إلى سلوك منحرف . إن موضوع اعتناق الإسلام يعني انه عقيدة تتفوق على المسيحية واليهودية.[15]
إن من أهم الدراسات التي تناولت موضوع اعتناق الإسلام هي:
1 -( اعتناق الإسلام )To IslamConversion لـ " لفشن نهيميا" الصادرة عام 1979 .
2- ( اعتناق الإسلام في العصور الوسطى)Conversion To Islam in the medieval period لريتشارد بوليه ، الصادر عام 1979 .
3- ( الدعوة الإسلامية في الغرب ) Islamic Da'wah in the west لـ لاري بوستون ، والصادر عام 1992 .
الدراسات النفسية والاجتماعية Socio-psychological studies
منذ بداية هذا القرن ،طرحت عدة نظريات تشرح ظاهرة التحول الديني Religious Conversionوتحاول تفسير الدوافع النفسية والاجتماعية التي تجعل الفرد يغير عقيدته ودينه. وقد حظيت ظاهرة التحول الديني باهتمام تدريجي بين علماء النفس والاجتماع والمؤرخين إضافة إلى اللاهوتيين . وهذه قائمة بأهم الدراسات النفسية والاجتماعية واللاهوتية 17:
1- (سايكولوجية الديانة) قام بها "ادوين ستار بوك " عام 1900 .
2- (تنوع الممارسة الدينية ) قام بها " وليم جيمس " عام 1958 .
3- ( أن تصبح منقذ العالم : نظرية في التحول الديني ) قام بها كل من جون لوفلاند و رودني ستارك عام 1965 .
4- ( بعض العوامل النفسية في التحول الديني ) قام بها أف . جي . روبرتس عام 1965 .
5- ( الاعتناق تحت الهيمنة الإسلامية : دراسة مقارنة ) قام بها ليفشن نهيميا عام 1981 .
6 – ( تغيير القلب : اختبار بعض النظريات المتعلقة بالتحول الديني ) قام بها ماكس هيرخ عام 1977 .
7 – ( سايكولوجية الديانة والتحول الأيديولوجي ) قام بها ليون سازلمان عام 1953 .
إن هذه الدراسات تركز على الجانب النفسي والاجتماعي ، إذ تحاول التأكيد على أن الذين يغيّرون ديانتهم هم من الأشخاص المريضين نفسياً ، أو لديهم مشاكل اجتماعية يحاولون التخلص منها باللجوء إلى الحل الديني . وهذا لا ينطبق على موضوع اعتناق الإسلام لكن هذه الدراسات تتضمن تحليلات وملاحظات هامة ، وسأقوم بمقارنتها بالنتائج التي حصلت عليها من خلال المقابلات التي أجريتها مع عدد من الذين اعتنقوا الإسلام .
نتائج الدراسة
أن هدف الدراسة هو تحديد طبيعة اعتناق الإسلام في البيئة الغربية ، في هولندا ، انطلاقاً من الخصائص النفسية والاجتماعية والدينية لهؤلاء المعتنقين من حيث العمر ، الجنس والخلفية الدينية والتعليم وغيره ، إضافة إلى الدوافع التي جعلتهم يقررون اعتناق الإسلام بالذات دون غيه من العقائد والأديان والأيديولوجيات . وسأحاول تحديد الدور الذي تقوم به الدعوة الإسلامية في اعتناقهم الإسلام . وقد أجريت لقاءات مع سبعة أشخاص ، أربعة رجال وثلاث نساء ، كانوا قد اعتنقوا الإسلام في أوقات متفاوتة، بعضهم منذ 25 سنة وآخرون اقل من ذلك ، وبعضهم كنت الشاهد على اعتناقهم الإسلام ووفقنا الله سبحانه وتعالى لشرح التعاليم الإسلامية لهم قبل اعتناقهم . ولغرض المحافظة على سرية المعلومات الشخصية التي أدلوا لي بها سأتجنب ذكر أسمائهم .
عدد وجنس المعتنقين للإسلام
يقدر عدد الذين اعتنقوا الإسلام في هولندا بحوالي 15000 شخصاً . ولايوجد أي مصدر يمكنه تزويدنا بالرقم الحقيقي . ويعلل المستشرق الهولندي فان كوننكز فيلد Van Koningsveld بان هذا النقص يعود " لأسباب شخصية حيث أن المقررات الدستورية تفصل الدين عن السياسة ، مما يعني عدم وجود تسجيل رسمي للمواطنين يبين انتمائهم وعقائدهم الدينية [16] . إن اغلب المعتنقين للإسلام غير مسجلين كمسلمين في أي مكان ، فمركز المعلومات الإسلامي في لاهاي يقوم بسجيل أولئك الذين ينطقون بالشهادة فيه . كما أن المعتنقين يحتفظون بأسماهم الغربية في السجلات والأوراق الرسمية كجواز السفر وإجازة السياقة والسجل المدني وغيرها . إن النساء يشكلن الغالبية العظمى من الذين يعتنقون الإسلام . وتبلغ النسبة حوالي 80%.[17] إن هذه النسبة العالية بين النساء الهولنديات هي على عكس منها بين النساء الغربيات حيث أن نسبة النساء اللائي يعتنقن الإسلام تبلغ في أمريكا 50% وفي أوربا هي 32%.[18] ويحاول لاري بوستن تفسير هذه الظاهرة أي انخفاض نسبة اعتناق الإسلام بين النساء الأوربيات عنه بين النساء الأمريكيات فيقول " إن الإعلام الغربي يعرض المرأة المسلمة على أنها محجبة منعزلة غير متعلمة، واعتبارها أكثر قليلاً من المواد الممتلكة من قبل الرجل مما يجعلها مدانة بنظر المرأة الغربية المعاصرة. كما أن الملابس التقليدية للمرأة الشرقية وأسلوبها الاجتماعي لايمكن اعتبارهما كقاعدة في البيئة الغربية . ويقوم الإعلام الغربي بتضخيم قضية استعباد الرجل للمرأة ؛مما يوثر في تشويه صورة المرأة ،كل ذلك يمكن أن يكون سبب إعراض المرأة عن اعتناق الإسلام ".[19]
وإذا كانت الأسباب المذكورة أعلاه تنطبق في أوربا الغربية فلماذا تختلف الوضعية في هولندا وهي جزء من أوربا؟حيث ترتفع نسبة النساء المعتنقات للإسلام 0 إن أغلب الهولنديات المسلمات يتقيدن باللباس الإسلامي 0 لقد ذكرت لي سيدتان مسلمتان بأنهما كانا يعلمان قبل إسلامهما بضرورة ارتداء الحجاب، وأنهما واجهتا صعوبات في ارتدائه في محيطهما .فالناس من حولهما يسألونهما دائماًعن ذلك الزي المرتبط في أذهانهم بالنساء الشرقيات .وهما مضطرتان للإجابة على تلك الأسئلة .أغلب النساء المعتنقات يعانين من هذا الأمر وخاصة في العمل .وبعضهن اضطررن لترك العمل أو طردن منه لهذا السبب بالذات.
يعتبر الزواج أهم عامل في اعتناق الهولنديات للإسلام ،وهذا ما يتفق عليه الجميع ،من الدعاة للإسلام أو المعتنقين أنفسهم . وهذه الحقيقة تناقض تحليلات لاري بوستن L .Poston الذي يقول بأن المرأة الأوربية في الزواج من مسلم . ثم يضيف " لاتوجد معلومات إحصائية حول هذه القضية ".[20] أن هذا الموضوع بحاجة إلى بحث أكثر من اجل الوصول إلى نتائج منطقية تفسر طبيعة سلوك المرأة الغربية تجاه الرجل المسلم . لقد اعتمد لاري بوستن في استنتاجه ذاك على دراسة بريطانية قامت بها السيدة حرفية بل Harfiyah Ball.[21]
إن ذلك يشير إلى أن المرأة الهولندية لاتجد صعوبة أو عائقاً في الزواج بالمسلم أو بالأجنبي عموماً . صحيح أنه لاتوجد إحصائيات في هولندا تبين نسبة أو عدد النساء الهولنديات المتزوجات بمسلمين أو أجانب ، ولكن ارتفاع نسبة الهولنديات المعتنقات للإسلام يمكنها أن تدعم الاستنتاج الذي ذكرته .
برأي الإسلام ، كما يعرضه السيد أبو القاسم الخوئي ( لايجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعاً ، لادواماً ( زواجاً دائماً) ولاانقطاعاً ( زواج متعة) . وفي الكتابية قولان أظهرهما الجواز في المنقطع بل وفي الدائم ايضاً).[22] ذلك يعني أن بإمكان المرأة غير المسلمة الاحتفاظ بديانتها (المسيحية أو اليهودية أو المجوسية أو الصابئية )[23] بعد زواجها بمسلم. ومع ذلك وجدت أن المرأة الهولندية تبدي رغبة لاعتناق الإسلام بعد زواجها ، إن لم تكن قد اعتنقته قبل الزواج . ويفضل المسلمون الملتزمون بالتعاليم الإسلامية أن تعتنق زوجاتهم الإسلام قبل الزواج . أما المرأة المسلمة فلا يجوز لها أن تتزوج بغير المسلم . وهذا الأمر يدفع العديد من الرجال غير المسلمين لإشهار إسلامهم قبل زواجهم بمسلمة . وقد كان أحد الشباب المعتنقين للإسلام والذي أجريت معه مقابلة،قد اتخذ ذلك القرار لأنه أراد الزوج بفتاة مسلمة .
بالنسبة للديانات السابقة للمعتنقين فقد تضمنت المذاهب المسيحية ، الكاثوليكية ، البروتستانتية والكالفنية . وكانت هناك حالات نادرة في هولندا ، إذ أسلم شاب هندوسي ، كما أسلمت فتاة يهودية . أما بالنسبة للمذاهب الإسلامية فأغلبية المعتنقين أسلم وفق المذاهب السنية ، كما يوجد البعض ممن يؤمن بالمذهب الشيعي الاثنا عشري .ولوحظ حالات يكون فيها المعتنق يميل للتصوف والصوفية . ويعود ذلك إلى مذهب المسلم الذي أقنعه أو المؤسسة التي أشهر إسلامه فيها .
أعمار المعتنقين للإسلام
إن معدل العمر بين معتنقي المسيحية – أي الذين يتحولون من مذهب مسيحي إلى آخر – يتراوح بين 15- 16 عاماً.[24] في ذلك السن – في مرحلة المراهقة- يبدأ المرء برفض ديانة الوالدين. وينطبق هذا الأمر إلى حد ما على الهولنديين المعتنقين للإسلام ، فقد ذكر أحد الرجال انه كان يراوده مثل ذلك الشعور عندما كان في سن 15- 16 عاماً . وذكرت إحدى السيدات أنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة عندما كان عمرها 18 عاماً ، كما قال شاب آخر انه لم يجد ما يثير اهتمامه بالدين عندما كان في سن مبكر ، بين 10- 12 عاماً ،أي قبل المراهقة . ويقول رجل آخر أنه عندما كان في سن 14 عاماً ، كانت لديه تساؤلات مما جعله يرفض ديانته المسيحية ومذهب الكالفنية Calvinism ، كما رفض أداء قسم الولاء للدين . هذا القسم يؤدي بين سن 12 و 18 عاماً .
إن معدل أعمار المعتنقين للإسلام – أي عمرهم حين إي أعمارهم حين اعتناقهم – يبلغ في أمريكا 29 عاماً . وفي أوربا ( 7،33) عاماً . أما في هولندا فإن الصورة التقريبية هي :
الأكثرية 25-35 عاماً ( بمعدل 30 عاماً )
الفئة الثانية ( الأقلية ) 18 -25 عاماً ( بمعدل 5 ،21 عاماً)
الفئة الثالثة ( الأقل ) أكثر من 40 عاماً
لقد كانت أعمار الذين أجريت معهم مقابلات كالآتي : بالنسبة للرجال 23، 28 ،29 ،30 عاماً .أما النساء فكانت أعمارهن 26 ، 29، 34 عاماً على التوالي. فيكون بذلك معدل العمر حين اعتناق الإسلام هو (4،28) عاماً ، مما يعني أن الهولنديين يعتنقون الإسلام في سن أقل من نظرائهم الأوربيين والأميركيين .
ويمضي المعتنق الغربي فترة طويلة نسبياً حتى يصل إلى قرار اعتناق الإسلام ، اذ تبلغ (14.6) عاماً.[25] وهذه الفترة تمثل المدة من بداية رفضه للديانة السابقة إلى أن يصبح مسلماً.أما في هولندا فتبلغ حوالي (13.4) عاماً ، إذا اعتبرنا أن معدل العمر حين البدء برفض الديانة السابقة يبلغ 15 عاماً. ويدل ذلك على أن الفرد الهولندي يحتاج إلى وقت أقل من بقية الغربيين كي يعتنق الإسلام .
دور النشاط الدعوي في اعتناق الإسلام
كما ذكرنا سابقاً ، فان الدعوة للإسلام ، عموماً ، تبقى معتمدة على المبادرات الشخصية أكثر من العمل المنظم . وهناك بعض المؤسسات الإسلامية التي تمارس النشاط الدعوي ، ولكنها لاتمثل كل النشاط الدعوي ، ولاتدعي ذلك أيضاً.
إن وجود المسلمين في المجتمع الهولندي له تأثير كبير في ظاهرة اعتناق الإسلام حيث يوجد حوالي نصف مليون مسلم حالياً . إن هذا العدد من المسلمين لايعني بالضرورة أنهم كلهم ملتزمون بالتعاليم والأحكام الشرعية ، أو أن أفكارهم وسلوكهم نابعة من شعور ديني محض . ورغم أنهم يصفون رسمياً من المسلمين ، ولكن يمكن تقسيمهم إلى عدة فئات حسب التزامهم الديني إلى: [26]
1. الملتزمون The Confessionals وهم الذين يؤدون الشعائر الإسلامية
ويعتبرون الإسلام ليس دينا فحسب بل طريقة اجتماعية – ثقافية في الحياة .
2. المعتقدون The Believers وهم الذين يقبلون الأحكام الدينية والقواعد الاجتماعية – الأخلاقية الإسلامية، ولكنهم لايلتزمون بأداء الواجبات الدينية .
3. المتحررونThe Liberals وهم الذين يعتقدون ببعض القيم الأخلاقية والمبادئ الفلسفية للإسلام، لكن لديهم انتقادات أو يرفضون بعض المظاهر الدينية وخاصة فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية – السياسية .
4. اللاأدريةThe Agnostics وهم الذين لايؤمنون بالأحكام والتعاليم الإسلامية، ويرفضون أن يكون الدين أساساً للحياة الاجتماعية –الثقافية .
هؤلاء المسلمون يعيشون بين ظهراني المجتمع الهولندي ويقيمون علاقات وصداقات ، ويحاول الملتزمون منهم أن يشرحوا الإسلام للهولنديين . وقد تأثر هؤلاء سواء بالحوار والحديث أو من خلال الممارسات الإسلامية والعادات الشرقية التي يجد الغربيون فيها نمطاً جديداً من التفكير والسلوك ، أقرب للبساطة والفطرة والذوق الإنساني من الأفكار والفلسفات والعادات الأوربية .
شهادات من الواقع
إن جميع الذين التقيتهم قد صرحوا بتأثّرهم بصديق أو أصدقاء مسلمين ، وأنه كان لهم دور في اتخاذ المعتنقين قرارهم بإشهار الإسلام . ذكر لي أحدهم بأنه "كان لي صديق مسلم وكان يحثني عن الإسلام ، فوجدت نفسي مهتماًبالأمر . عندما بلغ عمري 22 عاماً ، تزوج صديق لي بفتاة مسلمة . لقد ذهبت معه للإقامة بين تلك الجالية الاندونيسية المسلمة . لقد مكثت بينهم ثلاثة شهور تعرفت خلالها على الإسلام وعقائده . لقد كانوا يمتازون بالبساطة ودماثة الخلق . بعد ذلك قررت أن أصبح مسلماً".
وتقول سيدة مسلمة : لقد تعرفت على شاب عراقي مسلم ، أخذ يحدثني عن الإسلام . لقد كان الإسلام شيئاً غامضاً في ذهني، وكنت أحمل الصورة السلبية التي رسمتها وسائل الإعلام الغربية . لقد كان يشرح لي المفاهيم الإسلامية وفلسفة الأحكام الشرعية .
وتقول شابة أخرى :لقد التقيت بشاب عراقي متدين ، وكان يتحدث عن الإسلام بطريقة عقلانية وثقة . في البداية لم تكن لي رغبة في الحديث عن الإسلام لما في ذهني من نظرة سلبية تجاهها ، ولكن فيما بعد وجدتني أصغي إليه باهتمام . ومن جانبه لم ييأس أو يتردد أو يخجل من عرض الإسلام وتعاليمه علي.
يقول شاب مسلم لقد تعرفت إلى فتاة مسلمة أثناء قضاء إجازتي في المغرب وأعجبت بها ولما قررنا الزواج قالت لي يجب أن تصبح مسلماً كي يمكنك الزواج بي ، أنا سعيد الآن بالاثنين ، بالزواج وباعتناقي الإسلام .
ذكر لي رجل " لقد هاجرت إلى جنوب أفريقيا ، وتعرفت هناك على صديق أسود . كان سكيراً عصبياً فوضوياً . وبعد سنوات من الفرق التقيته وكان قد أصبح مسلماً . لقد تغير كلياً ، لقد أصبح هادئاً رزيناً يتحدث بنمطق جديد وأفكار إنسانية لم نسمع بها من قبل . صار أكثر شفافية ومتمسكاً بالروحيات حتى غدا متصوفاً . لقد أصبت بصدمة عندما شاهدت ذلك الانقلاب الكبير في شخصيته ، وتساءلت في نفسي : ماهي هذه القوة التي قلبت كيان صديقي رأساً على عقب؟ إن هذه القوة القادرة على فعل هذه المعجزة لجديرة بالإحترام والتقدير ، بل وبالعبادة ، عندها قررت أن أصبح مسلماً ."
أما اتصالهم بالمراكز الإسلامية والمساجد ،فقد حدث قبيل الإسلام أو بعده . فقد ذكر بعض الهولنديين أنهم تلقوا دروساً في الإسلام في مركز المعلومات الإسلامي في لاهاي . وقال أحدهم " عندما كنت في سن 18 عاماً ذهبت إلى مسجد الأحمدية في أمستردام – كان المسجد الوحيد آنذاك – كانت المحاضرة قد جذبتني بعمق بأفكارها ومفاهيمها الإسلامية". وذكر رجل آخر بان استعار نسخة من القرآن الكريم من مسجد في لاهاي ، ثم نطق بالشهادة في نفس المسجد .
إن الأفراد المسلمين والدعاة الناشطين يلعبون معاً دوراً مشتركاً في عملية التحول واعتناق الإسلام . فالفرد المسلم يهدي غير المسلم نحو الإسلام ، بطريقة ما ، عبر العلاقة الشخصية والحوار والنقاش حتى يقتنع بالإسلام ، ثم يبدأ دور الداعية الإسلامي في ترسيخ البناء العقائدي له وتزويده بالمعلومات اللازمة من عقائد ومفاهيم وتعاليم إسلامية ، عبر الدروس والمحاضرات والنقاشات المفتوحة والكتب والمطبوعات . والبدء بردم بقايا تعاليم الديانة السابقة وإحلال التعاليم الإسلامية محلها . فإذا ما طويت هذه المراحل يصبح الفرد مستعداً لإشهار الإسلام والنطق بالشهادة ، ويصبح مسلماً جديداً وعضواً في المجتمع الإسلامي الكبير. وقد يلعب أي فرد مسلم دور الداعية للإسلام بشرط أن تكون لديه المقدرة والكفاءة في إدارة الحوار وإقناع الآخر بالتعاليم الإسلامية ، مع مراعاة كل حالة وظروفها ومستوى تعليمها واهتمامها . فقد نجح احد المؤمنين العراقيين في إقناع امرأتين غربيتين ليس باعتناق الإسلام فحسب ، بل بالزواج منهم .أن تعدد الزوجات الغربيات يعتبر من الحالات النادرة .
دوافع التحول الديني Conversion
يشير العالم النفسي المختص بالديانات ، وليم جيمس William James إلى أن اعتناق الديانة الجديدة هو عملية تدريجية أو فجائية ، عندما يتنازع الشخصية شعوران:أحدهما شعور واعي بالخطأ والتعاسة، يتحول بعدها إلى شعور واعي بالصواب والسعادة ، يترسخ تدريجياً بالحقائق الدينية.[27] ويعرف عملية التحول الديني بأنها " في جوهرها ظاهرة عادية في مرحلة المراهقة ، حين يجتاز المراهق هذه المرحلة نحو النضج والانتقال من عالم الطفولة إلى الحياة الناضجة بما تتضمنه من مشاعر روحية وتطور عقلي واسع".[28] ويعزو عملية التحول إلى عوامل أخرى مثل الفشل في الاندماج الاجتماعي نتيجة انحرافات نفسية Psychological Malformation أو مرض ذهني Mental illness عندها يعتقد أن التحول إلى ديانة أخرى سيكون حلاً لمشكلة الاندماج".
ويميز وليم جيمس بين نوعين من التحول الديني ، احدهما واعي وتطوعي
Conscious and Voluntary بينما النوع الآخر يكون إجبارياً ولاواعياً
Involuntary and Unconscious .ويحدث هذا الأخير في القسم اللاشعوري واللاواعي من الدماغ ، ويوصف عادة بالتحول الديني التلقائي.[29]
ويرى ليون سالزمان Leon Salzman بأن التحول التلقائي لايحقق مهمة الاندماج ، وفي أحسن الأحوال يكون حلاً مؤقتاً للمشاكل النفسية.[30] لقد أجرى روبرتس F.J Roberts دراسة شملت 43 طالباً من اللاهوت ، تبين أن 23 طالباً منهم قد شهد تحولاً فجائياًSudden Conversion داخل المسيحية. ووجد أن الانبساط أو الاهتمام بخارج الذات Extroversion والعصاب Neuroticism قد توزعا على كلا المجموعتين دون تفاوت ، ثم استنتج بأن العصاب ليست له علاقة بنوع التحول الديني . وهذا على العكس ما اعتقده ليون سالزمان.[31]
وكان سالزمان Salzman قد قدم نظرية اعتمد في وضعها على مشاهداته وخبرته في معالجة المرضى النفسيين حيث يقول : إن التحول الديني يحدث بعد شعور طاغٍ بالاستياء والكره والعداء وميول تدميرية Destructive Tendencies، وليس من خصائصه الانسجام والسمو والسعادة والاستقامة الواعية . وقد ذكر سالزمان أن المتحولين إلى الديانة الجديدة يتصفون بما يلي :
1.حدة مبالغ فيها ولاعقلانية في إيمانهم بالعقيدة الجديدة .
2.علاقتهم بالمظهرأكبر من اهتمامهم بمبادئ المعتقد الجديد .
3.موقفهم تجاه الديانة السابقة يتسم بالاحتقار والضغينة والرفض .
4.عدم التسامح تجاه أي شيء أو أي شخص يشكل انحرافاً عن العقيدة الجديدة .
5.حماسة (صليبية) في تحويل الآخرين إلى العقيدة الجديدة .
6.نزعاتهم الماسوشية/ السادية Masochistic / Sadistic Tendencies تدل على رغبتهم في الاستشهاد Martyrdom ، واستغراقهم في إنكار الذات Self-Denial.[32]
قدم جون لوفلاند John Lofland ورودني ستارك Rodney Stark نظرية يعزوان فيها التحول الديني إلى نفسية ارتدادية أو عكسية Reverse Psychology . لقد افترضا أنه في المجتمعات الغربية ذات الشعور العالي بالفردية Individuality غالباً ما ينجذب الفرد إلى وجهة نظر مجهولة وغامضة ويقلل من شأن النظام الذي يعيشه . وعندها يصبح التحول بمثابة اعتراض على الظروف العائلية والاجتماعية التي تبدو اقل من الحالة المثالية التي يصبو إليها.[33] وبناء على تلك النظرية فقد قدما تفسيراً لطبيعة الظروف والعوامل التي تهيئ هؤلاء الأشخاص للتحول الديني ، هذه المراحل هي :
1.التوتر Tension حيث تتجاذب الفرد حالتان هما الوضعية الخيالية المثالية والحالة الواقعية التي يعيشها . هذا التجاذب يؤدي إلى الشعور بالإحباط والغضب أو العجز .
2.أن يكون للمتحول Convert منظور ديني لحل المشكلة ، فلم يتحدث احد من أولئك المتحولين إلى ديانة أخرى عن حل نفسي أو سياسي للمشاكل المطروحة . إن اغلبهم قادمون من مدن صغيرة أو مجتمعات متدينة ، لذلك هم يعتقدون أن الحل يمكن في الإيمان الديني . ومع اعترافهم أنالقناعة الدينية حلولا جيدة لمشاكلهم ولذلك كان عليهم أن يبحثوا عن حل آخر .
3 – مرحلة البحث Seekership فكل واحد منهم يصنف نفسه بأنه رحالة
يسافر من أرض إلى أخرى بحثاً عن إمكانيات جديدة سواء في النمط
الحياتي أو النظرة للعالم . إن كل فرد منهم يبلغ في مرحلة معينة نقطة الانعطاف Turning Point وهي اللحظة التي تبدأ فيه العقيدة القديمة قد
اكتملت أو فشلت أو تعطلت .
4- مرحلة الإيمان التأملي – الشخصي Individuative- Reflective
Faith وتمتد هذه الفترة من سن البلوغ وحتى سن 35 عاما . وتدعى
بمرحلة (نقض الأسطورة Demythologizing Phase) حيث يبدأ
بالادعاء بهوية يمكن تعريفها بأنها مجموعة مركبة من الأدوار والمعاني مع
بعضها .
5- مرحلة الإيمان الموحد Conjunctive Faith حيث تبدأ في منتصف
العمر، حين يبدأ التكامل مع النفس والنظرة للحياة . وفي هذه المرحلة
يدرك الفرد العبارات الموهمة Paradoxes ، كما يعي الحقائق المتناقضة ،
ويكافح لتوحيد هذه المتناقضات في العقل والتجربة .
6- وتحل هذه التناقضات في المرحلة السادسة ، وهي مرحلة الإيمان العالمي
Universalizing Faith. وفي هذه المرحلة يظهر النشاط وتجسيد
الالتزامات في الحب المطلق والعادلة المطلق على الرغم من تعريض نفسه
أو جماعته للمخاطر أو الترتيبات العرفية للواقع الحالي . إن القليلين هم
الذين يبلغون ذلك المستوى ، فهو محجوز للذين يرغبون بدفع ثمن عال
لالتزاماتهم الدينية. [34]
في عام 1977 نشر ماكس هيرخ Max Heirich مقالة تضمنت آراءه بالتحول الديني . وقد كانت آراؤه تخالف جميع البحوث السابقة . وقسم هيرش دراسته إلى ثلاثة أدوار هي :
1.إن التحول قد يكون في البداية حل خيالياً Fantasy لمواجهة الضغط ، عندها يتم التعامل مع حالة التهديد إما بالتوجه للقوى ما فوق الطبيعية
Supernatural Forces ، أو بتغيير الواقع بحيث تبدو المادة المحزنة السابقة غير ذات أهمية .
2.إن التحول يعزى إلى الظروف السابقة التي تجعل هناك طريقا واحداً هو التحول. وقد تكون للتوجيهات الأبوية تأثير على الطفل ، ودور التعليم الجنسي يمكن أن يفسر هيمنة الإناث المتحولات على الذكور .
3.إن المعلومات المستقاة من الآخرين تصبح مشتركة وقوية بحيث أن الفرد يرى الأشياء من خلال عيون الآخرين . ثم يعترف هيرش بأن العامل الذي يحث على التحول الديني ما زال غامضاً. [35]
أما فلوكونوي Flo Konway وجيم سيغلمان Jim Siegelman فهما يؤكدان على أن العوامل النفسية والاجتماعية تلعب دوراً في التحول الديني ، وتؤدي إلى حدوث تغييرات بيوكيمياوية Biochemical alterations في تركيب الدماغ نفسه ، تسبب حالة متغيرة من الوعي . إن مثل تلك التغييرات قد تحدث بسبب بعض وسائل التخاطب والاتصال Techniques Communications البسيطة مثلأسلوب وبلاغة الخطاب والقدرة على الإقناع ، وابتكار وسائل دعائية ذات تأثير جمعي، وفهم دقيق للعناصر المخاطبة إضافةإلى ديناميكية الجماعات النشطة.[36] إن جميع الدراسات المذكورة آنفاً تركزعلى الدوافع النفسية والظروف الاجتماعية مع التغافل وإهمال العامل الديني والعقائدي . إن عملية التحول الديني ذات صلة وثيقة بالدين أولاً وقبل كل شيء . وقد تجنب علماء النفس والاجتماع التطرق للعامل الديني دون سبب يذكر . ولو تجاوزنا سوء النية تجاه الإسلام ، وقلنا بأنهم موضوعيون مئة بالمائة ، فلعل السبب يعود إلى عدم رغبتهم في الخوض في الجدال الديني الذي لايثير اهتمامهم أوانه يؤدي بهم إلى طريق بعيد عن أهدافهم . وقد تكون هناك رغبة في تصوير أولئك الذين يعتنقون الإسلام بأنهم ليسوا أفراداًأسوياء، بل من المرضى النفسيين أو الذين يعيشون أزمات اجتماعية . لقد كانت تجاربهم على أفراد وجماعات بل وطوائف دينية بدائية ، وحاول بعضهم تطبيق تلك النتائج على الأفراد الأسوياء في مجتمعات متحضرة ، فكانت النتائج بعيدة عن الواقع بل حتى لو انطبقت على بعض الديانات فإنها لاتنطبق على الإسلام . وقد وصل إلى هذه النتيجة العالم الأميركي لاري بوستون إذ قال " إن الدوافع النفسية والاجتماعية لاتلعب أي دور أساسي في ظاهرة اعتناق الإسلام.[37]
وحاول سبيلمان G . M . Speelman وهو لاهوتي مسيحي هولندي أن يطبق نتائج تلك الدراسات على الذين يعتنقون الإسلام ليصفهم بالمرضى والعصابيين ، فنشر مقالته (لماذا يصبح المسيحي مسلماً) في مجلة (الكنيسة واللاهوت) حاول فيها أن يكون حديثه علمياً معتمداً على بحوث نفسية ودراسات اجتماعية . وهي محاولة بائسة لتبرير ظاهرة التخلي عن الديانة المسيحية واعتناق الإسلام.[38]
الدوافع الدينية The Theological motives
من خلال الإجابة على الأسئلة التي طرحتها على المجموعة الأشخاص المعتنقين للإسلام حصلت على نتائج قيمة تثبت أهمية العامل العقائدي في ترسيخ قناعتهم بضرورة اعتناق الإسلام . ولم تكن رحلة البحث سهلة ، ولم يكن الإسلام لدى معظمهم هو الديانة أو الفلسفة الأولى التي صادفوها أثناء المسير . وقد ذكر بعضهم انه بعد أن رفض الديانة المسيحية بدأ يبحث عن أيديولوجيا أو فلسفة جديدة تلبي احتياجاته الروحية والفكرية. فقد ذكر أحد الرجال بأنه قرأ البوذية وبعض الفلسفات الشرقية الأخرى . وذكرت سيدة بأنها سافرت إلى الهند في السبعينيات من القرن العشرين بحثاً عن قيم جديدة وجوانب روحية ، ولما سألتها : لماذا اخترت الهند بالذات ؟ أجابت : لقد كان ذلك رائجاً في أوربا ، بأن من يبحث عن القضايا الروحية ، فعليه أن يسافر إلى الهند . كما أن شيوع الفلسفات الهندية والرياضيات الروحية آنذاك في أوربا يعزز ذلك الاعتقاد .
وذكرت لي سيدة شابة بأنها انضمت إلى فريق يهتم بالقضايا الطبيعية والزراعة الحياتية Bio-agriculture. وأنها سافرت من أجل ذلك إلى سويسرا وفرنسا . وكان ذلك الفريق يهدف لتطبيق نظريات العالم شتاينر Rudolf Steiner .وقد أصيبت بالإحباط بسبب التناقض بين النظرية والممارسات العملية للفريق . وكانت قد جربت البوذية ومارست اليوغا Yoga .
إن رفض هؤلاء الأشخاص للديانة المسيحية يتركز بصورة رئيسية على أرضية دينية. فبعضهم أفصح عن عدم قناعته " بلا عقلانية فكرة التثليث Trinity، وعقيدة الخلاص Salvation ( أي أنه لاملجأللإنسان الا بالإيمان بالسيد المسيح الذي افتدى نفسه من أجل خلاص البشرية من خطيئة آدم ) ، وعقيدة اتحاد الإلوهية والناسوتية للسيد المسيح Incarnation ، وقيامة المسيح Resurrection، وعقيدة التحويل Transubstantiation ( أي استحالة خبز وخمر القربان إلى جسد المسيح ودمه ) وما شابهها .
يقول أحد الرجال كنت أرى المسيحية نفاقاً، لديها وجهان فمن جهة تتحدث عن المحبة ومن جهة أخرى تتصرف بأنانية مفرطة . لقد وجدت تناقضاً مريعاً بين المفاهيم المسيحية وبين المواقف العملية". وتقول سيدة أخرى "لم استطع فهم فكرة ( ابن الله ) . لقد كانت لديّ تساؤلات ومناقشات حول حياة السيد المسيح . وكانت لديّ انتقادات ضد البابا نفسه . كنت أراه شخصاًمنافقاً . كيف يمكنه أن يعيش كل هذه الحياة الباذخة والمترفة ؟ كيف يمكن أن يكون قدوة للمسيحيين؟ ويقول القسيس الذي أسلم : لم أفهم عقيدة التثليث مطلقاً . في المسيحية لايوجد مكان لفهم ما يتعلق بالأسرار المقدسة Sacraments ، بل يجب أن تتقبل وتؤمن بما يقال لك ". ويقول رجل آخر " كان والدي على المذهب الكالفني ، وهذه الطائفة تؤمن بالقدرية Predestinariaism، ويعتقدون بأنهم أفضل الناس في العالم ، وأنهم الفرقة الناجية من المسيحية . وكنت أتساءل : وماذا بالنسبة للناس الآخرين ؟ هل يمكن أن يكون الله لهم وحدهم ؟ إن المهاجرين الهولنديين في جنوب أفريقيا يؤمنون بأنهم ( شعب الله المختار ) . أن المسيحية تعامل السكان الأفارقة معاملة وحشية ، وحتى لو كانوا مسيحيين . أن المسيحيين يستخدمون الإنجيل لتبرير التمييز العنصري ضد السود . وأتذكر أن احد أساتذة الجامعة قال بأنه من الصعب إثبات التمييز العنصري بواسطة الإنجيل . فقامت عليه القيامة وأتهم بالكفر وحرم من الكنيسة كما طرد من الجامعة ".
إن الإعلام الغربي غالباً ما يحاول تشويه سمعة الإسلام ،ويعطي صورة مضخمة ومتحاملة عن الإسلام.مثل هذه الدعاية قد تؤثر على قطاعات واسعة من الأوربيين ، ولكن بعضهم قد يلتقي بكتابات إسلامية أو مسلمين يوضحون له الحقائق ويزودونه بمعلومات وافية عن الإسلام ،ويردّون على الشبهات والافتراءات التي تطلق ضد الإسلام والمسلمين . فترتسم في أذهانهم صورة جيدة تكون هي القدم الأولى في مسيرة الهداية . إن أغلبية الغربيين الذين يعتنقون الإسلام لديهم قسط وافر من التعليم العالي . والإنسان المتعلم يميل عادة للتفكير المنطقي وينظر للأمور بشكل عقلاني . ولا عجب أن يكون في قائمة المعتنقين للإسلام من المفكرين والأدباء والفنانين أمثال الرسام السويدي إيفان أكلي ، الصحفي النمساوي اليهودي ليوبولد فايس ( محمد أسد ) ، الفيلسوف والسياسي الفرنسي روجيه غارودي ، والاستاذين الانجليزيين جيمس ديكي ومارتن لنكز، والفيزيائي الفرنسي رينيه غنون ، وشاعر السويد العظيم كونر إيكلوف ، الأستاذ الجامعي البولندي عطا الله كوبانسكي ومراد ويلفريد هوفمان السفير الالماني ومدير الدائرة الإعلامية في حلف الناتو .
وفي هولندا فان الصورة التخمينية للفئات المتعلمة ، في وقت اعتناقهم للإسلام هي كالآتي:
مستوى الجامعة والماجستير 60%
ً مستوى الدراسة الاعدادية 30%
مستوى الدراسة الابتدائية 10%
إن حوالي 25% من الفئة الأولى هم من حملة الألقاب العلمية و المهنية (مهندس ، مدير، ماجستير ..) .
ما الذي يجذبهم في الإسلام ؟
وهنا قد يطرح سؤال جوهري وهو ما الذي يجذب الغربيين في الإسلام ؟ إن التحليل الدقيق لشهادات المعتنقين للإسلام وتجربتهم المفعمة بالمشاعر والأفكار والنقاشات العميقة ، توضح الأسباب الحقيقية التي دعتهم لاتخاذ هذا القرار الهام ، فليس من السهل على المرء أن ينسلخ من دينه وعقيدته وثقافته، ويتكيف مع دين جديد وثقافة جديدة ، وخاصة أنه يعرف تفوق مجتمعه وثقافته حضارياً وعلمياً . ولن أبحث في شهادات أولئك المفكرين القادرين على ترتيب أفكارهم وصياغة ألفاظهم بشكل علمي ومنطقي ، بل سأعتمد على شهادة أولئك الذين التقيت بهم ، ففتحوا صدورهم وعبّروا عن مشاعرهم وأفكارهم بكل عفوية وصدق وأمانة . وأهم الجوانب التي جذبتهم في الإسلام هي:
1- البساطة ٍSimplicity :
وهي من النواحي الواضحة في الإسلام ، فأنه أقل تعقيداً من المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية . إن مجرد النطق بالشهادة يجعل الفرد مسلماً ، دون طقوس أو مراسم معقدة أو كهنوت.كما أن أركان الإسلام (الصلاة والصيام والزكاة والحج) سهلة ولايجد المرء فيها تعقيدات لاهوتية أو تأملات فلسفية . يقول احد الرجال : الإسلام بسيط جداً ، بينما المسيحية معقدة . في المسيحية لو سأل أحد سؤالاً بسيطاً حول الله أو عيسى ، فأنه سيتلقى جواباً معقداً فالأوربيون يميلون للتعقيد . أما الإسلام فهو على العكس ، فهو يحاول تبسيط القضايا الصعبة. فإذا ما سألت أي مسلم ستجد جواباً بسيطاً ، وقد تهزأ بالجواب لبساطته لكن الحقيقة تكمن في البساطة . ويقول قسيس سابق: " أن الإسلام يعتبر عيسى نبياً ، وهذا أمر منطقي يمكن لأي إنسان قبوله بسهولة " . وتقول سيدة مسلمة: " لم أجد صعوبة في ممارسة الشعائر الإسلامية ، قد يكون صيام رمضان فيه شيء من المعاناة لكن بمرور الأيام اعتدت عليه . أنا أجد صعوبة في ارتداء الحجاب في المجتمع الغربي، ولكنني اشعر بالارتياح إذا زرت بلداً إسلامياً . وتقول سيدة أخرى:إن الإسلام دين سهل ، مفهوم وقريب جداً للبشر . بينما المسيحية ومن يمثلها بعيدون عن حياة الناس . خذ مثلاً البابا الذي يعطي آراء تتعلق بحبوب منع الحمل بينما هو ليس بمتزوج وليس لديه اطفال . تصور لو اخذت برايه ، معنا ذلك سيكون لي كل عام طفلاً ، ليس بمتزوج وليس له أطفال. تصور لو أخذت برأيه، معنى ذلك سيكون لي كل عام طفلاً. من جهة أخرى نجد رجل الدين المسلم على العكس من ذلك ، فهو لديه أسرة ويحيى حياة عادية بين الناس .
2- النظام الاخلاقي Ethical System :
الإسلام يؤكد على النظام الأخلاقي في شتى النشاطات الإنسانية ، في السياسة ، في الاقتصاد ، في الحرب والسلم في العلاقات الداخلية والدولية ، ليس بين المسلمين فحسب بل مع غير المسلمين أيضاً . الإسلام منظومة غنية بالمفاهيم الإنسانية ، فمبدأ " الأخوة الإنسانية " يجذب الكثير من الغربيين . إنهم يستشعرون فيه كممارسة واقعية وليست صياغات نظرية . فأولئك الذين يبحثون عن العدالة الاجتماعية والمساواة العنصرية يجدون في الإسلام النظام المتكامل وبديلاً جيداً لمعاناة البشرية .
يقول احد المعتنقين: " لا توجد أيديولوجيا أخرى غير الإسلام تولي الأخلاق هذا الاهتمام الكبير . الإسلام يرى إن جميع نواحي الحياة تلتقي مع بعضها البعض ،لا يوجد ما يفصل بينهما ، الاقتصاد ،السياسة ، الحياة الاجتماعية ،كل هذه ترتبط مع بعضها . إذا أردت أن تؤسس شركة ستسأل نفسك: كم سأربح منها ؟ هل باستطاعتي أن أحطم الآخرين من أجل الربح ؟ إذا نظرت للاتفاقيات المالية والاقتصادية بين الغرب والعالم الثالث ، ستجد أن هذه البلدان الفقيرة لن تستطيع أن تدفع ديونها حتى يوم القيامة ! كل هذه المآسي ناشئة من نظام الرباأو الفوائد الفاحشة المأخوذة عن الديون . إن الاقتصاد الغربي عدواني تجاه الآخرين ، لايهمه أن يجوع الآخرون في سبيل زيادة تخمته . ويؤيد معتنق آخر ذلك فيقول:إن النظام الربوي قد جعل أبناء العالم الثالث عبيداً . أن النظام الأخلاقي في الإسلام لايسمح بذلك ، فالأخلاق تحتل موقعاً هاماً في كل النشاطات التي يمارسها المسلمون . إنه نظام عظيم كفيل بحل مشكلة التمييز العنصري التي تعاني منها جنوب أفريقيا وبقية بلاد العالم . فالإسلام يدعو للأخوة الإنسانية والمساواة بين البشر جميعاً .
ويعبر القسيس السابق عن تجربته الشخصية فيقول: لقد وقعت تحت تأثير الخلق الإسلامي وخاصة في العلاقات الاجتماعية . الإسلام يوصي بالأقارب والجيران ومحبة كل الناس . إننا في المجتمع الهولندي قد فقدنا العلاقات الحميمة الصادقة وتزداد يوماًبعد آخر المسافة بين أفراده ، أنني اشعر كأنني في بيتي وأهلي وانأ بين المسلمين .
3-الايدولوجيا المتوازنةBalanced Ideology
لقد عبّر معتنقو الإسلام في الغرب عن تصوراتهم بأن الإسلام دين التوازن . فالإسلام يعطي لأتباع أسلوباً كاملاً وشاملاً في الحياة بحيث أن علاقات مع المجتمع تسير بانسجام تام . وقد لاحظ بعض المعتنقين الهولنديين ذلك.يقول أحدهم: " الإسلام يجعل هنالك توازناً دقيقاً بين المادة والروح ،بين حياة الفرد والمجتمع ، بين المؤقت والأبدي". ويقول آخر: إن النقص الكبير في الحضارة الغربية هو رفضها الاعتراف بالروح والأمور المعنوية . لقد اعتبرت الروح بأنها الإدراك ، والأولوية للمادية والعقلانية ، والدرجة السفلى هي للروحيات ".
4- المسؤولية الذاتية Self- Responsibility :
يعتبر الإسلام كل فرد مسؤول عن تصرفاته وأفعاله ، ولا أحد يتحمل أخطاء أو ذنوب الآخرين ، وحتى الأنبياء لايتحملون آثام ومعاصي أتباعهم ، في الإسلام لايوجد وسيط بين المرء وربه ، لا كهنوت ولا طبقات من القساوسة وغيرهم ، فالمؤمنون بالإسلام ليسوا بحاجة إلى وسيط يقوم بمهمة الحصول على مغفرة الرب لهذا العبد أو ذاك . أما المسيحية فعلى العكس ، إذ يوجد وسطاء وأكليروس . والمسيحية تدعو لعقيدة الخلاص التي تقول بأن السيد المسيح يحمل كل خطايا المؤمنين به ، ويجد المعتنقون هذه العقيدة غير منطقية وغير مقبولة .الإسلام يحمّل كل نفس أوزارها ويحاسب كل فرد على ما فعله هو وليس الآخرين .هذه العقيدة تنادي بقوة الفردية الغربية ، فالحضارة الغربية تؤكد على الفردية Individualism ،وهو ما يفسر ضعف الارتباط بالكنيسة . إن هذاالعامل يتناغم مع الشخصية الغربية.[39]
ويقول احد المعتنقين: يعتقد الأوربيون بالفصل بين المسؤولية ، الحرية الشخصية والمبادئالأخلاقية ، بينما الإسلام يقول بان كل مسلم يتحمل مسؤولية ما ، تجاه أسرته ، تجاه مجتمعه وتجاه البشرية كلها . هذه المسؤولية لا تنفصل عن القيم الأخلاقية مطلقاً . وقد يشعر المعتنقون الجدد بحالة من التوتر بين شخصياتهم من جهة وبين الاخلاق التي على المسلم التمسك بها."
ويلاحظ لاري بوستن هذه المميزات فيقول: إن مقارنة الإسلام عبر هذه الخصائص التي يمتاز بها يجعل المرء يستنتج بأن هذا الدين لديه قوة كامنة عظيمة على الانتشار في المحيط الأوربي . إن الإيمان الإسلامي يعتمد على الذات Self-Centered ، وعلى الاعتراف بعدم وجود وسائط بين الإنسان والله . كل فرد ، ذكر كان أو أنثى، مسؤول عن شعائره وصلاته ، وهو ما يستهوي الشباب الغربي.[40] ويقول أيضاً: إن قبول التقوى الإسلامية هو مفتاح انتشار الدين في العالم الغربي ، وكن ما هي التكهنات لهذا الانتشار في المستقبل ؟ [41]
الدوافع الاجتماعية – النفسية The Socio- Psychological Motives
إن أغلب الدراسات التي تعرضت لموضوع التحول الديني conversionتركز على الدوافع النفسية والاجتماعية والظروف النفسية التي تحيط بالمرء في بيئته، وقد يكون لهذه العوامل تأثير في اتخاذ القرار بالتحول إلىديانة جديدة ، ولكن إلى أي حد تساهم هذه الدوافع في صياغة القرار ؟ وهل توجد حلول أخرى غير الحل الديني لمواجهة المشاكل النفسية والضغوط الاجتماعية ؟ هذا ما لا تجيب عنه الدراسات التي قام بها أخصائيون بعلمي النفس الاجتماع .
لقدناقشتُ موضوع الدوافع الدينية التي أرى أنها الدافع الرئيسي في التحول الديني ، وسأحاول إلقاء الضوءعلى بقية الأسباب التي أرى أنها الدافع الرئيسي التي تجعل الإنسان يفكر بتغيير ديانته . يقول السيد عبد القيوم ، مدير مركز المعلومات الإسلامي في (لاهاي) ومن الناشطين في المجال الدعوي وله خبرة طويلة ، بأن نسبة المعتنقين للإسلام ويعانون من مشاكل نفسية واجتماعية تتراوح بين 15-20 % . وهم يعتقدون بأنهم يستطيعون التغلب عليها بواسطة الحل الديني Religious Solution أي باعتناق الإسلام . ويعطي مثلاً على ذلك فيقول : في أحد الأيام جاءني شاب وقال أنه يريد اعتناق الإسلام، فقلت له: يجب أن لاتتسرع في ذلك ، بل من الأفضل أن تتابع دورة للتعرّف على العقائد والأحكام الإسلامية . وبعد أسابيع اكتشفت انه كان مدمناً على المخدرات وكان يريد التخلص من الإدمان فقط .
وهنا تطرح بعضالأسئلة المتعلقة بهذا الأمر ، مثلاً ، ماذا تتضمن تجربة التحول الديني من جوانب نفسية واجتماعية ؟ أي نوع من الدوافع تشارك في صنع قرار التحول الديني ؟
إن تجارب التحول الديني تشير إلى أن هؤلاء الأشخاص كانوا بصدد البحث عن خيار آخر غير الديانة التي نشأوا عليها . إن ذلك يعني أنهم كانوا يطوون مراحل التحول وهم في حالة وعي وليس بشكل تلقائي أو عفوي ٍSpontaneous . إن هذا القرار لم يكن رد فعل انفعالي Emotional Reaction، إذ لم تكن هناك أزمة نفسية أو شعور باليأس ، ولكن يكن هناك إحساس بالإحباط يدفع المرء للبحث عن حل ديني للصعوبات التي يواجهها . لقد كانوا يتمتعون بعلاقات مستقرة مع عائلاتهم وأصدقائهم ومحيطهم . وكانوا يواصلون حياتهم وأعمالهم بنجاح في شتى المهن والوظائف . لقد اتخذوا قراراً واعياً وعقلانياً Conscious Rational Decision ، باعتناق الإسلام ثم أدوا الشهادة دون ضغط أو إكراه ، وبدأوا بممارسة الشعائر الإسلامية بوعي وإدراك. لقد كانت لديهم فكرة واضحة عن الإسلام وتعاليمه وأحكامه قبل النطق بالشهادة ، وقد ناقشوا كل شيء خطر على بالهم . وقد استغرقت عملية الوصول لهذا القرار سنين طويلة من النقاش والتمحيص . فمن المعلوم أن العقل الغربي يميل للبحث والاستقصاء وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الشخصية ، واتخاذ قرار خطير مثل ذلك القرار . انه قرارتغيير العقيدة يتبعه في المواقف والسلوك والتفكير بل وحتى المشاعر . إنه قرار بالانسلاخ عن المجتمع الذي تغذوا بثقافته وقيمه ومبادئه ، والانضمام إلى دين وثقافة ونمط من التفكير كانوا إلى وقت قريب لايعرفون عنه إلا ما هو سلبي ومشوه . إن (قرار اعتناق الإسلام) هو نفسه الذي يسبب لهم المشاكل النفسية ، والضغوط الاجتماعية هي التي تدفعهم إلى تغيير ديانتهم .
وقد ناقشت موضوع الأزمات النفسية والمشاكل العائلية مع المجموعة – التي هي مادة الدراسة – كما ناقشت كيفية اتخاذهم مثل هذا القرار الذي سيكون منعطفاً هاماً في حياتهم ، كم تطرق لردود أفعال أسرهم وذويهم . تقول إحدى السيدات: " لقد استغرقت من المناقشات حول الإسلام سنة كاملة . لقد كانت نقاشات عقلانية مع العراقي المؤمن ، تهدف إلى البحث عن الحقيقة . كنت أطرح خلالها جميع الشبهات والاستفهامات حول عقائد الإسلام وموقفه من المرأة والأسرة والحياة الاجتماعية والعلاقات مع الآخرين وقضايا الموت والنشور والقيامة والحساب والعقاب وكل شيء تقريباً . وفي إحدى المناسبات وحينما كنت في خضم نقاش مع صديقاتي المسيحيات وجدت نفسي أعبّر عن مواقفي وآرائي الجديدة التي هي آراء الإسلام ، شعرت في داخلي بأنني مسلمة . ومن ذلك الوقت اعتبرت نفسي مسلمة ."
إن ذلك يدل بوضوح على أن القرار المتخذ قرار عقلاني ، أي ضد النظرة الانفعالية تجاه الدين . وهذا يناقض ما توصل إليه ستاربوك Starbuck الذي يصف التحول الديني بأنه شحنة من الانفعالات . فقد ذكر " أن الطبيعة الكلية للمعتنق تكون في حالة قصوى من التوتر والمشاعر متقدة".[42]
إن المعتنقين للإسلام لايغادرون الحياة الاجتماعية ، بل يستمرون في حياتهم وأعمالهم التي اعتادوا عليها قبل اعتناقهم الإسلام . ويصدق ذلك على الرجال ، وعلى النساء إلى حد ما أن المرأة الهولندية تفقد ارتباطها – في الغالب مع أسرتها وأصدقائها . ولا يعني ذلك عدم رغبتها بعلاقات طبيعية معهم ، كما لايعني موقفاً إسلامياً ، بل على العكس فالإسلام يوصي بعلاقات حميمة مع الأهل والأقارب وخاصة الوالدين وحتى لو كانا من غير المسلمين . توضح اثنين من السيدات المعتنقات هذا الأمر فتقولان: " إن السبب الحقيقي يعود إلى طبيعة المواقف الحادة التي يتخذها الأهل والأصدقاء المجاورون . يستمرون بالنقاش حول الإسلام أو ملابسنا . وغالباً ما يهزأون بآرآنا ويتهموننا بالرجعية والتخلف الفكري . إنهم لايرغبون بسماع توضيحاتنا والدفاع عن أنفسنا في نقاش عقلاني هادىْ أنهم دائماً يسخرون بالإسلام والمسلمين وهذا ما لانرغب بسماعه ، لذلك نضطر إلى تحاشيهم تجنباً للتوتر ، إننا نريدهم ولكنهم لايريدونا " . وتتساءل إحداهن: أين هي الحرية الفكرية والعقائدية التي يتبجح بها الغرب ؟ أنها الحرية داخل المنظومة الفلسفية والفكرية الأوربية فقط . أن المجتمع الغربي لايتقبل أفكاراً ولا آراء غير أفكاره وآراءه ، فإذا كان المجتمع يمنح كل فرد حرية الاعتقاد فلماذا نواجه هذه المعارضة والاستهزاء؟
وتقول سيدة أخرى بأنها مازالت تخفي أمر إسلامها على أهلها رغم علمهم بأنها متزوجة بمسلم . ولما سألتها عن ذلك أجابت: " لا أود الدخول في نقاشات مع عائلتي قد أحرج فيها . أريد أولاً أن تكون لدي معلومات عميقة وكافية عن الإسلام طي استطيع مواجهة سيل الأسئلة والنقاشات التي سأدخل فيها . إنني أتجنب الاصطدام بعائلتي حالياً ".
العوامل المحفزة The motivational factors
وضع العالم النفسي ستارك بوك Edwin ،d .star buck ،عام 1900 نظريته في (سايكولوجية الديانة)تضمنت قائمة بالعوامل المحفزة الواعية التي تؤثر في نفسية وتفكير المعتنق والتي تساهم في دفعه لاتخاذ قرار بتغيير الديانة ، وهذه العوامل هي:[43]
1-الخوف fear وهي المخاوف التي تنتاب الفرد جراء عدم شعوره بالأمن في الحياة وتتركز حول الموت وما بعد الحياة .
2-الدافع الشخصي تجاه الآخرين self –regarding motive ويتمثل في الرغبة لبلوغ حالة معينة مثلا ،طموح رهباني في كهنوت ، رغبة في رؤية شخص محبوب في الجنة ، وما شابه ذلك .
3-الحوافز الغيرية Altruistic Motives وتتمثل في تصاعد الرغبة في أن يصبح جزءاً من ديانة مبنية على أخلاق الحب والتضحية وخدمة البشرية ، أي محبة الآخرين والتضحية من أجلهم .
4-إتباع المثال المعنوي Following out a Moral Ideal ويقتضي الانضمام إلى ديانة تمثل قمة المثالية دون غيرها من الفلسفات والأيديولوجيات .
5-الندم Remorse على ارتكاب الإثم والذنوب .
6-الاستجابة للتعليم Response to Teaching حيث أن اطلاع الفرد على آراء وفلسفات جديدة يوسع عقله وفكره ، فيبدأ بالمقارنة بينهما وقد يختار إحداها . وهذه الحالة تتم عبر اتخاذه قراراً فكرياً واعياً .
7-القدوة والتقليد Example and Imitation عندما يتأثر الفرد بالجو العائلي والأقارب والأصدقاء أو الخصوم ، حيث يقوم بمحاكاة سلوك الآخرين .
8-الإلحاح والضغط الاجتماعي Urging and Social pressure حين يتعرض الفرد للضغط من قبل أسرته وعشيرته فيضطر لمواجهته بالهرب منه واللجوء إلى مغادرة الديانة .
إن عملية التحول ليست سهلة ، فهناك العديد من العوامل التي تتدخل فيه . كل واحد منها يساهم بقسط معين في مرحلة محددة . وقد تتشارك معاً في جعل الفرد يتخذ قراراً بالتحول إلى دين آخر . لقد قمت بتحليل المعطيات التي استقيتها من حديثي ولقاءاتي مع الشخصيات موضع البحث . وقد قارنت تلك النتائج مع العوامل المذكورة آنفاً للاستدلال فيما إذا كانت قد شكلت جزءا من الدوافع نحو اعتناق الإسلام أم لا ، وإلى أي حد ؟
1-بالنسبة للخوف من الموت والجحيم ، لم يذكر احد أنه انتابه شعور بالخوف من الموت أو الحساب يوم القيامة . لقد ذكرت إحدى السيدات أنها كانت تفكر بالموت ، ولكن حين كان عمرها 6 سنوات فقط . وهو أمر طبيعي ، إذ كثير ما يطرح الأطفال مثل تلك التساؤلات التي تتعلق بالخالق والموت والآخرة والجنة والنار وغيرها .
2-وبالنسبة للدافع الشخصي تجاه الآخرين ، فإن ستاربوك ذكر مجموعة من المشاعر مثل ،(أريد أن ألقى استحسان الآخرين ) و(توفي والدي وأريد لقاءه).[44]لم يذكر احدهم أن مثل تلك الأفكار قد راودته ، وحتى تلك السيدة التي عاشت يتيمة ، إذ أنها فقدت والديها في سن مبكرة ، فقد قالت: " بالتأكيد قد افتقدتهما وخاصة في مرحلة المراهقة . لقد كنت بحاجة إلى حبهما وحنانهما وعطفهما ، ولكن لم تكن لدي رغبة باللحاق بهما ." ويذكر أحدهم: " لقد أصبت بالإحباط بعد وفاة زوجتي ، أصبحت اشك في كل شيء حتى بوجود الله . كنت أتساءل في نفسي : ما معنى الموت ؟ ما جدوى هذه الحياة ؟ إلى أين ذهبت زوجتي ؟ بالطبع كان ذلك قبل اعتناقي الإسلام ."
3-وحول الحوافز الغيرية يذكر ستاربوك بعض هذه الحالاتمثل (لقد شعرت أن عليّ أن أفعل الأحسن من أجل العالم ).[45] كما ذكر لي أحد المعتنقين: " في بداية مرحلة المراهقة ، كانت لديّ أسئلة عديدة حول الحياة ، العدالة ، الجيوش ،الأسلحة النووية والتسلح العسكري ، ولماذا كل هذه الحروب من أجل القوة والمال ؟ كنت أطرح بعض الأسئلة مثل :لماذا وجدت النقود ؟ أي دور تلعبه في حياة الناس ؟ كنت أبحث عن حل يعيد التوازن لهذا العالم".ويقول آخر: " لقد كنت أفكر دائما بحل لمشاكل جنوب إفريقيا.إن ذلك المجتمع يعاني بشدة من التمييز العنصري والاستغلال والظلم . لقد غادرت هولندا إلى جنوب أفريقيا هرباً من الخدمة العسكرية . لم أكن مستعداً للمشاركة . "
4-إن إتباع المثال المعنوي قد يكون من أسمى مميزات الإسلام ، ولكن تأثيره بعد اعتناق الإسلام والتزود بمعلومات كافية عنه .تقول إحدى السيدات: " إن الإسلام يمنح المرء قوة ديناميكية نحو التكامل ، فهو يفتح الآفاق الرحبة نحو السمو والرفعة . وإذا ما رفض ذلك وبقى خارج الحدود التي رسمتها الشريعة الإسلام فإنه سينزل إلى الحضيض ، إلى مستوى الحيوان ."
ويقول أحد المعتنقين: " لقد وجدت في الأخلاق والروحيات طريقي نحو هدفي ، لم أكن أعلم أن الإسلام يتضمن كل هذه الأمور ، ولكنني عرفتها بعد اعتناقي إياه ." وتقول إحدى السيدات: " لقد وجدت في الإسلام الديانة التي كنت بحاجة إليها . الإسلام نظام عالمي لكل البشرية ."
5-أما الشعور بالندم جراء الذنوب فقد كان غائباً عن أحاسيس جميع الذين التقيتهم . إن فكرة الشعور بالذنب والخطيئة هي فكرة مسيحية بحتة . فهذه الفكرة تدّعي أن كل إنسان يولد مذنباً بسبب خطيئة جده ٍٍِآدم . لم يشعر أي واحد منهم بذلك ، بل على العكس كانوا يشعرون بأنهم غير مخطئين من وجهة نظر مسيحية.
6-أما الضغط الاجتماعي فهذا يناقض فلسفة المجتمع الغربي التي تفسح المجال أمام الأفراد ومنحهم الحريات الكاملة في السلوك والاعتقاد ، فلا الدولة تمارس ضغوطها على الحياة الاجتماعية ولا العوائل تمارسه ضد أبنائها . إن الحريات في المجتمع الأوربي قد تجاوزت الحدود حتى وصلت إلى الإباحية والشذوذ وغيره . ولم يذكر أي واحد من المعتنقين أنه تعرض لضغط اجتماعي جعله يفكر بتغيير عقيدته ، بل على العكس فإنّ بعضهم تعرض لهذه الضغوط والمقاطعة بعد اعتناقهم الإسلام وليــسقبله . إنّ أغلب العوائل الغربية ترفض أن يترك أبنائها عقيدتها ويعتنقون ديناً آخر . والتعبير عن ذلك الرفض يتراوح بين الامتعاض والتوتر وقد يصل أحياناً إلى مستوى قطع العلاقة مع أبنائها بكل برود .
ذكرت إحدى السيدات بأن علاقتها قد انقطعت مع أصدقائها القدامى ، وما زالت والدتها مستاءة منها بسبب اعتناقها الإسلام . ويقول شاب قد أسلم حديثا:ً " لقد أصيب والداي بالصدمة عندما عرفوا برغبتي باعتناق الإسلام. لم يصدقا أنّ ولدهما سيترك دينهم والحضارة الغربية إلى دين ذي سمعة سيئة. أنهما ليسا بمتدينين، وليس مهماً في نظرهما أنني تركت المسيحية بقدر ما يغيظهما دخولي في الإسلام. فهناك حالة ايجابية واحدة إذ ذكر احدهم: " لقد كانت والدتي امرأة متدينة، وكانت متحمسة عندما سمعت باعتناقي الإسلام . قبل ذلك كانت تجدني شخصاً فوضوياً، مشغولاً بالموسيقى والشعر والفن . لقد قالت لي أنها سعيدة لأنني أصبحت متديناً لان الدين يمنحنا قوة عظيمة في الحياة ،كما علقت هي بذلك."
إن الضغط الاجتماعي يعتمد على طبيعة العلاقة قبل اعتناق الإسلام وبعده ،عمر المعتنق ، مركزه الاجتماعي سواء داخل العائلة أم في المجتمع ، ثقافة ومستوى التعليم ونمط الحياة لأفراد العائلة والأصدقاء . إن موقف المعتنق تجاههم يلعب دوراً هاماً في تحديد هذه العلاقة . ذكر احد الرجال بأنه مازال يتزاور مع أخته وأخيه ووالدته المسيحيين . وتقول إحدى السيدات إن علاقتها مازالت وثيقة بوالدتها .وذكر القسيس بأنه بقي محافظاً على مكانته بين أهله بعد اعتناقه الإسلام ،وما زال يعتبر عميد الأسرة الذي يراجعونه في أمورهم وشؤونهم كما في السابق . أما في عمله فهو يعمل مديراً لدائرة الشؤون الاجتماعية في بلدته ، وهذا المنصب جعله موضع احترام الموظفين العاملين تحت مسؤوليته ، فلم يعاني من أية مضايقات .
7- أما القدوة والتقليد فقد يكون له تأثير محدود ، فالشخصية الغربية تعتمد في قراراتها على قناعاتها الشخصية وتجربتها الخاصة . وقد يكون للقدوة جانباً مشجعاً وليس دوراً رئيسياً في تحفيز الفرد على المضي قدما فيما اقتنع به قبل ، أو توفر له ظروف أفضل لمعايشة الوضع الجديد الذي يرغب بالتحول إليه . ذكر احد المعتنقين بأنه أمضى ثلاثة شهور بين جماعة إندنونيسية مسلمة داخل هولندا ، تعرّف خلالها عن قرب على التعاليم الإسلامية . وكان سبب ذهابه لتلك الجماعة أن صديقه تزوج بفتاة مسلمة منهم ، فكان يراقب طقوس الزواج وأسلوب الحياة والعادات والأخلاق مما جعله ينجذب إلى الإسلام . بالطبع ليس كل من خالط المسلمين أصبح مسلماً ، ولكنه كان يبحث عن فلسفة جديدة للحياة ، وكان قد رفض المسيحية من قبل .فالأرضية كانت مهيأة للتحول الديني ، وكل ما كانت تنتظره هي الفرصة المناسبة . وكان رجل آخر قد تأثر بعمق عندما رأى صديقه الذي اعتنق الإسلام قد تغير كلياً ، أفكاره وأخلاقه وسلوكه . لقد أثارت تلك الصدمة في نفسه تساؤلات جدية حول هذا الدين ( الإسلام ) مما جعله يبحثأكثر وأكثر حتى وصل إلى شاطئ الهدى والإيمان .
8- ويعتبر عامل الاستجابة للتعليم من العوامل الهامة في اعتناق الإسلام ، إذ أن التزود بالمعلومات الجيدة عن الإسلام سيؤدي إلى بدء نقاش ومقارنته مع بقية الأديان والفلسفات ، والتعرف على الصعيد العملي ( الأخلاقي والسلوكي ) ، أو على الصعيد الفلسفي ( الفكري والنظري ) للإسلام. إن دراسة الإسلام تلعب دوراً رئيسياً في اتخاذ قرار اعتناق الإسلام . إن جميع الذين اعتنقوا الإسلام أتيحت لهم الفرصة للتعرف على الإسلام عن كثب قبل اعتناقهم إياه . فمن غير المعقول أن يعتنق أحد ديناً جديداً دون يعرف تعاليمه ومبادئه وأحكامه وعقائده والمسؤوليات والالتزامات المترتبة على من يعتنقه . إن النشاط الدعوي بين الغربيين يجب أن يعتمد المعلومة الصحيحة والحوار البناء والنقاش العقلاني الهادئ . إن الجهل عدو كل شيء ، فالفرد الغربي الذي يجهل الإسلام لايحمل سوى الصورة المشوهة التي يعرضها له الإعلام الغربي . وإذا ما أتيحت له الفرصة المناسبة والشخص المناسب الذي يعرف كيف يخاطبه سرعان ما يقتنع بالحقيقة ويكتشف زيف الشبهات والافتراءات التي تطلق على الإسلام .
يقول لاري بوستون أن 75% من الذين يعتنقون الإسلام ذكروا أن اطلاعهم على الإسلام ودراسة مبادئه لعب دوراً هاماً في اتخاذهم قرار الاعتناق.[46] إن جميع الذين التقيتهم في هذه الدراسة أكدوا على أنهم قد نالوا قسطاً من ( التعليم الإسلامي ) Teaching of Islam ، فقد ذكر احدهم أنه أمضى فترة طويلة في دراسة الإسلام والقران قبل اعتناقه ، ثم سافر إلى تركيا حيث درس الإسلام لمدة أربع سنوات ، عاد بعدها إلى هولندا ليعمل في مجال الدعوة الإسلامية . وكان القسيس السابق قد ذكر لي أنه أنفق 12 عاماً في دراسة الإسلام قبل إسلامه . كما أن معتنقاًآخر اطلع على الإسلام من خلال المسلمين أنفسهم حيث كان يستفسر عن كل شيء ، ولما أصبح مسلماً لم يكتف بذلك بل سافر مباشرة إلىالمغرب ، حيث درس العقائد الإسلامية واللغة العربية لمدة سنتين ، ثم سافر إلى المملكة السعودية لدراسة الشريعة لمدة أربع سنوات ونصف . ولم يكتف بذلك بل التحق بجامعة ليدن حيث أكمل دراسته في قسم الدراسات الإسلامية عام 1983 ، وهو اليوم داعية إسلامي وإمام لمركز إسلامي .
وقد مارس كاتب هذه الدراسة توضيح كثير من المفاهيم والتعاليم الإسلامية للهولنديين . بل إن إحدى الهولنديات التي اعتنقت الإسلام فيما بعد كانت قد طلبت منه أن يجمعها في لقاء مع سيدة غربية مسلمة ، فتم اللقاء وطرحت فيه الكثير من التساؤلات ، وسألتها عن تجربتها الخاصة في الإسلام كامرأة غربية ، حتى اقتنعت واطمأنت .
إن عقلانية المبادئ والفكر الإسلامي يجتذب المفكرين والباحثين عن ديانة أخرى . وقد ذكرت سابقاً أن 60% من الهولنديين المعتنقين حاصلون على درجات علمية وأكاديمية . ولايعني ذلك اقتصار اعتناق الإسلام على دائرة المثقفين والمفكرين ، فالإسلام قادر على جذب مختلف المستويات في المجتمع ولأسباب عديدة ، مصلحية أو معنوية. [47]
إن هناك ضرورة لإلقاء الضوء على ظاهرة اعتناق الإسلام بين السود في الغرب ، فهذا الأمر يتزايد بصورة ملحوظة . وما زال الإعلام يتداول بين حين وآخر أنباء عن شخصيات معروفة رياضية أو أكاديمية . وما زالت هناك حاجة لدراسة حركات المسلمين السود مثل (منظمة أمة الإسلام The Nation of Islam) . وفي هولندا لوحظ تنامي اعتناق الإسلام بين السود ولأسباب اجتماعية وفكرية تتعلق بنظرة الإسلام في المساواة بين المسلمين على اختلاف ألوانهم وقومياتهم ولغاتهم ، إضافة إلى رفضهم للمسيحية التي تعاملهم على أساس اللون .
الاستنتاجات
هناك مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات أضعها بين يدي المهتمين بالدراسات الإسلامية أو النشاط الدعوي في الغرب ، آملاً أن يكون هذا البحث مساهمة متواضعة في خدمة الإسلام وتوسيع رقع انتشاره في أرجاء الأرض إن شاء الله .
1.إن موضوع اعتناق الإسلام مازال بعيد عن متناول الباحثين والمؤرخين والمفكرين . فمازالت الدراسات الإسلامية تتجاهل هذا الموضوع مع العلم أنها تهتم بمجالات عديدة ، بعضها ثانوي ، وقسم منها يتركز على فرق إسلامية منقرضة أو أفكار وآراء لم يعد لها تجسيد واقعي . إن واحداً من أسباب هذا الإهمال قد ناقشته في هذه الدراسة وهو ما يتعلق بالباحثين الغربيين الذين لديهم دوافع عديدة لتجاهله . ولاتوجد في الواقع سوى دراستين ميدانيتين هامتين ، قبل دراستي هذه ، حسب علمي . من المثير أن يجري إغفال دراسة هذا الموضوع من قبل المؤسسات الإسلامية والجامعات ومراكز البحث العلمي ، وكذلك من قبل المفكرين والمهتمين بمجال الدعوة الإسلامية .
2.في الغرب . كما في هولندا ، مازال هناك نقص شديد في المعلومات والإحصائيات حول أعداد المعتنقين للإسلام أو نسبة حالات الزواج بين المسلمين والغربيين . كما لاتوجد معلومات دقيقة عن أعمارهم ، جنسهم ، مستوياتهم الدراسية وغيرها . إن المعلومات التي ذكرتها في الدراسة يجب أن تؤخذ بحذر لأنها تقريبية وليست دقيقة ، ولأنني استقيتها من قبل أشخاص مسؤولين ونشطين في المجال الدعوي ، وقد تتضمن تقديراتهم شيئاً من المبالغة .
3.بسبب ضيق الوقت المخصص لهذا البحث (ستة أسابيع) فقد اقتصرت المقابلات على سبعة معتنقين فقط . ورغم أن هؤلاء لايشكلون سوى شريحة بسيطة ، ولكنها يمكن أن تعطينا فكرة جيدة عن ظروف ومراحل وطبيعة التحول الديني وخلفيات كل عنصر وكيف اتخذ قراره باعتناق الإسلام .
4.إن الدافع الديني يشكل عاملاً رئيسياً في تشكيل قرار الأشخاص باعتناق الإسلام . إنهم رفضوا ديانتهم المسيحية لأنهم وجدوها ديانة غامضة ، وغير عقلانية ، معقدة وأسباب أخرى وردت في الدراسة .
5.إن الدوافع النفسية والاجتماعية تحتل نسبة ضئيلة في دفع المعتنق لتغيير دينه . وان العلماء والباحثين ركزوا عليها وتجاهلوا الدوافع الدينية والعقائدية . وحاول البعض أن يصو<span lang="AR-IQ" style="font-size: 14
المصدر / http://aldrajee.arabblogs.com/archiv.../5/556165.html