الـرؤوس الحربيـة الترادفيـة (الثنائيــة)
مع تطوير التقنيات المتقدمة وتطبيقها في حماية دبابات المعركة الرئيسة MBT ، فإن قدرات حماية دروع الدبابة الرئيسة زيدت وتضاعفت كثيراً .. وكان لظهور الدروع المركبة والمباعدة في العقود السابقة ، أن خفض بشكل ملحوظ من قابليات وعمق اختراق أسلحة الطاقة الحركية والكيميائية تحديداً . هذه القابليات الوقائية تم مضاعفتها عملياً مع تطوير عناصر الدروع التفاعلية المتفجرة ERA التي يرجع الفضل في تطويرها للدكتور النرويجي "مانفريد هيلد" Manfred Held ، الذي سجل براءة اختراعه في ألمانيا العام 1970 ، وظهر ابتكاره أولاً على الدبابات الإسرائيلية في لبنان العام 1982 ، ثم بعد ذلك وبنفس المبدأ ظهرت هذه القراميد على الدبابات السوفييتية من الفئة T-80/64 . يشتمل عنصر أو قرميد الدروع التفاعلية المتفجرة في بناءه العام على صفيحتين معدنيتين ، حصرت بينها طبقة متفجرات منخفضة الحساسية . وتوضع هذه القراميد على طبقة التصفيح الرئيسة للعربات المدرعة ، وبدرجة ميلان للزاوية المتوقعة لهجوم نفاث الشحنة الجوفاء hollow charge . وعندما يضرب الرأس الحربي الصفيحة الخارجية ، فإن الموجات الصدمية shockwaves والضغوط المرتفعة لسيل النفاث تؤدي لتفجير طبقة المتفجرات ، لتبدأ معها الصفيحتين المعدنيتين بالطيران والحركة بشكل عرضي وباتجاهين متعاكسين .
في الوقت الحاضر ، القابلية الوقائية لعناصر الدروع التفاعلية المتفجرة ERA ، سوية مع الدروع المركبة compound armor الحديثة ، تستطيع توفير نحو 1300-1400 ملم من السماكة المكافئة للتدريع المتجانس ، ويمكن لهذه أن تزيد في المستقبل القريب . في المقابل فإن قدرة الرؤوس الحربية ذات الشحنات المشكلة المفردة ، لا تستطيع في أحيان كثيرة تجاوز ذلك المستوى من ثخانة التدريع ، لذا كان من الضروري البحث عن بدائل ناجحة . أحدها ارتبط بالشحنات المشكلة متعددة المراحل ، حيث صممت أجيال الصواريخ الغربية الموجهة المضادة للدروع أمثال TOW2A وMILAN2 وHOT2 ، وكذلك العديد من المنظومات الروسية الأخرى المشابهة ، بحيث تكون مزودة برؤوس حربية ثنائية ومترادفة tandem warhead ، تستخدم لتحفيز وتفجير طبقة قراميد الدروع التفاعلية المتفجرة الواقية لدروع دبابة المعركة ، وبذا تبقى الشحنة الرئيسة اللاحقة فعالة لاختراق دروع الهدف المقساة . فنتيجة لضغوط الكونغرس الأمريكي وقلق منظمة حلف شمال الأطلسي من حقيقة فاعلية مقذوفاتهم الموجهة المضادة للدروع أحادية الرؤوس ، تجاه الدبابات السوفيتية الأحدث التي جهزت في بداية عقد الثمانينات بقراميد التدريع التفاعلي المتفجر ، فقد جرى العمل على مشاريع صواريخ مضاد للدروع تستخدم رؤوس حربية ثنائية الشحنات ، حيث اختبر المصممون في بداية أعمال التطوير عدة أنواع من أنماط الرؤوس الحربية ، وباستخدام تراكيب مختلفة لبطانات الشحنات المشكلة ، مثل نصف الكروي semi-spherical والمخروطي conical . كما تم اختبار أنواع مختلفة من المتفجرات ، مثل hexogen وhexoflen وoctoflen والمتفجرات البلاستيكية منخفضة الحساسية ، واختبر المصممون مواد أغطية مختلفة للرؤوس الحربية ، لاختيار الرأس الحربي الابتدائي المثالي للشحنة الترادفية . فقد كان لظهور وتطور الدروع التفاعلية المتفجرة الحديثة ، التي أصبحت تغطي العديد من دبابات المعركة الرئيسة ، كالروسية T-72 و T-80 و T-90 ، بل وحتى الأمريكية M1A2 TUSK والبريطانية Challenger 2 ، التي باتت تستخدمها ضمن نسخة مخصصة حرب المدن والتضاريس الحضرية ، أن بدا من المفيد اللجوء لخيار الرؤوس الحربية متعددة الشحنة .
تتوافر الشحنات الترادفية في الصواريخ المضادة للدروع وفق نمطي توضيب ، أحدهما مع محور انفجار أفقي والآخر مع محور انفجار عمودي . في النوع الأول يتم تثبت شحنتين مشكلتين في نفس الرأس الحربي للقذيفة خلف بعضهما البعض ، بتأخير زمني مؤكد ومع مسافة عازلة تفصل بينهما . الشحنة الابتدائية المتفجرة الأولى مثبته في مقدمة هيكل الرأس الحربي ، أو في مسبار أو مجس طويل probe ، مثبت على مقدمة الرأس الحربي للقذيفة (يبلغ طوله في الصاروخ TOW2A على سبيل المثال 226 ملم ، مع قطر 40 ملم وشحنة متفجرة زنتها نحو 250 غرام) يتولى تدمير العنصر التفاعلي المتفجر وإزاحته عن الطريق ، في حين أن نفاث الشحنة المشكلة الرئيسة اللاحق يعمل على اختراق الدرع المكشوف (يتهيأ الطريق أمام الشحنة الرئيسة للتقدم والانفجار في نفس الموقع الذي هاجمت منه الشحنة الابتدائية ، بحيث يمر نفاث الشحنة الرئيسة من نفس الطريق ومن ثم اختراق دروع الهدف) . كلتا هذه الشحنات المتفجرة تثبت على الأغلب قريبة من بعضها البعض بسبب القيود المتعلقة بجزئية السعة والفراغ في قسم الرأس الحربي للنظام . ويبدو من الضروري مع هذا التصميم العمل على حماية الشحنة الثانية من تأثيرات انفجار الشحنة الأولى ، أثناء الفاصل الزمني بين تلقين الشحنتين . فقد يحمل انفجار الشحنة المشكلة الأولى بعض التأثيرات الضارة blast effects على الشحنة الرئيسة ، بحيث ينتقص ويؤثر في النهاية على أداء نظام الرأس الحربي ككل . لقد أظهرت الاختبارات الحديثة أن هذه الرؤوس الحربية التي تستخدم مرحلتين من مراحل الانفجار ، يمكن أن تزيد عملياً من عمق الاختراق لنحو 10-15% في الدروع الفولاذية المتجانسة ، والثقب الشعاعي لنفاث الشحنة سينمو ويتطور بوضوح . كما أنها فعالة إلى حد ما في التعامل مع بعض أنماط الدروع القفصية cage armor التي تصمم لحماية العربات المدرعة والدبابات وتشكيل حاجز محيطي حولها . كما بينت الاختبارات أن هذا النوع من الرؤوس رغم فاعليته تجاه الدروع التفاعلية المتفجرة ، إلا أنه لا يمتلك نفس درجة الفاعلية تجاه الدروع التفاعلية غير المتفجرة non-explosive reactive armor ، التي لا يوجد فيها بطانة داخلية متفجرة ، تتفاعل بالشكل المطلوب مع الشحنة المتفجرة الابتدائية .
زمن التأخير delay time المطلوب بين انفجار الشحنتين يقدر بنحو 50-300 جزء على الألف من الثانية . إن عملية توقيت وتأخير زمن الانفجاريين هذه مهمة جداً لعدة أسباب ، أولها لمنع الشحنة الثانية الرئيسة من التحفز والانفجار قبل إتمام عملية تدمير التدريع التفاعلي بواسطة الشحنة الابتدائية وإزاحته من موقعه . الفاصل التأخيري مهم أيضاً لمنع موجة نفاث الشحنة الرئيسة من اللحاق وإدراك كتلة ذيل نفاث الشحنة الابتدائية ، التي تتحرك عند سرعة 2000 م/ث أو دون ذلك بقليل . وفي الحقيقة يعتمد زمن تحديد التأخير الفعلي على سماكة صفائح التدريع المؤلفة للتدريع التفاعلي ، كما يعتمد على زاوية سقوط المقذوف على الهدف (زمن تأخير مفرط وزائد عن الحد يمكن أن يتطلب زيادة في مسافة المباعدة stand-off range للشحنة المتفجرة الرئيسة ، وتخفيض في سرعة القذيفة ، كما وقد يؤدي التبكير المفرط لزيادة التفاعل بين الشحنتين) .. من ضمن الترتيبات الأخرى التي اختبرت وأثبتت أهميتها ، وضع حاجز وقاية بين الشحنتين الرئيسة والابتدائية . الحاجز مصمم بسماكة منخفضة نسبياً حتى لا يؤثر على تكون نفاث ومسافة المباعدة الفضلى للشحنة الرئيسة . بعض التصاميم ألحقت ثقوب تهوية وتنفيس vent للغازات الناتجة عن انفجار الشحنة الابتدائية ، فتصريف الغازات يجب أن يكون سريع وفعال ، حتى يجعل مستويات الضغط على حاجز الحماية في مستواه الأدنى .
النمط الآخر للشحنات ثنائية الرؤوس يقوم على أساس محور الانفجار العمودي ، حيث تثبت شحنتين مشكلتين بجانب بعضهما البعض ، وكما هو الحال مع الصاروخ السويدي BILL 2 والأمريكي TOW2B . حيث يتم تحفيز هذه الشحنات المشكلة الثنائية عن طريق صمام تقاربي proximity fuse من مسافة مباعدة مثالية ، وإشعالها لضرب الهدف بسرعة عالية جداً ، لتخترق كتلة معدنية ذات طاقة حركية عالية بعد ذلك المنطقة الضعيفة لسقف البرج (نحو 50% من طاقة الرأس الحربي يتم تحريرها delivered داخل الدبابة المصابة) . في هذا النوع من الرؤوس الحربية تقوم شحنة ابتدائية مشكلة انفجارياً كما في الأمريكي الأمريكي TOW2B بتدمير مسبق لصفيحة التدريع التفاعلية المتفجرة ERA في حال وجودها ، في حين تتولى الشحنة التالية الرئيسة اختراق الدروع الأساسية للبرج وفق نفس المبدأ (نحن هنا نتحدث عن شحنتين من النوع EFP في حين يستخدم السويدي شحنات مشكلة تقليدية) . وتستطيع مجسات الصاروخ تمييز برج الدبابة أو مركز الهدف وتحديد الموقع الأفضل لإشعال وإطلاق الرأس الحربي .. لقد أثبتت التجارب الميدانية في مراحل التطوير الأولى لهذا النمط الهجومي ، أن أحد أفضل الأشكال القادرة على تحفيز المادة المتفجرة في الدروع التفاعلية ومن ثم إتاحة الطريق أمام الشحنة الرئيسة لإختراق الدروع ، هي القذيفة المشكلة انفجارياً EFP ، حيث أن الموجات الصدمية المولدة بهذه الشحنة كفيلة بتحفيز وإشعال متفجرات قراميد الدروع التفاعلية (يقترح المصممون تجاوز كتلة الشحنة المتفجرة سرعة 2000 م/ث لتحقيق عملية تحفيز مثالية للدروع التفاعلية وتفجيرها) . وتزود الشحنة EFP عادة ببطانة معدنية بزاوية منفرجة لنحو 140-170 درجة ، وبمتوسط سماكه للبطانة المعدنية تبلغ 1-2% من قطر الشحنة . ومما يعاب وينتقص من قدرات هذه النمط في ترتيب الشحنات الثنائية الرؤوس ، هو محدودية فاعلية الرأس الحربي تجاه الأهداف التي تتطلب الهجوم المباشر وليس الرأسي ، فوضع الشحنات المشكلة الثنائية بوضع عمودي سوف يساهم بشكل مؤكد في جعل محور الانفجار بعيداً عن مركز الهدف .
مع منظومات الصواريخ الموجهة المضادة للدروع ATGM من الجيل الثالث الأحدث ، واجه المصممين معضلة أمكن تفاديها نسبياً ، وتتعلق هذه بنمط توضيب وتكديس الشحنات الترادفية . فمن المعروف أن العديد من هذه الأنظمة تستخدم مجسات توجيه homing seekers نشيطة أو سلبية لقيادة الصاروخ إلى هدفه . هذا الباحث يجب أن يسكن بالضرورة في أنف الصاروخ ، الذي هو عادة ذات الموقع المحجوز للرأس الحربية بشحنتها المشكلة في قذائف الجيل الأول والثاني . بسبب موقع الباحث هذا ، الرأس الحربي المزدوج يمكن أن يكون في أحسن الأحوال يوضع مباشرة خلف الباحث . لذلك ، نفاثي الشحنتين المشكلتين يحتاجانِ لدحر وتجاوز عقبات الباحث أولاً قَبل أن يضربوا كتلة الهدف . هذا يؤدي إلى فقدان مؤكد certain loss لنسبة محددة من طاقة النفاث قبل هزيمة صفيحة الدرع التفاعلي . هذه الخسارة من الطاقة يمكن أن تتزايد وتتضاعف أكثر في بعض الحالات ، خصوصاً مع تواجد وتسكين أنظمة الصاروخ الفرعية الأخرى ، مثل لوحة معالج الإشارات ، التي قد يحدد مكانها بين الرأس الحربي والباحث (لذا يتوجب على المصمم التأكيد على اعتبارات التخطيط والتنظيم المحسن optimised layout لأنظمة الصاروخ الفرعية) . هكذا ، ولقطر معطى ومعلوم من الرأس الحربي ، فإن الاختراق الفعلي المنجز في الهدف من قبل الرأس الحربي مزدوج الشحنة في الشروط الثابتة absolute terms ، يمكن أن يكون مقلل ومخفض في بعض الحالات بالمقارنة إلى رأس حربي مع شحنة مشكلة واقع في أنف الصاروخ ، وكما هو الحال في منظومات الجيل السابق الصاروخية المضادة للدروع . على أية حال ، مقذوفات الجيل السابق لم تكن لديها القابلية الأساسية على تحقيق الهجوم السقفي top-attack capability ، تحديداً عند إطلاقها من منصات أرضية ، لذا مقدار الدروع الذي كان عليهم هزيمتها وإزاحتها في هجوم على المقدمة الجبهوية/الأجنحة الجانبية للدبابة في أغلب الأحيان يتطلب طاقة أكبر بالمقارنة إلى قمة الدبابة التي يمكن أن مشاغلتها engaged وهزيمتها بسبب قابلية الهجوم السقفية لصواريخ الجيل الثالث المضادة للدروع . لذلك ، فإن قابلية اختراق الرؤوس الحربية لصواريخ الجيل الثالث المضادة للدبابات نسبة إلى سماكة الدروع المتطلب دحرها وهزيمتها في قمة الدبابة ، هي في الحقيقة أعلى إلى حد كبير ، وأكثر قدرة من تلك من الرؤوس المماثلة الخاصة بصواريخ الجيل الثاني السابقة (النسبة تكون هنا عند مقارنة اختراقهم penetration إلى سماكة الدروع التي سيدحرونها في جبهة/جوانب الدبابة) ، وهذا ما يبرر حقيقة من ضمن أمور أخرى أسباب ارتفاع كلفهم .