بسم الله الرحمن الرحيم ...
بالونات فوجو اليابانية سأخبركم اليوم عن واحدة من أغرب القصص المنسية في الحرب العالمية الثانية .. قصة سلاح غريب صنعه أطفال اليابان ولم يجد الأمريكان لمواجهته غير الصمت والكتمان !!
ففي أربعينات القرن الماضي نشبت الحرب بين أمريكا واليابان نتيجة قيام الأخيرة بمهاجمة قاعدة بيرل هاربر العسكرية . وحتى ذلك الحين كانت اليابان تتمتع بقوة تقنية وعسكرية كاسحة مكنتها من احتلال أجزاء كبيرة من آسيا . غير أن مهاجمتها لميناء بيرل هاربر كان بمثابة إيقاظ لمارد نائم يتمتع بثقل تقني وعسكري ساحق ؛ فبعد أشهر قليلة من المواجهات العسكرية بدأت الكفة تميل لصالح القوات الأمريكية .. وفي حين بدأت القاذفات الأمريكية تقترب أكثر وأكثر من طوكيو وناجازاكي أصبحت سياتل وهيوستن بعيدة جدا بالنسبة للطائرات اليابانية .. ولردم الفجوة بين القوتين اعتمد الجيش الياباني على تقنيات وأفكار غريبة مثل صنع غواصات انتحارية قزمة تعمل بالجهد البشري، وإطلاق حمام زاجل محمل بصفائح قصدير للتشويش على الطائرات ... كما ابتكر طائرات (مضمومة الأجنحة) تطلق كطوربيدات من السفن والغواصات القريبة...أما أبسط الأفكار - وربما أكثرها فعالية - فكان إطلاق بالونات متفجرة باتجاه الأراضي الأمريكية .. وهذه البالونات تُملأ بغاز الهيدروجين وتحمل بمواد شديدة الانفجار وتطلق مع "الرياح الشرقية". وبسبب النقص في المواد الأولية صنعت من (ورق الأرز) الذي يتوفر بكثرة في اليابان ويطلق عليه فوجو .. وبسبب النقص الكبير في العمالة اليدوية كلفت الحكومة أطفال المدارس بصنع هذه البالونات - فيما صنعت المتفجرات كوحدات منفصلة تعلق بها قبل إطلاقها !!ورغم صعوبة الجزم بعدد البالونات التي وصلت - أو انفجرت - إلا أن اليابان أطلقت أكثر من 9000بالون باتجاه الأراضي الأمريكية قبل استسلامها . وبسبب حجمها الصغير وطبيعتها العشوائية فشلت أمريكا في مواجهتها أو منعها من الوصول إلى اليابسة . ورغم أن تأثيرها العسكري كان ضئيلا ومتواضعا إلا أن تأثيرها النفسي والإعلامي كان كبيرا ومدمرا .. إذ كان يكفي رؤية بالون فوق إحدى البلدات الأمريكية ليدب الهلع في قلوب الناس وتتبارى الصحف لتضخيم الموضوع (خصوصا أن فكرة الأطباق الطائرة واحتمال حدوث غزو فضائي ظهرت بقوة في ذلك الوقت) .. وحين وقعت بعض البالونات على كاليفورنيا ونيو مكسيكو ونورث داكوتا بدأت الصحف تتحدث بالفعل عن "اطباق" كروية ترمي شحنات متفجرة على المدنيين .. وحين بدأت وزارة الدفاع تشعر بالحرج أرسلت أكثر من 3000رسالة إلى الصحف والمجلات للتعتيم على الموضوع وعدم نشر أي خبر حوله .. وكان الهدف من هذا التعتيم - ليس فقط تهدئة مخاوف الناس - بل وحجب نتائج هذه التقنية عن اليابانيين أنفسهم (الذين كلفوا جواسيسهم برصد ماتكتبه الصحف الأمريكية عن أي قنابل تهبط من السماء) ... أما أغرب المصادفات فهي وصول أحد البالونات إلى ولاية واشنطن والوقوع فوق المنشأة السرية لمشروع مانهاتن وتعطيله لعدة ساعات (وهو المشروع السري لإنتاج أول قنبلة ذرية ألقيت لاحقا على هيروشيما ونجازاكي) !!ورغم استسلام اليابان رسميا (في أغسطس 1945) إلا أن البالونات المتفجرة استمرت بالظهور لعدة سنوات تالية .. فبسبب وزنها (الأخف من الهواء) تظل معلقه في الجو لفترة طويلة وتتحرك مع الهواء لمسافات بعيدة - لدرجة وصل بعضها إلى كندا والمكسيك والمحيط الأطلسي وانفجر أحدها في البرازيل عام 1956!وبسبب التعتيم الرسمي على الموضوع - وبسبب انشغال وسائل الإعلام بإلقاء أول قنبلتين ذريتين - لم يسمع الناس ببالونات فوجو عام1950.وبعد عشرة أعوام تقريبا اعترف أحد الجنرالات المتقاعدين بأن واشنطن شجعت فرضية "الأطباق الطائرة" لتحويل الأنظار عن حقيقة البالونات المتفجرة .. كما ادعى أن حادثة مدينة روزويل الشهيرة (حيث يفترض سقوط طبق طائر عام 1947) لم يكن في الحقيقة سوى بالون ياباني انفجر بعد عامين من انتهاء الحرب !!