بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تدهور أسطول البلاد الحربي وأصبح، عمليا، مجرد أسطول يبحر على مقربة من الشواطئ. واليوم، ونظرا لمحدودية الموارد الاقتصادية، تجد روسيا نفسها مضطرة لتركيز جهودها على مهمة الدفاع عن حدودها البحرية الأطول، أي عن منطقة القطب الشمالي.
الطبيعة ذاتها، خلقت الظروف التي تحول دون انتشار القوات البحرية الأمريكية في بحار الشمال، فقد انتثر هنا العديد من الجزر، حيث تبعث الحياة الآن في القواعد العسكرية السوفيتية. وهنا أيضا غطت الطبيعة البحار بالجليد، ما يعوق ظهور مجموعات بحرية كبيرة للعدو في هذه الأصقاع. كما أن هذه البحار تحد من المدى العملياتي للعدو، وتحجب بأمان الغواصات الروسية عن وسائط استطلاعه الفضائية.
عملاق منطقة القطب الشمالي
عملاق منطقة القطب الشمالي
تجدر الإشارة إلى أن هذه المزايا تسبب إزعاجا للأسطول الروسي أيضا. وهذا يتعلق في الدرجة الأولى، بمسائل التموين ونقل المعدات والإمدادات، التي يصل جزء كبير منها بالطريق البحري. ولحل هذه المشكلة طالب البحارة العسكريون الروس بصنع كاسحة جليد من نمط جديد، تعمل بالكهرباء والديزل. ولقد بدأ العمل في الأسبوع الجاري بصنع أول كاسحة من هذه السلسلة، وأطلق عليها اسم العملاق الروسي الاسطوري، بطل الحكايات الشعبية، "إيليا مورومتس"، الشهير بدفاعه عن بسطاء الناس في وجه الغزاة وقطاع الطرق.
من التقاليد الروسية تناقلُ أسماء كاسحات الجليد بالوراثة، من جيل لآخر، فـ "عرابة" السفينة الجديدة هي كاسحة الجليد من المشروع 97 ك، التي بنيت في العام 1965 في أحواض "آدميرالتيسكيي"، وكانت حتى العام 1993 ضمن ملاك اسطول المحيط الهادئ.
تمتلك روسيا اليوم أكبر أسطول من كاسحات الجليد، يضم 9 كاسحات نووية، و20 كاسحة تعمل بالديزل والكهرباء. ويبلغ العدد الإجمالي لسفن الإبحار في المناطق الجليدية 40 سفينة.
وبدورها كانت هذه الكاسحة قد ورثت اسمها عن سفينة بنيت في انكلترا عام 1916 لصالح روسيا. لم يكن مصير "إيليا مورومتس" على قدر كبير من التوفيق، فبعد اندلاع الحرب الأهلية في روسيا غزت قوات الحلفاء الشمال الروسي، وقامت- من جملة ما قامت به — باختطاف هذه السفينة التي أنهت خدمتها في القوات البحرية الفرنسية كسفينة لزرع الألغام، تحمل اسم Pollux.
تصنع السفينة الحالية لهدف محدد، هو الحيلولة دون اقتحام الدول غير الصديقة مياه روسيا الإقليمية. وستغدو الأولى، منذ 40 عاما، بين سفن هذه الفئة التي تبنى للأسطول الحربي. ويحاول صانعوها أن يستخدموا فيها المستجدات التقنية المتاحة.
وفي حفل بدء العمل ببنائها، قال القائد العام للأسطول الحربي، الأميرال فكتور تشيركوف: "عند وضع تصميم هذه السفينة، تم اعتماد مواصفات كاسحة جليد الغد، لا اليوم، أي قدرتهاعلى الإبحار والمناورة، وتعدد وظائفها، ومبدأ الحركة الكهربائي الجديد نوعيا بكل معنى الكلمة".
سيبلغ طول السفينة الجديدة 85 مترا، وعرضها 20 مترا، وحمولتها 6000 طن، ومدة إبحارها دون التوقف في الموانئ 60 يوما. وسيبنى من هذا الطراز أربع سفن فقط. ومن الميزات الهامة لـ "إيليا مورومتس"أنها مزودة بعواميد قيادة ذات عنفات، من طراز "آزيبود"، مثبتة خارج جسم السفينة بواسطة آلية مفصليات، ويمكنها الدوران حول محور عمودي بـ 360 درجة، ما يتيح سهولة تحرك مقدمتها ومؤخرتها وجانبيها، سواء بسواء. وهذه القدرات مفيدة للسفينة، على وجه الخصوص، عند العمل كقاطرة وسط الجليد.
الهدف — الطريق البحري الشمالي
في العام 2017 سترفع على السفينة الجديدة راية القديس أندراوس، وستبدأ فورا بتمرير سفن الإمدادات. وبوسع هذه الكاسحة اختراق الجليد بسماكة متر، ما يتيح العمل على طول الطريق البحري الشمالي، أي بما يضمن الابحار في منطقة تمتد من مورمانسك حتى بيتروبافلوفسك- كامتشاتسكي. إن مدى إبحار السفينة يتجاوز المدة الضرورية لقطع هذه المسافة.
يتيح الطريق البحري الشمالي نقل الشحنات من شمال روسيا الأوروبي إلى الشرق الأقصى في مدة تقل 7 —22 يوما مقارنة بطريق قناة السويس. والأكثر من ذلك، أن السفن الروسية، في هذه الحالة، تبحر في مياهها الإقليمية، ما يجعلها غير معنية بشروط الدول الأخرى. وفي حالة الحرب تكون هذه الأعمال اللوجستية أكثر أمانا.
وفضلا عن ذلك، وبدءا من العام 2011، تتزايد حركة الملاحة التجارية بالطريق البحري الشمالي. وبحلول العام 2019- 2020 سيصل حجم النقليات بهذا الطريق إلى 5 مليون طن سنويا. وهذا يتطلب من روسيا ضمان الأمن لسفنها، وسفن شركائها المقربين، كالصين الشعبية على سبيل المثال.