تحذيرات واشنطن لم توقف كوريا الشمالية أو إيران عن مواصلة تهديداتهما
«مشكلة القوّة» سلاح أمريكا يحتاج إلى إعادة نظر وتوجيه
القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء.
«الاقتصادية» من الرياض
في كتابه الذي صدَرَ تحت عنوان "مشكلة القوّة: كيف تجعلنا الهيمنة الأمريكية أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية" يقدّم الدكتور كريستوفر أ. بريبل طرحا جريئا حول مشكلة القوة العسكرية الأمريكية التي هيمنت على العالم. ولكنها جعلت من الأمريكيين أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية.
وفي المقدِّمة يمهد الكاتب الذي قدم لكتابه الباحث موسى القلاب قراءة تحليلية للتعريف بالكتاب باعتباره يتناول تحديدا القوة العسكرية الأمريكية من حيث ماهيّتها وكيفية قياسها واستخداماتها إضافة إلى اعتبارات أخرى تتعلق بتكاليفها والفوائد التي يجنيها الأمريكيون من وراء وجود هذه القوة الهائلة. ويبيّن المؤلف كيف أن القوة الأمريكية العسكرية الضخمة لم تردع أو تخيف المهاجمين في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم تجعل صدام حسين يرضخ للشروط الأمريكية، واستمرت كوريا الشمالية في تجاهل التحذيرات الأمريكية، ولم تكن التهديدات الأمريكية ضد إيران ذات جدوى. ويقول الكاتب في هذا الصدد "إن مقارباتي من السياسة الخارجية الأمريكية مختلفة ولا تروق لصنّاع السياسات في واشنطن من جمهوريين وديمقراطيين مع علمي أن التغيير ليس سهلا". إعلان
ويبيّن المؤلف أن الأمريكيين نسوا في بعض الأحيان أن القوة الوطنية في الولايات المتحدة تشمل أكثر مما هو متعارف عليه بالقوة العسكرية. وبذلك فقدوا رؤية الغرض الذي وجدت لأجله القوة العسكرية وأصبحت القوة العسكرية الأمريكية بعدة طرق مشكلة حقيقية. وشكّلت هذه المشكلة الأساس الذي ارتكز عليه هذا الكتاب لإثارة النقاش والجدل بهدف الوصول إلى حقيقة مفادها وجوب تخفيض القوة العسكرية الأمريكية ليصبح الأمريكيون أكثر أمنا. ويمكن حلّ المشكلة بالعودة إلى الدستور الأمريكي وإلى قرون التاريخ لاستنباط أن مهمة القوة العسكرية الأمريكية هي تأمين الحرية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأمريكية لجميع الأمريكيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وليس للتعهد بنشر الديمقراطية في بلدان أخرى.
ويستطرد الكاتب بالقول "مع أن إدارة كل من بوش الأب وكلينتون كانتا قد أسهمتا في خفض نفقات الأفراد والمعدات لكنهما في نفس الوقت أرسلتا القوات الأمريكية إلى عدد من المهام الخطيرة التي لم تكن ضرورية للأمن الوطني الأمريكي".
ويحاول الكاتب إثبات وجهة نظره هذه بأن القوة الحقيقية للأمة الأمريكية لا تكمن في القوة العسكرية وحدها. واستشهد على ذلك بأن من الدروس الأولى المهمة لحقبة الحرب الباردة أن الولايات المتحدة ربحتها ليس عن طريق القوة العسكرية، بل بسبب عوامل قوة كثيرة اجتماعية واقتصادية وثقافية. في حين خسرها الاتحاد السوفياتي الذي بنى ترسانة هائلة من الأسلحة النووية والتقليدية على حساب قوت الشعوب السوفياتية، لكنه لم يوفّر للناس في الأسواق أحيانا ما يشترونه من المواد الغذائية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، نسي بعض الأمريكيين دروس الحرب الباردة خلال العقدين التاليين لسقوط الاتحاد السوفياتي واعتقدوا أن القوة العسكرية الأمريكية هي نهاية المطاف. ثم يتساءل الكاتب قائلا "لقد قدمنا مساعدات لمسلمي البوسنة والهرسك ولكن لماذا لم نساعد المسلمين في الشيشان"؟
وفي الفصل الأول يؤكد الكاتب حقيقة "أن القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء". وحتى يتم فهم ذلك لا بد من معرفة ما هي مكونات القوة العسكرية برّا وبحرا وجوّا وأين تتوزع تلك التشكيلات العسكرية داخل الولايات المتحدة وخارجها لا بل وماذا تعمل تلك القوات على وجه التحديد. ويركّز الكتاب على أن القوى البشرية العاملة والمعدات والأسلحة المستخدمة في الصنوف الأربعة التي تمثل التنظيم العسكري الأمريكي للقوات المسلحة وهي الجيش الأمريكي "القوات البرية" والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية الأمريكية. حيث ينتشر ما مجموعه 267 ألف جندي أمريكي في أكثر من 100 دولة حول العالم. وذلك من خلال عدد من الاتفاقيات السرّية حول تنظيم وجود القوات العسكرية الأمريكية التي تراوح ما بين 80 إلى 115 اتفاقية مع دول متعددة على الساحة العالمية، والأهم من ذلك كله أن هذا الانتشار الهائل للقوات العسكرية الأمريكية لم يحدث بين عشيّة وضحاها، لا بل إنه تفاقم بعد عقدين من أفول نجم الحرب الباردة. ويعود الكاتب بشكل موجز إلى الجذور التاريخية لإنشاء القوة العسكرية الأمريكية منذ القرن الثامن عشر ويبيّن كيف تطورّت تلك القوة نسبيا وتدريجيا ما بين الحربين عام 1812 مع البريطانيين والحرب العالمية الثانية عام 1939. ويبيّن المؤلف ماهيّة الدور الفعلي للقوة العسكرية من خلال رؤى واضعي نصوص الدستور الأمريكي والرؤساء الأمريكيين المؤسسين ومجالس الكونجرس المتعاقبة. وذلك بهدف معرفة كيفية وصول القوات العسكرية الأمريكية إلى ما وصلت إليه اليوم من حجم هائل وقدرات كبيرة وانتشار واسع النطاق حول العالم، التي لم تكن في الحسبان عبر مراحل التأسيس الأولى. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور قد حذّر قبل مغادرته البيت الأبيض في الستينيات من مغبّة تحكّم المجمع الصناعي الأمريكي للأسلحة والمعدّات العسكرية في مجريات الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة وقرارات الحرب. إلا أنه على الرغم من تلك التحذيرات وقبل الوصول إلى نهاية حقبة الحرب الباردة، كانت قد بدأت مرحلة التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، ابتداءً من الجوار الأمريكي، حيث الدومنيكان عام 1965، وجرينادا عام 1983 وبنما عام 1989، ثم الانتقال إلى العراق عام 1991 والصومال عام 1992. وبعد ذلك في البلقان ثم أفغانستان عام 2001، والعراق مرة أخرى عام 2003. ما زال الوجود العسكري الأمريكي في البلقان وأفغانستان والعراق ماثلا حتى اليوم.
ويوضّح الفصل الثاني من الكتاب كيفية حساب ومطابقة تكاليف القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية من خلال طرح التساؤل عن مقدار الإنفاق على القوة العسكرية ومعرفة أين تذهب تلك النقود ولا سيما إن التكاليف المباشرة لإنشاء وإدامة وتوسيع القوة العسكرية مع الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع "البتناجون" يسهل حسابها نسبيا. ويبيّن الكاتب "أنه عند إضافة تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق التي وصلت إلى 4.5 في المائة من مجمل الاقتصاد الأمريكي أو ما يعادل 622 مليار دولار أمريكي كإنفاق عسكري عام 2007، وعندما يجري توزيع هذا المبلغ على مستوى الفرد في الولايات المتحدة تبلغ حصة كل رجل وامراة وطفل أمريكي نحو 2065 دولارا". أي ما يزيد على ضعف ما يدفعه المواطن البريطاني والفرنسي وأكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه الشخص الياباني والألماني. علما بأن الفجوة في الأنفاق قد زادت في عام 2008 عن العام السابق ثم وصل المجموع الكلي المطلوب للإنفاق العسكري في عام 2009 نحو 800 مليار دولار.
ويبيّن المؤلف في الفصل الثالث أن القوة العسكرية لأمريكا تُكلّف كثيرا، ومع ذلك يعتقد كثير من الأمريكيين خطأ أن تخفيض الميزانية العسكرية وإجراء تغييرات شاملة على الاستراتيجية الأمريكية الحالية يمكن أن ينتج عنها حالة قد تكون "أقل أمنا" بالنسبة للشعب الأمريكي. ويستدلّون على ذلك من تقديرات تقول إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد كلّفت الاقتصاد الأمريكي 250 مليار دولار. ثم يستشهد الكاتب على ذلك بالقول "طالبَ مرشحو الرئاسة الأمريكية عام 2008 بما فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما بزيادة عدد الأفراد العاملين في الجيش ومشاة البحرية، وحسب وجهة نظر السناتور جون مكين فإن تلك القوات تمكن زيادتها بنسبة 40 في المائة عمّا كانت عليه قبل هجمات 11 سبتمبر 2001". ومع ذلك يتجاهل كثير من الأمريكيين أن زيادة النفقات على القوات التقليدية لها تأثير محدود ضد أعداء مجهولين كتنظيم القاعدة. وفي الفصل الرابع يعتبر الكاتب "أن القوة العسكرية الأمريكية في حد ذاتها مشكلة لأنها تكلف كثيرا جدا. وتكلّف كثيرا جدا لأنها كبيرة جدا". وهي بحق أكبر بكثير من حاجة الولايات المتحدة إلى الدفاع عن نفسها ومصالحها الحيوية. ومع ذلك، فإن صنّاع القرار في الولايات المتحدة يستخدمون تلك القوة العسكرية كثيرا بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن الأمن الأمريكي يعتمد على الاستقرار العالمي الذي لا أحد يستطيع الحفاظ عليه سوى الولايات المتحدة. ولكن إذا ما جرى التركيز بصورة دقيقة على الأمن الغذائي الأمريكي يتبين أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حجم أقل واستخدام أقل للقوة العسكرية الأمريكية.
وحول مأزق السيطرة على القوة العسكرية يشرح المؤلف في الفصل الخامس هذا المفهوم من منطلق مقنع إلى حد كبير وهو "أن استراتيجية الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية الأمريكية نيابةً عن الآخرين لا تشجعهم في الدفاع عن أنفسهم لا بل وتجر الولايات المتحدة إلى حروب خارجية" بسبب فرضية اعتبار أن الهجوم عليهم هو هجوم على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ومن هنا فإن الولايات المتحدة لا تعتمد على تلك الدول في مسألة الدفاع عن أنفسهم من الأخطار الخارجية، وهذا الأمر يظهر للعالم أن الولايات المتحدة أمة أكثر من عادية لتحمل عبئا أكبر من أمنها الداخلي. وفي نفس الوقت إن الأمم الأخرى هي أقل من عادية وغير معنية بأمنها الداخلي.
وفي الفصل السادس يرى الكاتب أن تطويع مشكلة القوة أمر لا بد منه ولا يكون ذلك التطويع من وجهة نظره بتخفيض نفقات القوة العسكرية الحالية إلى النصف بين عشية وضحاها، ويستطرد قائلا "عندما يتم بناء قوة عسكرية هائلة وتستمر الولايات المتحدة في المحافظة عليها بهذا الحجم ثم يقوم أصحاب القرار السياسي بالبحث عن أدوار لها بهدف استخدامها، فإن ذلك يعني أن الحصان أمام العربة"، وقد يكون من الأفضل أن يركز النهج المتّخذ على العكس تماما فيما لو حددّت الولايات المتحدة أولوياتها من حيث الأهم والمهم. على أن تتناسب الخيارات العسكرية الأمريكية مع القوة العسكرية المتوافرة من حيث الحجم الإجمالي للقوات بما فيها الأسلحة والمعدات المشتركة مثل الطائرات والأفراد والسفن والغواصات وغير ذلك. وفي خلاصة الكتاب يبيّن المؤلف أنه "من الممكن أن تحافظ الولايات المتحدة على موقعها في قمة النظام العالمي وحدها لمدّة طويلة جدا. مع أن التاريخ يقول غير ذلك". ومن حيث إن الولايات المتحدة ستبقى تكافح من أجل البقاء متقدّمة على الآخرين فإن هذا الوضع يجعلها تعيش في حالة مستمرة من الخوف، وعليه لن يتوقف الحديث عن عدم الشعور بالأمن. ومن هذا المنطلق ستستمر الولايات المتحدة في الإنفاق أكثر فأكثر نتيجة لقناعة ذاتية، بهدف البقاء من دون منافسة أحد لها.
«مشكلة القوّة» سلاح أمريكا يحتاج إلى إعادة نظر وتوجيه
القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء.
«الاقتصادية» من الرياض
في كتابه الذي صدَرَ تحت عنوان "مشكلة القوّة: كيف تجعلنا الهيمنة الأمريكية أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية" يقدّم الدكتور كريستوفر أ. بريبل طرحا جريئا حول مشكلة القوة العسكرية الأمريكية التي هيمنت على العالم. ولكنها جعلت من الأمريكيين أقل أمنا وأقل ازدهارا وأقل حرية.
وفي المقدِّمة يمهد الكاتب الذي قدم لكتابه الباحث موسى القلاب قراءة تحليلية للتعريف بالكتاب باعتباره يتناول تحديدا القوة العسكرية الأمريكية من حيث ماهيّتها وكيفية قياسها واستخداماتها إضافة إلى اعتبارات أخرى تتعلق بتكاليفها والفوائد التي يجنيها الأمريكيون من وراء وجود هذه القوة الهائلة. ويبيّن المؤلف كيف أن القوة الأمريكية العسكرية الضخمة لم تردع أو تخيف المهاجمين في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم تجعل صدام حسين يرضخ للشروط الأمريكية، واستمرت كوريا الشمالية في تجاهل التحذيرات الأمريكية، ولم تكن التهديدات الأمريكية ضد إيران ذات جدوى. ويقول الكاتب في هذا الصدد "إن مقارباتي من السياسة الخارجية الأمريكية مختلفة ولا تروق لصنّاع السياسات في واشنطن من جمهوريين وديمقراطيين مع علمي أن التغيير ليس سهلا". إعلان
ويبيّن المؤلف أن الأمريكيين نسوا في بعض الأحيان أن القوة الوطنية في الولايات المتحدة تشمل أكثر مما هو متعارف عليه بالقوة العسكرية. وبذلك فقدوا رؤية الغرض الذي وجدت لأجله القوة العسكرية وأصبحت القوة العسكرية الأمريكية بعدة طرق مشكلة حقيقية. وشكّلت هذه المشكلة الأساس الذي ارتكز عليه هذا الكتاب لإثارة النقاش والجدل بهدف الوصول إلى حقيقة مفادها وجوب تخفيض القوة العسكرية الأمريكية ليصبح الأمريكيون أكثر أمنا. ويمكن حلّ المشكلة بالعودة إلى الدستور الأمريكي وإلى قرون التاريخ لاستنباط أن مهمة القوة العسكرية الأمريكية هي تأمين الحرية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأمريكية لجميع الأمريكيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وليس للتعهد بنشر الديمقراطية في بلدان أخرى.
ويستطرد الكاتب بالقول "مع أن إدارة كل من بوش الأب وكلينتون كانتا قد أسهمتا في خفض نفقات الأفراد والمعدات لكنهما في نفس الوقت أرسلتا القوات الأمريكية إلى عدد من المهام الخطيرة التي لم تكن ضرورية للأمن الوطني الأمريكي".
ويحاول الكاتب إثبات وجهة نظره هذه بأن القوة الحقيقية للأمة الأمريكية لا تكمن في القوة العسكرية وحدها. واستشهد على ذلك بأن من الدروس الأولى المهمة لحقبة الحرب الباردة أن الولايات المتحدة ربحتها ليس عن طريق القوة العسكرية، بل بسبب عوامل قوة كثيرة اجتماعية واقتصادية وثقافية. في حين خسرها الاتحاد السوفياتي الذي بنى ترسانة هائلة من الأسلحة النووية والتقليدية على حساب قوت الشعوب السوفياتية، لكنه لم يوفّر للناس في الأسواق أحيانا ما يشترونه من المواد الغذائية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، نسي بعض الأمريكيين دروس الحرب الباردة خلال العقدين التاليين لسقوط الاتحاد السوفياتي واعتقدوا أن القوة العسكرية الأمريكية هي نهاية المطاف. ثم يتساءل الكاتب قائلا "لقد قدمنا مساعدات لمسلمي البوسنة والهرسك ولكن لماذا لم نساعد المسلمين في الشيشان"؟
وفي الفصل الأول يؤكد الكاتب حقيقة "أن القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء". وحتى يتم فهم ذلك لا بد من معرفة ما هي مكونات القوة العسكرية برّا وبحرا وجوّا وأين تتوزع تلك التشكيلات العسكرية داخل الولايات المتحدة وخارجها لا بل وماذا تعمل تلك القوات على وجه التحديد. ويركّز الكتاب على أن القوى البشرية العاملة والمعدات والأسلحة المستخدمة في الصنوف الأربعة التي تمثل التنظيم العسكري الأمريكي للقوات المسلحة وهي الجيش الأمريكي "القوات البرية" والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية الأمريكية. حيث ينتشر ما مجموعه 267 ألف جندي أمريكي في أكثر من 100 دولة حول العالم. وذلك من خلال عدد من الاتفاقيات السرّية حول تنظيم وجود القوات العسكرية الأمريكية التي تراوح ما بين 80 إلى 115 اتفاقية مع دول متعددة على الساحة العالمية، والأهم من ذلك كله أن هذا الانتشار الهائل للقوات العسكرية الأمريكية لم يحدث بين عشيّة وضحاها، لا بل إنه تفاقم بعد عقدين من أفول نجم الحرب الباردة. ويعود الكاتب بشكل موجز إلى الجذور التاريخية لإنشاء القوة العسكرية الأمريكية منذ القرن الثامن عشر ويبيّن كيف تطورّت تلك القوة نسبيا وتدريجيا ما بين الحربين عام 1812 مع البريطانيين والحرب العالمية الثانية عام 1939. ويبيّن المؤلف ماهيّة الدور الفعلي للقوة العسكرية من خلال رؤى واضعي نصوص الدستور الأمريكي والرؤساء الأمريكيين المؤسسين ومجالس الكونجرس المتعاقبة. وذلك بهدف معرفة كيفية وصول القوات العسكرية الأمريكية إلى ما وصلت إليه اليوم من حجم هائل وقدرات كبيرة وانتشار واسع النطاق حول العالم، التي لم تكن في الحسبان عبر مراحل التأسيس الأولى. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور قد حذّر قبل مغادرته البيت الأبيض في الستينيات من مغبّة تحكّم المجمع الصناعي الأمريكي للأسلحة والمعدّات العسكرية في مجريات الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة وقرارات الحرب. إلا أنه على الرغم من تلك التحذيرات وقبل الوصول إلى نهاية حقبة الحرب الباردة، كانت قد بدأت مرحلة التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، ابتداءً من الجوار الأمريكي، حيث الدومنيكان عام 1965، وجرينادا عام 1983 وبنما عام 1989، ثم الانتقال إلى العراق عام 1991 والصومال عام 1992. وبعد ذلك في البلقان ثم أفغانستان عام 2001، والعراق مرة أخرى عام 2003. ما زال الوجود العسكري الأمريكي في البلقان وأفغانستان والعراق ماثلا حتى اليوم.
ويوضّح الفصل الثاني من الكتاب كيفية حساب ومطابقة تكاليف القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية من خلال طرح التساؤل عن مقدار الإنفاق على القوة العسكرية ومعرفة أين تذهب تلك النقود ولا سيما إن التكاليف المباشرة لإنشاء وإدامة وتوسيع القوة العسكرية مع الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع "البتناجون" يسهل حسابها نسبيا. ويبيّن الكاتب "أنه عند إضافة تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق التي وصلت إلى 4.5 في المائة من مجمل الاقتصاد الأمريكي أو ما يعادل 622 مليار دولار أمريكي كإنفاق عسكري عام 2007، وعندما يجري توزيع هذا المبلغ على مستوى الفرد في الولايات المتحدة تبلغ حصة كل رجل وامراة وطفل أمريكي نحو 2065 دولارا". أي ما يزيد على ضعف ما يدفعه المواطن البريطاني والفرنسي وأكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه الشخص الياباني والألماني. علما بأن الفجوة في الأنفاق قد زادت في عام 2008 عن العام السابق ثم وصل المجموع الكلي المطلوب للإنفاق العسكري في عام 2009 نحو 800 مليار دولار.
ويبيّن المؤلف في الفصل الثالث أن القوة العسكرية لأمريكا تُكلّف كثيرا، ومع ذلك يعتقد كثير من الأمريكيين خطأ أن تخفيض الميزانية العسكرية وإجراء تغييرات شاملة على الاستراتيجية الأمريكية الحالية يمكن أن ينتج عنها حالة قد تكون "أقل أمنا" بالنسبة للشعب الأمريكي. ويستدلّون على ذلك من تقديرات تقول إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد كلّفت الاقتصاد الأمريكي 250 مليار دولار. ثم يستشهد الكاتب على ذلك بالقول "طالبَ مرشحو الرئاسة الأمريكية عام 2008 بما فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما بزيادة عدد الأفراد العاملين في الجيش ومشاة البحرية، وحسب وجهة نظر السناتور جون مكين فإن تلك القوات تمكن زيادتها بنسبة 40 في المائة عمّا كانت عليه قبل هجمات 11 سبتمبر 2001". ومع ذلك يتجاهل كثير من الأمريكيين أن زيادة النفقات على القوات التقليدية لها تأثير محدود ضد أعداء مجهولين كتنظيم القاعدة. وفي الفصل الرابع يعتبر الكاتب "أن القوة العسكرية الأمريكية في حد ذاتها مشكلة لأنها تكلف كثيرا جدا. وتكلّف كثيرا جدا لأنها كبيرة جدا". وهي بحق أكبر بكثير من حاجة الولايات المتحدة إلى الدفاع عن نفسها ومصالحها الحيوية. ومع ذلك، فإن صنّاع القرار في الولايات المتحدة يستخدمون تلك القوة العسكرية كثيرا بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن الأمن الأمريكي يعتمد على الاستقرار العالمي الذي لا أحد يستطيع الحفاظ عليه سوى الولايات المتحدة. ولكن إذا ما جرى التركيز بصورة دقيقة على الأمن الغذائي الأمريكي يتبين أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حجم أقل واستخدام أقل للقوة العسكرية الأمريكية.
وحول مأزق السيطرة على القوة العسكرية يشرح المؤلف في الفصل الخامس هذا المفهوم من منطلق مقنع إلى حد كبير وهو "أن استراتيجية الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية الأمريكية نيابةً عن الآخرين لا تشجعهم في الدفاع عن أنفسهم لا بل وتجر الولايات المتحدة إلى حروب خارجية" بسبب فرضية اعتبار أن الهجوم عليهم هو هجوم على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ومن هنا فإن الولايات المتحدة لا تعتمد على تلك الدول في مسألة الدفاع عن أنفسهم من الأخطار الخارجية، وهذا الأمر يظهر للعالم أن الولايات المتحدة أمة أكثر من عادية لتحمل عبئا أكبر من أمنها الداخلي. وفي نفس الوقت إن الأمم الأخرى هي أقل من عادية وغير معنية بأمنها الداخلي.
وفي الفصل السادس يرى الكاتب أن تطويع مشكلة القوة أمر لا بد منه ولا يكون ذلك التطويع من وجهة نظره بتخفيض نفقات القوة العسكرية الحالية إلى النصف بين عشية وضحاها، ويستطرد قائلا "عندما يتم بناء قوة عسكرية هائلة وتستمر الولايات المتحدة في المحافظة عليها بهذا الحجم ثم يقوم أصحاب القرار السياسي بالبحث عن أدوار لها بهدف استخدامها، فإن ذلك يعني أن الحصان أمام العربة"، وقد يكون من الأفضل أن يركز النهج المتّخذ على العكس تماما فيما لو حددّت الولايات المتحدة أولوياتها من حيث الأهم والمهم. على أن تتناسب الخيارات العسكرية الأمريكية مع القوة العسكرية المتوافرة من حيث الحجم الإجمالي للقوات بما فيها الأسلحة والمعدات المشتركة مثل الطائرات والأفراد والسفن والغواصات وغير ذلك. وفي خلاصة الكتاب يبيّن المؤلف أنه "من الممكن أن تحافظ الولايات المتحدة على موقعها في قمة النظام العالمي وحدها لمدّة طويلة جدا. مع أن التاريخ يقول غير ذلك". ومن حيث إن الولايات المتحدة ستبقى تكافح من أجل البقاء متقدّمة على الآخرين فإن هذا الوضع يجعلها تعيش في حالة مستمرة من الخوف، وعليه لن يتوقف الحديث عن عدم الشعور بالأمن. ومن هذا المنطلق ستستمر الولايات المتحدة في الإنفاق أكثر فأكثر نتيجة لقناعة ذاتية، بهدف البقاء من دون منافسة أحد لها.