أهمية العقبات والحواجز المانعة
تجربــــة حــــرب أكتوبـــر 1973
تجربــــة حــــرب أكتوبـــر 1973
الصورة الأولية لأكثر العقبات obstacles مناعة وحصانة ، يقابله في الجهة الأخرى القدرة الواضحة والاستثنائية لدبابات المعركة الحديثة على قهرها وتجاوزها ، مما يعطي في الغالب "انطباع مظلل وخادع" misleading impression أن هذه العقبات المضادة للدبابات لم تعد ذات قيمة عظيمة أو أن قيمتها قد قيدت وحددت !! فعلى مدى التاريخ ، العقبات سواء الطبيعية منها أو الاصطناعية ، استمرت في لعب دورها الرئيس لأي خطة مضادة للدبابات . وبشكل عام هناك متطلبان أساسيان لنجاح أي من هذه العقبات : أولاً هي يجب أن تكون جزء من خطة متكاملة ، وثانياً هي يجب أن تغطى وتدعم بالنيران والمراقبة المنظورة . العقبات الطبيعية Natural obstacles تتضمن مجاري الأنهار ، القنوات والأنفاق ، الغابات الكثيفة والبحيرات والمباني .. لكن عملياً جميع هذه العقبات تتطلب نوع من التحسين والتطوير الاصطناعي لتعزيز قابليتها المضادة للدبابات . ويذكر لنا التاريخ خطورة الثقة الزائدة التي يمكن أن تنشأ عن المناعة الظاهرة للعقبات apparent impregnability كما صور الأمر في بداية حرب أكتوبر العام 1973 . حيث امتدت حدود إسرائيل الغربية على قناة السويس وشكلت هذه القناة مانع طبيعي بالتأثير الأعظم . مع ذلك ، بدا الإسرائيليون غير راضين عن مستوى الحماية هذا ، فعمدوا على أية حال لتعزيز جانبهم من القناة مع حائط أو جدار رملي بارتفاع 15-21 م وبعرض كبير جدا ً ، مع زاوية انحدار لنحو 45-65 درجة . طول الجدار العازل بلغ نحو 160 كيلومتراً على طول قناة السويس ، باستثناء البحيرة المرة Bitter Lake (حيث كان عبور القناة مستبعد بسبب عرض البحيرة) . الجدار الرملي والذي وصف من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك "موشي دايان" Moshe Dayan بأنه "أحد أفضل الخنادق المضادة للدبابات في العالم" والدفاعات المشيدة في الموقع سميت في مجموعها بخط بارليف Bar-Lev Line وكانت رائعة التصميم في الحقيقة ، لكنها لسوء الحظ أثارت إعجاب الإسرائيليين أكثر مما أثارت خصومهم المصريين !! خطة تجاوز هذه العقبة أو العائق بدأت عندما أقترح ضابط برتبة مقدم في سلاح الهندسة المصري استخدام خراطيم المياه ذات الضغط المرتفع high pressure hoses لجرف رمال الجدار الرملي ، مما حقق وأنجز كلتا المفاجآت الإستراتيجية والتكتيكية . الجدار الرملي ودعاماته الخرسانية كانت كفيلة كما قرر مصمموه منع وإعاقة أي وحدات مسلحة أو برمائية من الإنزال على الضفة الشرقية لقناة السويس بدون تحضيرات هندسية مسبقة . وقدر المخططون الإسرائيليون بأنه يتطلب من المصريين على الأقل 24 ساعة ، ومن المحتمل 48 ساعة كاملة لاختراق وعمل ثغرة في حائط الرمل وتأسيس جسر متحرك عبر القناة .
وهكذا ساهمت الإتكالية الإسرائيلية Israeli dependence والاعتماد على مميزات الجدار ، في تقنين عوامل وأدوات التغطية النارية في الوقت الحرج والحاسم لهذا الموقع الدفاعي تجاه هجوم المشاة المصري ، والذي أنجز يوم السادس من أكتوبر العام 1973 . واستطاع سلاح المهندسين المصري سوية مع استخدام الأدوات التقنية البسيطة على نحو بارع ، استطاع تمهيد الطريق أمام الفرق المدرعة المصرية للعبور الآمن والتقدم بشكل جزئي في صحراء سيناء Sinai Desert .. تعكس هذه الواقعة الجانب السلبي لعامل الإفراط في مفهوم "العائق" barrier ، خصوصاً في المعركة المضادة للدبابات . فرغم أن منظري المعركة البرية يؤكدون على أن النوع الصحيح والمناسب للموانع والعقبات يجب أن يكون فعّال لأقصى حد ، لكن كما عُرض وأثبت من قبل المصريين ، ليس كل ترتيب يمكن أن يكون فعال ومؤثر كلياً . فالمانع أو الحاجز يجب أن يراقب ويحمى كأي موقع دفاعي آخر وبجميع الوسائل المتاحة .
تعليق