رغم أن ملفات فساد كثير من جنرالات العسكر في الدول العربية شائعة ومكشوفة , و رائحة فضيحة نهبهم لثروات الشعوب الإسلامية قد زكمت الأنوف , وسجل تاريخهم الحافل بالهزائم والنكبات والنكسات أمام الأعداء مريرة , ناهيك عما ألحقوه بالبلاد والعباد من خراب ودمار بسبب إصرارهم على التمسك بالمناصب .......إلا أن ذلك كله لا يمنع – فيما يبدو - من إعادة تلميعهم من جديد , والتغطية على جميع جرائمهم وفسادهم وإفسادهم بأداة سحرية تسمى "مكافحة الإرهاب" .
نعم ....لم يجد الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" كبير عناء في التغطية على اتهام عضو مجلس النواب المنحل زياد دغيم له ولرئيس أركانه عبد الرزاق الناظوري وحكومة عبد الله الثني بهدر قرابة 220 مليون دولار , بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته دول سماها صديقة للعمليات العسكرية ببنغازي في إطار ما يسمى "عملية الكرامة" خلال العام الماضي دون تحقيق أي من أهدافها ......
فيكفي في العصر الذي نعيش فيه أن يرفع أي متهم بالفساد ونهب خيرات البلاد , أو حتى المتهم بجرائم إبادة جماعية أو استخدام أسلحة كيماوية ....أن يرفع شعار ما يسمى "مكافحة الإرهاب" , وأن يرتمي في أحضان الغرب وينفذ جميع أجندتهم في المنطقة .....للتغطية على جميع جرائمه مهما كانت فظائعها وآثارها الإنسانية الكارثية .
هذا ما فعله "حفتر" بالتحديد بعد تهمة الفساد التي وجهت له من أحد أعضاء مجلس نواب طبرق الذي تسوده حاليا خلافات حادة وانقسامات بشأن ما يسمى "عملية الكرامة" , فقد أكد الجنرال الليبي من العاصمة عمان استمرار تنفيذه للمهمة الموكلة إليه , والمتمثلة بالقضاء على التيار الإسلامي الذي برز بعد ثورة 17 فبراير 2011م , ومنع ظهور قوة ذات صبغة إسلامية في بلد نفطي ذو أهمية استراتيجية على الدول الغربية .
قال حفتر في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الأردنية عمّان أمس : "نحن نتفرغ لمقارعة الإرهاب في بلدنا....." والإرهاب المعني هنا إنما هو القوة السنية التي ظهرت إثر ما يسمى "بالربيع العربي" , والتي تشكلت في الأساس لمقاومة الظلم والاستبداد المستمر ضد الشعوب العربية والإسلامية منذ عقود .
إنه الشعار الغربي الهلامي الذي لا حدود له ولا تعريف ولا ضوابط , بل يخضع أولا وآخرا لرغبات الغرب وأطماعه ومصالحه في المنطقة , فمن عارض هذه المصالح أو حاول مقاومة أجندة الغرب في بلاده فهو إرهابي بالمقياس الغربي , ولا بد من مكافحته بكل الوسائل التقليدية وغير التقليدية .
وبالمقابل فإن كل من وضع نفسه في خدمة تنفيذ أجندة الغرب وأطماعه في المنطقة , وعمل على عرقلة وصول التيار الإسلامي إلى سدة الحكم في دول ما يسمى "بالربيع العربي" , ولو كان ذلك على حساب دماء أهل بلده وخرابها وتشتيت أهلها وتشريدهم ......فهو - في نظر الغرب – مكافح للإرهاب وإن كان يرتكب من "الإرهاب" ما لا نظير له في التاريخ .
وإذا كانت جرائم أمثال هؤلاء الوحشية بحق شعوبهم من قتل وتعذيب وتدمير للبنى التحتية .... مبررة ومغفورة لمجرد أنها تخدم أجندة الغرب وتتوافق مع مصالحهم , فمن باب أولى أن يُغطى على فسادهم المالي باسم "مكافحة الإرهاب" .
لم يكتف "حفتر" بعرقلته استقرار ليبيا بعد أن شارفت ثورة 17 فبراير على تحقيق أهدافها من خلال إعلانه ما يسمى "بعملية الكرامة" التي أدخلت البلاد في الفوضى والاضطراب , وفتحت الباب على مصراعيه لدخول "داعش" على خط المواجهات لخلط الأوراق وتعقيد الحل ....بل ها هو يستجدي الغرب لتزويده بالسلاح والعتاد لمواصلة ضرب التيار الإسلامي في البلاد تحت شعار "مكافحة الإرهاب" .
لا تكتف الدول الغربية عادة بالتستر على جرائم أتباعها و التغطية على فسادهم المالي فحسب , بل تسوقهم في العالم وكأنهم من سينقذ البلاد من فزاعة "الإرهاب" الذي اصطنعوه بأنفسهم وعلى أيديهم , ومن هنا يمكن فهم زيارة "حفتر" للأردن وإعلانه عن اتفاقيات في مجال التدريب العسكري و الجانب الطبي .
إن الحقيقة أن رفع شعار "مكافحة الإرهاب" للتغطية على الجرائم والفساد أضحت موضة العصر كما يقال , فكل من تلوثت يداه بدماء شعبه حتى العضد , وامتلأت خزائنه من المال العام , وأراد أن يغطي على ذلك كله بحجاب , بل وأن يزعم أنه منقذ البلاد والعباد ........فما عليه إلا أن يرتمي في أحضان الغرب وينفذ أجندتهم , وأن يرفع شعار "مكافحة الإرهاب" .
تعليق