كل يوم بل كل ساعة تنقل لنا وكالات الأنباء ووسائل الإعلام أخبارا عن عدد القتلى من المهاجرين في البحر أو في البر ومعظم هؤلاء من المسلمين وفيهم الكثير من النساء والأطفال..لقد تفجرت الأزمة بصورة غير مسبوقة مع تصاعد القتال في العراق وسوريا وليبيا واليمن وأصبح عدد المهاجرين واللاجئين والنازحين بالملايين يعيشون أوضاعا مأساوية مع امتلاء دول الجوار بالكثير منهم وعدم تمكنها من استقبال المزيد, في نفس الوقت ترفض الدول الغنية استقبال أي أعداد إضافية من المهاجرين مهما كانت أوضاعهم وأحوالهم بسبب تزايد موجات العنصرية وتنامي قوة الأحزاب اليمينية التي ترفض المهاجرين بجميع أشكالهم وتدعو لطردهم..
إن حكومات الدول الغنية تثبت يوما بعد يوم أن تشدقها بمبادئ الحرية والإنسانية ما هو إلا شعارات جوفاء من أجل الضحك على عقول البسطاء والتغلغل إلى الشعوب الفقيرة ونهب ثرواتهم, واستخدام هذه الشعارات أصبح في أحيان كثيرة يتم من أجل تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية لهذه الحكومات تتيح لها فرصة البقاء أكبر عدد من السنوات في مقاعد الحكم..المصيبة الكبرى أن الشعوب الغنية أيضا اعترتها نفس الازدواجية المقيتة فهي تدافع عن حقوق الضعفاء والفقراء ما داموا بعيدا عنهم أما إذا اقتربوا من رفاهيتهم الزائدة فعندئذ لا تسمع سوى الصمت الرهيب..
كل يوم تقريبا تنتشل السفن الضخمة في الدول الكبرى مئات من المهاجرين قبل أن يبتلعهم البحر وفي أوقات كثيرة ينتشلون جثثهم بعد أن يكونوا قد قضوا غرقا بفعل الهمجية الغربية والحضارة الزائفة التي لا تعرف الرحمة..
تخرج علينا من حين لآخر مؤسسات غربية تدافع عن حق المهاجرين في العيش الكريم وتطالب الحكومات الغربية بوضع حل سريع لهذه القضية دون أن تتغير ملامح الأزمة قيد أنملة منذ أكثر من 4 سنوات كاملة..إن المدنيين السوريين على سبيل المثال يعيشون أوضاعا غير إنسانية داخل بلادهم جراء القتال المستمر منذ سنوات واستهداف نظام الأسد لهم عن طريق أسلحته الثقيلة وطائراته التي استوردها من الغرب وروسيا ومن يفلح منهم أن يفر من هذا الجحيم لا يجد مأوى يحميه من حر الصيف أو برد الشتاء القارص مع تخاذل المجتمع الدولي عن سداد ما تم الاتفاق عليه من أجل رعاية هؤلاء اللاجئين رغم تعدد المؤتمرات والاجتماعات ومن يفكر منهم أن يهرب إلى أوروبا يصطدم بعصابات الإتجار بالبشر والتي تحصل منهم على أموال طائلة ثم ترمي بهم في عرض البحر وقد يتعرض البعض منهم لسرقة أعضائهم كما يتم إجبار النساء أحيانا على العمل في الدعارة كل هذا يتم على مرأى ومسمع من الحكومات والمنظمات الدولية التي لا تحرك ساكنا..
وليس حال اللاجئين الليبيين أو اليمنيين أو العراقيين أفضل من ذلك بل إن اللاجئين والنازحين العراقيين يتعرضون للقتل والسحل وحرق المنازل على الهوية داخل بلادهم وبرعاية الحكومة التي ضمت لها بصورة رسمية مليشيات شيعية تنتقم من النازحين السنة بحجة أنهم من مؤيدي داعش وكل يوم نرى فيديوهات تصور أحوالا بشعة يتعرض لها هؤلاء على أيدي من يفترض أنهم يؤمنون لهم الحماية! بل إن السلطات العراقية حرمتهم من دخول العاصمة بغداد مما زاد من تدهور أوضاعهم المعيشية في ظل أجواء شديدة الحرارة لم تشهدها المنطقة منذ عشرات السنين..لقد كانت ظاهرة المهاجرين من قبل تقتصر على الشباب والعائلات الذين يعانون من الفقر والحاجة في بلادهم بعد أن نهبتها السلطات المستبدة والدول الكبرى المتعاونة معها أما الآن فإن الهجرة تأتي بسبب أسلحة القتل والدمار التي وضعها الغرب في أيدي الانظمة الفاشية وقبض ثمنها من دماء شعوبها المستضعفة رغم علمه أن هذه الاسلحة لن تستخدم إلا ضد هذه الشعوب تفسها ..
ثم بعد كل هذا يقف الغرب يشاهد البسطاء وهم يتساقطون قتلى مرة بأسلحته ومرة بعنجهيته ورفضه استقبالهم أو مد يد العون لهم.