ناهيكم عن الأسباب الأخرى التي استقر الاعتقاد بأهميتها في حرف المسلمين عن الاهتمام بالمسجد الأقصى، مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، من تخاذل الحكومات الإسلامية، وتمييع الشباب والنشئ عمداً بإعلام وتعليم فاسدين في معظم بلدان العالم الإسلامي.. إلخ؛ فإن السبب الصاعد الآن هو طريقة تعامل أنظمة العالم الإسلامي مع المساجد، وتنوع قتل روح المساجد لدى المسلمين بصفة عامة.
لا أود تكرار ما ذكرته في مقال قريب بعنوان التناغم الدولي لتدمير المساجد.. الأقصى عنوانه غير أن جرائم الصهاينة الأخيرة في الأقصى، وتصعيدها اللافت على أعتاب العشر الأول المباركات من ذي الحجة، ومسعاها الخبيث في تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً لابد أن تفتح الملف ذاته، وهو مسؤولية المسؤولين العرب ومسؤولي الدول الإسلامية المباشرة، وليس غير المباشرة فحسب، عن هذا المخطط الرامي إلى تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، تمهيداً لقصره على اليهود بعد زمن لن يطول إلا أن يشاء الله غير ذلك.
العدوان الذي شهد جرأة غير مسبوقة على المسجد الأقصى، تمثلت في إلقاء قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي داخله، وأسفر عن إصابة نحو مائة وخمسين من المرابطين والمرابطين ومسؤولي المسجد، لم يكن نتاج سياسة صهيونية داخل فلسطين فقط حيال المساجد، وتحديداً المسجد الأقصى، بل إنه علاوة على كل ما نفذ من مخطط تهيئة العالم الإسلامي لفكرة هدم الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، اتخذ منحى متصاعداً من التهوين من شأن مساجد المسلمين، وصولاً إلى هدمها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حد المساجد كمبانٍ وأدوار، بل تخطاها إلى التهوين من كل ما يتعلق بقيامها بهذا الدور المنوط بها إسلامياً، والذي يرتقي إلى كونه دوراً تربوياً، سياسياً، اجتماعياً، اقتصادياً، ثقافياً.. إلى آخر هذه المناحي، فالجرأة والحقارة اللتان سمحتا للصهاينة بأن يشعلوا النار في المسجد الأقصى هذه المرة من دون أن ينسبوا ذلك لـ"مجنون" مثلما لجأوا إلى التبرير أثناء وعقب حريق المسجد الأقصى في العام 1969، دونها عناصر مختلفة، إذا ما اقتربنا من صورة الاعتداء والتصدي لها، كصورة مصغرة للأمة كلها لبصرناها جيداً.
مثلاً، حين نقارن بين ما جرى في حريق الأقصى منذ 46 عاماً، نلحظ أن العدوان لم يكن يستهدف حينها سوى الأقصى ذاته، أما العلماء ومسؤولو الأوقاف فلم يكونوا في قلب الاستهداف، أما اليوم؛ فوفقاً لما قاله المدير العام لأوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب، فإن "ما جرى سيسجله التاريخ على أنه من الأيام السوداء التي أصاب فيها جنود الاحتلال الحراس وموظفي الأوقاف، واعتدوا على رجال الدين وعلى المصلين على حد سواء" .. وإذا تساءلنا: لماذا هان على الصهاينة، كـ"شرطة رسمية"، فضلاً عن قطعان المغتصبين، شأن شيوخ المسجد، حد الاعتداء على مفتي القدس ومدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، وغيرهما؟ تجد الإجابة صادمة وبسيطة في آن معاً.. إن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أعلى قامة تمثل المسلمين في عالم اليوم، محكوم بالإعدام، ويحاكم عسكرياً بتهم أخرى، ويلاحقه الإنتربول، وهو في عامه التسعين.. ومثله كثيرون لا يلقون احتراماً ولا تبجيلاً من نظم اختصرت الطريق كثيراً على الصهاينة (فيما لا يمكن أن يجرؤ محامٍ على رفع قضية على بابا الفاتيكان في أي جزيرة يطويها المحيط باتساعه الهائل!).
ومثلاً، حين يمر خبر اعتداء قوات العدوان الصهيوني على عدد من النواب الفلسطينيين في الكنيست "الإسرائيلي" ذهبوا للأقصى فأوسعهم جنود الاحتلال ضرباً وسحلاً، مع أنهم يتمتعون بحصانة ظاهرية لا تحميهم من العدوان ما داموا ينتسبون للإسلام والعرب وفلسطين (برغم الاختلاف مع فكرة القبول بالتمثيل داخل برلمان الأعداء) – حين يمر الخبر بلا اكتراث، لا في الداخل الفلسطيني (والكيان الصهيوني ومغتصبيه)، ولا في "العالم الحر!"؛ فإننا لابد أن نأخذ في الاعتبار هوان فكرة التمثيل البرلماني في الدول الإسلامية، للحد الذي أمكن معه إدخال برلمانين شبه كاملين خلف أسوار السجون وسط صمت العالمين!.. والمعنى هنا ليس سياسياً محضاً؛ فالفكرة "الرائدة" التي أهداها العرب الصهاينة لنظرائهم "الإسرائيليين" هي أن هذه الشعوب لابد أن تعيش كقطعان لا جامع لها إلا ذئب يسوقها لحتوفها، لا أن تسوقه هي، وثَم؛ فإن القضايا العامة والجوهرية والمفصلية للأمة تمر دون أن تتمكن جموع – إن غضبت – على تغيير معادلاتها.
ومثلاً، حين قرر وزير الجيش الصهيوني موشيه يعلون بحظر مصاطب العلم، وأعلن عن المرابطين كتنظيمات غير قانونية؛ فهو لم يفعل إلا تتويجاً لعمل حكومات وأنظمة عربية عديدة رأت الخطر كل الخطر في "مصاطب العلم" لديها، وعمدت إلى كل "كتاب" أو "دار تحفيظ" أو جمعية تربوية أو اجتماعية؛ فاعتبرتها ليس فقط تنظيمات غير قانونية، بل إرهابية أيضاً!
إن التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى لم يكن ليحصل لو لم تكن وزارات الأوقاف تفعل الشيء ذاته في مساجد المسلمين في معظم بلادنا العربية؛ فكم نجد المساجد مغلقة في وجوه المصلين بحجة انتهاء الصلاة، وكم تمنع دروسها، وكم تؤمم خطبها وتصادر آراء علمائها ودعاتها باسم تجفيف منابع التطرف، وكأن حرية الرأي والتعبير لابد أن تنفلت من أي عقال إلا داخل حدود مساجد البلاد العربية.. لا كنائسها وإعلامها.. التقسيم المكاني، جعل مساجد العرب على هذا النحو، إن أفلتت من عدوان رهيب حكم على آلاف المساجد في سوريا والعراق.. وغيرهما بالفناء، ومهد الطريق لهدم أقصانا، وشرعنه.
بني هيكل الشر في مساجد كثيرة في عالمنا العربي، وجاءت "إسرائيل" لتضع لبنتها الأخيرة الأخبث في مسجدنا الأقصى، أقصاه الله عن كل شر وعدوان.
لا أود تكرار ما ذكرته في مقال قريب بعنوان التناغم الدولي لتدمير المساجد.. الأقصى عنوانه غير أن جرائم الصهاينة الأخيرة في الأقصى، وتصعيدها اللافت على أعتاب العشر الأول المباركات من ذي الحجة، ومسعاها الخبيث في تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً لابد أن تفتح الملف ذاته، وهو مسؤولية المسؤولين العرب ومسؤولي الدول الإسلامية المباشرة، وليس غير المباشرة فحسب، عن هذا المخطط الرامي إلى تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، تمهيداً لقصره على اليهود بعد زمن لن يطول إلا أن يشاء الله غير ذلك.
العدوان الذي شهد جرأة غير مسبوقة على المسجد الأقصى، تمثلت في إلقاء قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي داخله، وأسفر عن إصابة نحو مائة وخمسين من المرابطين والمرابطين ومسؤولي المسجد، لم يكن نتاج سياسة صهيونية داخل فلسطين فقط حيال المساجد، وتحديداً المسجد الأقصى، بل إنه علاوة على كل ما نفذ من مخطط تهيئة العالم الإسلامي لفكرة هدم الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه، اتخذ منحى متصاعداً من التهوين من شأن مساجد المسلمين، وصولاً إلى هدمها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حد المساجد كمبانٍ وأدوار، بل تخطاها إلى التهوين من كل ما يتعلق بقيامها بهذا الدور المنوط بها إسلامياً، والذي يرتقي إلى كونه دوراً تربوياً، سياسياً، اجتماعياً، اقتصادياً، ثقافياً.. إلى آخر هذه المناحي، فالجرأة والحقارة اللتان سمحتا للصهاينة بأن يشعلوا النار في المسجد الأقصى هذه المرة من دون أن ينسبوا ذلك لـ"مجنون" مثلما لجأوا إلى التبرير أثناء وعقب حريق المسجد الأقصى في العام 1969، دونها عناصر مختلفة، إذا ما اقتربنا من صورة الاعتداء والتصدي لها، كصورة مصغرة للأمة كلها لبصرناها جيداً.
مثلاً، حين نقارن بين ما جرى في حريق الأقصى منذ 46 عاماً، نلحظ أن العدوان لم يكن يستهدف حينها سوى الأقصى ذاته، أما العلماء ومسؤولو الأوقاف فلم يكونوا في قلب الاستهداف، أما اليوم؛ فوفقاً لما قاله المدير العام لأوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب، فإن "ما جرى سيسجله التاريخ على أنه من الأيام السوداء التي أصاب فيها جنود الاحتلال الحراس وموظفي الأوقاف، واعتدوا على رجال الدين وعلى المصلين على حد سواء" .. وإذا تساءلنا: لماذا هان على الصهاينة، كـ"شرطة رسمية"، فضلاً عن قطعان المغتصبين، شأن شيوخ المسجد، حد الاعتداء على مفتي القدس ومدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، وغيرهما؟ تجد الإجابة صادمة وبسيطة في آن معاً.. إن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أعلى قامة تمثل المسلمين في عالم اليوم، محكوم بالإعدام، ويحاكم عسكرياً بتهم أخرى، ويلاحقه الإنتربول، وهو في عامه التسعين.. ومثله كثيرون لا يلقون احتراماً ولا تبجيلاً من نظم اختصرت الطريق كثيراً على الصهاينة (فيما لا يمكن أن يجرؤ محامٍ على رفع قضية على بابا الفاتيكان في أي جزيرة يطويها المحيط باتساعه الهائل!).
ومثلاً، حين يمر خبر اعتداء قوات العدوان الصهيوني على عدد من النواب الفلسطينيين في الكنيست "الإسرائيلي" ذهبوا للأقصى فأوسعهم جنود الاحتلال ضرباً وسحلاً، مع أنهم يتمتعون بحصانة ظاهرية لا تحميهم من العدوان ما داموا ينتسبون للإسلام والعرب وفلسطين (برغم الاختلاف مع فكرة القبول بالتمثيل داخل برلمان الأعداء) – حين يمر الخبر بلا اكتراث، لا في الداخل الفلسطيني (والكيان الصهيوني ومغتصبيه)، ولا في "العالم الحر!"؛ فإننا لابد أن نأخذ في الاعتبار هوان فكرة التمثيل البرلماني في الدول الإسلامية، للحد الذي أمكن معه إدخال برلمانين شبه كاملين خلف أسوار السجون وسط صمت العالمين!.. والمعنى هنا ليس سياسياً محضاً؛ فالفكرة "الرائدة" التي أهداها العرب الصهاينة لنظرائهم "الإسرائيليين" هي أن هذه الشعوب لابد أن تعيش كقطعان لا جامع لها إلا ذئب يسوقها لحتوفها، لا أن تسوقه هي، وثَم؛ فإن القضايا العامة والجوهرية والمفصلية للأمة تمر دون أن تتمكن جموع – إن غضبت – على تغيير معادلاتها.
ومثلاً، حين قرر وزير الجيش الصهيوني موشيه يعلون بحظر مصاطب العلم، وأعلن عن المرابطين كتنظيمات غير قانونية؛ فهو لم يفعل إلا تتويجاً لعمل حكومات وأنظمة عربية عديدة رأت الخطر كل الخطر في "مصاطب العلم" لديها، وعمدت إلى كل "كتاب" أو "دار تحفيظ" أو جمعية تربوية أو اجتماعية؛ فاعتبرتها ليس فقط تنظيمات غير قانونية، بل إرهابية أيضاً!
إن التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى لم يكن ليحصل لو لم تكن وزارات الأوقاف تفعل الشيء ذاته في مساجد المسلمين في معظم بلادنا العربية؛ فكم نجد المساجد مغلقة في وجوه المصلين بحجة انتهاء الصلاة، وكم تمنع دروسها، وكم تؤمم خطبها وتصادر آراء علمائها ودعاتها باسم تجفيف منابع التطرف، وكأن حرية الرأي والتعبير لابد أن تنفلت من أي عقال إلا داخل حدود مساجد البلاد العربية.. لا كنائسها وإعلامها.. التقسيم المكاني، جعل مساجد العرب على هذا النحو، إن أفلتت من عدوان رهيب حكم على آلاف المساجد في سوريا والعراق.. وغيرهما بالفناء، ومهد الطريق لهدم أقصانا، وشرعنه.
بني هيكل الشر في مساجد كثيرة في عالمنا العربي، وجاءت "إسرائيل" لتضع لبنتها الأخيرة الأخبث في مسجدنا الأقصى، أقصاه الله عن كل شر وعدوان.