لا يختلف التفجيران اللذان وقعا صباح اليوم السبت قرب محطة القطارات بالعاصمة التركية أنقرة وأودى بحياة أكثر من 30 شخصا وجرح أكثر من 126 آخرين حسب بيان الداخلية التركية المرشح للزيادة ....عن التفجيرين اللذين وقعا في مدينة ديار بكر التركية وسط تجمع انتخابي لمؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض , وذلك قبيل يومين فقط من الانتخابات التشريعية التركية في يونيو حزيران من هذا العام , والذي أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وجرح المئات .
تبدو نقاط التشابه كثيرة بين التفجيرين – وإن كانت ضحايا تفجيري أنقرة أكثر بكثير من ضحايا تفجيري ديار بكر - :
• فمن جهة التوقيت : يبدو أن الجهة المنفذة لهذين التفجيرين قد اختارت موسم الانتخابات التشريعية موعدا لتنفيذ عملياتها الإرهابية , فبينما كان الفاصل بين تفجيري ديار بكر والانتخابات البرلمانية التركية يومين فقط , اتسع الفاصل في تفجيري أنقرة ليكون 20 يوما من الانتخابات التركية المبكرة .
• ومن جهة الجهة المستهدفة : فإن التفجيرين وقعا في تجمع لمعارضي الحكومة التركية الحالية وحزب العدالة والتنمية - وخصوصا الأكراد منهم - حيث استهدف الأول تجمعا لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض , واستهدف الثاني مظاهرة لنفس الحزب مع مجموعات معارضة أخرى ونقابيين وغيرهم .
• ومن جهة التداعيات والمستفيد من مثل هذه التفجيرات فإن التشابه يبدو أيضا واضحا بين تفجيري أنقرة وديار بكر , فالمستفيد الأول منها هم معارضوا حزب العدالة والتنمية وأردغان عموما , وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي على وجه الخصوص .
ولا يحتاج إثبات ذلك إلى كثير أدلة , فيكفي أن نذكر أن من أهم تداعيات وآثار تفجيري ديار بكر قبيل الانتخابات البرلمانية التركية التشريعية بيومين : هو إظهار الحزب وكأنه ضحية الإرهاب في البلاد , الأمر الذي يثير عواطف الأكرد لمزيد من التأييد ودعم الحزب بأصواتهم في الانتخابات , وهو ما حصل تحديدا في انتخابات يونيو حزيران الماضي , حيث حصل الحزب على نسبة أصوات لم يكن الحزب نفسه يتوقعها حينها 13% , ما خوله دخول البرلمان التركي لأول مرة في تاريخه .
ويبدو أن أهداف تفجيري أنقرة اليوم لا تخرج عن هذا الهدف وتلك الغاية السياسية , بل ربما تكون حاجة الأكرد اليوم لتعاطف الشارع الكردي معه أشد وأقوى , فالممارسات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني منذ أشهر , والذي أودى بحياة العشرات من رجال الشرطة والأمن التركي - وكان آخرهم شرطي استشهد امس برصاص منظمة "بي كا كا" الإرهابية في ديار بكر – أدى إلى تراجع شعبية الحزب في الداخل التركي , وأجج مشاعر الاستياء من ممارساته التي أخلت بأمن البلاد , في وقت أشد ما تكون فيه تركيا حاجة للأمن والاستقرار .
لقد استشعر مناهضو حزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج الخطر من نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة المزمع إجراؤها في الأول من نوفمبر المقبل – على ما يبدو – وتخوفوا من إمكانية حصول الحزب على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا من جديد – أو ربما تغيير الدستور كما يطمح أردغان وحزبه – خصوصا مع مراجعات الحزب لأخطائه في المرحلة السابقة , ووضع خطة لحملة انتخابية مصيرية منظمة ...... فأرادوا خلط الأوراق من جديد , و إظهار حكومة أردغان بمظهر العاجز عن حماية أمن البلاد , الأمر الذي سيؤثر – بلا ريب – على نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة .
وعلى الرغم من أن بعض المحللين السياسيين الأتراك يؤكد حاجة الغرب اليوم لحكومة أردغان للمساعدة في حل أزمة اللاجئين المتدفقين من تركيا إلى القارة العجوز , ناهيك عن حاجة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لأنقرة في إحداث توازن في المنطقة بعد التدخل الروسي العسكري بسورية.......إلا أن ذلك لا يعني أن الغرب يبارك فوز أردغان بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا , أو تجعله يقود تركيا من جديد .
أيا كانت الجهة المنفذة لتفجيري أنقرة اليوم , فإنه بكل تأكيد يصب في مصلحة معارضي حزب العدالة والتنمية , و يضع حزب وحكومة أردغان في تحد جديد في مرحلة حرجة وحساسة ليس بالنسبة لتركيا فحسب , بل بالنسبة للمنطقة بأسرها.