زبيغنيو بريجنسكي، هو واحد من قدامى عرابي السياسة الخارجية الأكثر احتراما وتأثيرا في واشنطن.كان مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر ما بين اعوام 1977 و1981، وعمل بعدها كمفكر جيو-استراتيجي، ومؤلف للعديد من الكتب، وباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لا يزال ابن الرابعة والثمانين أحد أصوات السياسة الخارجية الامريكية.
لبريجنسكي نظرية شهيرة في العلاقات الدولية اسمها " نظرية التحالفات والتقاطعات " ومفاداها أن المحصلة تصب دوما في طاحونة الأقوى ، وأن التحالفات دوما تكون في صالح الأقوياء ولا يستفيد منها الأقل قوة في شيء .
هذه النظرية اليوم تعمل بكل قوة داخل بنية التحالف الروسي الإيراني السوري مذكرة إيانا بقصة الأسد والذئب والثعلب في كليلة ودمنة.
تتفق روسيا وإيران على الموقف من الصراع في سوريا وعليها، فهما مع بقاء النظام،وبقاء رأس النظام كمؤشر على الطرف المنتصر في الصراع على سوريا ، فبقاؤه يعني انتصار روسيا وإيران ورحيله يعني انتصار الولايات المتحدة والسعودية ، ولكن مع هذا الاتفاق العلني أو الهدف الكلي يبقى هناك الكثير من المسافات البينية بين الطرفين ، تفسر لنا الكثير من بواعث التحركات السياسية والعسكرية في الأسبوعين الماضيين والتي تؤشر لقرب الصدام بين الطرفين.
فللمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية المباركة في سنة 2011 يخرج بشار الأسد علنا من سوريا في زيارة غامضة وحده إلى موسكو دون أن يصحبه أي مسئول أو مساعد ، ويعود إلى سوريا في أقل من 24 ساعة ، حيث لم ألتقى كفيله الجديد " بوتين " في استدعاء صلف لسماع التعليمات الجديدة، وقد بدا الأسد في وسائل الإعلام الروسية التي بثت مقاطع من لقائه ببوتين أشبه بموظّف يستدعى من قبل رئيسه لتبليغه قراراً، فكان وحيداً من دون أركان نظامه، ولم يراع الروس حتى بروتوكول رفع علم سوريّ صغير قرب الرئيس، وهي إشارات ذات دلالة حول طبيعة «الاستدعاء».
هذه الزيارة الخاطفة فتحت مجالا واسعا للتحليل ، حيث كثرت التحليلات والتكهنات حول دوافع استدعاء بوتين الأسد إلى موسكو. فالائتلاف السوري المعارض يربط زيارة الأسد إلى موسكو بصفقة هدفها الالتفاف على جنيف 1،وأن هناك صفقة في الكواليس، بدأت تظهر ملامحها، بعدما نضجت في لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما إن كل التصريحات التي تصدر مؤخرا تتحدث عن وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، ولو بطريقة رمزية وضمانات لرحيله بعد المرحلة الانتقالية.
في حين ترى حركة " أحرار الشام " المعارضة أن الزيارة تأتي بعد الصدمة الروسية والفشل في إنجاح أي تقدم إستراتيجي بعد التدخل العسكري والضربات الجوية الروسية، خصوصاً وأن العسكريين الروس يحمّلون النظام مسؤولية عجز جنوده وجيشه عن التقدم أو الثبات بالرغم من التمهيد بالطيران والراجمات الروسية،ولهذا يريد النظام احتواء صدمة الروس وانزعاجهم .
في حين رأى مدير معهد “كارنيغي موسكو” دميتري ترينين أن بوتين يسعى باستدعائه الأسد إلى موسكو إلى تحويل مكاسب عسكرية أولية إلى رصيد سياسي، بإطلاقه العملية السياسية بشروطه .
ومن جهته قال الخبير في معهد الشرق الأوسط في موسكو، نيكولاي كوزانوف أن الأهم بالنسبة للروس وراء هذه الزيارة هو معرفة مدى استعداد الأسد للتعاون معهم بخصوص مستقبلا لنظام في سوريا،ذلك أن الروس لا يستطيعون المضي في التحضير لمفاوضات مع الغرب في شأن مستقبل سوريا بلا نقاط محدد .
روسيا بالفعل سرّبت «أفكاراً» حول الحل السياسي الذي تريده ويتمّ على ثلاث مراحل يتم خلالها عقد انتخابات برلمانية في مناطق النظام فقط، ثم إقامة انتخابات رئاسية تعيد تعويم الأسد، ومن ثم تشكيل حكومة موسعة تضم شخصيات سورية موالية لموسكو.
في لافتة تحاول بها موسكو من ناحيتها الضغط على الرأي العام الدولي لقبول الأسد في أي حل سياسي قادم، وإثبات موقفها المتمسك بالأسد أكثر من أي طرف آخر، وحتى أكثر من الإيرانيين، والذي يمتلكون في المنطقة حلفاء آخرين كحزب الله والميليشيات الخاصة بهم في سوريا كالشبيحة بشكل يغنيهم عن الأسد، في حين لا يملك الروس سوى جيش النظام السوري للإبقاء على وجودهم ونفوذهم .
غير أن التأني في محاولة فهم هذه الزيارة الغامضة يقودنا إلى وجود خلاف مكتوم كبير بين الروس والإيرانيين حول إدارة الأزمة السورية ، خلاف ربما يقود في النهاية للاطاحة بإيران خارج سوريا أو إنهيار هذا الحلف المصلحي برمته .
وأن زيارة الأسد الخاطفة إلى موسكو ربما كانت لبحث سبل خروج الأسد من الشرنقة الايرانية الكثيفة ، فما الذي يعزز هذا القول ويشير إليه؟الأسابيع الأخيرة كشفت عن تباعد الأسد عن إيران واقترابه من الروس بصورة تتزايد يوما بعد يوم،حتى أن الأسد قد أصبح فعليا في حوزة الروس وحمايتهم ، ولا أدل من ذلك على إقلاع طائرة الأسد من مطار حميميم في محافظة اللاذقية على ساحل البحر المتوسط، وهو المطار الذي تحوّل مؤخرًا لقاعدة عسكرية روسية تدير العمليات الجوية التي بدأها الروس منذ بضعة أسابيع، إلى جانب القاعدة الروسية القديمة في طرطوس، والواقعة أيضًا على البحر المتوسط ، بدلا من مطار دمشق أو المزة العسكري وكلاهما خاضع للنفوذ الإيراني.
بداية التباعد بين الأسد وإيران جاء منذ ارتفاع وتيرة الخلاف بين قادة جيش الأسد والقادة العسكريين الإيرانيين ،والغطرسة الإيرانية في التعامل مع قادة جيش بشار ،الخلاف الذي تصاعد لدرجة اغتيال قائد عسكري مهم بجيش الأسد لم يعجبه تعزيز إيران المبالغ فيه لميليشياتها.
قلق الأسد من إيران انتقل بدوره إلى الروس الذين اكتشفوا مع مرور الوقت أن الإيرانيين ليسوا حلفاء أحد، وليست مصالحهم معتمدة على الأسد كما قد يتصور البعض، فإن كانوا قد تمسكوا به في البداية فإن تلك كانت مرحلة مؤقتة حتى بنوا لأنفسهم رصيدًا على الأرض بميليشياتهم، والتي اضطلعت بالدور الرئيسي في مواجهة الثوار السوريين، وفي ظل هيمنتها بهذا الشكل في جنوب سوريا، مع اقترابها من الغرب ورغبتها في تسوية الملف السوري بشكل سريع نتيجة تكاليفه الباهظة التي يشق عليها الآن دفعها بينما تتهاوى أسعار البترول، بدا مؤخرًا وأنها قادرة على ذلك بالفعل بشكل ينهي مستقبل الأسد السياسي، ويعوق طموحات روسيا المعتمدة على النظام السوري.
والتصريحات التي أطلقها نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان تثبت معالم الموقف الإيراني الجديد، حيث قال في زيارة للعاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي: أن إيران تدعم الأسد نظرًا لأهمية دوره في مكافحة الإرهاب، ولكنها لن تدعمه للأبد، وأن مصيره في النهاية سيحدده الشعب السوري بنفسه، والذي تلتزم إيران باحترام قراره أيًا كان، وهي تصريحات تشي بتحول في التمسك الإيراني بالأسد.
الأهداف والوسائل الروسية أخذت تتقاطع مع الأهداف والوسائل الإيرانية يوما بعد يوم.فروسيا تهدف لحمايه نفوذها علي ساحل البحر المتوسط ممثلا في قاعدتها البحريه علي الساحل .
كما تهدف للتأثير على الساحة الدولية عبر التواجد بقوة في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم ، ومزاحمة الدور الأمريكي في المنطقة .في حين أن إيران ترغب في بسط النفوذالشيعي بالمنطقه، كما أن المسئولين الايرانيين يدعون علنا الي تغيير الانظمه السنيه في المنطقه .
ومن الطبيعي إذا اختلفت الأهداف أن تختلف الوسائل ، فروسيا مع المحافظة على النظام عبر تعزيز قدرات جيشه وتمكينه من استعادة الأراضي التي خسرها في الأشهر الأخيرة كمدخل لإعادة التوازن إلى معادلة الصراع تمهيدا للذهاب إلى حل سياسي أساسه بقاء الأسد ودائرته المقربة من الحكم ، في حين تتبنى إيران المحافظة على النظام بتحقيق نصر حاسم على الثورة السورية، عبر تعزيز دور القوى غير النظامية (الميلشيات)، في استنساخ لتجربة حزب الله والميلشيات العراقية، وتهميش المؤسسة العسكرية النظامية.
لذا كانت خطوة روسيا الأولى بعد النزول على الأرض العمل على حل الميلشيات، وأولها جيش الدفاع الوطني ذراع إيران في سوريا، والسيطرة على غرفة عمليات اللاذقية، التي تضمها والحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميلشيات العراقية والنظام السوري، بحيث غدت صاحبة اليد العليا فيها بحصر القرارات العسكرية والأمنية والكلمة الفصل فيها بيدها.
كما تختلفان على طبيعة الصورة النهائية ليس في سوريا وحسب بل وفي الإقليم برمته. فروسيا التي وضعت ثقلها في الصراع وزجت بقواتها في ساحة المعركة تطمح إلى تشكيل نظام إقليمي تحت إشرافها وبقيادتها، وهذا جعلها تعقد اتفاقات مع دول ومصالح متضاربة، فمن جهة تنسق مع إيران والعراق والنظام السوري في غرفة عمليات بغداد، ومن جهة ثانية تعقد اتفاقات مع إسرائيل تلتزم فيها بمطالب الأخيرة بأن لا تمد عملياتها العسكرية إلى الجنوب، وان تمنع عمليات تهريب الأسلحة إلى حزب الله ، كما لا تمانع من سماع وجهات نظر الأطراف الاقليمية المطالبة برحيل الأسد مثل السعودية وقطر وتركيا.
أيضا يوجد تباين في المصالح الاقتصادية بين روسيا وإيران يعزز سعي روسيا التخلص من النفوذ الايراني في سوريا ، حيث سيقود تطبيق الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب إلى عودة إيران إلى سوق النفط والغاز.
ويقدر الاحتياطي النفطي والغازي الإيراني بـ 157.3 بليون برميل من النفط و33.8 تريليون متر مكعب من الغاز، واستعداد إيران للانحياز للغرب على خلفية الاحتياجات المالية للاستثمار في تطوير البنية التحتية، وخاصة في حقلي النفط والغاز حيث تقدر الحاجة إلى مابين 200 و 500 بليون دولار لتعود إيران إلى مستوى الإنتاج قبل الحصار أي بحدود 4 مليون برميل في اليوم، ونقل التكنولوجيا المتطورة، وهذا سيأتي على حساب المصالح الاقتصادية الروسية إن بتراجع حصتها من سوق النفط والغاز أو بإتاحة بدائل للدول الأوروبية ما يضعف الموقف الروسي في المساومة مع الغرب ومواجهة الضغوط الغربية ردا على تدخلها في أوكرانيا وتحرشها بدول شرق أوروبا التي انضمت إلى حلف الناتو، والضغط على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كي يتوقفا عن التمدد نحو حدود روسيا الغربية.
بالإضافة إلى خلافات كبيرة حول المصالح والأدوار في آسيا الوسطى، والحدود المائية في بحر قزوين.أدركت إيران المخاطر التي ينطوي عليه التوجه الروسي على مصالحها ودورها فقررت النزول بثقلها على الأرض كي توازن الثقل الروسي الجوي والبحري بوجود بري كبير، وجود يتكامل في ظاهره مع الدور العسكري الروسي وفي باطنه يعزز حضورها، يحمي مصالحها ويحجز لها موقعا هاما في الترتيبات القادمة في سوريا والمنطقة ، ولعل زيارة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بزيارة اللاذقية تبرز مدى اهتمام إيران وسعيها إلى خلق توازن مع النفوذ الروسي في سوريا، ما عكس خشية إيرانية من دفعها جانبا وتحجيم دورها وتحويله إلى دور هامشي بعد تصدرها المشهد منذ أربع سنوات واستثمارها الكبير فيها عبر تقديم تضحيات وخسائر ضخمة بشرية ومادية.كل هذه التباينات في الأهداف والوسائل بين روسيا وإيران تفسر طلب رئيس النظام السوري شخصيا للتدخل الروسي للحد من التسلط الإيراني والعجرفة التي تمارسها إيران معه، فالتنسيق الظاهر بينهما يحمل في طياته حذرا إيرانيا وتوجسا من التوجهات الروسية ومن توسع الدور الروسي وتحوله إلى ضابط إيقاع المواجهة ومنسق عملها وصاحب قرارها، وجاني ثمارها.
لذلك فمن المتوقع أن نرى الصدام الروسي الإيراني قريبا على أرض سوريا.
لبريجنسكي نظرية شهيرة في العلاقات الدولية اسمها " نظرية التحالفات والتقاطعات " ومفاداها أن المحصلة تصب دوما في طاحونة الأقوى ، وأن التحالفات دوما تكون في صالح الأقوياء ولا يستفيد منها الأقل قوة في شيء .
هذه النظرية اليوم تعمل بكل قوة داخل بنية التحالف الروسي الإيراني السوري مذكرة إيانا بقصة الأسد والذئب والثعلب في كليلة ودمنة.
تتفق روسيا وإيران على الموقف من الصراع في سوريا وعليها، فهما مع بقاء النظام،وبقاء رأس النظام كمؤشر على الطرف المنتصر في الصراع على سوريا ، فبقاؤه يعني انتصار روسيا وإيران ورحيله يعني انتصار الولايات المتحدة والسعودية ، ولكن مع هذا الاتفاق العلني أو الهدف الكلي يبقى هناك الكثير من المسافات البينية بين الطرفين ، تفسر لنا الكثير من بواعث التحركات السياسية والعسكرية في الأسبوعين الماضيين والتي تؤشر لقرب الصدام بين الطرفين.
فللمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية المباركة في سنة 2011 يخرج بشار الأسد علنا من سوريا في زيارة غامضة وحده إلى موسكو دون أن يصحبه أي مسئول أو مساعد ، ويعود إلى سوريا في أقل من 24 ساعة ، حيث لم ألتقى كفيله الجديد " بوتين " في استدعاء صلف لسماع التعليمات الجديدة، وقد بدا الأسد في وسائل الإعلام الروسية التي بثت مقاطع من لقائه ببوتين أشبه بموظّف يستدعى من قبل رئيسه لتبليغه قراراً، فكان وحيداً من دون أركان نظامه، ولم يراع الروس حتى بروتوكول رفع علم سوريّ صغير قرب الرئيس، وهي إشارات ذات دلالة حول طبيعة «الاستدعاء».
هذه الزيارة الخاطفة فتحت مجالا واسعا للتحليل ، حيث كثرت التحليلات والتكهنات حول دوافع استدعاء بوتين الأسد إلى موسكو. فالائتلاف السوري المعارض يربط زيارة الأسد إلى موسكو بصفقة هدفها الالتفاف على جنيف 1،وأن هناك صفقة في الكواليس، بدأت تظهر ملامحها، بعدما نضجت في لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما إن كل التصريحات التي تصدر مؤخرا تتحدث عن وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، ولو بطريقة رمزية وضمانات لرحيله بعد المرحلة الانتقالية.
في حين ترى حركة " أحرار الشام " المعارضة أن الزيارة تأتي بعد الصدمة الروسية والفشل في إنجاح أي تقدم إستراتيجي بعد التدخل العسكري والضربات الجوية الروسية، خصوصاً وأن العسكريين الروس يحمّلون النظام مسؤولية عجز جنوده وجيشه عن التقدم أو الثبات بالرغم من التمهيد بالطيران والراجمات الروسية،ولهذا يريد النظام احتواء صدمة الروس وانزعاجهم .
في حين رأى مدير معهد “كارنيغي موسكو” دميتري ترينين أن بوتين يسعى باستدعائه الأسد إلى موسكو إلى تحويل مكاسب عسكرية أولية إلى رصيد سياسي، بإطلاقه العملية السياسية بشروطه .
ومن جهته قال الخبير في معهد الشرق الأوسط في موسكو، نيكولاي كوزانوف أن الأهم بالنسبة للروس وراء هذه الزيارة هو معرفة مدى استعداد الأسد للتعاون معهم بخصوص مستقبلا لنظام في سوريا،ذلك أن الروس لا يستطيعون المضي في التحضير لمفاوضات مع الغرب في شأن مستقبل سوريا بلا نقاط محدد .
روسيا بالفعل سرّبت «أفكاراً» حول الحل السياسي الذي تريده ويتمّ على ثلاث مراحل يتم خلالها عقد انتخابات برلمانية في مناطق النظام فقط، ثم إقامة انتخابات رئاسية تعيد تعويم الأسد، ومن ثم تشكيل حكومة موسعة تضم شخصيات سورية موالية لموسكو.
في لافتة تحاول بها موسكو من ناحيتها الضغط على الرأي العام الدولي لقبول الأسد في أي حل سياسي قادم، وإثبات موقفها المتمسك بالأسد أكثر من أي طرف آخر، وحتى أكثر من الإيرانيين، والذي يمتلكون في المنطقة حلفاء آخرين كحزب الله والميليشيات الخاصة بهم في سوريا كالشبيحة بشكل يغنيهم عن الأسد، في حين لا يملك الروس سوى جيش النظام السوري للإبقاء على وجودهم ونفوذهم .
غير أن التأني في محاولة فهم هذه الزيارة الغامضة يقودنا إلى وجود خلاف مكتوم كبير بين الروس والإيرانيين حول إدارة الأزمة السورية ، خلاف ربما يقود في النهاية للاطاحة بإيران خارج سوريا أو إنهيار هذا الحلف المصلحي برمته .
وأن زيارة الأسد الخاطفة إلى موسكو ربما كانت لبحث سبل خروج الأسد من الشرنقة الايرانية الكثيفة ، فما الذي يعزز هذا القول ويشير إليه؟الأسابيع الأخيرة كشفت عن تباعد الأسد عن إيران واقترابه من الروس بصورة تتزايد يوما بعد يوم،حتى أن الأسد قد أصبح فعليا في حوزة الروس وحمايتهم ، ولا أدل من ذلك على إقلاع طائرة الأسد من مطار حميميم في محافظة اللاذقية على ساحل البحر المتوسط، وهو المطار الذي تحوّل مؤخرًا لقاعدة عسكرية روسية تدير العمليات الجوية التي بدأها الروس منذ بضعة أسابيع، إلى جانب القاعدة الروسية القديمة في طرطوس، والواقعة أيضًا على البحر المتوسط ، بدلا من مطار دمشق أو المزة العسكري وكلاهما خاضع للنفوذ الإيراني.
بداية التباعد بين الأسد وإيران جاء منذ ارتفاع وتيرة الخلاف بين قادة جيش الأسد والقادة العسكريين الإيرانيين ،والغطرسة الإيرانية في التعامل مع قادة جيش بشار ،الخلاف الذي تصاعد لدرجة اغتيال قائد عسكري مهم بجيش الأسد لم يعجبه تعزيز إيران المبالغ فيه لميليشياتها.
قلق الأسد من إيران انتقل بدوره إلى الروس الذين اكتشفوا مع مرور الوقت أن الإيرانيين ليسوا حلفاء أحد، وليست مصالحهم معتمدة على الأسد كما قد يتصور البعض، فإن كانوا قد تمسكوا به في البداية فإن تلك كانت مرحلة مؤقتة حتى بنوا لأنفسهم رصيدًا على الأرض بميليشياتهم، والتي اضطلعت بالدور الرئيسي في مواجهة الثوار السوريين، وفي ظل هيمنتها بهذا الشكل في جنوب سوريا، مع اقترابها من الغرب ورغبتها في تسوية الملف السوري بشكل سريع نتيجة تكاليفه الباهظة التي يشق عليها الآن دفعها بينما تتهاوى أسعار البترول، بدا مؤخرًا وأنها قادرة على ذلك بالفعل بشكل ينهي مستقبل الأسد السياسي، ويعوق طموحات روسيا المعتمدة على النظام السوري.
والتصريحات التي أطلقها نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان تثبت معالم الموقف الإيراني الجديد، حيث قال في زيارة للعاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي: أن إيران تدعم الأسد نظرًا لأهمية دوره في مكافحة الإرهاب، ولكنها لن تدعمه للأبد، وأن مصيره في النهاية سيحدده الشعب السوري بنفسه، والذي تلتزم إيران باحترام قراره أيًا كان، وهي تصريحات تشي بتحول في التمسك الإيراني بالأسد.
الأهداف والوسائل الروسية أخذت تتقاطع مع الأهداف والوسائل الإيرانية يوما بعد يوم.فروسيا تهدف لحمايه نفوذها علي ساحل البحر المتوسط ممثلا في قاعدتها البحريه علي الساحل .
كما تهدف للتأثير على الساحة الدولية عبر التواجد بقوة في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم ، ومزاحمة الدور الأمريكي في المنطقة .في حين أن إيران ترغب في بسط النفوذالشيعي بالمنطقه، كما أن المسئولين الايرانيين يدعون علنا الي تغيير الانظمه السنيه في المنطقه .
ومن الطبيعي إذا اختلفت الأهداف أن تختلف الوسائل ، فروسيا مع المحافظة على النظام عبر تعزيز قدرات جيشه وتمكينه من استعادة الأراضي التي خسرها في الأشهر الأخيرة كمدخل لإعادة التوازن إلى معادلة الصراع تمهيدا للذهاب إلى حل سياسي أساسه بقاء الأسد ودائرته المقربة من الحكم ، في حين تتبنى إيران المحافظة على النظام بتحقيق نصر حاسم على الثورة السورية، عبر تعزيز دور القوى غير النظامية (الميلشيات)، في استنساخ لتجربة حزب الله والميلشيات العراقية، وتهميش المؤسسة العسكرية النظامية.
لذا كانت خطوة روسيا الأولى بعد النزول على الأرض العمل على حل الميلشيات، وأولها جيش الدفاع الوطني ذراع إيران في سوريا، والسيطرة على غرفة عمليات اللاذقية، التي تضمها والحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميلشيات العراقية والنظام السوري، بحيث غدت صاحبة اليد العليا فيها بحصر القرارات العسكرية والأمنية والكلمة الفصل فيها بيدها.
كما تختلفان على طبيعة الصورة النهائية ليس في سوريا وحسب بل وفي الإقليم برمته. فروسيا التي وضعت ثقلها في الصراع وزجت بقواتها في ساحة المعركة تطمح إلى تشكيل نظام إقليمي تحت إشرافها وبقيادتها، وهذا جعلها تعقد اتفاقات مع دول ومصالح متضاربة، فمن جهة تنسق مع إيران والعراق والنظام السوري في غرفة عمليات بغداد، ومن جهة ثانية تعقد اتفاقات مع إسرائيل تلتزم فيها بمطالب الأخيرة بأن لا تمد عملياتها العسكرية إلى الجنوب، وان تمنع عمليات تهريب الأسلحة إلى حزب الله ، كما لا تمانع من سماع وجهات نظر الأطراف الاقليمية المطالبة برحيل الأسد مثل السعودية وقطر وتركيا.
أيضا يوجد تباين في المصالح الاقتصادية بين روسيا وإيران يعزز سعي روسيا التخلص من النفوذ الايراني في سوريا ، حيث سيقود تطبيق الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب إلى عودة إيران إلى سوق النفط والغاز.
ويقدر الاحتياطي النفطي والغازي الإيراني بـ 157.3 بليون برميل من النفط و33.8 تريليون متر مكعب من الغاز، واستعداد إيران للانحياز للغرب على خلفية الاحتياجات المالية للاستثمار في تطوير البنية التحتية، وخاصة في حقلي النفط والغاز حيث تقدر الحاجة إلى مابين 200 و 500 بليون دولار لتعود إيران إلى مستوى الإنتاج قبل الحصار أي بحدود 4 مليون برميل في اليوم، ونقل التكنولوجيا المتطورة، وهذا سيأتي على حساب المصالح الاقتصادية الروسية إن بتراجع حصتها من سوق النفط والغاز أو بإتاحة بدائل للدول الأوروبية ما يضعف الموقف الروسي في المساومة مع الغرب ومواجهة الضغوط الغربية ردا على تدخلها في أوكرانيا وتحرشها بدول شرق أوروبا التي انضمت إلى حلف الناتو، والضغط على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كي يتوقفا عن التمدد نحو حدود روسيا الغربية.
بالإضافة إلى خلافات كبيرة حول المصالح والأدوار في آسيا الوسطى، والحدود المائية في بحر قزوين.أدركت إيران المخاطر التي ينطوي عليه التوجه الروسي على مصالحها ودورها فقررت النزول بثقلها على الأرض كي توازن الثقل الروسي الجوي والبحري بوجود بري كبير، وجود يتكامل في ظاهره مع الدور العسكري الروسي وفي باطنه يعزز حضورها، يحمي مصالحها ويحجز لها موقعا هاما في الترتيبات القادمة في سوريا والمنطقة ، ولعل زيارة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بزيارة اللاذقية تبرز مدى اهتمام إيران وسعيها إلى خلق توازن مع النفوذ الروسي في سوريا، ما عكس خشية إيرانية من دفعها جانبا وتحجيم دورها وتحويله إلى دور هامشي بعد تصدرها المشهد منذ أربع سنوات واستثمارها الكبير فيها عبر تقديم تضحيات وخسائر ضخمة بشرية ومادية.كل هذه التباينات في الأهداف والوسائل بين روسيا وإيران تفسر طلب رئيس النظام السوري شخصيا للتدخل الروسي للحد من التسلط الإيراني والعجرفة التي تمارسها إيران معه، فالتنسيق الظاهر بينهما يحمل في طياته حذرا إيرانيا وتوجسا من التوجهات الروسية ومن توسع الدور الروسي وتحوله إلى ضابط إيقاع المواجهة ومنسق عملها وصاحب قرارها، وجاني ثمارها.
لذلك فمن المتوقع أن نرى الصدام الروسي الإيراني قريبا على أرض سوريا.
تعليق