في نفس الوقت الذي كان فيه البرلمان العراقي الذي يهيمن عليه رجال رئيس الوزراء السابق "المالكي" يصوت بالرفض على مشروع إصلاحات رئيس الوزراء العراقي الحالي "العبادي"، كان الدكتور أحمد الجلبي عرّاب الاحتلال الأمريكي ، وحامل الأسرار كلها منذ 2003 حتى اليوم، يلفظ أنفاسه الأخيرة في بيته الفخم ، تاركا وراءه الكثير من الأسرار التي لا يعلمها إلا القليلون جدا من ساسة العراق والعالم.
مفارقة عجيبة لا تكاد ترى إلا في العراق المحتل الذي احتفظ بموقعه كأخطر بقاع العالم واكثرها فسادا للعالم الخامس على التوالي وفق آخر إحصائيات منظمة الشفافية الدولية.
وفاة الجلبي المريبة فتحت الباب على مصراعيه للتكهنات عن طبيعة هذه الوفاة المفاجئة ، فالتشخيص المبدئي للوفاة ؛ سكتة قلبية ، ولكن أسرة الجلبي رفضت هذا التفسير واستدعت طبيبين من انجلترا وأمريكا لتشريح جثة الجلبي، والوقوف على الأسباب الحقيقة لوفاته المفاجئة، لكون الجلبي كان يتبع نظاماً غذائياً صحياً، ويخضع لفحوصات دورية، ويمارس الرياضة ثلاث ساعات في اليوم، مما جعل الفرضية الأكثر رواجاً بين المهتمين بالشأن العراقي بأن الجلبي قد قُتل ، وهو ما دفع إلى اتخاذ إجراءات لتشريح جثته.
فلو صحت هذه النظرية وهي الأقرب للواقعية، فمن يكون قاتله ؟ ولماذا قتله ؟ ولماذا في هذا الوقت تحديدا؟! ولد أحمد الجلبي في بغداد عام 1945 لأسرة شيعية غنية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي.
ترك العراق مع أسرته عام 1958 بعد سقوط الملكية ، متوجهًا إلى الأردن ثم بريطانيا والولايات المتحدة حيث أكمل دراسته الجامعية وحصل على الدكتوراة من جامعة هارفارد ، وعمل في الجامعة الأمريكية في بيروت ، ثم عمل رئيسا لبنك البتراء في الأردن،فقام باختلاس 300 مليون دولار من بنك البترا الأردني وهرب وأسرته من الأردن واختفى لفترة من الوقت ، ثم بدأ يتجه إلى السياسة واتخذ من معارضة نظام صدام حسين ستارا يغطي به جريمة الاختلاس ، في عام 1990 التقى عدة مرات بالجنرال الإسرائيلي داني روتشيلد، الذي ترأس فرع الأبحاث في مخابرات قوات الدفاع الإسرائيلية في لندن وتل أبيب، تم تقديم أحمد الجلبي بعدها إلى الأمريكيين بواسطة المخابرات الإسرائيلية، وإيصاله بكبار المستشارين في البيت الأبيض والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية، ونتيجة لهذه التوصيات منحه جيمس وولسلي مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق رعايته .
أقام الجلبي علاقات صداقة مع صقور الجمهوريين ــ منهم ديك تشيني، دوغلاس فايث، ويليام لوتي، ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز ــ الذين كانوا من الأساسيين في مسيرة الولايات المتحدة نحو الحرب، خصوصاً تشيني الذي كان نائباً للرئيس ، وتتشعّب صلات الجلبي من ضمن الكونجرس، من خلال خيوط عدة، منها أنه أقنع المؤسسة التشريعية الأميركية عام 1998 بتمرير قانون تحرير العراق، الذي وقّعه الرئيس بيل كلينتون، حينها، والذي أُعلن أنه السياسة الأميركية المتبعة لاستبدال حكومة صدام حسين بأخرى ديموقراطية .
على مستوى العلاقة مع الاستخبارات، كان المؤتمر الوطني العراقي الذي أسّسه الجلبي عام 1992يحصل على أكثر من 100 مليون دولار من السي آي إيه، وغيرها من الوكالات، منذ إنشائه حتى بداية الحرب .
وبسبب انتهازيته وبرجمايته الشديدة وتاريخه المهني المشين وعلاقات الوثيقة مع الكيان الصهيوني والأمريكان أصبح أحمد الجلبي، ضابط الاتصال بين فصائل المعارضة العراقية الشيعية في الخارج ووزارة الدفاع الأمريكية ، وأهم شخصية عراقية عند الأمريكان.وفي بداية أبريل 2003 نزل الدكتور أحمد الجلبي من الطائرة المروحية الأمريكية، في قاعدة عراقية قريبة من مدينة الناصرية جنوبي العراق،برفقة مقاتليه في حركة مسرحية موجهة للإعلام الغربي بشكل خاص موحيًا أن رجلهم بدأ لصناعة العراق الجديد .
لعب الجلبي دورا خطيرا في العراق منذ 2003 حتى رحيله أو قل مقتله ، فخصال الجلبي كانت تؤهله لئن يفعل أي شيء وكل شئ ، فلقد جمع النقائص والمتضادات كلها ، فقد كان ليبراليا طائفيا ، أمريكيا إيرانيا ، قوميا شوفينيا ، جاسوسا مزدوجا ، تارة لأمريكا وتارة لإيران ، نفعيا لأقصى درجة لا يؤمن إلا بمصالحه فقط ، خرب الذمة وصاحب تاريخ مهني مشين ، وحري برجل يحمل هذه الخصال أن يصل في العراق الجديد لأعلى وأهم المناصب ! نجح أحمد الجلبي بشدة في إشعال الفتنة الطائفية؛ حيث يُتهم الجلبي باغتيال الكثير من المعارضين السياسيين بين عامي 2003 و2004،حيث عمل في منصب رئيس هيئة اجتثاث البعث المتهمة باستئصال السنة عمومًا،والتي كانت منبر التصفية السياسية الطائفية في العراق،وكان من الداعين لتقسيم العراق مذهبيًا وإثنيا ، بعد أن أنشأ المجلس السياسي الشيعي ليكرس تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.فارتكب بذلك أكبر كارثتين لوثتا الحياة السياسية العراقية هما تأطير المذهبية السياسية في العراق عبر اختراع فكرة «البيت الشيعي»، وأيضًا فكرة حل الجيش واجتثاث البعث، وهو ما كرس النهج الثأري الطائفي السياسي في العراق، وهذا هو مصدر الوباء السياسي في العراق حتى اليوم.
وبعد عام على الاجتياح، تحديداً في مايو 2004، توقف الأميركيون عن منح المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه الجلبي المنحة الشهرية والتي تقدر ب 335 ألف دولار شهرياً.
وبعد أيام على إثرها، دهمت القوات الأميركية الخاصة منزل الجلبي في بغداد، بحثاً عن دلائل على أنه كان يتشارك معلومات استخبارية مع إيران. هناك استولوا على وثائق وأجهزة حاسوب، واكتشف الأمريكان أن الجلبي كان جاسوسا مزدوجا يعمل لصالح إيران منذ سنة 2001 .
عمل الجلبي بعدها على ترسيخ دور سياسي له في العراق بعيدا عن حلفائه الأمريكان بعد خيانته لهم ، وكان له دور بارز في تأسيس قائمة الإئتلاف العراقي الموحد (الشيعية) التي عن طريقها حصل على مقعد في الجمعية الوطنية الانتقالية التي جرى انتخابها في 30 يناير 2005 .
أصبح أحد نائبي رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري في الحكومة الانتقالية للفترة من مايو 2005 وحتى مايو 2006.
بعد أن أقرت الجمعية الوطنية الدستور الدائم أجريت انتخابات لمجلس النواب العراقي في 15 ديسمبر 2005.
توارى عن الحياة السياسية بعد وصول المالكي لرئاسة الوزراء الذي اكتفى وقد بتعيينه رئيسا للجنة توفير الخدمات. ثم عاد الجلبي للظهور وقد رشح نفسه ضمن ائتلاف المواطن لعضوية البرلمان العراقي وفاز بعضويته في الانتخابات التي أجريت في 30 إبريل 2014 .
ليترأس الجبهة المعارضة لنوري المالكي في البرلمان العراقي ، ويتحالف مع حيدر العبادي ويشكلا جبهة ضد كتلة المالكي في البرلمان.
وفاة الجلبي المريبة لا يمكن عزلها عن سياقها السياسي الملتهب في العراق اليوم ، حيث يشهد البيت الشيعي نفسه انقسامًا هائلًا متجاوزًا للمالكي ويهدد تماسك هذا التجمع السياسي الشيعي، إذ يضم تجمعات شيعية أبرزها حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نائب رئيس الجمهورية المُقال، ورئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، حزب الفضيلة بقيادة عمار الطعمة، منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وحركة مستقلون بزعامة حسين الشهرستاني.
هذا الانقسام سببه الرئيسي الصراع العلني بين حيدر العبادي ونوري المالكي ، فالمالكي يحاول تصدر المشهد الشيعي في العراق عبر تفجير أبشع حرب طائفية شهدتها العراق منذ الاحتلال الأمريكي ، وذلك للعودة للسلطة مرة أخرى ،وفي المقابل العبادي الذي تم اختياره لهذا المنصب الخطير لإصلاح ما أفسدته طائفية المالكي البشعة ، يحاول وقف طموحات ومؤامرات المالكي عبر مشروع الإصلاحات الإدارية التي تضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة،كما ألغى المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وكذا قضت القرارات بتقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، ومن بينها الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب، مع إعادة فتح جميع ملفات الفساد السابقة والحالية ووضعها تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد،وذلك عن طريق اعتماد عدد من القضاة المختصين للتحقيق في هذه القضايا وتقديم المتهمين فيها للحساب . كل هذه القرارات الجريئة كانت حال إقرارها ستزج بالمالكي وكل رجاله في غياهب السجون ، وبالتالي كان من أهم أولويات المالكي منع العبادي من تمرير هذه الإصلاحات.
الجلبي لم يكن على وفاق مع المالكي الذي ظل يرفض توليه اي منصب وزاري في حكومته بينما دأب الجلبي على انتقاد فترة ولاية المالكي واتهامها بالفساد.وفي مقابلة له مؤخرا تحدث الجلبي عن اهدار المال العام في العراق حيث اشار إلى أنّه قد تم اهدار 512 مليار دولار من ميزانيات العراق منذ عام 2003 ومنها مثلا 153 دولار لاستيرادات وهمية و227 مليار دولار على سيارات مصفحة واخرى فاخرة لكبار المسؤولين والنواب مع مستلزماتها.
وحوالى مليار دولار لمقاولين شركاء مع مسؤولين على مشاريع وهمية.. وقال انه لم يتم انفاق على الاصلاحات في البلاد لمصلحة الشعب العراقي منذ عام 2003 سوى 3 بالمائة من دخل العراق المالي. وكان الجلبي يشعر بأن المالكي يخطط للتخلص منه ، فبعد عودة الجلبي لعضوية البرلمان العراقي سنة 2014 قام المالكي بسحب فوج الحمايه الخاص بالجلبي ، مما دعا الجلبي الى الاتصال بالحنرال قاسم سليماني حاكم العراق الفعلي يرجوه ان يعيد حمايته ، وفور سماع قاسم سليماني بهذا الخبر غضب بشدة ، وأجبر المالكي على إعادة الحراسة الخاصة بالجلبي.
رجل من عينة الجلبي بكل ما يحمله من أسرار عن غزو العراق ، وعلاقته بالأمريكان والإيرانيين ، وعلاقته بقتل الآلاف من العراقيين السنّة تحت مسمى اجتثاث البعث ، وعلاقته المتوترة مع المالكي وعلاوي ـــ رغم النسب العائلي بينهما ـــ ، لا يمكن أن يستمر على الساحة السياسية ويفصح عن أسراره ، إذا أراد المالكي أن يصل لمبتغاه ويعود للسلطة ، فالاطاحة بالعبادي أيسر بكثير ، من التعامل مع رجل داهية متلون كثير العلاقات مثل الجلبي ، ولعل مشهد المالكي وهو يضحك ملئ فيه أثناء سيره في جنازة المالكي تفسّر لنا مدى سعادة المالكي برحيل خصمه اللدود ، كما تحدد كثيرا من ملامح النهاية الدرامية لأحمد الجلبي.
مفارقة عجيبة لا تكاد ترى إلا في العراق المحتل الذي احتفظ بموقعه كأخطر بقاع العالم واكثرها فسادا للعالم الخامس على التوالي وفق آخر إحصائيات منظمة الشفافية الدولية.
وفاة الجلبي المريبة فتحت الباب على مصراعيه للتكهنات عن طبيعة هذه الوفاة المفاجئة ، فالتشخيص المبدئي للوفاة ؛ سكتة قلبية ، ولكن أسرة الجلبي رفضت هذا التفسير واستدعت طبيبين من انجلترا وأمريكا لتشريح جثة الجلبي، والوقوف على الأسباب الحقيقة لوفاته المفاجئة، لكون الجلبي كان يتبع نظاماً غذائياً صحياً، ويخضع لفحوصات دورية، ويمارس الرياضة ثلاث ساعات في اليوم، مما جعل الفرضية الأكثر رواجاً بين المهتمين بالشأن العراقي بأن الجلبي قد قُتل ، وهو ما دفع إلى اتخاذ إجراءات لتشريح جثته.
فلو صحت هذه النظرية وهي الأقرب للواقعية، فمن يكون قاتله ؟ ولماذا قتله ؟ ولماذا في هذا الوقت تحديدا؟! ولد أحمد الجلبي في بغداد عام 1945 لأسرة شيعية غنية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي.
ترك العراق مع أسرته عام 1958 بعد سقوط الملكية ، متوجهًا إلى الأردن ثم بريطانيا والولايات المتحدة حيث أكمل دراسته الجامعية وحصل على الدكتوراة من جامعة هارفارد ، وعمل في الجامعة الأمريكية في بيروت ، ثم عمل رئيسا لبنك البتراء في الأردن،فقام باختلاس 300 مليون دولار من بنك البترا الأردني وهرب وأسرته من الأردن واختفى لفترة من الوقت ، ثم بدأ يتجه إلى السياسة واتخذ من معارضة نظام صدام حسين ستارا يغطي به جريمة الاختلاس ، في عام 1990 التقى عدة مرات بالجنرال الإسرائيلي داني روتشيلد، الذي ترأس فرع الأبحاث في مخابرات قوات الدفاع الإسرائيلية في لندن وتل أبيب، تم تقديم أحمد الجلبي بعدها إلى الأمريكيين بواسطة المخابرات الإسرائيلية، وإيصاله بكبار المستشارين في البيت الأبيض والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية، ونتيجة لهذه التوصيات منحه جيمس وولسلي مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق رعايته .
أقام الجلبي علاقات صداقة مع صقور الجمهوريين ــ منهم ديك تشيني، دوغلاس فايث، ويليام لوتي، ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز ــ الذين كانوا من الأساسيين في مسيرة الولايات المتحدة نحو الحرب، خصوصاً تشيني الذي كان نائباً للرئيس ، وتتشعّب صلات الجلبي من ضمن الكونجرس، من خلال خيوط عدة، منها أنه أقنع المؤسسة التشريعية الأميركية عام 1998 بتمرير قانون تحرير العراق، الذي وقّعه الرئيس بيل كلينتون، حينها، والذي أُعلن أنه السياسة الأميركية المتبعة لاستبدال حكومة صدام حسين بأخرى ديموقراطية .
على مستوى العلاقة مع الاستخبارات، كان المؤتمر الوطني العراقي الذي أسّسه الجلبي عام 1992يحصل على أكثر من 100 مليون دولار من السي آي إيه، وغيرها من الوكالات، منذ إنشائه حتى بداية الحرب .
وبسبب انتهازيته وبرجمايته الشديدة وتاريخه المهني المشين وعلاقات الوثيقة مع الكيان الصهيوني والأمريكان أصبح أحمد الجلبي، ضابط الاتصال بين فصائل المعارضة العراقية الشيعية في الخارج ووزارة الدفاع الأمريكية ، وأهم شخصية عراقية عند الأمريكان.وفي بداية أبريل 2003 نزل الدكتور أحمد الجلبي من الطائرة المروحية الأمريكية، في قاعدة عراقية قريبة من مدينة الناصرية جنوبي العراق،برفقة مقاتليه في حركة مسرحية موجهة للإعلام الغربي بشكل خاص موحيًا أن رجلهم بدأ لصناعة العراق الجديد .
لعب الجلبي دورا خطيرا في العراق منذ 2003 حتى رحيله أو قل مقتله ، فخصال الجلبي كانت تؤهله لئن يفعل أي شيء وكل شئ ، فلقد جمع النقائص والمتضادات كلها ، فقد كان ليبراليا طائفيا ، أمريكيا إيرانيا ، قوميا شوفينيا ، جاسوسا مزدوجا ، تارة لأمريكا وتارة لإيران ، نفعيا لأقصى درجة لا يؤمن إلا بمصالحه فقط ، خرب الذمة وصاحب تاريخ مهني مشين ، وحري برجل يحمل هذه الخصال أن يصل في العراق الجديد لأعلى وأهم المناصب ! نجح أحمد الجلبي بشدة في إشعال الفتنة الطائفية؛ حيث يُتهم الجلبي باغتيال الكثير من المعارضين السياسيين بين عامي 2003 و2004،حيث عمل في منصب رئيس هيئة اجتثاث البعث المتهمة باستئصال السنة عمومًا،والتي كانت منبر التصفية السياسية الطائفية في العراق،وكان من الداعين لتقسيم العراق مذهبيًا وإثنيا ، بعد أن أنشأ المجلس السياسي الشيعي ليكرس تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.فارتكب بذلك أكبر كارثتين لوثتا الحياة السياسية العراقية هما تأطير المذهبية السياسية في العراق عبر اختراع فكرة «البيت الشيعي»، وأيضًا فكرة حل الجيش واجتثاث البعث، وهو ما كرس النهج الثأري الطائفي السياسي في العراق، وهذا هو مصدر الوباء السياسي في العراق حتى اليوم.
وبعد عام على الاجتياح، تحديداً في مايو 2004، توقف الأميركيون عن منح المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه الجلبي المنحة الشهرية والتي تقدر ب 335 ألف دولار شهرياً.
وبعد أيام على إثرها، دهمت القوات الأميركية الخاصة منزل الجلبي في بغداد، بحثاً عن دلائل على أنه كان يتشارك معلومات استخبارية مع إيران. هناك استولوا على وثائق وأجهزة حاسوب، واكتشف الأمريكان أن الجلبي كان جاسوسا مزدوجا يعمل لصالح إيران منذ سنة 2001 .
عمل الجلبي بعدها على ترسيخ دور سياسي له في العراق بعيدا عن حلفائه الأمريكان بعد خيانته لهم ، وكان له دور بارز في تأسيس قائمة الإئتلاف العراقي الموحد (الشيعية) التي عن طريقها حصل على مقعد في الجمعية الوطنية الانتقالية التي جرى انتخابها في 30 يناير 2005 .
أصبح أحد نائبي رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري في الحكومة الانتقالية للفترة من مايو 2005 وحتى مايو 2006.
بعد أن أقرت الجمعية الوطنية الدستور الدائم أجريت انتخابات لمجلس النواب العراقي في 15 ديسمبر 2005.
توارى عن الحياة السياسية بعد وصول المالكي لرئاسة الوزراء الذي اكتفى وقد بتعيينه رئيسا للجنة توفير الخدمات. ثم عاد الجلبي للظهور وقد رشح نفسه ضمن ائتلاف المواطن لعضوية البرلمان العراقي وفاز بعضويته في الانتخابات التي أجريت في 30 إبريل 2014 .
ليترأس الجبهة المعارضة لنوري المالكي في البرلمان العراقي ، ويتحالف مع حيدر العبادي ويشكلا جبهة ضد كتلة المالكي في البرلمان.
وفاة الجلبي المريبة لا يمكن عزلها عن سياقها السياسي الملتهب في العراق اليوم ، حيث يشهد البيت الشيعي نفسه انقسامًا هائلًا متجاوزًا للمالكي ويهدد تماسك هذا التجمع السياسي الشيعي، إذ يضم تجمعات شيعية أبرزها حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نائب رئيس الجمهورية المُقال، ورئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، حزب الفضيلة بقيادة عمار الطعمة، منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وحركة مستقلون بزعامة حسين الشهرستاني.
هذا الانقسام سببه الرئيسي الصراع العلني بين حيدر العبادي ونوري المالكي ، فالمالكي يحاول تصدر المشهد الشيعي في العراق عبر تفجير أبشع حرب طائفية شهدتها العراق منذ الاحتلال الأمريكي ، وذلك للعودة للسلطة مرة أخرى ،وفي المقابل العبادي الذي تم اختياره لهذا المنصب الخطير لإصلاح ما أفسدته طائفية المالكي البشعة ، يحاول وقف طموحات ومؤامرات المالكي عبر مشروع الإصلاحات الإدارية التي تضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة،كما ألغى المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وكذا قضت القرارات بتقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، ومن بينها الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب، مع إعادة فتح جميع ملفات الفساد السابقة والحالية ووضعها تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد،وذلك عن طريق اعتماد عدد من القضاة المختصين للتحقيق في هذه القضايا وتقديم المتهمين فيها للحساب . كل هذه القرارات الجريئة كانت حال إقرارها ستزج بالمالكي وكل رجاله في غياهب السجون ، وبالتالي كان من أهم أولويات المالكي منع العبادي من تمرير هذه الإصلاحات.
الجلبي لم يكن على وفاق مع المالكي الذي ظل يرفض توليه اي منصب وزاري في حكومته بينما دأب الجلبي على انتقاد فترة ولاية المالكي واتهامها بالفساد.وفي مقابلة له مؤخرا تحدث الجلبي عن اهدار المال العام في العراق حيث اشار إلى أنّه قد تم اهدار 512 مليار دولار من ميزانيات العراق منذ عام 2003 ومنها مثلا 153 دولار لاستيرادات وهمية و227 مليار دولار على سيارات مصفحة واخرى فاخرة لكبار المسؤولين والنواب مع مستلزماتها.
وحوالى مليار دولار لمقاولين شركاء مع مسؤولين على مشاريع وهمية.. وقال انه لم يتم انفاق على الاصلاحات في البلاد لمصلحة الشعب العراقي منذ عام 2003 سوى 3 بالمائة من دخل العراق المالي. وكان الجلبي يشعر بأن المالكي يخطط للتخلص منه ، فبعد عودة الجلبي لعضوية البرلمان العراقي سنة 2014 قام المالكي بسحب فوج الحمايه الخاص بالجلبي ، مما دعا الجلبي الى الاتصال بالحنرال قاسم سليماني حاكم العراق الفعلي يرجوه ان يعيد حمايته ، وفور سماع قاسم سليماني بهذا الخبر غضب بشدة ، وأجبر المالكي على إعادة الحراسة الخاصة بالجلبي.
رجل من عينة الجلبي بكل ما يحمله من أسرار عن غزو العراق ، وعلاقته بالأمريكان والإيرانيين ، وعلاقته بقتل الآلاف من العراقيين السنّة تحت مسمى اجتثاث البعث ، وعلاقته المتوترة مع المالكي وعلاوي ـــ رغم النسب العائلي بينهما ـــ ، لا يمكن أن يستمر على الساحة السياسية ويفصح عن أسراره ، إذا أراد المالكي أن يصل لمبتغاه ويعود للسلطة ، فالاطاحة بالعبادي أيسر بكثير ، من التعامل مع رجل داهية متلون كثير العلاقات مثل الجلبي ، ولعل مشهد المالكي وهو يضحك ملئ فيه أثناء سيره في جنازة المالكي تفسّر لنا مدى سعادة المالكي برحيل خصمه اللدود ، كما تحدد كثيرا من ملامح النهاية الدرامية لأحمد الجلبي.