لا يزال حجم معاناة مسلمي الروهنجيا في ازدياد رغم مناشدات ومطالبات كثير من الدول الإسلامية السلطات البورمية رفع الظلم والاضطهاد عن هذه الأقلية دون جدوى , بل يمكن القول بأن مأساة مسلمي الروهنجيا تعتبر الأكثر سوءا في التاريخ الحديث , وأنها أكثر الأقليات تعرضا للقمع والاضطهاد في العالم.
والحقيقة أن بلوغ مأساة الروهنجيا قمة هرم مسلسل اضطهاد الأقليات الإسلامية في العالم لم يكن عبثا , فحجم الجرائم التي مُورست على هذه الأقلية من قبل البوذيين بدعم و تواطؤ من الحكومة والجيش كان كبيرا ومخيفا كما وكيفا , ويكفي القول بأن أكثر من مليون مسلم روهنجي قد تعرضوا لشتى أنواع الاضطهاد , بدءا بالقتل بأبشع الصور – حرقا وغرقا وذبحا - , ناهيك عن التهجير القسري إلى المخيمات , وسحب الجنسية وحقوق المواطنة بدعوى أنهم ليسوا من ميانمار !! دون أن يتحرك العالم للتخفيف أو وقف هذه الانتهاكات العنصرية الطائفية .
وهل هناك اضطهاد أكبر من حرمان الإنسان من حق المواطنة رغم كونه من أصحاب الأرض الأصليين ؟! بل هل هناك قمع أعظم من حرمان هؤلاء حتى من حق الحياة من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية إليهم , وحرمانهم من أبسط حقوقهم المتمثلة بتأمين الغذاء والدواء لهم ؟!
لقد تمكنت كاميرا الجزيرة من الوصول لأول مرة إلى أحد مخيمات أقلية الروهينغا المسلمة في إقليم أركان غربي مينمار بعد عدة محاولات لإقناع السلطات هناك , الأمر الذي يشير إلى مدى محاولة سلطات ميانمار إخفاء حجم جرائمها بحق مسلمي الروهنجيا عن وسائل الإعلام .
وكان الوصف الأبرز لمخيمات الروهنجيا بأنه "سجن كبير" نظرا لمنع سلطات ميانمار المسلمين هناك من مغادرة المخيمات منذ تفجر أزمة العنف الطائفي في الإقليم عام 2012م , ليأتي وصف "الموت البطيء" معبرا عن حجم الكارثة الإنسانية والمعاناة التي يتعرض لها مسلمو الروهنجيا , بسبب نقص الدواء والغذاء .
حال الروهنجيا قبل الانتخابات
لم يتغير حال مسلمي الروهنجيا قبيل انطلاق الانتخابات البرلمانية في ميانمار إلا إلى الأسوأ , ففي عام 1982م سحبت الحكومة العسكرية الجائرة الجنسية منهم , ليصبحوا هدفا للمتطرفين البوذيين يسمونهم سوء العذاب , ويمارسون بحقهم أبشع أنواع الاضطهاد , ليصار فيما بعد - وقبل عشرة أعوام من الآن تقريبا - منحهم بطاقاء بيضاء كمرحلة مؤقتة لحين إصدار هويات مواطنة أصلية لهم , إلا أن هذه الهويات لم تصدر , بل صدرت بدلا منها أوامر حكومية بمنح الروهنجيا مهلة أخيرة لتسليم هذه البطاقات في الثلث الأول من هذا العام , ليصار أخيرا إلى إعلان إلغاء هذه البطاقات نهائيا يوم 31 مايو من العام الحالي , وليصبح الروهنجيا بلا وطن ولا أرض .
وإذا كانت الحكومة البوذية لم تجد حرجا في سحب الجنسية من هذه الأقلية المضطهدة , فمن باب أولى أن لا تشعر بأي حرج في حرمان مسلمي الروهنجيا من حقهم في التصويت على الانتخابات البرلمانية التي حصلت بالأمس , فهي لا تعتبرهم مواطنين أصلا حتى تمنحهم هذا الحق , بل يمكن القول بأنها لا تعتبرهم بشرا لهم حق الحياة التي سلبتها منهم بطرق مختلفة قاسمها المشترك الوحشية والبشاعة .
ومن هنا كان من حق اتحاد روهنجيا أراكان أن يعبر عن استنكاره واستهجانه الشديدين من إبعادهم وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات على لسان مدير الاتحاد البروفسور "وقار الدين بن مسيع الدين" الذي قال في بيان صادر عن الاتحاد اليوم : "إن ما أقدمت عليه حكومة ميانمار يعتبر تمييزا عنصريا ومواصلة للممارسات اللاإنسانية والجرائم المستنكرة بحق مسلمي الروهنغيا في ولاية أراكان .... متهما الحكومة الحالية بممارسة ألاعيب خفية لتحقيق أهداف سياسية , عبر دعم وتشجيع الرهبان والمتطرفين البوذيين ضد المسلمين وإشعال نار الفتنة بين العرقيتين في محاولة لتصفية المسلمين وتهميشهم وإبعادهم عن مزاولة حقوقهم الأساسية ونيل كرامتهم. "
حال الروهنجيا بعد الانتخابات
لا يبدو أنه سيكون هناك أي تحسن في أحوال مسلمي الرهنجيا بعد انتهاء عملية الانتخابات التي جرت بالأمس في البلاد , والتي أظهرت فوز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية المعارض بزعامة "أونغ سان سو تشي" , حيث لم يبد الحزب المعارض أي أهمية لقضية الروهنجيا , ولم يأت ذكرهم لا في الحملة الانتخابية ولا بعد ظهور النتائج الأولية .
ثم إن حرمان أكثر من مليون مسلم من هذه الأقلية من حق التصويت يفقدهم إمكانية اهتمام الأحزاب المتنافسة على المقاعد البرلمانية بقضاياهم ومشكلاتهم , ناهيك عن أن الحكم العسكري المعادي لهذه الأقلية ما زال مهيمنا على ميانمار رغم مزاعم الجيش برغبته بالانتقال إلى الديمقراطية , من خلال إقدام المجلس العسكري قبل أربع سنوات على حل نفسه بعدما حكم البلاد بيد من حديد منذ 1962 .
وعلى الرغم من إقرار الحزب الحاكم في ميانمار اليوم بهزيمته في الانتخابات , إلا أن مفوضية الانتخابات لم تعلن بعد أي النتائج النهائية الرسمية , وحتى لو أعلنت لجنة الانتخابات النتائج لصالح المعارضة , فإن الدستور الحالي الذي وضعه الجيش يمنع زعيمة المعارضة "سو تشي" أن تصبح رئيسة للبلاد , ناهيك عن إمكانية تجاهل الجيش لهذه النتائج كما فعل في انتخابات عام 1990 الذي فازت فيه المعارضة أيضا , فما كان من جنرالات الجيش إلا أن تجاهلوا ذلك , بل و وضعوا الزعيمة (سو كي)، المعروفة باسم "السيدة" تحت الإقامة الجبرية .
إن الحقيقة التي لا بد أن تدركها الدول الإسلامية أن أحوال مسلمي الروهنجيا لن تتحسن إلا بمقدار ما يمتلكون من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية , وأن لغة الضغط على مصالح الحكومة البورمية هو العامل الأهم في إجبارها على إعادة حق المواطنة لهذه الأقلية المضطهدة منذ سنوات .
والحقيقة أن بلوغ مأساة الروهنجيا قمة هرم مسلسل اضطهاد الأقليات الإسلامية في العالم لم يكن عبثا , فحجم الجرائم التي مُورست على هذه الأقلية من قبل البوذيين بدعم و تواطؤ من الحكومة والجيش كان كبيرا ومخيفا كما وكيفا , ويكفي القول بأن أكثر من مليون مسلم روهنجي قد تعرضوا لشتى أنواع الاضطهاد , بدءا بالقتل بأبشع الصور – حرقا وغرقا وذبحا - , ناهيك عن التهجير القسري إلى المخيمات , وسحب الجنسية وحقوق المواطنة بدعوى أنهم ليسوا من ميانمار !! دون أن يتحرك العالم للتخفيف أو وقف هذه الانتهاكات العنصرية الطائفية .
وهل هناك اضطهاد أكبر من حرمان الإنسان من حق المواطنة رغم كونه من أصحاب الأرض الأصليين ؟! بل هل هناك قمع أعظم من حرمان هؤلاء حتى من حق الحياة من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية إليهم , وحرمانهم من أبسط حقوقهم المتمثلة بتأمين الغذاء والدواء لهم ؟!
لقد تمكنت كاميرا الجزيرة من الوصول لأول مرة إلى أحد مخيمات أقلية الروهينغا المسلمة في إقليم أركان غربي مينمار بعد عدة محاولات لإقناع السلطات هناك , الأمر الذي يشير إلى مدى محاولة سلطات ميانمار إخفاء حجم جرائمها بحق مسلمي الروهنجيا عن وسائل الإعلام .
وكان الوصف الأبرز لمخيمات الروهنجيا بأنه "سجن كبير" نظرا لمنع سلطات ميانمار المسلمين هناك من مغادرة المخيمات منذ تفجر أزمة العنف الطائفي في الإقليم عام 2012م , ليأتي وصف "الموت البطيء" معبرا عن حجم الكارثة الإنسانية والمعاناة التي يتعرض لها مسلمو الروهنجيا , بسبب نقص الدواء والغذاء .
حال الروهنجيا قبل الانتخابات
لم يتغير حال مسلمي الروهنجيا قبيل انطلاق الانتخابات البرلمانية في ميانمار إلا إلى الأسوأ , ففي عام 1982م سحبت الحكومة العسكرية الجائرة الجنسية منهم , ليصبحوا هدفا للمتطرفين البوذيين يسمونهم سوء العذاب , ويمارسون بحقهم أبشع أنواع الاضطهاد , ليصار فيما بعد - وقبل عشرة أعوام من الآن تقريبا - منحهم بطاقاء بيضاء كمرحلة مؤقتة لحين إصدار هويات مواطنة أصلية لهم , إلا أن هذه الهويات لم تصدر , بل صدرت بدلا منها أوامر حكومية بمنح الروهنجيا مهلة أخيرة لتسليم هذه البطاقات في الثلث الأول من هذا العام , ليصار أخيرا إلى إعلان إلغاء هذه البطاقات نهائيا يوم 31 مايو من العام الحالي , وليصبح الروهنجيا بلا وطن ولا أرض .
وإذا كانت الحكومة البوذية لم تجد حرجا في سحب الجنسية من هذه الأقلية المضطهدة , فمن باب أولى أن لا تشعر بأي حرج في حرمان مسلمي الروهنجيا من حقهم في التصويت على الانتخابات البرلمانية التي حصلت بالأمس , فهي لا تعتبرهم مواطنين أصلا حتى تمنحهم هذا الحق , بل يمكن القول بأنها لا تعتبرهم بشرا لهم حق الحياة التي سلبتها منهم بطرق مختلفة قاسمها المشترك الوحشية والبشاعة .
ومن هنا كان من حق اتحاد روهنجيا أراكان أن يعبر عن استنكاره واستهجانه الشديدين من إبعادهم وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات على لسان مدير الاتحاد البروفسور "وقار الدين بن مسيع الدين" الذي قال في بيان صادر عن الاتحاد اليوم : "إن ما أقدمت عليه حكومة ميانمار يعتبر تمييزا عنصريا ومواصلة للممارسات اللاإنسانية والجرائم المستنكرة بحق مسلمي الروهنغيا في ولاية أراكان .... متهما الحكومة الحالية بممارسة ألاعيب خفية لتحقيق أهداف سياسية , عبر دعم وتشجيع الرهبان والمتطرفين البوذيين ضد المسلمين وإشعال نار الفتنة بين العرقيتين في محاولة لتصفية المسلمين وتهميشهم وإبعادهم عن مزاولة حقوقهم الأساسية ونيل كرامتهم. "
حال الروهنجيا بعد الانتخابات
لا يبدو أنه سيكون هناك أي تحسن في أحوال مسلمي الرهنجيا بعد انتهاء عملية الانتخابات التي جرت بالأمس في البلاد , والتي أظهرت فوز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية المعارض بزعامة "أونغ سان سو تشي" , حيث لم يبد الحزب المعارض أي أهمية لقضية الروهنجيا , ولم يأت ذكرهم لا في الحملة الانتخابية ولا بعد ظهور النتائج الأولية .
ثم إن حرمان أكثر من مليون مسلم من هذه الأقلية من حق التصويت يفقدهم إمكانية اهتمام الأحزاب المتنافسة على المقاعد البرلمانية بقضاياهم ومشكلاتهم , ناهيك عن أن الحكم العسكري المعادي لهذه الأقلية ما زال مهيمنا على ميانمار رغم مزاعم الجيش برغبته بالانتقال إلى الديمقراطية , من خلال إقدام المجلس العسكري قبل أربع سنوات على حل نفسه بعدما حكم البلاد بيد من حديد منذ 1962 .
وعلى الرغم من إقرار الحزب الحاكم في ميانمار اليوم بهزيمته في الانتخابات , إلا أن مفوضية الانتخابات لم تعلن بعد أي النتائج النهائية الرسمية , وحتى لو أعلنت لجنة الانتخابات النتائج لصالح المعارضة , فإن الدستور الحالي الذي وضعه الجيش يمنع زعيمة المعارضة "سو تشي" أن تصبح رئيسة للبلاد , ناهيك عن إمكانية تجاهل الجيش لهذه النتائج كما فعل في انتخابات عام 1990 الذي فازت فيه المعارضة أيضا , فما كان من جنرالات الجيش إلا أن تجاهلوا ذلك , بل و وضعوا الزعيمة (سو كي)، المعروفة باسم "السيدة" تحت الإقامة الجبرية .
إن الحقيقة التي لا بد أن تدركها الدول الإسلامية أن أحوال مسلمي الروهنجيا لن تتحسن إلا بمقدار ما يمتلكون من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية , وأن لغة الضغط على مصالح الحكومة البورمية هو العامل الأهم في إجبارها على إعادة حق المواطنة لهذه الأقلية المضطهدة منذ سنوات .