في طريق السعي الدولي لإنهاء الأزمة السورية والتوصل إلى حل نهائي يوقف إطلاق النار، تتنافس الدول المؤثرة حول مكانتها وفعالية دورها في صياغة الحل فيما يتناسب مع مصالحها وخططها الاستراتيجية.
وفي الوقت الذي برز الدور الإيراني في الساحة السورية منذ البداية، فإنه خفت مؤخراً لتسحب المملكة العربية السعودية البساط من تحت أقدام إيران وتحدّ من تأثيرها.
جاءت هذه التقديرات في تحليل للخبير الاستراتيجي لصحيفة "هآرتس" العبرية، تسبي بارئيل، وفقاً للقرار الذي تبع قمة فيينا الأخيرة، وقضى بأن تستضيف العاصمة السعودية الرياض، مؤتمر المعارضة السورية الذي سيجتمع فيه مئة شخصية ممثلة للفصائل المسلحة وتنظيمات المعارضة السورية، من أجل فحص مدى استعدادهم لتوحيد صفوفهم والتفاوض مع ممثلي نظام الأسد والموافقة على حكومة مؤقتة لصياغة الدستور وإجراء انتخابات.
وبحسب بارئيل فإن إيران تدرك معنى أن تستضيف الرياض هذا المؤتمر المهم، وقد دارت مشادة كلامية بين الطرفين حول ضرورة عقد المؤتمر من الأساس، وينبع الاعتراض من كون طهران ترى في انعقاد المؤتمر في الرياض تصدّراً للمملكة على حسابها، وتقليصاً لدورها في التأثير في الحل النهائي مقابل تعاظم التأثير السعودي.
ويأتي الاعتراض على الرغم من دعم إيران لاتفاق فيينا الذي أكد ضرورة عقد مؤتمر لتوحيد المعارضة السورية، إلا أن طهران على ما يبدو توقعت أن يعقد المؤتمر في دولة محايدة وليس في المملكة.
وبعد أن أعلن عن ذلك ادعى مسؤولون إيرانيون في تصريحات علنية أن "عقد المؤتمر في السعودية يضر بالعملية السياسية التي اتفق عليها في فيينا"، لكن دون توضيح نوع هذه الأضرار.
وإلى جانب سحب السعودية للبساط من تحت إيران على الصعيد السياسي، يرى بارئيل أن روسيا أيضاً سرقت الأضواء من إيران في ساحة الحرب في سوريا.
فبحسب شهادات مقاتلين تابعين للمعارضة فإن عمليات روسيا العسكرية في سوريا تثير غضب إيران وتحبطها.
وبحسب هذه الشهادات، سيطرت القوات الروسية على مطار "الشعيرات" الواقع شرقي مدينة حمص، والذي كان سابقاً تحت سيطرة قوات الحرس الثوري ومليشيات "حزب الله"، وتخطط لاستخدامه مطاراً لطائراتها الحربية.
إلى جانب ذلك، يغضب الإيرانيين التدخل الروسي في مبنى قوات جيش نظام الأسد، فقد أصدر أوامر للأسد بأن يقلل من النشاطات المستقلة التي تقوم بها "قوات الدفاع الوطني" المعروفة بـ "الشبيحة"، وأن تندمج مع قوات الأسد.
ويضيف الكاتب أنه بحسب مصادر من المعارضة فإن روسيا، على الرغم من عدم حضورها في الحرب البرية كما تفعل إيران، أحرزت سيادة واضحة في الجو، وتسعى لإعادة بناء جيش الأسد ليخدم خططها.
والأخطر من ذلك، تسعى روسيا لإخراج قوات "حزب الله" من سوريا، وهو ما سوف يلاقي معارضة شديدة وربما عنيفة من الحرس الثوري وإيران و"حزب الله".
وفي هذا السياق، يقول بارئيل إن القادة العسكريين الإيرانيين الموجودين في سوريا يرسلون برقيات إلى مسؤوليهم في طهران يحذرونهم من احتمال تحوّل جيش الأسد للفاعل القوي والأساسي والوحيد في الساحة السورية بدعم وقيادة روسية، وهو ما يعني إخراج القوات الإيرانية من ساحة الحرب وإبطال مفعولها.
وعليه، مع تصدّر السعودية للمشهد السياسي فيما يخص الحل النهائي وإنهاء الأزمة السورية وتعاظم تأثيرها على حساب إيران، ومع تصدّر روسيا للقيادة العسكرية على أرض الواقع، من الممكن أن تجد إيران نفسها أمام مفترق طرق استراتيجي صعب، فعليها أن تقرر هل عليها تعزيز وجودها في سوريا بطريقة ما أو الاكتفاء بدورها "كقوة داعمة"، وكل من الخيارين يعتبر صعباً بالنسبة لطهران، فالأول يدخلها بحرب معقدة غير مضمونة النتائج، والثاني يقصيها عن سوريا بشكل كامل لمصلحة السعودية وروسيا.