الأقمار الصناعية
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
مقدمة
لم يكن ليخطر على بال البشر مدى الفائدة التي ستعود عليهم من خلال وضع أقمار صناعية تدور في مدارات حول الأرض. فهاهم بعد مرور ما يزيد عن خمسين عام من إطلاق أول قمر صناعي ينعمون بتطبيقات بالغة الأهمية لا حصر لها. فقد مكنتهم هذه الأقمار من التحدث مع بعضهم البعض بالهواتف رغم تباعد المسافات بينهم فحطمت بذلك الحواجز الطبيعية كالمحيطات والبحار والصحارى وسلاسل الجبال الشاهقة. ومكنتهم كذلك من نقل الأخبار بالصوت والصورة لأي حدث يجري في أي مكان على سطح الكرة الأرضية إما بشكل مباشر أو غير مباشر. ومكنتهم من مشاهدة برامج آلاف المحطات التلفزيونية التي تقوم ببث برامجها إلى الأقمار الصناعية فتقوم هذه بدورها ببثها إلى أي مكان في العالم فتلتقط إشاراتها من قبل المستخدمين بمعدات رخيصة الثمن. ومكنتهم هذه الأقمار من جمع كميات ضخمة من الصور والبيانات عن الحالة الجوية في مختلف مناطق العالم فيتم إرسالها إلى دوائر الرصد الجوي التي تقوم بمعالجتها وتوزيعها على الجهات المعنية لأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الظروف الجوية والتقليل من عواقب الكوارث الطبيعية وحوادث الطائرات والسفن والقطارات والمركبات. وبفضل الأقمار الصناعية أصبح تحديد الموقع يتم بدقة متناهية باستخدام نظام تحديد الموقع العالمي الذي يحدد خط الطول وخط العرض والارتفاع لأي مكان على سطح الكرة الأرضية واستخدم هذا النظام لهداية السفن والطائرات والمركبات للوصول إلى وجهاتها. وتقوم هذه الأقمار بأخذ الصور الفضائية العادية والرادارية وتحت الحمراء لرسم خرائط أكثر دقة للتضاريس الأرضية وكذلك لاكتشاف ثروات الأرض من معادن ومياه جوفية وبترول وغاز ولمتابعة زحف الصحراء وذوبان الثلوج وحرائق الغابات ورصد الزلازل والبراكين ولمكافحة الآفات الزراعية ولاكتشاف الآثار ولتخطيط المدن وإلى غير ذلك من التطبيقات التي لا حصر لها. ويستخدم العلماء بمختلف تخصصاتهم العلمية الأقمار الصناعية لدراسة مختلف أجرام هذا الكون وعلى وجه الخصوص الأرض التي يعيشون عليها فمن من الفضاء الخارجي يمكن مشاهدة الأرض ودراسة تضاريسها وجوها بشكل أفضل وأشمل ويمكن كذلك دراسة أجرام الكون بشكل أدق حيث أن جو الأرض وطبقة الأينوسفير تمتص جزءا كبيرا من الموجات الكهرومغناطيسية والجسيمات الذرية القادمة من الفضاء الخارجي مما يترتب عليه خسارة كبيةر في المعلومات التي تحملها هذه الموجات والجسيمات عن الكون. أما استخدام الأقمار الصناعية في التطبيقات العسكرية فإنها لا حصر لها كالتجسس على الأعداء وتوجيه الصواريخ والطائرات الحربية نحو أهدافها والإنذار المبكر من الصواريخ والطائرات القادمة لضرب الأهداف وغير ذلك.
إن أول من اقترح فكرة وضع أقمار صناعية في مدارات حول الأرض هو كاتب الخيال العلمي الأمريكي "أرثر كلارك" وذلك في عام 1945م كحل لمشكلة المكالمات الهاتفية فيما بين القارات. إن أصعب خطوة في عملية وضع قمر صناعي في مدار حول الأرض هو توفير وسيلة نقل مناسبة وطاقة كافية لرفعه من سطح الأرض ووضعه ومن ثم دفعه بالسرعة المناسبة في هذا المدار. وإذا ما تم وضع القمر في المدار المطلوب وبالسرعة المناسبة فإنه سيبقى يدور فيه من ناحية نظرية إلى الأبد دون الحاجة إلى أية طاقة جديدة لدفعه ويكون حاله كحال قمر الأرض الطبيعي الذي يدور في مداره حول الأرض منذ عدة بلايين من السنين. وبفضل سباق التسلح بين الدول العظمى وخاصة في مجال تقنية الصواريخ الحربية التي بدأت مع بداية الحرب العالمية الثانية فقد تم صناعة صواريخ يمكنها الإفلات من نطاق الجاذبية الأرضية والدوران حول الأرض. فقد تمكن الاتحاد السوفيتي في الرابع من تشرين أول من عام 1957م من وضع أول قمر صناعي (سبوتنيك 1) في مدار أرضي منخفض وبعد أربعة أشهر فقط وفي الأول من شباط من عام 1958م وضعت الولايات الأمريكية المتحدة قمرها الصناعي الأول (إكسبلورر1) في مدار أرضي منخفض ومن ثم بدأ سباق محموم بين الدولتين العظميين في مجال غزو الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية في شتى الأغراض العسكرية والمدنية والعلمية. ففي مجال الاتصالات أطلقت أمريكا في عام 1962م أول قمر صناعي غير متزامن لأغراض الاتصالات وهو تيليستار-1 أتبعته في عام 1963م بقمر صناعي متزامن للاتصالات (سينكوم2) بينما أطلق الروس قمرهم الصناعي غير المتزامن لأغراض الاتصالات مولينيا-1 في عام 1965م. وفي مجال الأرصاد الجوية تم في عام 1961م إطلاق أول قمر صناعي وهو تيروس-1 وذلك لأغراض التنبؤات الجوية حيث تقوم مثل هذه الأقمار بتصوير حركة السحب والأعاصير والعواصف في مختلف مناطق العالم واستخدام هذه المعلومات لإصدار النشرات الجوية. وفي عام 1964م تم إطلاق القمر الصناعي ترانست لأغراض الملاحة حيث تساعد مثل هذه الأقمار الطائرات والسفن إلى الاهتداء إلى مساراتها الصحيحة.
أنواع المدارات
لا تشذ الأقمار الصناعية عن بقية الأجرام السماوية من حيث أن القاعدة التي تحكم بقاء جرم بجوار جرم آخر هو قوله تعالى "وكل في فلك يسبحون". فلا يوجد في هذا الكون جرم ساكن لا يتحرك حيث أنه سينجذب بمجرد سكونه إلى أقرب الأجرام إليه ويتحد معه ولذلك نجد أن القمر يدور حول الأرض ليبقى في جوارها والأرض وبقية الكواكب تدور حول الشمس لتبقى بقربها والمجموعة الشمسية وكذلك بقية نجوم مجرة درب التبانة تدور حول مركز المجرة. وإذا ما تم وضع قمر صناعي في المدار المطلوب وبالسرعة المناسبة فإنه سيبقى يدور فيه إلى الأبد دون الحاجة إلى أية طاقة جديدة لدفعه وهذا على فرض غياب أي مؤثرات خارجية عليه ويكون حاله كحال قمر الأرض الطبيعي الذي يدور في مداره حول الأرض منذ عدة بلايين من السنين. والسبب وراء استقرار القمر الصناعي معلقا في مداره فوق الأرض هو تساوي قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركته الدائرية مع قوة الجاذبية الأرضية عليه. وتتناسب قوة الجاذبية طرديا مع حاصل ضرب كتلة الأرض بكتلة القمر الصناعي وعكسيا مع مربع المسافة بينهما بينما تتناسب القوة الطاردة طرديا مع حاصل ضرب كتلة القمر بمربع السرعة الخطية له وعكسيا مع المسافة بين القمر والأرض. وعند مساواة القوتين فإن كتلة القمر ستختصر من طرفي المعادلة وعليه فإن سرعة القمر الصناعي ستتناسب عكسيا مع الجذر التربيعي للمسافة بينه وبين الأرض بغض النظر عن مقدار كتلته. ولذلك نجد أن الأقمار ذات المدارات المنخفضة تدور بسرعات أعلى وتكمل دورتها حول الأرض في فترات أقصر من تلك الموضوعة في المدارات العالية. فعلى سبيل المثال فإن سرعة القمر الصناعي في مدار على ارتفاع 500 كيلومتر عن سطح الأرض تبلغ 27000 كيلومتر في الساعة ويكمل دورته حول الأرض في ساعة ونصف تقريبا بينما تبلغ سرعة القمر الصناعي في مدار على ارتفاع 36000 كيلومتر عن سطح البحر تبلغ 11000 كيلومتر في الساعة ويكمل دورته حول الأرض في 24 ساعة.
ويمكن تصنيف مدارات الأقمار الصناعية تبعا لعوامل مختلفة فمن حيث شكل المدار يوجد نوعين من المدارت وهي المدارات الدائرية والتي تقع الأرض في مركز الدائرة والمدارات البيضاوية أو الإهليجية حيث تقع الأرض في أحد مركزي الإهليج وتسمى النقطة التي يكون فيها القمر أقرب ما يكون للأرض بنقطة الحضيض (pergee) أما الأبعد فتسمى بنقطة الأوج (apogee). أما تصنيفها من حيث الزاوية الواقعة بين مستوى المدار مع مستوى خط الأستواء فيوجد ثلاثة أنواع وهي المدارات الاستوائية (equatorial orbits) والتي يتطابق فيها المستويان أي أن القمر الصناعي يقع تماما فوق خط الاستواء طوال الوقت والمدارات القطبية (polar orbits) والتي يتعامد فيها المستويان وفي هذه المدارات يمر القمر من فوق قطبي الأرض مرة في كل دورة والمدارات المائلة (inclined orbits) والتي يوجد زاوية بين المستوييين تتراوح قيمتها بين صفر و 180 درجة ويستثنى منها زاوية الصفر و 180 وهي زاوية المدارات الإستوائية وزاوية 90 وهي زاوية المدارات القطبية. وأما تصنيفها من حيث ارتفاعها عن سطح الأرض فإنه من حيث المبدأ يمكن وضع القمر الصناعي على أي ارتفاع فوق سطح الأرض إلا أنه يوجد بعض الارتفاعات التي يجب تجنبها وهي منطقة الغلاف الجوي (أقل من 500 كيلومتر) وذلك لتفادي احتراق القمر بسبب احتكاكه مع الهواء نتيجة لسرعته الهائلة في مثل هذه المدارات المنخفضة ومنطقة حزام إشعاعات فان ألن (Van Allen Radiation Belt) ( بين ألفين وعشرة آلاف كيلومتر) لتجنب الإشعاعات الضارة بالخلايا الشمسية وأجهزة الاتصالات. وعليه فإنه يوجد ثلاثة أنواع من المدارات من حيث الارتفاع وهي المدارات المنخفضة (low earth orbits(LEO)) وتقع بين 500 و 2000 كيلومتر والمدارات المتوسطة (medium earth orbits(MEO)) وتقع بين 10000 و 20000 كيلومتر والمدارات المتزامنة (geosynchronous orbits(GEO)) وهي على ارتفاع 36000 كيلومتر تقريبا. ومن بين عدد لا يحصى من هذه المدارات التي يمكن وضع القمر فيها حول الأرض هنالك مدار وحيد فريد يبدو فيه القمر الصناعي ثابتا لمن يشاهده من على سطح الأرض ويعود السبب في ذلك إلى تساوي السرعة الزاوية لدوران القمر في هذا المدار مع السرعة الزاوية لدوران الأرض حول محورها. ويطلق اسم المدار المتزامن مع الأرض (geosynchronous orbit) على هذا المدار وذلك لتزامن دورانه مع دوران الأرض وهو مدار دائري يقعتماما فوق خط الاستواء وعلى ارتفاع 36000 كيلومتر تقريبا عن سطح البحر. ويعتبر المدار المتزامن من أنسب المدارات لأغراض أنظمة الاتصالات وذلك لثبات موقعه بالنسبة للمنطقة المقابلة له من الأرض مما يترتب عليه استخدام هوائيات ثابتة التوجيه في المحطات الأرضية. وتبلغ المساحة القصوى التي يمكن للقمر المتزامن تغطيتها 40 بالمائة من مساحة سطح الأرض وتكفي في هذه الحالة ثلاثة أقمار متزامنة لتغطية جميع سطح الأرض باستثناء مساحة صغيرة تقع حول القطبين الشمالي والجنوبي. أما المدارات غير المتزامنة فهي كل ما عدا المدار المتزامن من مدارات والتي تقع في الغالب تحت المدار المتزامن وتتصف بوجود حركة نسبية بينها وبين الأرض مما يستدعي استخدام هوائيات متحركة للمحطات الأرضية تتبع حركة القمر منذ طلوعه حتى غيابه عن الأفق ويترتب على غياب القمر عن سماء منطقة أرضية محددة انقطاع الاتصالات لحين ظهوره مرة أخرى ولحل هذه المشكلة تستخدم عدة أقمار في نفس المدار بحيث يطلع أحدها عندما يغيب القمر الذي يسبقه ويتحدد عدد الأقمار اللازمة من مواصفات المدار من حيث ارتفاعاته وشكله ومدة طلوعه على المنطقة المراد تغطيتها بنظام الاتصالات. على الرغم من هذه السيئات لأقمار الاتصالات الموضوعة في المدارات غير المتزامنة فإنها تمتاز على الأقمار المتزامنة بقلة استهلاك القدرة اللازمة للبث وكذلك قلة التأخير الزمني في الإشارات المبثوثة وذلك بسبب قربها من الأرض.
إطلاق الأقمار الصناعية
توجد طريقتان لوضع الأقمار الصناعية في مداراتها أما الطريقة الأولى فهي باستخدام الصواريخ غير المستردة وأما الطريقة الثانية فهي باستخدام المكوك الفضائي (space shuttle) والذي يحتاج أيضا للصواريخ غير المستردة لإخراجه من نطاق الجاذبية الأرضية. إن فكرة استخدام الصواريخ في الحروب فكرة قديمة ينسب اختراعها إلى الصينيين في القرن الرابع عشر الميلادي حيث كانت هذه الصواريخ البسيطة تتكون من أنابيب حديدية يتم إغلاق أحد فوهتيها بينما تبقى الفوهة الأخرى مفتوحة وعندما يتم ملؤها بالبارود وإشعالها فإن الغازات الناتجة عن الاحتراق تخرج بقوة من الفوهة المفتوحة ويكون رد الفعل أن تنطلق الأنبوبة بقوة في الاتجاه المعاكس نحو الهدف المنشود. ولقد بقي تصميم هذه الصواريخ البسيطة على الحال الذي كانت عليه إلى أن تم إضافة الزعانف على ذيل الصواريخ وذلك لكي تعمل على تدوير جسم الصاروخ للحفاظ على اتزانه وذلك في منتصف القرن التاسع عشر. لقد كان الدافع الرئيسي وراء تطوير تقنية الصواريخ الحديثة هو حاجة الدول المتحاربة لضرب الأهداف العسكرية والمدنية البعيدة المدى في الدول المعادية والتي لا يمكن لقذائف المدافع الوصول إليها ولا يمكن كذلك المخاطرة بإرسال الطائرات الحربية باهضة الثمن لضربها وذلك تخوفا من إسقاطها .
ويعود الفضل الأكبر في وضع الأسس العلمية لتكنولوجيا الصواريخ الحديثة للعالم الأمريكي "روبرت قودارد" حيث قام في عام 1914م بتسجيل عدة براءات اختراع تتعلق بصواريخ تعمل بالوقود السائل والصلب وكذلك تصاميم لصواريخ متعددة المراحل. وفي عام 1926م تمكن هذا العالم من إطلاق أول صاروخ يعمل بالوقود السائل ولم يرتفع هذا الصاروخ عن سطح الأرض أكثر من عشرة أمتار. وفي بداية الثلاثينيات بدأ كل من الألمان والروس بالعمل على تطوير تقنية الصواريخ وكان على رأس الفريق الألماني العالم الشهير "فون براون" والذي تمكن مع فريقه في عام 1934م من إطلاق صاروخ وصل إلى علو ثلاثة كيلومترات. أما الفريق الروسي فقد تمكن من إطلاق صاروخ وصل إلى ارتفاع 12 كيلومتر. وأما الصواريخ الأمريكية التي أطلقها قودارد فلم يتجاوز ارتفاعها عدة كيلومترات إلا أنه ساهم في إضافة عدة تحسينات على تقنية الصواريخ مثل استخدام الجايرسكوب للحفاظ على اتزان واتجاه الصاروخ أثناء انطلاقه وكذلك استخدام المضخات لضخ الوقود السائل لغرفة الاحتراق. وفي عام 1942م تمكن الألمان من إطلاق صاروخ وصل مداه إلى 200 كيلومتر مما مكنهم في عام 1944م وأثناء الحرب العالمية الثانية من ضرب لندن بأكثر من ألف صاروخ. ومع نهاية الحرب العالمية تمكن الألمان من تطوير أول صاروخ عابر للقارات يمكنه الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية في عام 1945م تمكن الأمريكان من جلب أكثر من خمسين من العلماء والمهندسين الألمان المختصين في تقنية الصواريخ وعلى رأسهم "فون براون" وتمكنوا كذلك من الحصول على أكثر من مائة صاروخ ألماني. وبهذه الإمكانات بدأ الأمريكان العمل على تطوير برامج لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى للأغراض الحربية وكذلك لغرض غزو الفضاء. ولا ننسى أن نذكر أن عددا من خبراء تقنية الصواريخ الألمان قد وصلوا أيضا إلى روسيا وانضموا إلى الفريق الروسي وبذلك بدأ التنافس المحموم بين الأمريكان والروس في تطوير تقنية الصواريخ بعيدة المدى. ففي عام 1950م تمكن الأمريكان من إطلاق صاروخ متعدد المراحل حيث وصل إلى ارتفاع 400 كيلومتر وينطلق بسرعة ثمانية ألاف كيلومتر في الساعة. وفي عام 1957م تمكن الروس من استخدام الصواريخ لوضع أول قمر صناعي في مدار حول الأرض على ارتفاع 600 كيلومتر عن سطح الأرض وتمكنوا في نفس العام من إطلاق قمر صناعي يحمل كائن حي وهو الكلبة "لايكا". وقد صدم الأمريكان من هذه الإنجازات التي أحرزها الروس في مجال غزو الفضاء مما دفعهم لمضاعفة جهودهم في تطوير صواريخهم وقد تمكنوا في عام 1958م من إطلاق أول قمر صناعي. ومرة أخرى تفاجأ الأمريكان في عام 1959م بتمكن الروس من استخدام صواريخ قادرة على الوصول إلى القمر حيث تم تحميلها بأجهزة قياس مختلفة وتم إسقاطها على سطح القمر. أما المفاجئة الأخرى فهو تمكن الروس في عام 1960م من إرسال كلبين في مركبة دارت حول الأرض ثم عادت بسلام إلى الأرض. ولكن سرعان ما تمكن الأمريكان من أخذ زمام الأمور في تقنية إطلاق الصواريخ وذلك بسبب تفوقهم على الروس في مجال التقنيات الأخرى التي تحتاجها الصواريخ كتقنيات الاتصالات والحواسيب والتحكم والإلكترونيات.
يتحدد نوع الصاروخ من نوع الوقود الذي يستعمله فهناك نوعان من الصواريخ أحدهما يستخدم الوقود الصلب بينما يستخدم النوع الثاني الوقود السائل. ففي الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب يوجد خزان واحد على شكل أسطوانة يتم ملؤه بخليط من أحد أنواع الوقود الصلب مع المادة المؤكسدة وعندما يتم إشعال الفتيل تبدأ عملية احتراق الخليط مخرجة غازات الاحتراق من فوهة غرفة الاحتراق الموجودة في مؤخرة الصاروخ لتدفعه بقوة إلى الأمام. أما صواريخ الوقود السائل فتتكون من خزانين منفصلين يحتوي أحدهما الوقود السائل بينما يحتوي الآخر على المادة المؤكسدة وهي الأوكسجين على شكل سائل ويوجد كذلك مضخات تقوم بضخ المادتين إلى غرفة الاحتراق. وتتميز صواريخ الوقود الصلب بسهولة تركيبها إلا أن عيبها يكمن في صعوبة التحكم بعملية احتراق الوقود فبمجرد أن يتم إشعال الوقود ولذا فإن عملية الاحتراق لن تتوقف إلا بنفاد الوقود. أما صواريخ الوقود السائل فيمكن التحكم بكمية الاحتراق من خلال التحكم بالكمية التي تضخها مضختي الوقود والمؤكسد ولكن عيبها يكمن في تعقيد تركيبها وزيادة وزنها بسبب وجود المضخات فيها. ويتم بناء الصواريخ على شكل جسم أسطواني يزيد طوله كثيرا عن قطره وذلك لتقليل مقاومة الهواء له أثناء انطلاقه في الغلاف الجوي ويتكون هذا الجسم من عدة مراحل فعلى رأس الصاروخ توجد الغرفة التي يوضع فيها الحمل المراد وضعه في المدار كالأقمار الصناعية تليها مرحلتين أو أكثر من المحركات التي يتم تشغيلها على التوالي ابتداءا من المرحلة السفلى والتي يتم فصلها عن جسم الصاروخ بمجرد انتهاء وقودها ليبدأ تشغيل المرحلة التالية. إن استخدام المراحل في تصميم الصواريخ ضروري لكي يتم تخفيف وزن الصاروخ شيئا فشيئا أثناء انطلاقه وبذلك نمكنه من الوصول إلى سرعات أعلى وبالتالي ارتفاعات أعلى. ويلزم على الأقل مرحلتين من المحركات في الصاروخ فالمرحلة الأولى تضع الصاروخ في مدار تقريبي حول الأرض ويمكن استخدام الوقود الصلب أو السائل في هذه المرحلة بينما تقوم المرحلة الثانية بوضع القمر الصناعي في المدار الصحيح المخصص له ولذا يجب أن تستخدم محركات الوقود السائل لكي يتم التحكم بتشغيلها أو إيقافها أثناء مناورة وضع القمر في مداره. ويلزم في كثير من الأحيان وضع صواريخ مساعدة يتم تثبيتها على جسم الصاروخ الرئيسي يتم تشغيلها مع المرحلة السفلى من الصاروخ لتعطيه مزيدا من قوة الدفع. وتتراوح أطوال الصواريخ الحديثة المستخدمة لنقل الأقمار الصناعية بين 50 و 60 مترا وقطرها بين 4 و 6 أمتار بينما يتراوح وزنها بين 500 و 1000 طن أما حملها فيتراوح بين 10 و 20 طن. فعلى سبيل المثال فإن الجيل الخامس من صاروخ إيريان الأوروبي والذي ظهر في عام 1997م يبلغ وزنه 777 طن وارتفاعه 51 مترا وقطره 5.4 مترا وحمله 16 طن للمدارات المنخفضة و 7 طن للمدارات المتزامنه ويبلغ وزن الوقود في المرحلة الرئيسية 155 طن من الأوكسجين والهيدروجين أما دفعها فيبلغ مليون نيوتن تقريبا.
أما الطريقة الثانية المستخدمة في نقل الأقمار الصناعية وغيرها من الأحمال إلى مداراتها فهي باستخدام ما يسمى بالمكوك الفضائي والذي لا يوجد منه إلا في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى عكس من الصواريخ التي لا يعود منها إلى الأرض شيئا فإن المكوك الفضائي يعود بكامله إلى الأرض ليعاد استخدامه من جديد. والمكوك الفضائي له شكل طائرة بجناحين وذيل وعجلات ويمكنه الهبوط على مدارج الطائرات العادية ويمكن إعادة استخدامه لما يقرب من مائة مرة وبفاصل زمني لا يتجاوز اسبوعين بين عمليات الإطلاق. وقد صمم المكوك بحيث يمكنه المكوث في الفضاء لمدة ثلاثين يوما وقد تم ضبط الضغط في داخل قمرة القيادة ليماثل الضغط الجوي الأرضي بحيث يمكن للرواد البقاء في داخله بملابسهم العادية. وإلى جانب قمرة القيادة التي تقع في مقدمة المكوك يوجد صندوق يبلغ طوله 18 متر وعرضه خمسة أمتار يستخدم لحمل مختلف أنواع الحمولات التي قد يصل وزنها إلى 29 طنا كالأقمار الصناعية وقطع المختبرات الفضائية. وفي عام 1982م تم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "كولومبيا" لأول مرة وكان يحمل قمرين صناعيين تمكن الرواد الذين على ظهره من وضعهما في مداريهما. وفي عام 1983م تم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "تشالينجر" لأول مرة والذي تم استخدامه لوضع مختلف أنواع الأقمار الصناعية في مداراتها وتم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "ديسكفري" في عام 1984م والمكوك "أتلانتس" في عام 1985م وفي عام 1986م تعرض مكوك الفضاء "تشالينجر" لحادث مؤسف حيث قتل سبعة من الرواد وهم على متنه. وفي عام 1992م تم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "إنديفور" وقد تمكن الرواد الذين على ظهره من الإمساك بأحد الأقمار الصناعية وإصلاحه. وفي عام 1995م تمكن المكوك الفضائي الأمريكي "أتلانتس" من الالتحام بسفينة الفضاء الروسية "مير". وفي عام 1998م تم استخدام المكوك لإرسال رواد فضاء للعيش على متن محطة الفضاء الدولية التي بوشر في بناءها في الفضاء في عام 1998م بجهود مشتركة من الأمريكان والروس والتي لا زالت تعمل إلى الآن. ويحتاج المكوك إلى صواريخ مساعدة لوضعه في مداره حول الأرض ولكن يمكنه الرجوع إلى الأرض باستخدام محركاته الخاصة وبمساعدة الجاذبية الأرضية. ويبلغ طول المكوك إنديفور على سبيل المثال 37 مترا وعرضه عند أجنحته 24 مترا وارتفاعه 18 مترا أما وزنه فارغا فيبلغ 78 طن ووزن حمولته 25 طن. ويتم حمل المكوك إلى الفضاء باستخدام محرك المكوك بعد تزويده بالوقود من خزان ضخم مثبت على بطن المكوك يبلغ طوله 47 متر وقطره 8.4 متر وسعته 730 طن من الوقود وباستخدام صاروخين مساعدين يبلغ طول الواحد منهما 47 مترا وقطره 3.7 متر ووزنه عند الاقلاع 590 طن وبهذا يكون مجموع وزن المكوك مع تنك الوقود والصاروخان المساعدان ألفي طن وتبلغ قوة الدفع الكلية عند الاقلاع 30 مليون نيوتن.
إن عملية وضع الأقمار الصناعية في مدارتها باستخدام الصواريخ أو المكوك عملية بالغة التعقيد وباهضة التكاليف ولا تتم إلا تحت سيطرة حواسيب عملاقة حيث أن الإشارات التي تبعث بها أجهزة القياس الموجودة على الصاروخ والإشارات التي تبعث بها أجهزة التحكم الموجودة في المحطات الأرضية من الكثرة ومن سرعة الحدوث بحيث لا يمكن للمهندسين معالجتها يدويا. وإلى جانب المحطة الأرضية الموجودة في موقع الإطلاق يوجد عدة محطات للمراقبة والتحكم موزعة في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية لكي تتمكن من استلام الإشارات التي تبعث بها أجهزة القياس والتحكم الموجودة على ظهر الصاروخ عند غياب الصاروخ عن مدى رؤية المحطة الرئيسية. إن القوة لوحدها لا تكفي لوضع الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض فالصاروخ الذي تصل سرعته إلى سرعة الإفلات وهي 11.2 كيلومتر في الثانية (40320 كيلومتر في الساعة) يمكنه الخروج من جاذبية الأرض بشكل نهائي ولا يمكنه العودة إليها. ولذلك فإن وضع القمر الصناعي في مدار أرضي يتطلب التحكم بسرعة وكذلك اتجاه الصاروخ في كل لحظة زمنية لكي نضمن عدم افلاته من الجاذبية الأرضية والضياع في الفضاء الخارجي. ولذلك فإن الصاروخ وكذلك القمر الذي يحمله تحتوي على معدات معقدة تقوم بقياس سرعة واتجاه الصاروخ يتم إرسالها إلى المحطات الأرضية لكي تقوم بإرسال إشارات التحكم المناسبة التي تعمل على تصحيح مسار إنطلاق الصاروخ. وفي العادة يتم إطلاق الصاروخ بشكل عامودي ليقطع أقصر مسافة ممكنة في الغلاف الجوي وذلك لتقليل الاحتكاك بالهواء إلى أقل قدر ممكن وعندما يصل الصاروخ إلى ارتفاع 200 كيلومتر حيث تخف عندها كثافة الهواء يبدأ الصاروخ بالإنحراف باتجاه المدار المنوي وضع القمر فيه. وعادة ما يتم بشكل ابتدائي وضع جميع أنواع الأقمار الصناعية في مدارات منخفضة تبدأ ارتفاعاتها من 300 كيلومتر عن سطح الأرض ومن ثم يتم نقل هذه الأقمار إلى مداراتها النهائية باستخدام محركات المرحلة الأخيرة من الصاروخ. ولكي يتم وضع قمر في مدار دائري على ارتفاع 300 كيلومتر عن سطح الأرض فإن يلزم أن تصل سرعة الصاروخ إلى 27878 كيلومتر في الساعة. وتتم عملية وضع القمر في مثل هذه المدارات في عدة دقائق ويستهلك الصاروخ في هذه المرحلة معظم الوقود الذي يحمله ولكن يبقى في المحرك الأخير من الصاروخ ما يكفي من الوقود لوضع القمر في مداره النهائي ولكنها كمية قليلة حيث أن الصاروخ قد تخلص من معظم وزنه إلى جانب انخفاض احتكاك الهواء بشكل كبير عند هذه الارتفاعات. وتعتبر عملية نقل الأقمار الصناعية من المدارات المنخفضة إلى المدارات المتزامنة من أصعب عمليات الإطلاق حيث تحتاج إلى مناورات دقيقة لكي يتم وضع القمر المتزامن في مكانه الصحيح خاصة مع وجود مئات الأقمار الصناعية في هذا المدار. وتتم هذه العملية من خلال نقل القمر من المدار المنخفض إلى مدار وسيط يسمى مدار الانتقال (transfer orbit) وهو مدار بيضاوي الشكل يلامس حضيضه المدار المنخفض بينما يلامس أوجه المدار المتزامن. ولكي يتم نقل القمر من المدار المنخفض إلى المدار الانتقالي فإنه يلزم رفع سرعته من 28000 كيلومتر في الساعة على افتراض أن ارتفاعه 300 كيلومتر إلى 36540 كيلومتر في الساعة ويتم ذلك من خلال تشغيل محركات الدفع المرتبطة بالقمر لفترة زمنية محسوبة بدقة عند نقطة الحضيض. أما الخطوة التالية فهي نقل القمر من المدار الانتقالي إلى المدار المتزامن ويتم ذلك من خلال تشغيل المحركات عندما يكون القمر في نقطة الأوج على ارتفاع 36000 كيلومتر وهو ارتفاع المدار المتزامن. وبما أن سرعة القمر عند نقطة الأوج وهو في المدار الانتقالي تبلغ 5796 كيلومتر في الساعة فإنه يلزم رفع هذه السرعة إلى 11050 كيلومتر في الساعة لكي يبدأ بالدوران في المدار المتزامن. ويتحدد وزن وحجم القمر الصناعي المراد إطلاقه من إمكانات صواريخ الإطلاق التي تقوم بنقلها من الأرض إلى مداراتها ففي الستينات لم تتجاوز حمولة صاروخ الإطلاق إلى المدار المتزامن عدة مئات من الكيلوجرامات ثم ارتفع هذا الرقم إلى ألف كيلوجرام في السبعينات ثم إلى ألفي كيلوجرام في الثمانينات وإلى ثلاثة آلاف كيلوجرام في بداية التسعينات وخمسة آلاف كيلوجرام في نهايتها وتصل الحمولة الآن إلى ما يزيد من 20 آلف كيلوجرام. ويمكن رفع الحمولة إلى الضعف في حالة إرسال الأقمار إلى المدارات المنخفضة غير المتزامنة. ويعتبر صاروخ دلتا التابع لشركة بوينغ الأمريكية من أكثر الصواريخ المستخدمة في إطلاق الأقمار الصناعية حيث أطلق ما يزيد عن ثلاثمائة قمر منذ عام 1960م ويليه صاروخ أطلس التابع لشركة لوكهيد الأمريكية الذي أطلق عددا مماثل من الأقمار الصناعية ثم صاروخ بروتون الروسي الذي أطلق ما يزيد عن مائتي قمر منذ عام 1960م وصاروخ إيريان الأوروبي الذي أطلق ما يزيد عن مائتي قمر منذ عام 1981م. بدأ البرنامج الأوروبي لإطلاق الأقمار الصناعية في عام 1979م باستخدام صاروخ إيريان وقد بلغ وزن الجيل الأول من صاروخ إيريان 210 أطنان عند الإطلاق وقادر على حمل ما يقرب من ألفي كيلوغرام.
الأقمار الصناعية للإتصالات
لقد وصل مهندسو الاتصالات في منتصف القرن العشرين إلى طريق مسدود وهم يحاولون بناء أنظمة اتصالات تقوم بنقل المكالمات الهاتفية الدولية وخاصة فيما بين دول القارات المختلفة والدول التي تفصل بينها عوائق طبيعة كالبحار وسلاسل الجبال الشاهقة والصحارى الشاسعة. فأنظمة الأمواج الدقيقة (microwave systems) التي ظهرت في منتصف الأربعينات من القرن العشرين لا يمكن استخدامها فيما بين القارات وهي صعبة الإنشاء وباهضة التكاليف فيما بين الدول التي يفصل بينها عوائق طبيعية حيث يتطلب وضع معيد كل مائة كيلومتر على أقصى تقدير ويتطلب تزويدها بالطاقة الكهربائية لتشغيل أجهزتها الإلكترونية. أما أنظمة الكوابل المحورية فإن مدها في المحيطات وعبر سلاسل الجبال الشاهقة والصحارى الشاسعة يتطلب وقتا وجهدا كبيرا وكلفة عالية إذا ما علمنا أن عدد المكالمات التي يحملها الكيبل المحوري لا يتجاوز عدة مئات. فأول كيبل محوري تم مده بين أمريكا الشمالية وأوروبا لتوفير خدمة الخدمة الهاتفية وذلك في عام 1956م لم تتجاوز سعته خمسين مكالمة هاتفية رغم كلفته العالية. ولهذه الأسباب اقترح كاتب الخيال العلمي الإنكليزي أرثر كلارك (Arthur Clarke) في عام 1945م فكرة لحل مشكلة الاتصالات فيما بين القارات وبين الدول التي تفصل بينها عوائق طبيعية وذلك بوضع أقمار صناعية في مدارات حول الأرض. وتعمل هذه الأقمار كمعيدات للأمواج الدقيقة (microwave repeaters) تقوم باستقبال الإشارات من محطات أرضية ثم تعيد بثها ثانية إلى الأرض لتستلمها محطات أرضية أخرى على بعد آلاف الكيلومترات. فكرة ذكية ولكن يحول دون تحقيقها عشرات المشاكل والتي من أهمها أن وضع أقمار صناعية في مدارات حول الأرض يتطلب وجود صواريخ دفع جبارة لإخراجه من نطاق الجاذبية الأرضية. وكذلك مشكلة توفير الطاقة اللازمة لتشغيل أجهزة الاتصالات الموجودة عليها ومشكلة الحفاظ على هوائيات الإرسال والاستقبال موجهة نحو الأرض باستمرار ومشكلة انقطاع الاتصالات أثناء فترة غياب الأقمار غير المتزامنة عن سماء منطقة معينة على الأرض وغيرها من المشاكل.
ويحمل القمر الصناعي المستخدم لأغراض الاتصالات عدد من أجهزة الاستقبال والإرسال تسمى المستجيبات (transponders) وعدد من الهوائيات وعدد كبير من الخلايا الشمسية المرصعة على جسم القمر أو على أجنحة ممتدة منه تقوم بتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية تخزن في بطاريات لتشغيل أجهزته المختلفة إلى جانب أجهزة للتحكم والقياس. ويحمل كذلك مجموعة أنابيب مملوءة بالغاز تستخدم كوسيلة دفع عند نفث الغاز منها للحفاظ على القمر في مداره المحدد والذي قد ينحرف تدريجيا عن مساره نتيجة للقوى المؤثرة عليه من الجسيمات القادمة من الشمس والفضاء الخارجي وغالبا ما يتحدد عمر القمر الافتراضي من كمية الغاز الموجودة على ظهره حيث يصل عمر الأقمار الحديثة ما يقرب من خمس عشرة عاما. ويحمل القمر أجهزة تعمل على حفظ اتزان القمر الذي قد يتذبذب لأدنى قوة تؤثر عليه بسبب انعدام الجاذبية وذلك لكي تبقى الهوائيات موجهة بشكل بالغ الدقة إلى الأرض. ويتم ذلك من خلال طريقتين القديمة منهما تتم من خلال تدوير جسم القمر بالكامل حول محور معين بسرعة عالية (spin stabilized) فيبقى القمر موجها نحو الأرض بسبب ما يسمى التأثير الجايروسكوبي (gyroscopic effect). وفي هذا النوع يلزم وضع الخلايا الشمسية على سطح جسم القمر ذي الشكل الاسطواني. أما الطريقة الحديثة فهي ما يسمى الاستقرار ثلاثي المحاور (3-axis stabilization) حيث يتم استخدام أقراص ثقيلة تدور حول ثلاث محاور متعامدة بسرعات عالية وبسبب التأثير الجايروسكوبي تعمل هذه الأقراص على استقرار جسم القمر بالاتجاه المطلوب, ويخصص لكل قمر محطة أرضية تعمل على مراقبة وضعه في مداره وحالة أنظمته المختلفة من خلال أجهزة قياس ومجسات مختلفة تقوم بإرسال قياساتها إلى المحطة الأرضية التي ترسل الأوامر لتصحيح وضع القمر وإصلاح الأعطال التي قد تصيب أجهزته وكذلك توجيه الهوائيات إلى مناطق التغطية المختلفة على سطح الأرض. ويتحدد وزن وحجم القمر الصناعي المراد إطلاقه من إمكانات صواريخ الإطلاق التي تقوم بنقلها من الأرض إلى مداراتها ففي الستينات لم تتجاوز حمولة صاروخ الإطلاق إلى المدار المتزامن عدة مئات من الكيلوجرامات ثم ارتفع هذا الرقم إلى ألف كيلوجرام في السبعينات ثم إلى ألفي كيلوجرام في الثمانينات وإلى ثلاثة آلاف كيلوجرام في بداية التسعينات وخمسة آلاف كيلوجرام في نهايتها وتصل الحمولة الآن إلى ما يقرب من ستة آلاف كيلوجرام ويمكن رفع الحمولة إلى الضعف في حالة إرسال الأقمار إلى المدارات المنخفضة غير المتزامنة. ويعتبر صاروخ دلتا التابع لشركة بوينغ الأمريكية من أكثر الصواريخ المستخدمة في إطلاق الأقمار الصناعية حيث أطلق ما يزيد عن ثلاثمائة قمر منذ عام 1960م ويليه صاروخ أطلس التابع لشركة لوكهيد الأمريكية الذي أطلق عددا مماثل من الأقمار ثم صاروخ بروتون الروسي الذي أطلق ما يزيد مائتي قمر منذ عام 1960م وصاروخ إيريان الأوروبي الذي أطلق ما يزيد عن مائتي قمر منذ عام 1981م.
ويتكون المستجيب من جهاز استقبال وجهاز إرسال وهوائي يعمل كهوائي إرسال وهوائي استقبال في نفس الوقت ويمكن لهذا الهوائي أن يخدم واحد أو أكثر من هذه المستجيبات ويتراوح عدد المستجيبات التي تحملها الأقمار الصناعية بين عشرة مستجيبات وخمسين مستجيبا وذلك تبعا لكمية الطاقة الكهربائية التي يمكن للقمر توفيرها وتبعا لكمية الطاقة التي يستهلكها المستجيب الواحد. وفي أقمار المكالمات الهاتفية يتم تقليل قدرة المستجيبات وزيادة عددها لزيادة عدد المكالمات الهاتفية بينما في أقمار البث التلفزيوني يتم زيادة قدرة المستجيبات وتقليل عددها وذلك لتقليل قطر الصحون اللاقطة وبالتالي تقليل كلفة استقبالها في المنازل. ويتحدد عدد المكالمات الهاتفية والإشارات التلفزيونية التي يمكن للقمر نقلها أو بثها من عدد المستجيبات التي يحملها حيث يستطيع المستجيب الذي يبلغ عرض نطاقه في الغالب 36 ميغاهيرتز أن ينقل إشارة تلفزيونية واحدة أو ما يقرب من ألف مكالمة هاتفية باتجاه واحد في حالة استخدام التقنية التشابهية أما في حالة استخدام التقنية الرقمية فيمكن زيادة عدد الإشارات التلفزيونية والمكالمات الهاتفية إلى عشرة أضعاف . ويتحدد عدد المستجيبات التي يمكن للقمر حملها من كمية الطاقة الكهربائية التي تولدها الخلايا الشمسية والتي تعتمد على عدد ومساحة الخلايا الشمسية وكفاءتها في تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية ففي الستينات لم تتجاوز الطاقة الكهربائية المولدة خمسمائة واط وكفاءة الخلايا الشمسية الخمسة بالمائة ثم ارتفعت الطاقة إلى ألف واط والكفاءة إلى عشرة بالمائة في السبعينات وإلى ألفي واط وخمسة عشر بالمائة في الثمانينات وإلى أربعة آلاف واط وعشرين بالمائة في التسعينات وإلى ثمانية آلاف واط وخمسة وعشرين بالمائة بعد عام 2000م. وتستهلك معظم الطاقة الكهربائية التي تولدها الخلايا الشمسية من قبل المستجيبات التي تقوم بتحويل طاقة التيار المستمر إلى طاقة أمواج راديوية يتم بثها إلى الأرض وتتراوح كمية الطاقة الراديوية التي يبثها المستجيب الواحد بين عدة عشرات من الواط في الأقٌمار المخصصة لنقل المكالمات الهاتفية ومائتي واط في أقمار البث التلفزيوني المباشر للمنازل. ومن المعروف أنه كلما زادت قدرة بث المستجيب كلما قل قطر صحن هوائي الاستقبال في المحطات الأرضية والذي أصبح الآن لا يتجاوز المتر في صحون استقبال البث التلفزيوني المباشر المستخدم في المنازل. ويتحدد عمر القمر الافتراضي من كمية الغاز الذي يحمله فمع انتهاء كمية الغاز يصبح من الصعب الحفاظ على القمر في مداره الصحيح ويبلغ عمر الأقمار الصناعية الحديثة سبعة عشر عاما مقابل سبعة أعوام في الأقمار القديمة . ولقد تولت الهيئة الدولية للاتصالات الفضائية إنتلسات (INTELSAT) مهمة تأمين الاتصالات الدولية فيما بين جميع دول العالم وأطلقت الجيل الأول من أقمارها الصناعية المتزامنة في عام 1965م وجيلها الثامن في عام 1997م. وتتكون منظومة انتلسات من أسطول من الأقمار الصناعية يتكون حاليا من سبعة عشر قمرا موزعة على ثلاث مواقع تقع فوق المحيط الأطلسي والهندي والهادي ويمكن لأي دولة الاتصال ببقية دول العالم من خلال هوائيين موجهين لموقعين من هذه المواقع الثلاث ويبلغ عدد المستجيبات على القمر الواحد من أقمار الجيل الثامن 44 مستجيبا تقوم بنقل ثلاث قنوات تلفزيونية وخمسة وأربعون ألف دائرة هاتفية باتجاه واحد. وإلى جانب خدمة انتلسات قامت دول كثيرة باستخدام أقمار صناعية خاصة بها لتأمين اتصالاتها الداخلية والخارجية مع الدول المجاورة فقد أطلق الفرنسيون قمرهم في عام 1965م والكنديون في عام 1967م والألمان في عام 1969م واليابانيون والصينيون في 1970م والإنكليز في عام 1971م والهولنديون والأسبان في عام 1974م والهنود والأندونيسيون في عام 1976م والعرب والبرازيليون في عام 1985م والسويديون في عام 1986 والإسرائيليون في عام 1988م والباكستانيون والأرجنتينيون في عام 1990م والكوريون في عام 1992م والبرتغاليون في عام 1993م والأتراك في عام 1994م والماليزيون في عام 1996م. لقد تولت الأقمار الصناعية مهمة نقل المكالمات الدولية لما يزيد عن 25 عاما ولكن مع مد أول كيبل بحري باستخدام الألياف الضوئية يربط أميركا مع أوروبا بطول ستة آلاف كيلومتر وبسعة أربعين ألف مكالمة هاتفية بدأ التحول عن الأقمار الصناعية إلى كيبلات الألياف الضوئية لنقل المكالمات الهاتفية الدولية. ولكن هذا التحول لم يفقد الأقمار الصناعية أهميتها ففي مطلع الثمانينات بدأ استخدام الأقمار الصناعية المتزامنة لبث القنوات التلفزيونية مباشرة إلى المنازل من خلال مئات الأقمار التي تبث آلاف القوات التلفزيونية التشابهية والرقمية وفي نهاية التسعينات لتقديم خدمة الهاتف النقال وخدمة الإنترنت.
البث التلفزيوني المباشر من الأقمار الصناعية
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
مقدمة
لم يكن ليخطر على بال البشر مدى الفائدة التي ستعود عليهم من خلال وضع أقمار صناعية تدور في مدارات حول الأرض. فهاهم بعد مرور ما يزيد عن خمسين عام من إطلاق أول قمر صناعي ينعمون بتطبيقات بالغة الأهمية لا حصر لها. فقد مكنتهم هذه الأقمار من التحدث مع بعضهم البعض بالهواتف رغم تباعد المسافات بينهم فحطمت بذلك الحواجز الطبيعية كالمحيطات والبحار والصحارى وسلاسل الجبال الشاهقة. ومكنتهم كذلك من نقل الأخبار بالصوت والصورة لأي حدث يجري في أي مكان على سطح الكرة الأرضية إما بشكل مباشر أو غير مباشر. ومكنتهم من مشاهدة برامج آلاف المحطات التلفزيونية التي تقوم ببث برامجها إلى الأقمار الصناعية فتقوم هذه بدورها ببثها إلى أي مكان في العالم فتلتقط إشاراتها من قبل المستخدمين بمعدات رخيصة الثمن. ومكنتهم هذه الأقمار من جمع كميات ضخمة من الصور والبيانات عن الحالة الجوية في مختلف مناطق العالم فيتم إرسالها إلى دوائر الرصد الجوي التي تقوم بمعالجتها وتوزيعها على الجهات المعنية لأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الظروف الجوية والتقليل من عواقب الكوارث الطبيعية وحوادث الطائرات والسفن والقطارات والمركبات. وبفضل الأقمار الصناعية أصبح تحديد الموقع يتم بدقة متناهية باستخدام نظام تحديد الموقع العالمي الذي يحدد خط الطول وخط العرض والارتفاع لأي مكان على سطح الكرة الأرضية واستخدم هذا النظام لهداية السفن والطائرات والمركبات للوصول إلى وجهاتها. وتقوم هذه الأقمار بأخذ الصور الفضائية العادية والرادارية وتحت الحمراء لرسم خرائط أكثر دقة للتضاريس الأرضية وكذلك لاكتشاف ثروات الأرض من معادن ومياه جوفية وبترول وغاز ولمتابعة زحف الصحراء وذوبان الثلوج وحرائق الغابات ورصد الزلازل والبراكين ولمكافحة الآفات الزراعية ولاكتشاف الآثار ولتخطيط المدن وإلى غير ذلك من التطبيقات التي لا حصر لها. ويستخدم العلماء بمختلف تخصصاتهم العلمية الأقمار الصناعية لدراسة مختلف أجرام هذا الكون وعلى وجه الخصوص الأرض التي يعيشون عليها فمن من الفضاء الخارجي يمكن مشاهدة الأرض ودراسة تضاريسها وجوها بشكل أفضل وأشمل ويمكن كذلك دراسة أجرام الكون بشكل أدق حيث أن جو الأرض وطبقة الأينوسفير تمتص جزءا كبيرا من الموجات الكهرومغناطيسية والجسيمات الذرية القادمة من الفضاء الخارجي مما يترتب عليه خسارة كبيةر في المعلومات التي تحملها هذه الموجات والجسيمات عن الكون. أما استخدام الأقمار الصناعية في التطبيقات العسكرية فإنها لا حصر لها كالتجسس على الأعداء وتوجيه الصواريخ والطائرات الحربية نحو أهدافها والإنذار المبكر من الصواريخ والطائرات القادمة لضرب الأهداف وغير ذلك.
إن أول من اقترح فكرة وضع أقمار صناعية في مدارات حول الأرض هو كاتب الخيال العلمي الأمريكي "أرثر كلارك" وذلك في عام 1945م كحل لمشكلة المكالمات الهاتفية فيما بين القارات. إن أصعب خطوة في عملية وضع قمر صناعي في مدار حول الأرض هو توفير وسيلة نقل مناسبة وطاقة كافية لرفعه من سطح الأرض ووضعه ومن ثم دفعه بالسرعة المناسبة في هذا المدار. وإذا ما تم وضع القمر في المدار المطلوب وبالسرعة المناسبة فإنه سيبقى يدور فيه من ناحية نظرية إلى الأبد دون الحاجة إلى أية طاقة جديدة لدفعه ويكون حاله كحال قمر الأرض الطبيعي الذي يدور في مداره حول الأرض منذ عدة بلايين من السنين. وبفضل سباق التسلح بين الدول العظمى وخاصة في مجال تقنية الصواريخ الحربية التي بدأت مع بداية الحرب العالمية الثانية فقد تم صناعة صواريخ يمكنها الإفلات من نطاق الجاذبية الأرضية والدوران حول الأرض. فقد تمكن الاتحاد السوفيتي في الرابع من تشرين أول من عام 1957م من وضع أول قمر صناعي (سبوتنيك 1) في مدار أرضي منخفض وبعد أربعة أشهر فقط وفي الأول من شباط من عام 1958م وضعت الولايات الأمريكية المتحدة قمرها الصناعي الأول (إكسبلورر1) في مدار أرضي منخفض ومن ثم بدأ سباق محموم بين الدولتين العظميين في مجال غزو الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية في شتى الأغراض العسكرية والمدنية والعلمية. ففي مجال الاتصالات أطلقت أمريكا في عام 1962م أول قمر صناعي غير متزامن لأغراض الاتصالات وهو تيليستار-1 أتبعته في عام 1963م بقمر صناعي متزامن للاتصالات (سينكوم2) بينما أطلق الروس قمرهم الصناعي غير المتزامن لأغراض الاتصالات مولينيا-1 في عام 1965م. وفي مجال الأرصاد الجوية تم في عام 1961م إطلاق أول قمر صناعي وهو تيروس-1 وذلك لأغراض التنبؤات الجوية حيث تقوم مثل هذه الأقمار بتصوير حركة السحب والأعاصير والعواصف في مختلف مناطق العالم واستخدام هذه المعلومات لإصدار النشرات الجوية. وفي عام 1964م تم إطلاق القمر الصناعي ترانست لأغراض الملاحة حيث تساعد مثل هذه الأقمار الطائرات والسفن إلى الاهتداء إلى مساراتها الصحيحة.
أنواع المدارات
لا تشذ الأقمار الصناعية عن بقية الأجرام السماوية من حيث أن القاعدة التي تحكم بقاء جرم بجوار جرم آخر هو قوله تعالى "وكل في فلك يسبحون". فلا يوجد في هذا الكون جرم ساكن لا يتحرك حيث أنه سينجذب بمجرد سكونه إلى أقرب الأجرام إليه ويتحد معه ولذلك نجد أن القمر يدور حول الأرض ليبقى في جوارها والأرض وبقية الكواكب تدور حول الشمس لتبقى بقربها والمجموعة الشمسية وكذلك بقية نجوم مجرة درب التبانة تدور حول مركز المجرة. وإذا ما تم وضع قمر صناعي في المدار المطلوب وبالسرعة المناسبة فإنه سيبقى يدور فيه إلى الأبد دون الحاجة إلى أية طاقة جديدة لدفعه وهذا على فرض غياب أي مؤثرات خارجية عليه ويكون حاله كحال قمر الأرض الطبيعي الذي يدور في مداره حول الأرض منذ عدة بلايين من السنين. والسبب وراء استقرار القمر الصناعي معلقا في مداره فوق الأرض هو تساوي قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركته الدائرية مع قوة الجاذبية الأرضية عليه. وتتناسب قوة الجاذبية طرديا مع حاصل ضرب كتلة الأرض بكتلة القمر الصناعي وعكسيا مع مربع المسافة بينهما بينما تتناسب القوة الطاردة طرديا مع حاصل ضرب كتلة القمر بمربع السرعة الخطية له وعكسيا مع المسافة بين القمر والأرض. وعند مساواة القوتين فإن كتلة القمر ستختصر من طرفي المعادلة وعليه فإن سرعة القمر الصناعي ستتناسب عكسيا مع الجذر التربيعي للمسافة بينه وبين الأرض بغض النظر عن مقدار كتلته. ولذلك نجد أن الأقمار ذات المدارات المنخفضة تدور بسرعات أعلى وتكمل دورتها حول الأرض في فترات أقصر من تلك الموضوعة في المدارات العالية. فعلى سبيل المثال فإن سرعة القمر الصناعي في مدار على ارتفاع 500 كيلومتر عن سطح الأرض تبلغ 27000 كيلومتر في الساعة ويكمل دورته حول الأرض في ساعة ونصف تقريبا بينما تبلغ سرعة القمر الصناعي في مدار على ارتفاع 36000 كيلومتر عن سطح البحر تبلغ 11000 كيلومتر في الساعة ويكمل دورته حول الأرض في 24 ساعة.
ويمكن تصنيف مدارات الأقمار الصناعية تبعا لعوامل مختلفة فمن حيث شكل المدار يوجد نوعين من المدارت وهي المدارات الدائرية والتي تقع الأرض في مركز الدائرة والمدارات البيضاوية أو الإهليجية حيث تقع الأرض في أحد مركزي الإهليج وتسمى النقطة التي يكون فيها القمر أقرب ما يكون للأرض بنقطة الحضيض (pergee) أما الأبعد فتسمى بنقطة الأوج (apogee). أما تصنيفها من حيث الزاوية الواقعة بين مستوى المدار مع مستوى خط الأستواء فيوجد ثلاثة أنواع وهي المدارات الاستوائية (equatorial orbits) والتي يتطابق فيها المستويان أي أن القمر الصناعي يقع تماما فوق خط الاستواء طوال الوقت والمدارات القطبية (polar orbits) والتي يتعامد فيها المستويان وفي هذه المدارات يمر القمر من فوق قطبي الأرض مرة في كل دورة والمدارات المائلة (inclined orbits) والتي يوجد زاوية بين المستوييين تتراوح قيمتها بين صفر و 180 درجة ويستثنى منها زاوية الصفر و 180 وهي زاوية المدارات الإستوائية وزاوية 90 وهي زاوية المدارات القطبية. وأما تصنيفها من حيث ارتفاعها عن سطح الأرض فإنه من حيث المبدأ يمكن وضع القمر الصناعي على أي ارتفاع فوق سطح الأرض إلا أنه يوجد بعض الارتفاعات التي يجب تجنبها وهي منطقة الغلاف الجوي (أقل من 500 كيلومتر) وذلك لتفادي احتراق القمر بسبب احتكاكه مع الهواء نتيجة لسرعته الهائلة في مثل هذه المدارات المنخفضة ومنطقة حزام إشعاعات فان ألن (Van Allen Radiation Belt) ( بين ألفين وعشرة آلاف كيلومتر) لتجنب الإشعاعات الضارة بالخلايا الشمسية وأجهزة الاتصالات. وعليه فإنه يوجد ثلاثة أنواع من المدارات من حيث الارتفاع وهي المدارات المنخفضة (low earth orbits(LEO)) وتقع بين 500 و 2000 كيلومتر والمدارات المتوسطة (medium earth orbits(MEO)) وتقع بين 10000 و 20000 كيلومتر والمدارات المتزامنة (geosynchronous orbits(GEO)) وهي على ارتفاع 36000 كيلومتر تقريبا. ومن بين عدد لا يحصى من هذه المدارات التي يمكن وضع القمر فيها حول الأرض هنالك مدار وحيد فريد يبدو فيه القمر الصناعي ثابتا لمن يشاهده من على سطح الأرض ويعود السبب في ذلك إلى تساوي السرعة الزاوية لدوران القمر في هذا المدار مع السرعة الزاوية لدوران الأرض حول محورها. ويطلق اسم المدار المتزامن مع الأرض (geosynchronous orbit) على هذا المدار وذلك لتزامن دورانه مع دوران الأرض وهو مدار دائري يقعتماما فوق خط الاستواء وعلى ارتفاع 36000 كيلومتر تقريبا عن سطح البحر. ويعتبر المدار المتزامن من أنسب المدارات لأغراض أنظمة الاتصالات وذلك لثبات موقعه بالنسبة للمنطقة المقابلة له من الأرض مما يترتب عليه استخدام هوائيات ثابتة التوجيه في المحطات الأرضية. وتبلغ المساحة القصوى التي يمكن للقمر المتزامن تغطيتها 40 بالمائة من مساحة سطح الأرض وتكفي في هذه الحالة ثلاثة أقمار متزامنة لتغطية جميع سطح الأرض باستثناء مساحة صغيرة تقع حول القطبين الشمالي والجنوبي. أما المدارات غير المتزامنة فهي كل ما عدا المدار المتزامن من مدارات والتي تقع في الغالب تحت المدار المتزامن وتتصف بوجود حركة نسبية بينها وبين الأرض مما يستدعي استخدام هوائيات متحركة للمحطات الأرضية تتبع حركة القمر منذ طلوعه حتى غيابه عن الأفق ويترتب على غياب القمر عن سماء منطقة أرضية محددة انقطاع الاتصالات لحين ظهوره مرة أخرى ولحل هذه المشكلة تستخدم عدة أقمار في نفس المدار بحيث يطلع أحدها عندما يغيب القمر الذي يسبقه ويتحدد عدد الأقمار اللازمة من مواصفات المدار من حيث ارتفاعاته وشكله ومدة طلوعه على المنطقة المراد تغطيتها بنظام الاتصالات. على الرغم من هذه السيئات لأقمار الاتصالات الموضوعة في المدارات غير المتزامنة فإنها تمتاز على الأقمار المتزامنة بقلة استهلاك القدرة اللازمة للبث وكذلك قلة التأخير الزمني في الإشارات المبثوثة وذلك بسبب قربها من الأرض.
إطلاق الأقمار الصناعية
توجد طريقتان لوضع الأقمار الصناعية في مداراتها أما الطريقة الأولى فهي باستخدام الصواريخ غير المستردة وأما الطريقة الثانية فهي باستخدام المكوك الفضائي (space shuttle) والذي يحتاج أيضا للصواريخ غير المستردة لإخراجه من نطاق الجاذبية الأرضية. إن فكرة استخدام الصواريخ في الحروب فكرة قديمة ينسب اختراعها إلى الصينيين في القرن الرابع عشر الميلادي حيث كانت هذه الصواريخ البسيطة تتكون من أنابيب حديدية يتم إغلاق أحد فوهتيها بينما تبقى الفوهة الأخرى مفتوحة وعندما يتم ملؤها بالبارود وإشعالها فإن الغازات الناتجة عن الاحتراق تخرج بقوة من الفوهة المفتوحة ويكون رد الفعل أن تنطلق الأنبوبة بقوة في الاتجاه المعاكس نحو الهدف المنشود. ولقد بقي تصميم هذه الصواريخ البسيطة على الحال الذي كانت عليه إلى أن تم إضافة الزعانف على ذيل الصواريخ وذلك لكي تعمل على تدوير جسم الصاروخ للحفاظ على اتزانه وذلك في منتصف القرن التاسع عشر. لقد كان الدافع الرئيسي وراء تطوير تقنية الصواريخ الحديثة هو حاجة الدول المتحاربة لضرب الأهداف العسكرية والمدنية البعيدة المدى في الدول المعادية والتي لا يمكن لقذائف المدافع الوصول إليها ولا يمكن كذلك المخاطرة بإرسال الطائرات الحربية باهضة الثمن لضربها وذلك تخوفا من إسقاطها .
ويعود الفضل الأكبر في وضع الأسس العلمية لتكنولوجيا الصواريخ الحديثة للعالم الأمريكي "روبرت قودارد" حيث قام في عام 1914م بتسجيل عدة براءات اختراع تتعلق بصواريخ تعمل بالوقود السائل والصلب وكذلك تصاميم لصواريخ متعددة المراحل. وفي عام 1926م تمكن هذا العالم من إطلاق أول صاروخ يعمل بالوقود السائل ولم يرتفع هذا الصاروخ عن سطح الأرض أكثر من عشرة أمتار. وفي بداية الثلاثينيات بدأ كل من الألمان والروس بالعمل على تطوير تقنية الصواريخ وكان على رأس الفريق الألماني العالم الشهير "فون براون" والذي تمكن مع فريقه في عام 1934م من إطلاق صاروخ وصل إلى علو ثلاثة كيلومترات. أما الفريق الروسي فقد تمكن من إطلاق صاروخ وصل إلى ارتفاع 12 كيلومتر. وأما الصواريخ الأمريكية التي أطلقها قودارد فلم يتجاوز ارتفاعها عدة كيلومترات إلا أنه ساهم في إضافة عدة تحسينات على تقنية الصواريخ مثل استخدام الجايرسكوب للحفاظ على اتزان واتجاه الصاروخ أثناء انطلاقه وكذلك استخدام المضخات لضخ الوقود السائل لغرفة الاحتراق. وفي عام 1942م تمكن الألمان من إطلاق صاروخ وصل مداه إلى 200 كيلومتر مما مكنهم في عام 1944م وأثناء الحرب العالمية الثانية من ضرب لندن بأكثر من ألف صاروخ. ومع نهاية الحرب العالمية تمكن الألمان من تطوير أول صاروخ عابر للقارات يمكنه الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية في عام 1945م تمكن الأمريكان من جلب أكثر من خمسين من العلماء والمهندسين الألمان المختصين في تقنية الصواريخ وعلى رأسهم "فون براون" وتمكنوا كذلك من الحصول على أكثر من مائة صاروخ ألماني. وبهذه الإمكانات بدأ الأمريكان العمل على تطوير برامج لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى للأغراض الحربية وكذلك لغرض غزو الفضاء. ولا ننسى أن نذكر أن عددا من خبراء تقنية الصواريخ الألمان قد وصلوا أيضا إلى روسيا وانضموا إلى الفريق الروسي وبذلك بدأ التنافس المحموم بين الأمريكان والروس في تطوير تقنية الصواريخ بعيدة المدى. ففي عام 1950م تمكن الأمريكان من إطلاق صاروخ متعدد المراحل حيث وصل إلى ارتفاع 400 كيلومتر وينطلق بسرعة ثمانية ألاف كيلومتر في الساعة. وفي عام 1957م تمكن الروس من استخدام الصواريخ لوضع أول قمر صناعي في مدار حول الأرض على ارتفاع 600 كيلومتر عن سطح الأرض وتمكنوا في نفس العام من إطلاق قمر صناعي يحمل كائن حي وهو الكلبة "لايكا". وقد صدم الأمريكان من هذه الإنجازات التي أحرزها الروس في مجال غزو الفضاء مما دفعهم لمضاعفة جهودهم في تطوير صواريخهم وقد تمكنوا في عام 1958م من إطلاق أول قمر صناعي. ومرة أخرى تفاجأ الأمريكان في عام 1959م بتمكن الروس من استخدام صواريخ قادرة على الوصول إلى القمر حيث تم تحميلها بأجهزة قياس مختلفة وتم إسقاطها على سطح القمر. أما المفاجئة الأخرى فهو تمكن الروس في عام 1960م من إرسال كلبين في مركبة دارت حول الأرض ثم عادت بسلام إلى الأرض. ولكن سرعان ما تمكن الأمريكان من أخذ زمام الأمور في تقنية إطلاق الصواريخ وذلك بسبب تفوقهم على الروس في مجال التقنيات الأخرى التي تحتاجها الصواريخ كتقنيات الاتصالات والحواسيب والتحكم والإلكترونيات.
يتحدد نوع الصاروخ من نوع الوقود الذي يستعمله فهناك نوعان من الصواريخ أحدهما يستخدم الوقود الصلب بينما يستخدم النوع الثاني الوقود السائل. ففي الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب يوجد خزان واحد على شكل أسطوانة يتم ملؤه بخليط من أحد أنواع الوقود الصلب مع المادة المؤكسدة وعندما يتم إشعال الفتيل تبدأ عملية احتراق الخليط مخرجة غازات الاحتراق من فوهة غرفة الاحتراق الموجودة في مؤخرة الصاروخ لتدفعه بقوة إلى الأمام. أما صواريخ الوقود السائل فتتكون من خزانين منفصلين يحتوي أحدهما الوقود السائل بينما يحتوي الآخر على المادة المؤكسدة وهي الأوكسجين على شكل سائل ويوجد كذلك مضخات تقوم بضخ المادتين إلى غرفة الاحتراق. وتتميز صواريخ الوقود الصلب بسهولة تركيبها إلا أن عيبها يكمن في صعوبة التحكم بعملية احتراق الوقود فبمجرد أن يتم إشعال الوقود ولذا فإن عملية الاحتراق لن تتوقف إلا بنفاد الوقود. أما صواريخ الوقود السائل فيمكن التحكم بكمية الاحتراق من خلال التحكم بالكمية التي تضخها مضختي الوقود والمؤكسد ولكن عيبها يكمن في تعقيد تركيبها وزيادة وزنها بسبب وجود المضخات فيها. ويتم بناء الصواريخ على شكل جسم أسطواني يزيد طوله كثيرا عن قطره وذلك لتقليل مقاومة الهواء له أثناء انطلاقه في الغلاف الجوي ويتكون هذا الجسم من عدة مراحل فعلى رأس الصاروخ توجد الغرفة التي يوضع فيها الحمل المراد وضعه في المدار كالأقمار الصناعية تليها مرحلتين أو أكثر من المحركات التي يتم تشغيلها على التوالي ابتداءا من المرحلة السفلى والتي يتم فصلها عن جسم الصاروخ بمجرد انتهاء وقودها ليبدأ تشغيل المرحلة التالية. إن استخدام المراحل في تصميم الصواريخ ضروري لكي يتم تخفيف وزن الصاروخ شيئا فشيئا أثناء انطلاقه وبذلك نمكنه من الوصول إلى سرعات أعلى وبالتالي ارتفاعات أعلى. ويلزم على الأقل مرحلتين من المحركات في الصاروخ فالمرحلة الأولى تضع الصاروخ في مدار تقريبي حول الأرض ويمكن استخدام الوقود الصلب أو السائل في هذه المرحلة بينما تقوم المرحلة الثانية بوضع القمر الصناعي في المدار الصحيح المخصص له ولذا يجب أن تستخدم محركات الوقود السائل لكي يتم التحكم بتشغيلها أو إيقافها أثناء مناورة وضع القمر في مداره. ويلزم في كثير من الأحيان وضع صواريخ مساعدة يتم تثبيتها على جسم الصاروخ الرئيسي يتم تشغيلها مع المرحلة السفلى من الصاروخ لتعطيه مزيدا من قوة الدفع. وتتراوح أطوال الصواريخ الحديثة المستخدمة لنقل الأقمار الصناعية بين 50 و 60 مترا وقطرها بين 4 و 6 أمتار بينما يتراوح وزنها بين 500 و 1000 طن أما حملها فيتراوح بين 10 و 20 طن. فعلى سبيل المثال فإن الجيل الخامس من صاروخ إيريان الأوروبي والذي ظهر في عام 1997م يبلغ وزنه 777 طن وارتفاعه 51 مترا وقطره 5.4 مترا وحمله 16 طن للمدارات المنخفضة و 7 طن للمدارات المتزامنه ويبلغ وزن الوقود في المرحلة الرئيسية 155 طن من الأوكسجين والهيدروجين أما دفعها فيبلغ مليون نيوتن تقريبا.
أما الطريقة الثانية المستخدمة في نقل الأقمار الصناعية وغيرها من الأحمال إلى مداراتها فهي باستخدام ما يسمى بالمكوك الفضائي والذي لا يوجد منه إلا في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى عكس من الصواريخ التي لا يعود منها إلى الأرض شيئا فإن المكوك الفضائي يعود بكامله إلى الأرض ليعاد استخدامه من جديد. والمكوك الفضائي له شكل طائرة بجناحين وذيل وعجلات ويمكنه الهبوط على مدارج الطائرات العادية ويمكن إعادة استخدامه لما يقرب من مائة مرة وبفاصل زمني لا يتجاوز اسبوعين بين عمليات الإطلاق. وقد صمم المكوك بحيث يمكنه المكوث في الفضاء لمدة ثلاثين يوما وقد تم ضبط الضغط في داخل قمرة القيادة ليماثل الضغط الجوي الأرضي بحيث يمكن للرواد البقاء في داخله بملابسهم العادية. وإلى جانب قمرة القيادة التي تقع في مقدمة المكوك يوجد صندوق يبلغ طوله 18 متر وعرضه خمسة أمتار يستخدم لحمل مختلف أنواع الحمولات التي قد يصل وزنها إلى 29 طنا كالأقمار الصناعية وقطع المختبرات الفضائية. وفي عام 1982م تم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "كولومبيا" لأول مرة وكان يحمل قمرين صناعيين تمكن الرواد الذين على ظهره من وضعهما في مداريهما. وفي عام 1983م تم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "تشالينجر" لأول مرة والذي تم استخدامه لوضع مختلف أنواع الأقمار الصناعية في مداراتها وتم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "ديسكفري" في عام 1984م والمكوك "أتلانتس" في عام 1985م وفي عام 1986م تعرض مكوك الفضاء "تشالينجر" لحادث مؤسف حيث قتل سبعة من الرواد وهم على متنه. وفي عام 1992م تم إطلاق مكوك الفضاء الأمريكي "إنديفور" وقد تمكن الرواد الذين على ظهره من الإمساك بأحد الأقمار الصناعية وإصلاحه. وفي عام 1995م تمكن المكوك الفضائي الأمريكي "أتلانتس" من الالتحام بسفينة الفضاء الروسية "مير". وفي عام 1998م تم استخدام المكوك لإرسال رواد فضاء للعيش على متن محطة الفضاء الدولية التي بوشر في بناءها في الفضاء في عام 1998م بجهود مشتركة من الأمريكان والروس والتي لا زالت تعمل إلى الآن. ويحتاج المكوك إلى صواريخ مساعدة لوضعه في مداره حول الأرض ولكن يمكنه الرجوع إلى الأرض باستخدام محركاته الخاصة وبمساعدة الجاذبية الأرضية. ويبلغ طول المكوك إنديفور على سبيل المثال 37 مترا وعرضه عند أجنحته 24 مترا وارتفاعه 18 مترا أما وزنه فارغا فيبلغ 78 طن ووزن حمولته 25 طن. ويتم حمل المكوك إلى الفضاء باستخدام محرك المكوك بعد تزويده بالوقود من خزان ضخم مثبت على بطن المكوك يبلغ طوله 47 متر وقطره 8.4 متر وسعته 730 طن من الوقود وباستخدام صاروخين مساعدين يبلغ طول الواحد منهما 47 مترا وقطره 3.7 متر ووزنه عند الاقلاع 590 طن وبهذا يكون مجموع وزن المكوك مع تنك الوقود والصاروخان المساعدان ألفي طن وتبلغ قوة الدفع الكلية عند الاقلاع 30 مليون نيوتن.
إن عملية وضع الأقمار الصناعية في مدارتها باستخدام الصواريخ أو المكوك عملية بالغة التعقيد وباهضة التكاليف ولا تتم إلا تحت سيطرة حواسيب عملاقة حيث أن الإشارات التي تبعث بها أجهزة القياس الموجودة على الصاروخ والإشارات التي تبعث بها أجهزة التحكم الموجودة في المحطات الأرضية من الكثرة ومن سرعة الحدوث بحيث لا يمكن للمهندسين معالجتها يدويا. وإلى جانب المحطة الأرضية الموجودة في موقع الإطلاق يوجد عدة محطات للمراقبة والتحكم موزعة في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية لكي تتمكن من استلام الإشارات التي تبعث بها أجهزة القياس والتحكم الموجودة على ظهر الصاروخ عند غياب الصاروخ عن مدى رؤية المحطة الرئيسية. إن القوة لوحدها لا تكفي لوضع الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض فالصاروخ الذي تصل سرعته إلى سرعة الإفلات وهي 11.2 كيلومتر في الثانية (40320 كيلومتر في الساعة) يمكنه الخروج من جاذبية الأرض بشكل نهائي ولا يمكنه العودة إليها. ولذلك فإن وضع القمر الصناعي في مدار أرضي يتطلب التحكم بسرعة وكذلك اتجاه الصاروخ في كل لحظة زمنية لكي نضمن عدم افلاته من الجاذبية الأرضية والضياع في الفضاء الخارجي. ولذلك فإن الصاروخ وكذلك القمر الذي يحمله تحتوي على معدات معقدة تقوم بقياس سرعة واتجاه الصاروخ يتم إرسالها إلى المحطات الأرضية لكي تقوم بإرسال إشارات التحكم المناسبة التي تعمل على تصحيح مسار إنطلاق الصاروخ. وفي العادة يتم إطلاق الصاروخ بشكل عامودي ليقطع أقصر مسافة ممكنة في الغلاف الجوي وذلك لتقليل الاحتكاك بالهواء إلى أقل قدر ممكن وعندما يصل الصاروخ إلى ارتفاع 200 كيلومتر حيث تخف عندها كثافة الهواء يبدأ الصاروخ بالإنحراف باتجاه المدار المنوي وضع القمر فيه. وعادة ما يتم بشكل ابتدائي وضع جميع أنواع الأقمار الصناعية في مدارات منخفضة تبدأ ارتفاعاتها من 300 كيلومتر عن سطح الأرض ومن ثم يتم نقل هذه الأقمار إلى مداراتها النهائية باستخدام محركات المرحلة الأخيرة من الصاروخ. ولكي يتم وضع قمر في مدار دائري على ارتفاع 300 كيلومتر عن سطح الأرض فإن يلزم أن تصل سرعة الصاروخ إلى 27878 كيلومتر في الساعة. وتتم عملية وضع القمر في مثل هذه المدارات في عدة دقائق ويستهلك الصاروخ في هذه المرحلة معظم الوقود الذي يحمله ولكن يبقى في المحرك الأخير من الصاروخ ما يكفي من الوقود لوضع القمر في مداره النهائي ولكنها كمية قليلة حيث أن الصاروخ قد تخلص من معظم وزنه إلى جانب انخفاض احتكاك الهواء بشكل كبير عند هذه الارتفاعات. وتعتبر عملية نقل الأقمار الصناعية من المدارات المنخفضة إلى المدارات المتزامنة من أصعب عمليات الإطلاق حيث تحتاج إلى مناورات دقيقة لكي يتم وضع القمر المتزامن في مكانه الصحيح خاصة مع وجود مئات الأقمار الصناعية في هذا المدار. وتتم هذه العملية من خلال نقل القمر من المدار المنخفض إلى مدار وسيط يسمى مدار الانتقال (transfer orbit) وهو مدار بيضاوي الشكل يلامس حضيضه المدار المنخفض بينما يلامس أوجه المدار المتزامن. ولكي يتم نقل القمر من المدار المنخفض إلى المدار الانتقالي فإنه يلزم رفع سرعته من 28000 كيلومتر في الساعة على افتراض أن ارتفاعه 300 كيلومتر إلى 36540 كيلومتر في الساعة ويتم ذلك من خلال تشغيل محركات الدفع المرتبطة بالقمر لفترة زمنية محسوبة بدقة عند نقطة الحضيض. أما الخطوة التالية فهي نقل القمر من المدار الانتقالي إلى المدار المتزامن ويتم ذلك من خلال تشغيل المحركات عندما يكون القمر في نقطة الأوج على ارتفاع 36000 كيلومتر وهو ارتفاع المدار المتزامن. وبما أن سرعة القمر عند نقطة الأوج وهو في المدار الانتقالي تبلغ 5796 كيلومتر في الساعة فإنه يلزم رفع هذه السرعة إلى 11050 كيلومتر في الساعة لكي يبدأ بالدوران في المدار المتزامن. ويتحدد وزن وحجم القمر الصناعي المراد إطلاقه من إمكانات صواريخ الإطلاق التي تقوم بنقلها من الأرض إلى مداراتها ففي الستينات لم تتجاوز حمولة صاروخ الإطلاق إلى المدار المتزامن عدة مئات من الكيلوجرامات ثم ارتفع هذا الرقم إلى ألف كيلوجرام في السبعينات ثم إلى ألفي كيلوجرام في الثمانينات وإلى ثلاثة آلاف كيلوجرام في بداية التسعينات وخمسة آلاف كيلوجرام في نهايتها وتصل الحمولة الآن إلى ما يزيد من 20 آلف كيلوجرام. ويمكن رفع الحمولة إلى الضعف في حالة إرسال الأقمار إلى المدارات المنخفضة غير المتزامنة. ويعتبر صاروخ دلتا التابع لشركة بوينغ الأمريكية من أكثر الصواريخ المستخدمة في إطلاق الأقمار الصناعية حيث أطلق ما يزيد عن ثلاثمائة قمر منذ عام 1960م ويليه صاروخ أطلس التابع لشركة لوكهيد الأمريكية الذي أطلق عددا مماثل من الأقمار الصناعية ثم صاروخ بروتون الروسي الذي أطلق ما يزيد عن مائتي قمر منذ عام 1960م وصاروخ إيريان الأوروبي الذي أطلق ما يزيد عن مائتي قمر منذ عام 1981م. بدأ البرنامج الأوروبي لإطلاق الأقمار الصناعية في عام 1979م باستخدام صاروخ إيريان وقد بلغ وزن الجيل الأول من صاروخ إيريان 210 أطنان عند الإطلاق وقادر على حمل ما يقرب من ألفي كيلوغرام.
الأقمار الصناعية للإتصالات
لقد وصل مهندسو الاتصالات في منتصف القرن العشرين إلى طريق مسدود وهم يحاولون بناء أنظمة اتصالات تقوم بنقل المكالمات الهاتفية الدولية وخاصة فيما بين دول القارات المختلفة والدول التي تفصل بينها عوائق طبيعة كالبحار وسلاسل الجبال الشاهقة والصحارى الشاسعة. فأنظمة الأمواج الدقيقة (microwave systems) التي ظهرت في منتصف الأربعينات من القرن العشرين لا يمكن استخدامها فيما بين القارات وهي صعبة الإنشاء وباهضة التكاليف فيما بين الدول التي يفصل بينها عوائق طبيعية حيث يتطلب وضع معيد كل مائة كيلومتر على أقصى تقدير ويتطلب تزويدها بالطاقة الكهربائية لتشغيل أجهزتها الإلكترونية. أما أنظمة الكوابل المحورية فإن مدها في المحيطات وعبر سلاسل الجبال الشاهقة والصحارى الشاسعة يتطلب وقتا وجهدا كبيرا وكلفة عالية إذا ما علمنا أن عدد المكالمات التي يحملها الكيبل المحوري لا يتجاوز عدة مئات. فأول كيبل محوري تم مده بين أمريكا الشمالية وأوروبا لتوفير خدمة الخدمة الهاتفية وذلك في عام 1956م لم تتجاوز سعته خمسين مكالمة هاتفية رغم كلفته العالية. ولهذه الأسباب اقترح كاتب الخيال العلمي الإنكليزي أرثر كلارك (Arthur Clarke) في عام 1945م فكرة لحل مشكلة الاتصالات فيما بين القارات وبين الدول التي تفصل بينها عوائق طبيعية وذلك بوضع أقمار صناعية في مدارات حول الأرض. وتعمل هذه الأقمار كمعيدات للأمواج الدقيقة (microwave repeaters) تقوم باستقبال الإشارات من محطات أرضية ثم تعيد بثها ثانية إلى الأرض لتستلمها محطات أرضية أخرى على بعد آلاف الكيلومترات. فكرة ذكية ولكن يحول دون تحقيقها عشرات المشاكل والتي من أهمها أن وضع أقمار صناعية في مدارات حول الأرض يتطلب وجود صواريخ دفع جبارة لإخراجه من نطاق الجاذبية الأرضية. وكذلك مشكلة توفير الطاقة اللازمة لتشغيل أجهزة الاتصالات الموجودة عليها ومشكلة الحفاظ على هوائيات الإرسال والاستقبال موجهة نحو الأرض باستمرار ومشكلة انقطاع الاتصالات أثناء فترة غياب الأقمار غير المتزامنة عن سماء منطقة معينة على الأرض وغيرها من المشاكل.
ويحمل القمر الصناعي المستخدم لأغراض الاتصالات عدد من أجهزة الاستقبال والإرسال تسمى المستجيبات (transponders) وعدد من الهوائيات وعدد كبير من الخلايا الشمسية المرصعة على جسم القمر أو على أجنحة ممتدة منه تقوم بتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية تخزن في بطاريات لتشغيل أجهزته المختلفة إلى جانب أجهزة للتحكم والقياس. ويحمل كذلك مجموعة أنابيب مملوءة بالغاز تستخدم كوسيلة دفع عند نفث الغاز منها للحفاظ على القمر في مداره المحدد والذي قد ينحرف تدريجيا عن مساره نتيجة للقوى المؤثرة عليه من الجسيمات القادمة من الشمس والفضاء الخارجي وغالبا ما يتحدد عمر القمر الافتراضي من كمية الغاز الموجودة على ظهره حيث يصل عمر الأقمار الحديثة ما يقرب من خمس عشرة عاما. ويحمل القمر أجهزة تعمل على حفظ اتزان القمر الذي قد يتذبذب لأدنى قوة تؤثر عليه بسبب انعدام الجاذبية وذلك لكي تبقى الهوائيات موجهة بشكل بالغ الدقة إلى الأرض. ويتم ذلك من خلال طريقتين القديمة منهما تتم من خلال تدوير جسم القمر بالكامل حول محور معين بسرعة عالية (spin stabilized) فيبقى القمر موجها نحو الأرض بسبب ما يسمى التأثير الجايروسكوبي (gyroscopic effect). وفي هذا النوع يلزم وضع الخلايا الشمسية على سطح جسم القمر ذي الشكل الاسطواني. أما الطريقة الحديثة فهي ما يسمى الاستقرار ثلاثي المحاور (3-axis stabilization) حيث يتم استخدام أقراص ثقيلة تدور حول ثلاث محاور متعامدة بسرعات عالية وبسبب التأثير الجايروسكوبي تعمل هذه الأقراص على استقرار جسم القمر بالاتجاه المطلوب, ويخصص لكل قمر محطة أرضية تعمل على مراقبة وضعه في مداره وحالة أنظمته المختلفة من خلال أجهزة قياس ومجسات مختلفة تقوم بإرسال قياساتها إلى المحطة الأرضية التي ترسل الأوامر لتصحيح وضع القمر وإصلاح الأعطال التي قد تصيب أجهزته وكذلك توجيه الهوائيات إلى مناطق التغطية المختلفة على سطح الأرض. ويتحدد وزن وحجم القمر الصناعي المراد إطلاقه من إمكانات صواريخ الإطلاق التي تقوم بنقلها من الأرض إلى مداراتها ففي الستينات لم تتجاوز حمولة صاروخ الإطلاق إلى المدار المتزامن عدة مئات من الكيلوجرامات ثم ارتفع هذا الرقم إلى ألف كيلوجرام في السبعينات ثم إلى ألفي كيلوجرام في الثمانينات وإلى ثلاثة آلاف كيلوجرام في بداية التسعينات وخمسة آلاف كيلوجرام في نهايتها وتصل الحمولة الآن إلى ما يقرب من ستة آلاف كيلوجرام ويمكن رفع الحمولة إلى الضعف في حالة إرسال الأقمار إلى المدارات المنخفضة غير المتزامنة. ويعتبر صاروخ دلتا التابع لشركة بوينغ الأمريكية من أكثر الصواريخ المستخدمة في إطلاق الأقمار الصناعية حيث أطلق ما يزيد عن ثلاثمائة قمر منذ عام 1960م ويليه صاروخ أطلس التابع لشركة لوكهيد الأمريكية الذي أطلق عددا مماثل من الأقمار ثم صاروخ بروتون الروسي الذي أطلق ما يزيد مائتي قمر منذ عام 1960م وصاروخ إيريان الأوروبي الذي أطلق ما يزيد عن مائتي قمر منذ عام 1981م.
ويتكون المستجيب من جهاز استقبال وجهاز إرسال وهوائي يعمل كهوائي إرسال وهوائي استقبال في نفس الوقت ويمكن لهذا الهوائي أن يخدم واحد أو أكثر من هذه المستجيبات ويتراوح عدد المستجيبات التي تحملها الأقمار الصناعية بين عشرة مستجيبات وخمسين مستجيبا وذلك تبعا لكمية الطاقة الكهربائية التي يمكن للقمر توفيرها وتبعا لكمية الطاقة التي يستهلكها المستجيب الواحد. وفي أقمار المكالمات الهاتفية يتم تقليل قدرة المستجيبات وزيادة عددها لزيادة عدد المكالمات الهاتفية بينما في أقمار البث التلفزيوني يتم زيادة قدرة المستجيبات وتقليل عددها وذلك لتقليل قطر الصحون اللاقطة وبالتالي تقليل كلفة استقبالها في المنازل. ويتحدد عدد المكالمات الهاتفية والإشارات التلفزيونية التي يمكن للقمر نقلها أو بثها من عدد المستجيبات التي يحملها حيث يستطيع المستجيب الذي يبلغ عرض نطاقه في الغالب 36 ميغاهيرتز أن ينقل إشارة تلفزيونية واحدة أو ما يقرب من ألف مكالمة هاتفية باتجاه واحد في حالة استخدام التقنية التشابهية أما في حالة استخدام التقنية الرقمية فيمكن زيادة عدد الإشارات التلفزيونية والمكالمات الهاتفية إلى عشرة أضعاف . ويتحدد عدد المستجيبات التي يمكن للقمر حملها من كمية الطاقة الكهربائية التي تولدها الخلايا الشمسية والتي تعتمد على عدد ومساحة الخلايا الشمسية وكفاءتها في تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية ففي الستينات لم تتجاوز الطاقة الكهربائية المولدة خمسمائة واط وكفاءة الخلايا الشمسية الخمسة بالمائة ثم ارتفعت الطاقة إلى ألف واط والكفاءة إلى عشرة بالمائة في السبعينات وإلى ألفي واط وخمسة عشر بالمائة في الثمانينات وإلى أربعة آلاف واط وعشرين بالمائة في التسعينات وإلى ثمانية آلاف واط وخمسة وعشرين بالمائة بعد عام 2000م. وتستهلك معظم الطاقة الكهربائية التي تولدها الخلايا الشمسية من قبل المستجيبات التي تقوم بتحويل طاقة التيار المستمر إلى طاقة أمواج راديوية يتم بثها إلى الأرض وتتراوح كمية الطاقة الراديوية التي يبثها المستجيب الواحد بين عدة عشرات من الواط في الأقٌمار المخصصة لنقل المكالمات الهاتفية ومائتي واط في أقمار البث التلفزيوني المباشر للمنازل. ومن المعروف أنه كلما زادت قدرة بث المستجيب كلما قل قطر صحن هوائي الاستقبال في المحطات الأرضية والذي أصبح الآن لا يتجاوز المتر في صحون استقبال البث التلفزيوني المباشر المستخدم في المنازل. ويتحدد عمر القمر الافتراضي من كمية الغاز الذي يحمله فمع انتهاء كمية الغاز يصبح من الصعب الحفاظ على القمر في مداره الصحيح ويبلغ عمر الأقمار الصناعية الحديثة سبعة عشر عاما مقابل سبعة أعوام في الأقمار القديمة . ولقد تولت الهيئة الدولية للاتصالات الفضائية إنتلسات (INTELSAT) مهمة تأمين الاتصالات الدولية فيما بين جميع دول العالم وأطلقت الجيل الأول من أقمارها الصناعية المتزامنة في عام 1965م وجيلها الثامن في عام 1997م. وتتكون منظومة انتلسات من أسطول من الأقمار الصناعية يتكون حاليا من سبعة عشر قمرا موزعة على ثلاث مواقع تقع فوق المحيط الأطلسي والهندي والهادي ويمكن لأي دولة الاتصال ببقية دول العالم من خلال هوائيين موجهين لموقعين من هذه المواقع الثلاث ويبلغ عدد المستجيبات على القمر الواحد من أقمار الجيل الثامن 44 مستجيبا تقوم بنقل ثلاث قنوات تلفزيونية وخمسة وأربعون ألف دائرة هاتفية باتجاه واحد. وإلى جانب خدمة انتلسات قامت دول كثيرة باستخدام أقمار صناعية خاصة بها لتأمين اتصالاتها الداخلية والخارجية مع الدول المجاورة فقد أطلق الفرنسيون قمرهم في عام 1965م والكنديون في عام 1967م والألمان في عام 1969م واليابانيون والصينيون في 1970م والإنكليز في عام 1971م والهولنديون والأسبان في عام 1974م والهنود والأندونيسيون في عام 1976م والعرب والبرازيليون في عام 1985م والسويديون في عام 1986 والإسرائيليون في عام 1988م والباكستانيون والأرجنتينيون في عام 1990م والكوريون في عام 1992م والبرتغاليون في عام 1993م والأتراك في عام 1994م والماليزيون في عام 1996م. لقد تولت الأقمار الصناعية مهمة نقل المكالمات الدولية لما يزيد عن 25 عاما ولكن مع مد أول كيبل بحري باستخدام الألياف الضوئية يربط أميركا مع أوروبا بطول ستة آلاف كيلومتر وبسعة أربعين ألف مكالمة هاتفية بدأ التحول عن الأقمار الصناعية إلى كيبلات الألياف الضوئية لنقل المكالمات الهاتفية الدولية. ولكن هذا التحول لم يفقد الأقمار الصناعية أهميتها ففي مطلع الثمانينات بدأ استخدام الأقمار الصناعية المتزامنة لبث القنوات التلفزيونية مباشرة إلى المنازل من خلال مئات الأقمار التي تبث آلاف القوات التلفزيونية التشابهية والرقمية وفي نهاية التسعينات لتقديم خدمة الهاتف النقال وخدمة الإنترنت.
البث التلفزيوني المباشر من الأقمار الصناعية
بدأت خدمة البث التلفزيوني المباشر من الأقمار الصناعية للمنازل بالظهور في منتصف الثمانينات بعد أن تم زيادة قدرة بث الأقمار الصناعية نتيجة لرفع كفاءة الخلايا الشمسية وزيادة حساسية المستقبلات الأرضية. وأصبح البث التلفزيوني المباشر من الأقمار الصناعية إلى المنازل في منتصف التسعينات منافسا قويا للبث التلفزيوني بالكبلات والبث التلفزيوني الأرضي وذلك لما يتمتع به من مزايا ليست موجودة في غيره من أنظمة البث والتي تتلخص في سهولة تركيبه ووصول بثه للمشترك أينما كان موقعه والحرية في اختيار القنوات التي يريدها من بين مئات القنوات المبثوثة من عشرات الأقمار. ويتكون نظام أقمار البث التلفزيوني المباشر من عدد كبير من الأقمار الصناعية الموضوعة في المدار الأرضي المتزامن على ارتفاع 36000 كيلومتر لكي تبدو ثابتة بالنسبة للمنطقة الجغرافية المقابلة لها على الأرض. ويوجد على كل من هذه الأقمار عشرات المعيدات (Transponders) حيث يستطيع كل واحد من هذه المعيدات استقبال قناة تلفزيونية أو أكثر من محطات بث أرضية ويعيد بثها بقدرة كافية إلى الأرض. ويتم التقاط الإشارات في المنازل بهوائيات صحنية لا يتجاوز قطرها المتر الواحد ومن ثم يقوم مستقبل خاص بقنوات الأقمار الصناعية باختيار القناة التلفزيونية المناسبة من بين مئات القنوات التي تم التقاطها وإرسالها إلى جهاز التلفزيون. وبسبب الكسب العالي للهوائيات الصحنية فإنها لا تستقبل إلا إشارات الأقمار الواقعة ضمن زاوية نظرها الضيقة جدا ولذا يلزم إعادة توجيها لاستقبال بث أقمار أخرى. ومع التحول من البث التماثلي إلى البث الرقمي في منتصف التسعينات تم زيادة عدد القنوات التي تبثها هذه الأقمار إلى أكثر من عشرة أضعاف ما هي عليه في السابق مع الحصول على درجات نقاء ووضوح عاليتين في الصوت والصورة وذلك بسبب استخدام التقنية الرقمية المقاومة للضجيج والتداخل والقابلة للضغط. ويزيد عدد أقمار البث التلفزيوني المباشر اليوم عن مائة قمر موزعة على المدار المتزامن بحيث تغطي مناطق جغرافية مختلفة على سطح الأرض وتبث آلاف القنوات التلفزيونية لمختلف الأغراض والأهداف بعضها متاح للجميع وبعضها تم تشفيره بحيث لا يمكن التقاطه إلا بعد الحصول على معدات لفك التشفير من الشركات المعنية.
الأقمار الصناعية لخدمة الهواتف المتنقلة
بدأ التفكير في استخدام الأقمار الصناعية لتوفير الخدمة الهاتفية للمستخدمين المتجولين الذين لا يمكنهم استخدام الشبكة الهاتفية العامة بسبب بعدهم عنها مع بداية ظهورها في بداية الستينات من القرن العشرين. وكان أكثر المستخدمين حاجة لمثل هذه الخدمة هم قباطنة السفن المدنية والحربية بسبب طول مكثهم في البحار والمحيطات وبعدهم عن مراكز الخدمة الهاتفية العامة. وفي عام 1976م وضعت الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة أقمار صناعية في المدار المتزامن بحيث تغطي جميع أنحاء الكرة الأرضية باستثناء القطبين وهي أقمار ماريسات (Marisat). ووفرت هذه الأقمار الخدمة الهاتفية في الأساس للبحرية الأمريكية ولكنها سمحت باستخدامها فيما بعد للسفن التجارية وقد توقف آخر هذه الأقمار عن العمل في عام 2008م بعد خدمة دامت 32 عاما وهو أطول عمر سجله قمر صناعي. وفي عام 1990م قامت المنظمة العالمية للبحار التابعة للأمم المتحدة بتوفير الخدمة الهاتفية لجميع أنواع السفن من خلال وضع ثلاثة أقمار في المدار المتزامن وهي أقمار انمارسات (Inmarsat) وكانت تعمل بشكل غير ربحي إلى أن تم خصخصتها في عام 1999م لتقوم بتخديم الخدمة الهاتفية لأي مستخدم متجول بما فيهم الأشخاص من خلال أسطول من الأقمار الصناعية مكون من اثني عشر قمرا متزامنا. وفي السنوات الأخيرة أصبح بإمكان المستخدمين الدخول إلى الشبكة العنكبوتية من خلال أقمار انمارسات بعد أن قامت بعمل شبكة رقمية خاصة بها مكونة من أقمارها ومحطاتها الأرضية تم ربطها بالشبكة الهاتفية العامة والشبكة العنكبوتية. وفي منتصف التسعينات بدأ العمل على استخدام الأقمار الصناعية غير المتزامنة ذات المدارات المنخفضة والمتوسطة كمحطات قاعدية (Base stations) متحركة بدلا من المحطات القاعدية الأرضية في أنظمة الهواتف الخلوية. ويعود السبب في عدم استخدام الأقمار المتزامنة في هذه الأنظمة لعدم قدرتها بسبب بعدها الكبير على التقاط إشارات الهواتف الخلوية التي يجب أن لا تتجاوز طاقة بثها واطا واحدا حفاظا على صحة حاملها من الإشعاعات. ولكن مع التقدم الكبير في السنوات الأخيرة في تقنيات الأقمار الصناعية كزيادة حساسية المستقبلات وزيادة قدرة بث المرسلات وزيادة أحجام الهوائيات أصبح بالإمكان استخدام الأقمار المتزامنة في خدمة الهواتف المتنقلة. أما الأقمار المنخفضة فبإمكانها التقاط إشارات الهواتف الخلوية الضعيفة لقربها من الأرض إلا أن عيبها في كونها لا تظهر في سماء المنطقة إلا لفترة زمنية محددة يعتمد طولها على ارتفاع القمر ولذلك يلزم لتأمين الاتصالات بشكل دائم وضع عدد كافي من الأقمار في عدة مدارات وتوزع أقمار المدار الواحد على محيطه بانتظام بحيث كلما غاب أحدها طلع القمر الذي يليه فيتم تحويل المكالمات تلقائيا إليه كما يحدث عند تحويل مكالمات المشتركين عند تنقلهم بين المحطات القاعدية في نظام الهواتف الخلوية الأرضية. لقد قامت عدة شركات عالمية ببناء مثل هذه الأنظمة أشهرها نظام شركة "موتورولا" المسمى إرديوم (Irdium) والذي يتكون من 66 قمر موزعة على ستة مدارات دائرية فوق قطبية ( 11 قمر في كل مدار على ارتفاع 780 كيلومتر) ويشع كل قمر 48 شعاع يغطي كل شعاع خلية بمساحة أرضية يبلغ قطرها 150 كيلومتر ويستطيع القمر الواحد معالجة 1100 مكالمة هاتفية في آن واحد حيث يقوم باستلام المكالمة من الأرض فيتعرف على عنوانها فيبثها إلى نفس المنطقة التي يغطيها إن كانت محلية أو يحولها إلى أحد الأقمار المجاورة ليتولى أمرها حتى يوصلها إلى عنوانها. ومن الأقمار الصناعية ذات المدارات المنخفضة التي تقوم بتقديم خدمة الهواتف المتنقلة عالميا أقمار جلوبل ستار (Globalstar) الأمريكية والتي تتكون من 48 قمرا موزعة على عدة مدارات بارتفاع 1400 كيلومتر وبدأت بتقديم الخدمة في عام 2000م. ومن أمثلة الأقمار الصناعية المتزامنة المستخدمة في خدمة الهواتف المتنقلة قمر الثريا والذي يوفر خدمة الهواتف المتنقلة بين مشتركيه الواقعين ضمن تغطيته وهي منطقة الشرق الأوسط وشمال ووسط أفريقيا وأوروبا وبعض مناطق أسيا وأستراليا.
الأقمار الصناعية لخدمة الإنترنت
قامت إحدى الشركات الأمريكية في عام 1996م بأول محاولة لتوفير خدمة الإنترنت من خلال الأقمار الصناعية باستخدام نظامها المسمى (DirecPC). وفي هذا النظام يقوم المستخدم بطلب المعلومات من خلال مودم مرتبط سلكيا بمقدم خدمة الإنترنت ولكن المعلومات يتم تزويدها عن طريق الأقمار الصناعية من خلال صحون لاقطة تغذي إشاراتها للمستقبل المرتبط بالحاسوب الشخصي. ويعود السبب في استخدام القمر الصناعي بدلا من الأسلاك لتحميل المعلومات إلى ارتفاع معدل التنزيل حيث يصل إلى 400 كيلوبت في الثانية في حالة القمر مقابل 64 كيلوبت في الثانية في حالة الأسلاك. وفي عام 2000م قامت شركة أمريكية أخرى بتوفير خدمة الإنترنت من خلال الأقمار الصناعية للمستخدمين في أمريكا الشمالية بحيث تتم عملية طلب المعلومات وتحميلها من خلال القمر دون الحاجة للأسلاك. وفي هذا النظام المسمى (StarBand) يتم طلب المعلومات بمعدل 256 كيلوبت في الثانية وتنزيلها بمعدل 1500 كيلوبت في الثانية باستخدام صحون لاقطة لا يتجاوز قطرها المتر. وفي عام 2007م تم توفير خدمة الإنترنت من خلال الأقمار الصناعية للمستخدمين في الدول الأوروبية من خلا النظام المسمى (tooway) حيث تبلغ سرعة الوصلة الصاعدة (uplink) 384 كيلوبت في الثانية وسرعة الوصلة النازلة (downlink) أي سرعة التحميل 3600 كيلوبت في الثانية. ويمكن الحصول على خدمة الإنترنت فضائيا في أي مكان في العالم ما عدا القطبين من خلال أقمار انمارسات (Inmarsat) المتزامنة باستخدام معدات محمولة ولكنها غالية الثمن وتبلغ سرعة الوصلة النازلة 492 كيلوبت في الثانية وما بين 300 و 400 كيلوبت في الثانية للوصلة الصاعدة.
الأقمار الصناعية في نظام تحديد الموقع العالمي (Global Positioning System (GPS))
بفضل الأقمار الصناعية أصبح تحديد الموقع والاتجاه يتم بدقة متناهية باستخدام نظام تحديد الموقع العالمي الذي يحدد خط الطول وخط العرض والارتفاع في أي مكان على سطح الكرة الأرضية. وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية ببناء هذا النظام ابتداءا من عام 1978م بإطلاق أول قمر صناعي في منظومة الأقمار الصناعية وتم إطلاق آخر قمر في عام 1994م. وكان الهدف من بناء هذا النظام للأغراض العسكرية في البداية إلا أنه بعد سنوات معدودة أتيح استخدامه للأغراض المدنية وبدون مقابل ولكن بإمكانات لتحديد الموقع أقل من تلك المخصصة للأغراض العسكرية. وتتكون منظمومة تحديد الموقع العالمي من 24 قمرا صناعيا تم توزيعها في ستة مدارات دائرية على ارتفاع 19308 كيلومتر فوق سطح الأرض وعند مثل هذا الارتفاع يكمل القمر دورته في 12 ساعة تقريبا. وقد تم اختيار اتجاه المدارات وتوزيع الأقمار فيها بحيث يظهر في سماء أي منطقة من الأرض أربعة أقمار على الأقل في نفس الوقت. وتقوم عدة محطات أرضية موزعة في أماكن محددة من الكرة الأرضية بالمراقبة والتحكم بالأقمار الأربعة والعشرين. وتقوم هذه الأقمار ببث إشارات توقيتية بشكل منتظم إلى الأرض وبطريقة رقمية بمعدل 50 نبضة في الثانية. وتحتوي هذه الإشارات على معلومات محددة وهي رقم القمر وإحداثياته عند كل لحظة زمنية وكذلك الوقت والتاريخ الحاليين. ويتم استقبال بعض هذه الإشارات بجهاز إلكتروني بسيط يقوم بحساب إحداثيات الموقع سواء كان في البر أو البحر أو الجو مستفيدا من التأخير الزمني بين الإشارات المستلمة. وتبث الأقمار الصناعية معلوماتها باستخدام الموجات الدقيقة أو الميكروييف عند التردد 1575.42 MHz ويلزم توفر ما يسمى بخط النظر بين القمر وجهاز الاستقبال لكي يعمل الجهاز بشكل صحيح. ويمكن للجهاز حساب خط الطول وخط العرض من خلال الإشارات المرسلة من ثلاثة أقمار صناعية فقط بينما يلزم تحديد الإرتفاع إلى جانب خطي الطول والعرض إلى إشارات أربعة أقمار أو أكثر. ويبلغ مقدار الخطأ في تحديد مكان الموقع في هذا النظام عشرة أمتار في الاتجاه الأفقي أي خطي الطول والعرض وثلاثين مترا في الاتجاه الرأسي أي الارتفاع. ولكن هذه الدقة في تحديد الموقع غير متاحة للمستخدمين المدنيين بعد عام 2000م حيث قام مالكي على هذا النظام وهي وزارة الدفاع الأمريكية بإحداث أخطاء مقصودة في تحديد إحداثيات الموقع بحيث أصبح مقدار الخطأ مائة متر وذلك تجنبا لاستخدام النظام من قبل الأعداء في تحديد الأهداف العسكرية الأمريكية والحليفة لها. وإلى جانب خدمة تحديد الموقع يقوم النظام بتزويد أجهزة الاستقبال بالوقت بشكل دقيق وكذلك التاريخ حيث يوجد على الأقمار ساعات ذرية بالغة الدقة تصل دقتها إلى نانوثانية. ويمكن للأجهزة المزودة ببعض البرمجيات تحديد سرعة واتجاه وكذلك رسم مسار الوسيلة الحاملة لهذا الجهاز من خلال تخزين إحداثيات المواقع التي تمر بها هذه الوسيلة سواء كانت شخصا أو مركبة أو سفينة أو طائرة. ويوجد في بعض أجهزة تحديد الموقع خرائط لأماكن مختلفة على سطح الأرض وخاصة المدن بحيث تقوم البرمجيات بإظهار موقع الجهاز بدقة على هذه الخرائط ورسم المسار الذي تسلكه عليها. وحديثا تم تزويد كثيرا من الأجهزة الخلوية بخدمة تحديد الموقع العالمي مع ما يلزم من خرائط للمدن تحدد عليها موقع الحامل لها. ولقد تم استخدام نظام تحديد الموقع في تطبيقات لا حصر لها ففي التطبيقات العسكرية تم استخدام النظام لتحديد مواقع الأهداف العسكرية وتوجيه الطائرات والصواريغ لضرب هذه الأهداف. وفي التطبيقات المدنية تم استخدامه لتحديد مواقع السفن والطائرات والشاحنات والمركبات والسيارات وحتى الأشخاص ومساعدتها في الوصول إلى وجهاتها.
الأقمار الصناعية للأرصاد الجوية
تستخدم أنظمة الأرصاد الجوية شبكة من الأقمار الصناعية تقوم بجمع كميات ضخمة من الصور والبيانات عن الحالة الجوية في مختلف مناطق العالم فيتم إرسالها إلى دوائر الرصد الجوي التي تقوم بمعالجتها وتوزيعها على الجهات المعنية لأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الظروف الجوية والتقليل من عواقب الكوارث الطبيعية وحوادث الطائرات والسفن والقطارات والمركبات. وتستخدم الأرصاد الجوية نوعين من الأقمار الصناعية وهي الأقمار الصناعية المتزامنة والتي تراقب الحالة الجوية بشكل مستمر للمناطق التي تقع تحت نطاق رؤيتها ويلزم وجود ثلاثة أقمار متزامنة لمراقبة مناخ كامل سطح الأرض باستثناء مناطق القطبين. أما الأقمار الصناعية القطبية فهي تقوم بجمع البيانات عن حالة الجو لكامل سطح الأرض في كل إثني عشر ساعة إذا ما وضعت على ارتفاع 700 كيلومتر عن سطح الأرض. وقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1960م أول قمر صناعي لأغراض الأرصاد الجوية وهو القمر تايروس - 1 (TIROS-1) والذي كان يحمل كاميرتين تلفزيونيتين لإلتقاط صور لجو الأرض من ارتفاع 700 كيلومتر. وبانتهاء برنامج تايروس في عام 1964م بدأت الولايات المتحدة الأمريكية برنامج نيمبوس (NIMBUS) والذي استمر حتى عام 1978م بعد طلاق سبعة أقمار منها وهي تحمل بجانب الكاميرات التلفزيونية حساسات للأشعة تحت الحمراء لقياس درجة حرارة سطح الأرض. وفي عام 1975م أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أول أقمارها المتزامنة لأغراض الأرصاد الجوية في برنامجها المسمى (GOES) وهو المستخدم الآن في توفير المعلومات للنشرات الجوية وقد أطلق الجيل الرابع عشر منها في عام 2009م. وتمتلك دول أخرى أقمار لأعراض الأرصاد الجوية كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان والهند بعضها في مدارات منخفضة وبعضها في مدارات متزامنة.
الأقمار الصناعية لأغراض التجسس
لقد كان أول استخدام للأقمار الصناعية منذ ظهورها في عام 1957م لأغراض التجسس حيث أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1960م أول قمر للتجسس في برنامجها المسمى كورونا (Corona) والذي استمر حتى عام 1972م بعد إطلاق ما يقرب من مائة قمر وجمعت ما يقرب من مليون صورة. وغالبا ما يتم وضع أقمار التجسس في مدارات قطبية منخفضة لا تتجاوز مائتي كيلومترات وذلك لكي تتمكن من تصوير أي منطقة على سطح الكرة الأرضية ولأخذ صور واضحة للأهداف المنشودة. ولكن مثل هذه الأقمار المنخفضة لا يمكنها البقاء لمدد طويلة في مداراتها بسبب تباطؤ سرعتها نتيجة لاحتكاكها بالهواء ولذلك يتم استرجاعها في غضون أشهر معدودة. وكانت هذه الأقمار تحمل كاميرات تصوير عادية بلغت دقة تميزها في بداية البرنامج عشرة أمتار وفي نهايته مترا واحدا وكان يتم استرجاع أفلام التصوير من خلال وضعها في كبسولة يتم إطلاقها باتجاه الأرض. وللحصول على دقة تمييز عالية يتم استخدام مرايا عاكسة بدلا من العدسات في كاميرات التصوير حيث يبلغ قطر المرآة عدة أمتار وذلك حسب الدقة المطلوبة. ولقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذه البرنامج من تحديد كثير من مواقع منظومات الصواريخ العابرة للقارات والطائرات الحربية والغواصات وحاملات الطائرات وكذلك القنابل والمفاعلات الذرية في الاتحاد السوفيتي. أما الإتحاد السوفيتي فقد بدأ برنامجه للتجسس والمسمى زينت (Zenit) في عام 1961 والذي استمر حتى عام 1994م وهو لا يختلف من حيث المبدأ عن البرنامج الأمريكي من حيث استخدام الكاميرات للتصوير ولكن استرجاع الأفلام يتم من خلال استرجاع كامل القمر والذي لا يتجاوز عمره الشهر الواحد. أما بريطانيا فقد بدأت برنامجها للتجسس في عام 1969م من خلال إطلاق أقمارها المسماة سكاينت (Skynet). وقد أطلقت إسرائيل أول أقمارها لأغراض التجسس في عام 1988م وهي الأقمار المسماة "أفق" وقد أطلق آخرها أفق-7 في عام 2007م. ومع تطور أنظمة الاتصالات طرأ تحول كبير في تقنيات أقمار التجسس حيث أصبح بالإمكان بث المعلومات التي تجمعها هذه الأقمار مباشرة إلى المحطات الأرضية باستخدام أنظمة الاتصالات المختلفة. وفي أقمار التجسس الحديثة يتم استخدام الكاميرات الرقمية مما سهل من عملية تخزين الصور الملتقطة في الذاكرات الرقمية ومن ثم إرسالها إلى المحطات الأرضية باستخدام أنظمة الاتصالات الرقمية. وفي الأنواع الحديثة من أقمار التجسس بلغت دقة التمييز في الصور الملتقطة أقل من عشرة سنتيمترات كما في قمر التجسس الأمريكي (KH-13) الذي يبلغ قطر مرآته ثلاثة أمتار وهو يزيد عن قطر مرآة التلسكوب الفضائي هابل (Hubble) الذي يبلغ قطر مرآته 2.4 متر.
الأقمار الصناعية للإستشعار عن بعد (remote sensing)
تستخدم تقنية الاستشعار عن بعد بشكل عام للتعرف على بعض خصائص الأجسام المختلفة دون لمسها وذلك من خلال معالجة الموجات الكهرومغناطيسية أو الصوتية المنبعثة منها أو المنعكسة عنها. ويتم ذلك باستخدام طريقتين وهما الطريقة السلبية والطريقة الفعالة ففي الطريقة الأولى يتم الاستفادة من الموجات الكهرومغناطيسية أو الصوتية التي تنبعث من الأجسام أو تنعكس عنها نتيجة لإضاءتها بمصدر طبيعي كالشمس مثلا. أما الطريقة الفعالة فيتم فيها معالجة الموجات المنعكسة عن الجسم بعد تسليط موجات كهرومغناطيسية أو صوتية يتم توليدها من قبل مصدر صناعي كالرادار أو السونار. وعندما قام العلماء باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد في دراسة سطح الأرض تبين لهم إمكانية الحصول على معلومات بالغة الأهمية من الصور الملتقطة تعود بفوائد جمة على الجنس البشري. وقد تم في البداية استخدام الطائرات لحمل أجهزة الاستشعار عن بعد إلا أنه مع ظهور الأقمار الصناعية أصبحت هي الوسيلة الأفضل لقدرتها على تصوير أي منطقة على سطح الكرة الأرضية. وتقوم هذه الأقمار بأخذ الصور الفضائية العادية والرادارية وتحت الحمراء لرسم خرائط أكثر دقة للتضاريس الأرضية وكذلك لاكتشاف ثروات الأرض من معادن ومياه جوفية وبترول وغاز ولمتابعة زحف الصحراء وذوبان الثلوج وحرائق الغابات ورصد الزلازل والبراكين ولمكافحة الآفات الزراعية ولاكتشاف الآثار ولتخطيط المدن وإلى غير ذلك من التطبيقات التي لا حصر لها. وقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1972م بإنشاء أول برنامج للاستشعار عن بعد باستخدام الأقمار الصناعية بإطلاقها أو قمر لهذا الغرض وهو القمر المسمى لاندسات 1 (Landsat 1) تبعته بإطلاق سلسلة من هذه الأقمار كان آخرها الجيل السابع في عام 1999م . وقد تم وضع هذه الأقمار في مدارات قطبية منخفضة على ارتفاع 923 كيلومتر للأجيال الثلاثة الأولى و 705 كيلومتر للأجيال الأخيرة. وتكمل الأقمار الأخيرة دورتها حول الأرض في مائة دقيقة تقريبا وهي تقوم بمسح سطح الأرض على شكل أشرطة يبلغ عرض الشريط فيها 185 كيلومتر ولهذا فإنها تكمل مسح كامل سطح الأرض في 233 دورة حول الأرض أي في 16 يوما تأخذ خلالها 11 ألف صورة. إن المستشعر الرئيسي الذي تحمله أقمار لاندسات هو ما يسمى بالماسح متعدد الأطياف (Multi-Spectral Scanner) وهو عبارة عن نظام تصوير يقوم بالتقاط الموجات الضوئية المنعكسة عن سطح الأرض بحيث يغطي كل لاقط نطاق محدد من الطيف المرئي وتحت الأحمر وغابا ما يوجد ثلاث لواقط تغطي الطيف المرئي وواحد أو أكثر لتغطية الطيف تحت الأحمر. ويتم إرسال الإشارات الكهربائية المتولدة من اللواقط إلى المحطات الأرضية من خلال أنظمة الاتصالات اللاسلكية التي تحملها الأقمار لتقوم بمعالجتها تبعا للمعلومات المراد استخلاصها من هذه الصور. وإلى جانب أقمار لاندسات الأمريكية أطلقت دول أخرى أقمار للإستشعار عن بعد تحمل أجهزة متقدمة لتصوير سطح الأرض فقد أطلقت فرنسا أول جيل من قمرها المسمى سبوت (Spot) في عام 1986م والجيل الخامس في عام 2002م. ويعتبر المشروع الهندي للإستشعار عن بعد باستخدام الأقمار الصناعية من أنجح المشاريع حيث أطلقت 14 قمرا كأن أولها في عام 1988م. ومن الأقمار الصناعية التي تم استخدام الرادارات فيها لدراسة سطح الأرض القمر المسمى سيسات (SEASAT) والذي أطلق في عام 1978م من قبل وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. ويعمل رادار الاستشعار عن بعد من خلال إرسال نبضات كهرومغناطيسية بترددات معينة ومن ثم التقاط النبضات المرتدة عن سطح الأرض والقيام بتحليلها باستخدام معالجات الإشارات الرقمية لرسم صور عن المنطقة الممسوحة. وتستخدم هذه الصور لاستخلاص معلومات مهمة عن طبيعة الأرض التي تم مسحها من قبل شعاع الرادار ومن هذه المعلومات طبيعة التضاريس الأرضية وطبوغرافيتها ونوع الغابات والنباتات والمحاصيل المزروعة والآفات الزراعية والظروف المناخية والبيئية والبراكين والزلازل والأعاصير والفياضانات والثروات المعدنية والمياه الجوفية والبترول . ويوجد أنواع مختلفة من رادارات الاستشعار عن بعد يتم تصميمها بناءا على نوع المعلومات المراد استشعارها وغالبا ما يعتمد هذا على مقدار التردد المستخدم في الرادار فالبحث عن ثروات الأرض يتطلب استخدام ترددات تقل عن واحد جيقاهيرتز وذلك لقدرتها على اختراق سطح الأرض بينما يتطلب رسم خارطة طبوغرافية ترددادت أعلى من ذلك بكثير للحصول قدرة تمييز عالية لتضاريس الأرض. ويستخدم الرادار الخارق للأرض في تطبيقات لا حصر لها في الجيولوجيا لمعرفة عمق وسمك الطبقات الصخرية وأنواع التربة والرواسب ووضع خرائط للتراكيب الجيولوجية وتحديد الكهوف والشقوق الطبيعية والصدوع وكشف المياه الجوفية وآبار البترول والغاز. ويستخدم في التطبيقات البيئية لكشف التسريبات في خزانات المياه ووضع خرائط لمراقبة المواد الملوثة في المياه السطحية وكشف مواقع دفن النفايات وتحديد مواقع خزانات الوقود المدفونة وبراميل الزيت وتحديد مواقع التسربات النفطية. ويستخدم في مجال الهندسة المدنية لعمل الاختبارات الخرسانية وتحليل رصف الطرق وتحديد الفراغات وقوة الرصف وتحديد مواقع المرافق العامة المدفونة مثل أنابيب المياه والمجاري الحديدية والبلاستيكية والخرسانية وكذلك الكيبلات الكهربائية والهاتفية. ويستخدم في مجال الآثار لتحديد مواقع الأشياء المعدنية المدفونة كالكنوز ومواقع الكهوف السطحية والآبار والأجسام الأثرية. ويستخدم في التطبيقات العسكرية لكشف حقول الألغام بشكل عام والكشف عن مكان اللغم بالتحديد.
الأقمار الصناعية لأغراض الأبحاث العلمية (Scientific Research)
يستخدم العلماء بمختلف تخصصاتهم العلمية الأقمار الصناعية لدراسة مختلف أجرام هذا الكون وعلى وجه الخصوص الأرض التي يعيشون عليها. فمن من الفضاء الخارجي يمكن مشاهدة الأرض ودراسة تضاريسها وجوها بشكل أفضل وأشمل ويمكن كذلك دراسة أجرام الكون بشكل أدق حيث أن جو الأرض وطبقة الأينوسفير تمتص جزءا كبيرا من الموجات الكهرومغناطيسية والجسيمات الذرية القادمة من الفضاء الخارجي مما يترتب عليه فقد كبير في المعلومات التي تحملها هذه الموجات والجسيمات. ولقد قامت وكالة الفضاء الأمريكية في عام 1977م بإطلاق أول قمر لأغراض رصد مستويات أشعة جاما والأشعة السينية القادمة من الفضاء الخارجي. وفيما بعد قامت أمريكا وروسيا واليابان وبعض الدول الأوروبية بإطلاق ما يقرب من 600 قمر صناعي تحمل مختلف الأجهزة والمعدات التي يمكنها رصد المجرات والنجوم والشمس وكواكبها والمذنبات والنيازك وغيرها. وفي عام 1990م قامت وكالة الفضاء الأمريكية بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية بوضع تلسكوب الفضاء المشهور هابل (Hubble) في مدار دائري منخفض على ارتفاع 559كيلومتر وتم استخدامه لإلتقاط صور في غاية الوضوح للمجرات والنجوم. وفي نهاية الستينيات بدأ التفكير في إنشاء محطات فضائية في مدارات منخفضة حول الأرض وذلك لدراسة تأثير انعدام الجاذبية على الإنسان والحيوانات والنباتات وكذلك على التفاعلات الكيميائية والحيوية والصناعية. وقد تمكن الروس في عام 1971م من بناء أول محطة فضائية وهي "ساليوت-1" على ارتفاع 200 كيلومتر من سطح الأرض وكان وزنها 18 طنا وسعتها الداخلية 100 متر مكعب. وبعد أربعة أيام من إطلاقها أرسل الروس المركبة الفضائية سويوز-10 وهي تحمل ثلاثة رواد وقد تمكنت من الالتحام بالمحطة لمدة خمس ساعات قام خلالها الرواد بإجراء بعض التجارب العلمية ثم عادت سويوز بركابها إلى الأرض. وفي الرحلة التالية إلى المحطة تمكن رواد سويوز-11 من المكوث 23 يوما داخل المحطة ومن المؤسف أن الرواد الثلاث قد توفوا في رحلة عودتهم إلى الأرض لأسباب لا زالت مجهولة. وقد تم إعادة ساليوت-1 إلى الأرض بعد أن مكثت في الفضاء ستة أشهر ومن ثم تم إطلاق سلسلة من المحطات الفضائية من نوع ساليوت وقد تمكن الرواد من العيش في ساليوت-7 لمدة ثمانية أشهر وكان ذلك في عام 1984م. وفي عام 1987م توقف برنامج ساليوت الروسي وبدأ بإطلاق جيل جديد من المحطات الفضائية الروسية من نوع مير وفي عام 1988م تمكن أحد الرواد من المكوث عاما كاملا على ظهر محطة مير. وفي عام 1973م قام الأمريكان ببناء أول محطة فضائية (مختبر فضائي) مأهولة وهي سكايلاب-2 (Skylab-2) على ارتفاع 435 كيلومتر عن سطح الأرض ويبلغ وزن هذه المحطة 88 طنا وحجمها 365 مترا مكعبا وهي على شكل أسطوانة يبلغ طولها 36 مترا وقطرها سبعة أمتار. وقد تمكن رواد أول رحلة لهذه المحطة من المكوث فيها مدة 28 يوما زادت إلى 56 يوما في الرحلة التالية ثم إلى 84 يوما في الثالثة. وقد بقي هذا المختبر في الفضاء لمدة تسعة أشهر وقد أجرى الرواد الذين تعاقبوا على هذا المختبر خلال هذه المدة كثير من التجارب العلمية والطبية والفلكية بلغ عددها 270 تجربة. وفي عام 1998م بوشر العمل في بناء محطة الفضاء الدولية (International Space Station) بجهود مشتركة من أمريكا وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي وكندا وستكون أكبر جسم صناعي يدور حول الأرض عند الانتهاء من بنائها في عام 2011م. والمحطة تدور بسرعة 27743 ألف كيلومتر في الساعة في مدار دائري منخفض مائل عن خط الاستواء ب 51 درجة وعلى ارتفاع 350 كيلومتر عن سطح البحر ويبلغ طولها 73 متر ووزنها 300 طن. وقد تمكن الرواد من العيش فيها في عام 2000م ولم تخلو من رواد فضاء منذ ذلك الحين وقد كانت مؤهلة لاستيعاب ثلاثة رواد في البداية وهي قادرة على استيعاب ستة رواد في الوقت الحالي. ويوجد لكل دولة من الدول المشاركة في هذا المشروع مختبراتها الخاصة بها حيث تجرى فيها مختلف أنواع التجارب العلمية في مجال الفيزياء والكيمياء والأحياء والفلك والزراعة والطب البشري والبيطري وغيرها من التخصصات وذلك في حالة انعدام الجاذبية.
من كتاب (مدخل إلى الهندسة الكهربائية) \ منصور العبادي