منقوول
تلقى أبو عبيدة رسالة من عمر بن الخطاب يأمره فيها برد جيشيه اللذين كان قد أرسلهما إلى حلب، وإلى المنطقة الشرقية، وأن يقيم في حمص حتى يمر العام، ويرى رأيه، وكان ذلك في ربيع الأول عام 15 هـ، فما الذي دفع عمر بن الخطاب إلى أن يوقف حركة الفتح في الشام، في هذه الفترة على الرغم من أن المسلمين في أشد لحظات الانتصار، والروم يسلمونهم البلاد بيسر، بدون قتال؟ لكي نعرف السبب، علينا أن ننظر إلى الجهة الأخرى، الجبهة الشرقية حيث يحارب الجيش الإسلامي الفرس..كان المسلمون قد تحركوا إلى القادسية لمعركة فاصلة بين الفرس والمسلمين، بعد عدد من المعارك بقيادة خالد بن الوليد، ثم المثنى بن حارثة، ثم أبي عبيد بن مسعود، ثم المثنى بن حارثة مرة أخرى، ثم أمَّرَ عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص على عدد كبير من الجيوش بلغ 32 ألف مجاهد، وبلغ عدد الجيوش الفارسية 120 ألف مقاتل، و120 ألف احتياطي، وكان عليهم رسـتم أعظم قواد الفرس في تاريخهم، واستعد الفرس لمعركة فاصلة مع المسلمين.وهكذا كان يرى عمر أن الجيش الإسلامي في فارس 32 ألف في مقابل نحو 240 ألف فارسي، أمر خطير، فرأى أن تقف حركة الفتوح في الشام في ذلك الوقت، حتى لا يشتت الجيوش الإسلامية في أكثر من مجال، وينتظر حتى يرى ماذا سيفعل المسلمون في أرض فارس، فإذا تمَّ لهم النصر، أَذِن لجيوش الشام بمواصلة الفتح، وإن احتاجوا لمدد استطاع أن يبعثوا لهم به.وهذه فائدة وجود قائد ذي نظرة ثاقبة، بعيدة المدى، مثل الفاروق ، يرى الأمور في الجبهتين، ويراقبها جيدًا.فأرسل أبو عبيدة رسالة إلى "ميسرة بن مسروق" الذي كان على رأس الجيش المتجه لفتح حلب، وأمره بالعودة، فعاد إلى حمص، واجتمع بأبي عبيدة وكل القادة الموجودين بحمص، ويخبره أبو عبيدة بأوامر الخليفة عمر بن الخطاب بوقف حركة الفتح، فيستجيبوا لذلك جميعًا.وينظم أبو عبيدة جيوشه في الشام، فيرسل خالد بن الوليد إلى دمشق، وكان عليها يزيد بن أبي سفيان، وكان عمرو بن العاص في فلسطين، وشرحبيل ين حسنة في البلقاء بالأردن، فاستدعى شرحبيل معه في حمص، وأمَّرَ عمرو بن العاص على كل منطقة فلسطين والأردن.
المسلمون يقررون الانسـحـاب:تلقى أبو عبيدة رسالة من عمر بن الخطاب يأمره فيها برد جيشيه اللذين كان قد أرسلهما إلى حلب، وإلى المنطقة الشرقية، وأن يقيم في حمص حتى يمر العام، ويرى رأيه، وكان ذلك في ربيع الأول عام 15 هـ، فما الذي دفع عمر بن الخطاب إلى أن يوقف حركة الفتح في الشام، في هذه الفترة على الرغم من أن المسلمين في أشد لحظات الانتصار، والروم يسلمونهم البلاد بيسر، بدون قتال؟ لكي نعرف السبب، علينا أن ننظر إلى الجهة الأخرى، الجبهة الشرقية حيث يحارب الجيش الإسلامي الفرس..كان المسلمون قد تحركوا إلى القادسية لمعركة فاصلة بين الفرس والمسلمين، بعد عدد من المعارك بقيادة خالد بن الوليد، ثم المثنى بن حارثة، ثم أبي عبيد بن مسعود، ثم المثنى بن حارثة مرة أخرى، ثم أمَّرَ عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص على عدد كبير من الجيوش بلغ 32 ألف مجاهد، وبلغ عدد الجيوش الفارسية 120 ألف مقاتل، و120 ألف احتياطي، وكان عليهم رسـتم أعظم قواد الفرس في تاريخهم، واستعد الفرس لمعركة فاصلة مع المسلمين.وهكذا كان يرى عمر أن الجيش الإسلامي في فارس 32 ألف في مقابل نحو 240 ألف فارسي، أمر خطير، فرأى أن تقف حركة الفتوح في الشام في ذلك الوقت، حتى لا يشتت الجيوش الإسلامية في أكثر من مجال، وينتظر حتى يرى ماذا سيفعل المسلمون في أرض فارس، فإذا تمَّ لهم النصر، أَذِن لجيوش الشام بمواصلة الفتح، وإن احتاجوا لمدد استطاع أن يبعثوا لهم به.وهذه فائدة وجود قائد ذي نظرة ثاقبة، بعيدة المدى، مثل الفاروق ، يرى الأمور في الجبهتين، ويراقبها جيدًا.فأرسل أبو عبيدة رسالة إلى "ميسرة بن مسروق" الذي كان على رأس الجيش المتجه لفتح حلب، وأمره بالعودة، فعاد إلى حمص، واجتمع بأبي عبيدة وكل القادة الموجودين بحمص، ويخبره أبو عبيدة بأوامر الخليفة عمر بن الخطاب بوقف حركة الفتح، فيستجيبوا لذلك جميعًا.وينظم أبو عبيدة جيوشه في الشام، فيرسل خالد بن الوليد إلى دمشق، وكان عليها يزيد بن أبي سفيان، وكان عمرو بن العاص في فلسطين، وشرحبيل ين حسنة في البلقاء بالأردن، فاستدعى شرحبيل معه في حمص، وأمَّرَ عمرو بن العاص على كل منطقة فلسطين والأردن.
وماكان لهذا الجمع الضخم أن يتجمع خفية عن المسلمين، وخاصة أن عيون المسلمين ومخابراتهم كانت منتشرة، وفي منتهى القوة، فأدركت على الفور أن "هرقل" يفعل ما لم يفعله أحد من قبل، للمسلمين أو لغيرهم، فوصلت الأخبار لأبي عبيدة في حمص، فما كان منه إلا أن جمع مستشاريه وكان فيهم شرحبيل بن حسنة فقط من قادته, وفكروا فيما يفعلونه لمواجهة هذه القوات الضخمة المتجمعة لمواجهة المسلمين.دار بين المسلمين حوار طويل، كان الرأي الأخير فيه لـ(شرحبيل) إذ رأى: أن تنسحب القوات الإسلامية من حمص، ومن كل الشام، وتبقى على أطراف الجزيرة العربية، ليقاتلوا الروم على أطراف الشام، فإذا هُزِموا رجعوا إلى الصحراء فيتعذر على الروم ملاحقتهم، وإذا جاءهم مدد يكونون قريبين منه، وكان أبو عبيدة مختلفًا عنه في هذا الرأي، إذ كَرِهَ أن يترك المسلمون أرضًا امتلكوها، ويرى أن يبقوا في حمص، لكن الشورى اجتمعت على أن يترك المسلمون هذا المكان، فقرر أبو عبيدة أن يرضى بقرار الشورى بالانسحاب، وقالوا: ننسحب غدًا بعد صلاة الفجر، فإذا مرُّوا على خالد ويزيد بدمشق، أخذوهما معهم، حتى أطراف الشام، وأرسل أبو عبيدة بذلك رسالة إلى عمر بن الخطاب في المدينة، يخبره بإجماعهم على الانسحاب، لكي يقاتل المسلمون الروم على أطراف الشام..و أمر أبو عبيدة صاحب الجزية حبيب بن مسلمة أن رُدَّ على أهل حمص كل ما أخذته من أموال الجزية؛ لأنهم لن يدافعوا عنهم بذلك الانسحاب، وقل لهم:"نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح، لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه".وهكذا رد المسلمون الجزية لأهل حمص، وقد تعجب أهل حمص من هذا الموقف تعجبًا شديدًا، إذ إنه في الدولة المادية (التي لا تقوم على شرع الله) صعب أن يتخيل الناس أن جيشًا منتصرًا أخذ الجزية والأموال، ويملك القوة والجيش، يعيد الجزية لأهل البلد، لأنه لن يستطيع أن يدافع عنهم ضد أهلهم الروم!.فقالوا لهم: "رَدَّكُمُ اللهُ إلينا، ولَعَنَ اللهُ الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم علينا ما ردُّوا علينا، ولكن غصبونا، وأخذوا ما قدَرُوا عليه من أموالنا، لَوِلايتُكُم وعدلُكم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغُشْم".صلَّى المسلمون الفجر في حمص، وانطلقوا عائدين في اتجاه دمشق، ووصلت الرسالة إلى عمر بن الخطاب، فصرخ في وجه سفيان بن عوف قائلاً: ويحك، ما فعل المسلمون؟ فيقول له: تركتهم وهم يقولون: "نصلي الفجر ثم نرحل إلى دمشق"، وقد أجمع رأيهم على ذلك.فكره عمر ذلك، ولم يعجبه، فقال: ما رجوعُهم عن عدوهم؟ وقد أظفرهم الله بهم في غير موطن من مواطنهم، وما تركُهم أرضًا قد احتووها، وفتحها الله عليهم وصارت في أيديهم، وإني أخاف أن يكونوا قد أساءوا الرأي، وجرَّأُوا عدوَّهم عليهم!!.فقال سفيان: أصلحك الله، إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وإن صاحب الروم قد جمع لنا جموعًا، لم يجمعها هو، ولا أحد كان قبله لأحدٍ كان قبلنا! وقد أخبرنا بعض عيوننا أن عسكرًا واحدًا من عساكرهم (جيوشهم)، مرُّوا بالعسكر من أصل جبل، فهبطوا من الثنية نصف النهار إلى عسكرهم (كناية على كثرة العدد)، فما ظنك بما بقي منهم!! فلم يقتنع عمر، وقال: أخبرني: أجمع رأيهم جميعًا على التحويل؟ (أي الانسحاب)فقال سفيان: نعم. فقال عمر: الحمد لله على ذلك، فإني أرجو أن يكون الله قد جمع رأيهم على الخير إن شاء الله. (على الرغم من أنه يكره هذا الرأي).ويعود أبو عبيدة إلى دمشق، ويلتقي بخالد بن الوليد، ويتباحث معه الأمر, فيقول خالد: والله ليس هذا بالرأي!! ولكن إن اجتمعتم، فأرجو أن يجعل الله فيه الخير.
وقفــة مع الشورى في الإسلام:كره القائد العام لجيش المسلمين في الشام، أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، أمر الانسحاب من حمص، ولكنه نزل عند رأي المسلمين، وكذلك خليفة المسلمين ، كره ما قاموا به، ولكنه ما إن يعلم بأنهم اجتمعوا على ذلك بعد شورى، حتى يدعو لهم بالتوفيق.و حتى لما قدم أبو عبيدة إلى خالد بن الوليد، كره خالد ما فعله المسلمون، ولكنه تفاءل بالخير لاجتماع المسلمين عليه.وذلك يوضح لنا قدر الشورى في الإسلام، وكيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يفهمونها، ويقدرونها..لذا يجب أن نتوقف عند الشورى، ماهي؟ وما أصولها؟الشورى أن يشترك مجموعة في الاجتهاد للوصول إلى حلٍّ في مسألة مختلف فيها، تحتمل أكثر من رأي، وللشورى في الإسلام إضافة مهمة، وهي أن الأمور التي أقرها الله بوضوح لا تجوز فيها الشورى، فلا يجوز أن نتناقش ونتشاور في حكم أقره الله ، أو ثبت في سنة رسوله ، فلا يجوز لنا أن نتشاور حول قانون في قضية مثل الزنـا –مثلاً- يذكر القانون (الذي اجتمعت عليه الشورى في مصر) أنه: إذا زنا رجل بفتاة أكبر من 18 عامًا، بإرادتها، فهذه ليست جريمة، ما دامت تلك الفتاة لا تتخذ ذلك الأمر (الزنـا) تجارة، فهذه ليست جريمة، وإن شهد عليهم عشرة، أو عشرون (وليسوا أربعة)!! والمتزوجة إذا زنت بإرادتها، ووافق زوجها أو سامحها، أو طلقها، يسقط حق الحكومة في معاقبتها!.وهذا كله مخالف للشريعة الإسلامية، التي تقضي برجم المحصَنَة، إذا كان ذلك بإرادتها، وذلك بشهود أربعة، كما أن الحق ليس للزوج، وإنما حق التطبيق في هذا الأمر للشريعة الإسلامية، والشورى واجبة؛ لأمر الله بها لرسوله ، ووصفه للمؤمنين به، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، كما أن الشورى ضرورية في الأمور الاجتهادية للوصول إلى أفضل الآراء.وقد فرض الإسلام الشورى، ولكنه ترك وسيلتها للمسلمين يحددونها حسب اجتهادهم في كل عصر؛ لذا كان اختيار الخليفة بعد رسول الله بطريقة مختلفة في كل مرة؛ لاختلاف الاجتهاد.كما أن الشورى في الإسلام مُلزمة لكل الأطراف، بداية من الحاكم وحتى جميع الناس.
عودة إلى الميدان:ويعود أبو عبيدة إلى دمشق، ويلتقي بخالد بن الوليد، ويتباحث معه الأمر.. فيقول خالد: والله ليس هذا بالرأي!! ولكن إن اجتمعتم، فأرجو أن يجعل الله فيه الخير.ويبدأ الأمراء الخمسة (يزيد، وأبو عبيدة، وخالد، وشرحبيل، ومعهم معاذ بن جبل) يتشاورون من جديد حول الانسحاب، لما رأوا اختلاف المسلمين فيه.
الروم يعدون العـدة للمواجـهـة:وجد هرقل أن الجيش الإسلامي ينتصر في كل المعارك التي جرت بينهم، ويهلك عدد كبير من الجيش الرومي، ويفر الباقي، حدث ذلك في كل المعارك في الشام، باستثناء معركة "مَرْجُ الصُّفَّر"، ففكر في أن يجمع كل الجيوش الرومية في جيش واحد ضخم، يواجه به المسلمين في معركة فاصلة، وهو نفس التفكير الذي فكر فيه يَزْدَجِرْد في الفرس، إبَّان موقعة القادسية بعد سلسلة طويلة من الهزائم في الحروب الفارسية..فهرقل يفعل ما فعله يزدجرد، ولذلك لم يترك الجيش الرومي الموجود في بعلبك والجيش الرومي الموجود في حمص لُيقضَى عليهما في هذه المعارك الجزئية، بل آثر أن يسحب تلك الحاميات، ويضمها إلى الجيش الضخم الذي يعده لمواجهة المسلمين بقوة، واتخذ هرقل عددًا من الخطوات لإعداد ذلك الجيش، تمثلت في التالي:1- بدأ في التنقل بنفسه داخل المدن الرومية الكبرى -بعد أن كان يصدر أوامره من موقعه بأنطاكية- لكي يجمع الجيوش بنفسه، ويستحثَّ الناس على حرب المسلمين في معركة واحدة فاصلة.2- أرسل رسائل إلى جميع أطراف المملكة الرومية، تأمر القواد بتجنيد كل الروم الذين يستطيعون تجنيدهم من البالغ حتى الشيخ الكببير، تجنيدًا إجباريًّا.3- أرسل رسالة إلى رومـا[1]يستنجدهم على اعتبار أن هذه الحرب حرب دينية، وأنه يجب أن ينصر الروم الموجودين في هذه المنطقة، على اختلافهم معهم في كثير من الأمور العقائدية، وفعلاً أرسل له القيصر مددًا ونصرة عن طريق البحر.4- أمر بإحضار القساوسة، والرهبان المُفَوَّهين من كل الأماكن وأدخلهم في الجيش، حتى يحمسوا الجيش، ويرفعوا من معنوياته بعد الهزيمة النفسية الشديدة التي مني بها الروم، جرَّاء انتصارات المسلمين المتلاحقة.5- جمع أفضل قواده، وأحضر أعظم قواد الروم على الإطلاق (باهان)، حتى يتولى قيادة ذلك الجيش الضخم.6- أعد لذلك الجيش ميزانية خاصة، ضخمة جدًّا، كان من ضمنها مائتا ألف درهم تُعْطَى لباهان قبل المعركة، ووَعْدٌ بمثلها إن انتصر، ومائة ألف درهم لكل قائد من الروم قبل المعركة، وبذلك فعل ما لم يفعله أحد قبله.واستطاع أن يجمع مائتي ألف مقاتل لهذا الجيش في أصح الروايات (فالروايات تتراوح بين 120 ألفًا، إلى 400 ألف).
[1] كانت الدولة الرومية منقسمة إلى قسمين: شرقية وعاصمتها بيزنطة، ويرأسها هرقل، وغربية عاصمتها روما، وليست تحت سيطرة هرقل.
تعليق