إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اليرموك: اليوم الثاني فتوح الشام *

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اليرموك: اليوم الثاني فتوح الشام *

    اليرموك: اليوم الثاني





    منقوول


    تجمع المسلمون والروم عند منطقة اليرموك, وبعد أن التقت القوات الرومية مع القوات الإسلامية في (5 من رجب 15هـ)، بدأ المسلمون يخرجون بعض أبطالهم للمبارزة، التي نتج عنها استشهاد 4 من المسلمين، وقتل خمسة من الروم.. شعر خالد بن الوليد بقلة جيشه (33 ألفًا، مقابل 200 ألف)، وأنه يجب أن يغيروا خطة الحرب، فأتى أبا عبيدة فقال:والله يا أبا عبيدة إن هؤلاء قد أقبلوا بعدد وجَدٍّ وحدٍّ وإن لهم لشدة لا يردها شيء، وليست خيلي بالكثيرة، ولا والله لا قامت خيلي لشدة خيلهم ورجالهم أبدًا (وخيله يومئذ أمام صفوف المسلمين ثلاثة) فقال خالد: قد رأيت أن أفرق خيلي فأكون في أحد الخيلين، وقيس بن هبيرة في الخيل الأخرى (يريد أن يقسم خيله نصفين، كل منهما ألف فارس) ثم تقف خيلنا من وراء الميمنة والميسرة (ميمنة المسلمين بقيادة معاذ بن جبل ، والميسرة عليها قباث بن أشيم) فإذا حملوا على الناس، فإن ثبت المسلمون فالله ثبتهم وثبت أقدامهم، وإن كانت الأخرى حملت خيولنا عليهم وهي جامَّة (أي مستريحة) وهم قد انتهت شدتهم وتفرقت جماعتهم، ثم نحمل عليهم وهم كذلك، فأرجو عندها أن يظفرنا الله بهم ويجعل دائرة السوء عليهم، وقد رأيت أن يجلس سعيد بن زيد (وكان في مؤخرة الجيش ) مجلسك هذا (في المقدمة مكان أبي عبيدة، ويرجع أبو عبيدة إلى المؤخرة) ويقف من ورائك بحذائك مائتان أو ثلاثمائة من الفرسان ذوي الوجوه يكونون للناس ردءًا وأراد من ذلك أنه إذا حاول أحد المسلمين الفرار، فإنه يستحي من أبي عبيدة عندما يراه في الخلف، فيعود مرة أخرى للقتال.. (وليس إجبارًا على القتال، كما يفعل الروم)، قالوا: فقبل أبو عبيدة مشورته وقال: افعل ما أراك الله، وأنا فاعل ما أردت. كما أشار عليه أن يجعل صفوف المسلمين ثلاثة صفوف فقط، حتى يغطي المساحة عرضًا أمام الجيش الرومي، الذي يبلغ عمقه 20 صفًّا، وعرضه 6 آلاف جندي، أي أن عرضه 9 كلم تقريبًا، يريد خالد أن يغطي مساحة العرض، حتى لا يجعل لهم فرصة في الالتفاف على جيش المسلمين، وهو أمر صعب تكتيكيًّا في القتال، لا يستطيع أن يقوم به إلا المجاهدون المسلمون الأقوياء.. كذلك ذهب إلى معسكر النساء رضي الله عنهن من شرق المنطقة إلى وسط الجيش، يقول لهن: إذا أتاكم أحد المسلمين، فذكروه بالدفاع عنكن، وعن أولادكن (ورد في تاريخ دمشق قوله: يا نساء المسلمين، أيما رجل أقبل إليكنَّ منهزمًا فاقتلنه)، كما أخذ يذكر المسلمين أن نساءهم وبناتهم، إن هم فرُّوا، سيقعن سبايا في أيدي الروم، وهذا سلاح نفسي جديد.. فكان هذا أسلوب خالد في منع الفرار: بدأ في البداية بأسلوب الخطابة، والموعظة، وقراءة القرآن في الجيش كله (قراءة سورة الأنفال على كل فريق من المسلمين)، كما أرسل إلى جيوش المسلمين الكثير من الخطباء الذين وعظوا الناس، وثبتوهم في هذا المكان. كما استعمل السلاح النفسي بوضع النساء خلف الجيش، وكذلك بجعل أبي عبيدة في المؤخرة..
    الروم يولون الأدبــار!!

    واقترب موعد صلاة المغرب، والهجوم كاسح من المسلمين، يقابله تراجع غير محسوب من الروم، واقتراب عنيف من الهاوية، وجاءت الأوامر أن يؤخر المسلمون صلاة المغرب مع العشاء، حتى يصلوها "بعد الفتح"، (وذلك حتى لا ينسى أحد المجاهدين نية "جمع التأخير" فتضيع عليه الفريضة، وهو أمر مثير للاستغراب، فمع كل ذلك القتال العنيف، إلا أن الصلاة تكون دائمًا في أذهانهم).. ويأتي الليل، ويسود الظلام، فيخترق أحد المسلمين جيش الروم ويصل إلى باهان قائد الروم العظيم، ويقاتله قتالاً قصيرًا، فيقتله.. ويؤثر قتل باهان على نفسية الروم تأثيرًا شديدًا، وتنهار معنوياتهم تمامًا، ويرفع أبو سفيان صوته بالنداء: (يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين) على الرغم من أنه أصبح كفيفًا إلا أنه لا يزال يحمس المسلمين، بإرادة تهد الجبال. (وكأنه يريد أن يمحو حروب سنين طويلة ضد رسول الله).. يقول الرواة: فكأن الروم حائط، قد هدَّه المسلمون فوقع.. وأظلم الليل، وكانت ليلة ضبابية، فلم يعد المسلمون قادرين على رؤية أحد من الروم، إلا الصف الأول فقط، ويلاحظون أنه يهرب منهم.. حتى أظلم الليل تمامًا، فلم يعد المسلمون يرون أحدًا من الروم.. فتوقف المسلمون عن القتال بعد صلاة العشاء، ووقفت بعض الفرق للحراسة، ولم يكونوا يعلمون من تبقى من الروم، وبدأوا يضمدون جراحهم. وكان ممن يضمد جراحه عكرمة بن أبي جهل، وكان في اللحظات الأخيرة من حياته، يطلب ماءً ليشرب، فلما جيء له بالماء، سمع أحد المسلمين يطلب الماء، فيقول: اذهب إليه بالماء لعله أحوج إليه مني، فيذهب الرجل ويترك عكرمة، إلى هذا الرجل الثاني، الذي ما إن يصل إليه حتى يسمع استغاثة رجل آخر يطلب الماء، فيقول له: اذهب إليه واسقه، لعله أحوج مني بالماء، فيذهب إليه، ويجده قد مات، قبل أن يشرب؛ فيعود إلى عكرمة فيجده قد مات قبل أن يشرب أيضًا!!! رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، فيذهب للثاني فيجده قد مات، فماتوا جميعًا عطشى في الدنيا، ولكنهم يوم القيامة يسقيهم رسول الله .. يقوم أبو عبيدة بن الجراح بنفسه بحراسة القوم في هذه الليلة، ويتفقد الجيش الإسلامي، خشية أن يباغتهم الروم في الظلام، وفي مروره يجد فارسين، يتفقدهما، فإذا هما الزبير بن العوام، وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، يدوران حول المعسكر لحمايته، فيقول: يا ابن عمة رسول الله (ويقصد الزبير) ما الذي أخرجكما؟ فيقول الزبير: نحرس المسلمين، ذلك أن أسماء قالت: إن المسلمين مشتغلون بأنفسهم هذه الليلة عن الحراسة، لما لحقهم من التعب والجهاد طوال يومهم، فهل لك أن تساعدني على حراسة المسلمين؟ فأجبتها إلى ذلك. فعزم عليهما أبو عبيدة أن يرجعا، إلى أماكنهم، فرفضا، وظلا من الليل، حتى صبيحة اليوم التالي، ساهرين في سبيل الله.. ويمر الليل كله بلا اضطرابات، ويصلي المسلمون الفجر، وبعد الفجر يبدأ النور في الظهور، ويتطلع المسلمون لأرض المعركة، فيُفاجأون مفاجأة مذهلة، إذ يجدون القتلى من الروم نحو 50 ألف قتيل، ويجدون في الواقوصة (80 ألف) رومي، أو أكثر ساقطين فيها، إذ تعدهم بعض الروايات 120 ألف رومي، عدهم ابن أخي حسان بن ثابت: شداد بن أوس، أي أن قتلاهم بلغ 130 ألفًا وهرب منهم في بداية المعركة 30 ألفًا، فهناك 40 ألفًا إذاً قد اختفوا. وهكذا لقي المسلمون أعظم انتصار على أقوى جيش أعده الروم منذ بدأت حروبهم، على الرغم من كل الإعدادات والقساوسة والرهبان، الذين أعدهم (هرقل)، فانتصر المسلمون عليهم انتصارًا رائعًا.. وكان شهداء المسلمين 3 آلاف شهيد فقط.. روت دماؤهم الزكية أرض اليرموك، وفازوا ورب الكعبـة.. { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ *الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ *الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ *إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169- 175].
    دور المرأة المسلمة في المعركة:

    وكان ممن قاتل مع المسلمين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وأيضًا جويرية بنت أبي سفيان, فبذلك تكون عائلة أبي سفيان كلها في المعركة، وهند بنت عتبة –زوجته- تحمس الجيش من الخلف. بل إن واحدة من المسلمات لا يُعلم اسمها، شوهدت في هذا اليوم، تجري بفرسها وراء رومي، وهو يفر منها، حتى لحقته وقتلته، وقالت بعد أن قتلته: "هذا بيان نصر الله للمسلمين", فإذا وصلت الحرب إلى أن نساء المسلمين يقتلن رجال الروم، فإن في ذلك دلالة على نصر الله للمسلمين. وفي هذه الأثناء يستقر سهمٌ آخر في العين الأخرى لأبي سفيان ، فيعمى تمامًا، وكثرت الإصابات في أعين المسلمين في ذلك اليوم، حتى أصيبت 700 عين -كما ورد في الطبري- حتى سمي يوم اليرموك في التاريخ بـ "يوم التعوير". (فعل المسلمون ذلك في الأنبار، وفتح المدائن). وهكذا سالت كثير من الدماء، والجراحات، واشتد الأمر تمامًا على المسلمين، ومرت الظهيرة، واقترب وقت العصر، كل ذلك، ولا يزال خالد بن الوليد ، خلف الميمنة، وقيس بن هبيرة خلف الميسرة، بقواتهما لا يقاتلان، والمسلمون يتحملون أشد أنواع الحرب من الروم، بكل صبر..
    تغير في موازين القوى:

    بعد كل ذلك يتمكن الروم من ضغط ميسرة المسلمين وميمنتهم إلى القلب، وتصبح لديهم الفرصة مواتية للالتفاف على الجيش الإسلامي، وبدأت قوات الروم تتسرب خلف الجيش الإسلامي: من الميمنة، ومن الميسرة، وخالد بن الوليد يراقب عن كَثَب، حتى تسربت القوات الرومية فعلاً وطوقت الجيش الإسلامي من خلفه، وأصبحت قريبة من معسكر النساء، وكانت قوتهم تبلغ 20 ألف مقاتل رومي. عندئذٍ تحرك "سيف الله المسلول" خالد بن الوليد ، وقال: يا أهل الإسلام،لم يبقَ عند القوم من الجلد والقتال والقوة إلا ما قد رأيتم، فالشدةَ الشدةَ، فوالذي نفسي بيده، ليعطينَّكم الله النصر عليهم الساعة، إني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم. (في كل خطاباته يظل حريصًا على أن ينسب الفضل لله ). ويعطي الإذن بالبدء في القتال لفرقته المكونة من ألف فارس. ولفرقة قيس بن هبيرة المكونة من ألف فارس.. فانطلق المسلمون بعد إذن خالد بن الوليد، وكأنهم سيل هادر كان محتجزًا خلف صخرة، رافعين أيديهم بالسيوف، وأصواتهم بالتكبير على ميمنة وميسرة الجيش الرومي يدكونه دكًّا، وبوغت الروم بهذا التحرك مباغتةً شديدة، على الرغم من أن الميمنة والميسرة تبلغ (100 ألف مقاتل) تواجه (ألفي مجاهد)، ولكنهم كانوا غير مرهقين، لم يحاربوا بعد، فكان نشاطهم شديدًا، واشتياقهم للقتال، والأخذ بثأر إخوانهم أكبر، كما أنهم راغبون في الشهادة في سبيل الله، بينما الروم مرهقون أشد الإرهاق، وخائفون من المسلمين، ومباغَتون من هذا الهجوم، الذي باغتهم به خالد بن الوليد، بل كانوا يعتقدون أنهم بمجرد إزاحة الميمنة إلى القلب، والانطلاق خلفها، قد انتصروا، أو تأكدوا من هزيمة المسلمين!!. فارتطم خالد بن الوليد ارتطامًا شديدًا بميسرة الروم، واقتحم قيس بن هبيرة كذلك بميمنة الروم، وكان نتيجة ذلك نتائج لم يتوقعها أحدهما، إذ إنه في أول هجمة للمسلمين قُتِلَ على الفور (10 آلاف) مقاتل من الروم!!!... {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17], ففوجئ الروم بذلك مفاجأة عظيمة، وأيقن فرسان الروم بالهلاك، وشعروا بأنهم مقتولون لا محالة فلم يكن منهم إلا أن فكروا في الهرب.. ورأى خالد بن الوليد أنهم يجهزون أنفسهم، حتى يستطيعوا الالتفاف من خلف خالد والهروب من المهرب الوحيد خلف الجيش الإسلامي، فلم يكن من خالد بن الوليد إلا أن فكر بواقعية، ولم يغتر بمقتل عشرة آلاف رومي، وإنما ترك لهم فرصة لكي يهرب فرسانهم الآلاف الخمسين، ويتبقى له بقية الجيش، يمكنه التغلب عليه.. فنادى بصوت مرتفع للمسلمين: " أفسحوا لهم الطريق، اتركوهم، ولا تُكرهوهم على القتال"، فهرب في هذه اللحظة (ثلاثون ألف) فارس من الروم، (عشرون ألف من الميسرة المواجهة لخالد، و10 آلاف من القلب).. كل ذلك في الهجمة الأولى.. وكانت النتيجة الثالثة لهذه الهجمة المباغتة أن قائد الميسرة الرومي (درنجر) المتنسك العابد (الذي كان يعلم أنه لا يقاتل على حق) لما رأى ذلك، علم أن ما كان يشعر به كان صوابًا، وتيقن أن النصر حليف المسلمين، وأنه إنما يقاتل القدر، ولا يمكنه أن ينتصر أبدًا، ففعل ما لم يتوقعه أحد من المسلمين، ولا الروم، فجاء بثوب، ولفه حول رأسه، وجلس في أرض القتال، وقال: لا أريد أن أرى هذا اليوم المشئوم!!.. فقد تملك الرعب قلبه، وخانته رجلاه عن الهرب، وجلس ينتظر من يقطع رقبته، الذي سرعان ما جاء فجز رأسه في ثوبه، لِيَمُوت هذا القائد ميتة لم يمتها قائد من قبل!! بعد ذلك بدأ المسلمون في الضغط على بقية الجيش الرومي، فهجم المسلمون هجومًا شديدًا وحاصروا الروم في المكان الضيق من أرض اليرموك، (تجاه الواقوصة)، وحاربهم المسلمون حربًا شديدًا، وزادت الحمية في قلوب المؤمنين، وارتفعت معنوياتهم بشدة، وظهرت النماذج الفريدة، وأرسل خالد بن الوليد رسائل خاصة؛ فأرسل للزبير بن العوام: أن هذا وقت الاقتحام، والهجوم المضاد، ورسالة إلى القعقاع بن عمرو التميمي، وكان في مقدمة المسلمين، وهاشم بن عتبة، وإلى معاذ بن جبل وإلى شرحبيل بن حسنة، وإلى أبو عبيدة بن الجراح والأشتر النخعي، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وقباث بن أشيم وهاشم بن مرّ وقيس بن مرّ وضرار بن الأزور والمقداد بن عمرو والمذعور بن عدي وعياض بن غنم وعكرمة بن أبي جهل.. يمر خالد على الناس ويحفزهم، ويقول: أيها المسلمون إن عدوكم يألم كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون.
    التحام الجيشين من جديد:

    تقترب الجيوش الرومية من الجيش الإسلامي، ويرتب خالد جيشه، واستعد للقتال، ووضح من تحركات الجيش الرومي أنه سيهجم بميسرته (وقائدها درنجر القائد المتنسك)، على ميمنة المسلمين بقيادة معاذ بن جبل، وهو الذي سيبدأ الهجوم، والضربة الأولى ستتحملها الميمنة عليه، فلما رأى معاذ جيوش الرماة تقترب منه صاح في جنده: "يا معشر أهل الإسلام إنهم قد تهيئوا للشدة ولا والله لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء والصبر عند القراع". ثم هجمت الكثرة الرومية على القلة المؤمنة، وكان قتالاً شديدًا، استمر فترة طويلة من الزمن، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، لا يفهمه الدنيويون..!! ويشتد البأس من قبل الروم، ويبدءون في الضغط على الجيش الإسلامي، والمسلمون ثابتون لا يتحركون، وخالد وفرقته يرون ما يحدث للمسلمين وهم خلف الميمنة، ولا يتحركون؛ لأن الخطة ألا يتحركوا حتى يجهد الروم تمامًا. وربما كان صبر خالد ومن معه -وهم يرون إخوانهم يتلقون سيوف الروم، ويُقتَلون بها أمامهم، وتروي دماؤهم أرض اليرموك، ولا يتحركون!!- أشد من صبر هؤلاء الذين يتحملون ضربات الروم، وهذا من بُعد نظر خالد ، إذ كان يُصَبِّرهُم، ويقول لهم: "رويدًا رويدًا". أُرْهِقَ بعض المسلمون في الميمنة من شدة القتال، وبدءوا يتراجعون بظهورهم، وإن كانت بعض الجزر الإسلامية ما زالت تقاتل، فتأتي النساء من الخلف، وكان فيهن السيدة خَوْلة بنت ثعلبة الأنصارية، كانت من المجاهدات في اليرموك، فقالت: يا هاربًا عن نسـوة تقيـات *** ميت بالسهم وبالمنيات فعن قليلٍ ما ترى سبيـات *** ولا حصيات ولا رضيـات فثبت المسلمون، وعادوا إلى أماكنهم... وكان أشد الضرب في الميمنة على قبيلة "دوس"، التي قتل منها في بداية المعركة عمرو بن الطفيل وابنه جندب بن عمرو، إذ كان أكثر الشهداء في الميمنة منهم، فقام أبو هريرة وهو من قبيلة دوس، وقال: تزينوا للحور العين، وارغبوا في جوار ربكم، في جنات النعيم، فما أنتم إلى ربكم في موطن من مواطن الخير أحب إليه منكم في هذا الموطن (يذكرهم بأن هذا المكان: أرض الجهاد، أحب إلى الله حتى من المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومن كل الأماكن المقدسة؛ لأن الجهاد قد فرض عليهم في هذا الوقت) ألا وإن للصابرين فضلهم، وحرمة دم المسلم، خير عند الله تعالى من حرمة الكعبة.
    الصلاة وسط صليل السيوف:

    وحانت الظهيرة (وكان الالتحام قد بدأ عند الشروق) وهي فترة نحو 6: 7 ساعات، والجيش المسلم يحارب أمام سيول متدفقة من الجيش الرومي، ثم تأتي الأوامر بعد الظهر أن يصلي المسلمون الظهر والعصر جمع تقديم، إيماءً على الخيول، بوجوههم فقط.. أي جيشٍ هذا!! وأي قوم هؤلاء، الذين بين صليل السيوف، وتساقط الرءوس، وشدة الحرب، يثبتون، ويهتمون بالصلاة، ولا يتوقفون عن القتال. يشعر المرء أن الصلاة عندهم كالتنفس، أو كضربات القلب، ليس لها أي ثقل على النفس. ويصف عبد الأعلى بن سراقة، أحد المجاهدين في الميمنة، موقف المسلمين آنذاك، فيقول: وركب المسلمين أمثال الجبال من الروم، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأينا الروم تدور بالمسلمين كما تدور الرحى، فما رأيت موطنًا أكثر قحفًا ساقطًا (القحف هو عظم الجمجمة عندما يطير بالسيف) أو معصمًا نادرًا (زائلاً عن موضعه) أوكفًّا طائحة، من هذا الموطن.. ( أي أن أرض هذا المكان امتلأت بأشلاء القتلى، من عظام الرأس، والأيدي والمعاصم) والناس يضطربون تحت القسطل (أي الغبار الشديد) وقد والله أوحلناهم شرًّا وأوحلونا، حتى لقينا من قتالهم مالم يلقَ أحد من قبلنا من مثلهم قطُّ!! في أثناء هذا الهجوم العنيف، يصدر (باهان) الأمر الثاني، بتحرك ميمنة الجيش الرومي تجاه ميسرة المسلمين، وترتطم ميمنة الروم ارتطامًا شديدًا بالميسرة المسلمة على رأسها قباث بن أشيم ، وكان هو أشد الناس قتالاً في الميسرة، وكان في المقدمة دائمًا حتى إنه كَسَرَ في الروم ثلاثة رماح وسيفين، وكان كلما كسر رمح من رماحه أو سيف من سيوفه، يقول: من يعير سيفًا في سبيل الله، رجلاً قد حبس نفسه مع أولياء الله، وقد عاهد الله لا يفر، ولا يبرح. فيعيره المسلمون أحد السيوف، فيقوم، ويقاتل، حتى يكسر سيفه، فيعيد مقولته، فيعيره أحد المسلمين سيفًا آخر، فيذهب ويقاتل... وهكذا.. كما كان يزيد بن أبي سفيان من أشد الناس قتالاً أيضًا في هذا اليوم، على الرغم من أنه المشرف العام لميسرة المسلمين، يقول حبيب بن مسلمة: كان يزيد بن سفيان من أعظم الناس غَنَاءً، وأحسنهم بلاءً، هو وأبوه جميعًا، فقد كان أبو سفيان يقاتل تحت راية ابنه يزيد، وهو يقاتل بعين واحدة وكان قد فقد إحدى عينيه في حصار الطائف عام 9هـ, وكان يمر به فيقول له: يا بني عليك بتقوى الله والصبر فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفًا بالقتال, فكيف بك وبأشباهك الذين ولوا أمور المسلمين أولئك أحق الناس بالجهاد والنصيحة, فاتق الله يا بني والزم في أمرك ولا يكونن أحد من إخوانك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب ولا أجرأ على عدو الإسلام منك. قال: أفعل. فقاتل يومئذ في الجانب الذي كان فيه واقفًا قتالاً شديدًا[1].. وعلى الميمنة كان الموقف لا يزال شديدًا، وبدأ المسلمون يتراجعون ببطء، ويثبت فيهم عمرو بن العاص ، وقد كان قائد الميمنة، فكل القادة في هذه الحروب يكونون أشد الناس قتالاً، ومن هنا تظهر لنا حكمة اختيار هؤلاء كقادة، لأنهم أقدر على القتال، وليس لمجرد الأفضلية، وإنما الأصلح للمكان... فيثبت عمرو وجماعة معه، ويشتد عليهم ضغط الروم، فإذا بهم يتراجعون ومعهم عمرو، ولكنهم لا يولون الأدبار، فلما بدأ يتراجع، وشعر نساء المسلمين بأنهم يتراجعون، أسرعت أم حبيبة بنت العاص (أخت عمرو)، فوقفت وراءه، وقالت: قبَّح الله رجلاً يَفرُّ عن حليلته (زوجته)، قبح الله رجلاً يفر عن كريمته (بنته، أو أخته)، فلما قالت ذلك ثبت المسلمون مرة أخرى، وحملوا على الروم حملة شديدة، وكان من أشد المحمُّسات هند بنت عتبة التي كانت تقول: قاتلوا أيها المسلمون، فلستم ببعولتنا إن لم تمنعونا.أما القلب، قلب جيش المسلمين، فقد جاءت الأوامر من باهان بالتقدم أيضًا للهجوم عليه، وبذلك التحم الجيش الرومي بكامله، مع الجيش الإسلامي.. ولم يكن القتال في القلب بأفضل مما هو عليه في غيره، بل كان على أشد ما يكون، وكان على جزء من المقدمة سعيد بن زيد، وعلى الجزء الآخر هاشم بن عتبة رضي الله عنهما، وكوَّن شرحبيل بن حسنة وهو قائد القطاع الأوسط "القلب" مع سعيد جبهة يقاتلون فيها فلم يكن أحد يقاتل مثلهم، وهم من القادة، وكان سعيد بن زيد يخطب في المسلمين، يقول: {إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} [التوبة: 111].
    الاستراتيجية العسكرية لخالد بن الوليد:

    في المقابل بذل الروم جهودًا أخرى لمنع جنودهم من الفرار، فوضعوا الجيش أمام (الواقوصة) وهي هاوية عمقها أربعمائة متر من هوى فيها مات، كما ربطوا 30 ألف مقاتل منهم بالسلاسل، يضعون كل 10 في سلسلة، حتى يمنعوهم من الهرب!!، هذا بالإضافة إلى الوعود المادية الكثيرة، وقليل منهم من يفكر في الأموال في هذا الموقف؛ فالروح أعز وأهم، فيظلون متشبثين بالحياة، ويفكرون في الفرار طويلاً.. وهذا هو الفرق بين الجيش الإيماني، جيش العقيدة، وجيش دنيوي، مما يضع أمامنا بعض مفاتيح النصر.. ونتوقف لنقرأ تحليل أحد المحللين العسكريين الألمان المعاصرين (كلاوس فيتز) في القرن التاسع عشر، الذي كان أقوى محلل عسكري في ذلك الوقت، ويذكر في كتابه (في الحرب): أن أروع لحظات الدفاع هي لحظة الانتقال السريع والقوي إلى الهجوم كضربة ثأر بسيف بتار، والطرف الذي لا يفكر في هذه اللحظة منذ البداية، ولا يدخلها عند نشوب العمليات في مفهوم دفاعه، لا يمكن أن يفهم أبدًا تفوق الدفاع. يرى أن الدفاع خير وسيلة للهجوم، فيظل الجيش في الدفاع، حتى يستهلك العدو قوته، ثم يبدأ الهجوم، وهذه أروع لحظات المعركة، وفيها تُشَلُّ قوة العدو. وقد وضعها في القرن 19 الميلادي، ثم جاء محلل آخر يدعى (ليدل هاد) يسمونه: نبي الاستراتيجية العسكرية في القرن العشرين؛ فنقض نظرية الألماني في جزء منها، فقال: إن الهدف من المعركة هو إحداث صدمة تربك تفكير العدو، بتوجيه ضربة له في مكان لا يتوقعه، وإحداث خسارة مادية تؤثر على نفسية العدو. (وبذلك فهو يرى أن الأجدى ليس الدفاع، وإنما توجيه ضربة للعدو لا يتوقعها، تحدث خسارة مادية، تكون نتيجتها انهيار معنويات العدو). ثم يقول: وحاول أن تخلق الفوضى في صفوف عدوك، إذا كنت تنوي ضربه الضربة الساحـقة، ويؤيد (كلاوس فيتز) في جزئية أخرى، تخص ما نحن بصدد الحديث عنه هنا، فيقول: إذا كان عدد الجنود في معسكرك يقل عن عدد الجنود في معسكر العدو (كموقف المسلمين في موقعة اليرموك) فحاول مؤقتًا أن تعطيه فرصة للهجوم على معسكرك، ولا تهجم عليه. وأكبر الظن أنك ستواجه ناحية ضعيفة في معسكر العدو، لتفاجئه أنت بالهجوم، عندئذٍ استجمع كل قوتك، واعزم على النصر، وسيكون النصر حليفك. ولو نظرنا لخطة خالد بن الوليد ، ثم قارناها بما يقوله خبراء العسكرية بعده بقرون، لوجدنا خالدًا في الجزء الأول من المعركة في اليرموك كان عازمًا على الأخذ بخطة "كلاوس فيتز" الأولى، وهي أنه يدافع حتى تنهك قوى الجيش الرومي، ثم يقتحم بعد ذلك، ويهجم عليهم، وفي الجزء الثاني من المعركة، أراد أن يفاجئ جيش الروم بضربة تحدث خسارة مادية واضحة، وتؤثر على نفسيتهم، ومعنوياتهم. وبذلك استعمل خالد النظريتين معًا في هذه المعركة، قبل خبراء العسكرية بنحو 13 قرنًا، وهاتان النظريتان يدرسان في الكليات العسكرية الآن، ولا يشار بأي كلمة إلى أن هناك قائدًا مسلمًا طبَّق هذه النظريات في موقعة واحدة، هو سيف الله المسلول وأرضاه. وللأسف الشديد لم نقدر نحن سيدنا خالد قدره، فلم نقم حتى بتدريس هذه النظريات العسكرية الإسلامية المبتكرة في مدارسنا، أو كلياتنا العسكرية!!

    [1] تاريخ دمشق لابن عساكر.














  • #2
    رد: اليرموك: اليوم الثاني فتوح الشام *

    المصدر
    دليلك إلى التاريخ الإسلامى الصحيح دون تزوير أو تشويه | إشراف الدكتور راغب السرجاني


    تعليق

    ما الذي يحدث

    تقليص

    المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

    أكبر تواجد بالمنتدى كان 182,482, 05-21-2024 الساعة 06:44.

    من نحن

    الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا... 

    تواصلوا معنا

    للتواصل مع ادارة موقع الامن الوطني العربي

    editor@nsaforum.com

    لاعلاناتكم

    لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

    editor@nsaforum.com

    يعمل...
    X