انتهاء فتح العراق والاستعداد لمحاربة الروم
منقووولبعث خالد بن الوليد إلى العراق :
فتح بلاد الشام بعد أن انتهت حروب الردّة أرسل أبو بكر الصديق خالد بن الوليد -من موقعه في بني حنيفة- إلى العراق لفتحه من الجنوب (وكان قد أرسل جيشًا آخر من الشمال بقيادةعياض بن غنم)، على أن يسير الجيشان في اتجاه الحيرة، ومن يصل منهما إلى الحيرة أولاً، سيكون هو أمير الجيشين، وبعد فتح الحيرة يمكنهم أن يتقدموا لفتح العراق، وقد أدى خالد مهمته على خير وجه، وانتصر وتمكن من فتح الحيرة في 12 من ربيع الأول 12هـ قبل أن يصلها عياض بن غنم، فأصبح هو أمير الجيوش على العراق، وعلى الجانب الآخر توقف عياض بن غنم عند دومة الجندل، واستعصى عليه فتحها.انتهاء فتح الحيرة وبشرى لخليفة رسول الله :
منقووول
فتح بلاد الشام بعد أن انتهت حروب الردّة أرسل أبو بكر الصديق خالد بن الوليد -من موقعه في بني حنيفة- إلى العراق لفتحه من الجنوب (وكان قد أرسل جيشًا آخر من الشمال بقيادةعياض بن غنم)، على أن يسير الجيشان في اتجاه الحيرة، ومن يصل منهما إلى الحيرة أولاً، سيكون هو أمير الجيشين، وبعد فتح الحيرة يمكنهم أن يتقدموا لفتح العراق، وقد أدى خالد مهمته على خير وجه، وانتصر وتمكن من فتح الحيرة في 12 من ربيع الأول 12هـ قبل أن يصلها عياض بن غنم، فأصبح هو أمير الجيوش على العراق، وعلى الجانب الآخر توقف عياض بن غنم عند دومة الجندل، واستعصى عليه فتحها.
أرسل خالد شُرَحْبِيل بن حَسَنَة لأبي بكر الصديق يهنئه بفتح الحيرة، ويحمل إليه الغنائم التي منَّ الله بها على المسلمين، ولما وصل شرحبيل وبلَّغ أبا بكر الخبر، قال له كلمة عجيبة، إذ سأله: أتحدثك نفسك أن تُرسل جيشًا إلى الشام؟ وكانت هذه المرة الأولى التي يصرّح فيها بفتح الشام (مثلما خرج المسلمون من حروب الردّة إلى فتح فارس، وكانت جرأة عجيبة من المسلمين أن يرسلوا جيشًا لفتح فارس وهم حديثو عهد بحروب الردة)، ويتعجب خليفة رسول الله أبو بكر ؛ لأنه كان يحدّث نفسه بذلك فعلاً، ولم يُطلِع أحدًا على ما كان يحدّث نفسه به!!فقال له: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أطلعت عليه أحدًا، وما سألتني عنه إلا لشيء. قال له: نعم يا خليفة رسول الله، فإني قد رأيت رؤيا: رأيتك تمشي بين الناس، فوق خرشفة بجبل (يقصد مكانًا من الصعب جدًّا أن يسير فيه المرء بقدميه)، ثم أقبلت تمشي حتى صعدت قنة من القنان العالية (أي مكانًا مرتفعًا)، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة (أي واسعة كبيرة)، فيها زرع وقرى وحصون، فقلت للمسلمين: شنّوا الغارة على أعداء الله، وأنا ضامنٌ لكم الفتح والغنيمة. فشدّ المسلمون، وأنا فيهم ومعي راية (أي أنه أحد قواد المسلمين في الحلم)، فتوجهت بهم إلى أهل قرية، فسألوني الأمان فأمنتهم، ثم جئتك فأجدك قد انتهيت إلى حصنٍ عظيم، ففتح الله لك، وألقوا إليك السلم، ووضع الله لك مجلسًا فجلست عليه، ثم قيل لك: يفتح الله عليك وتُنصر، فاشكر ربك واعمل بطاعته. ثم قرأت عليك سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1-3]، ثم انتبهت.فابتسم أبو بكر الصديق ، وقال له: نامت عيناك، خيرًا رأيت، وخيرًا يكون إن شاء الله.وبدأ يفسر لسيدنا شرحبيل بن حسنة هذه الرؤيا، فقال له: بُشّرت بالفتح، ونعيت إليَّ نفسي!! ثم دمعت عيناه، وقال: أما الخَرْشَفَة التي رأيتنا صعدنا عليها، فأشرفنا عليها إلى الناس: فإنّا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه (أي أن القتال سيرهق المسلمين جدًّا، ولن يكون قتالاً سهلاً)، ثم نعلو بعدُ ويعلو أمرنا (أي سنظل نقاتل وننتصر حتى نغلبهم)؛ وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة والزرع والعيون والقرى والحصون، فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش وهو الشام. وأما قولي للمسلمين: شنوا على أعداء الله الغارة، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة؛ فإن ذلك دنوّ المسلمين إلى بلاد المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم وقبولهم.وأما الراية التي كانت معك، فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها، واستأمنوا فأمّنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين في فتح الشام، ويفتح الله على يديك. وأما الحصن الذي فتح الله لي، فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالسًا فإن الله يرفعني (ويقصد بذلك المسلمين) ويضع ُالمشركين، قال الله تبارك وتعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف:100].وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ عليَّ السورة فإنه نَعَى إليَّ نفسي، وذلك أنّ النبي نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة، وعلم أن نفسه قد نُعيت إليه، ثم سالت عيناه فقال: لآمرنّ بالمعروف، ولأنهين عن المنكر، ولأجهدن فيمن ترك أمر الله، ولأجهزن الجنود إلى العادلين بالله (أي المشركين) في مشارق الأرض ومغاربها حتى يقولوا: الله أحدٌ أحد لا شريك له، أو يؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون. هذا أمر الله وسنة رسول الله، فإذا توفاني الله لا يجدني الله عاجزًا ولا وانيًا ولا في ثواب المجاهدين زاهدًا؛ فعند ذلك أَمَّر الأمراء، وبدأ يُعدّ العُدَّة لبعث البعوث إلى الشام.
عقد مجلس الحرب وأخذ المشورة:شجعت هذه الرؤيا المباركة أبا بكر الصديق على المُضيّ قُدمًا فيما كانت تحدثه نفسه به من إرسال الجيوش لفتح الشام وحرب الروم، إلا أنه مع ذلك لم يعجل في اتخاذ القرار، وإنما بدأ بإعداد العُدة، وجمع في البداية مجلسًا للحرب من المسلمين، حتى يأخذوا القرار في الحرب على الروم، وهذا القرار خطير، يجب أن يجمع له أبو بكر كبار مفكري الدولة الإسلامية آنذاك، ذلك المجلس الذي ضم عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبا عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، وأرضاهم جميعًا.فدعاهم أبو بكر ليفكروا في اتخاذ قرار الحرب، وهؤلاء العشرة هم المبشّرون بالجنة، فأنْعِم به من مجلس! ولا شكّ أن قرارهم سيكون قرارًا موفقًا بتوفيق الله.فبدأ الصديق بالحديث فقال لهم:إن الله لا تحُصى نعماؤه، ولا يبلغ جزاء الأعمال، فله الحمد، قد جمع الله كلمتكم وأصلح ذات بينكم، وهداكم إلى الإسلام، ونفى عنكم الشيطان، فليس يطمع أن تشركوا به، ولا تتخذوا إلهًا غيره، فالعرب اليوم أمة واحدة بنو أم وأب (وهذا بعد أن جمع الله كلمة المسلمين من جديد بعد حروب الردة)، وقد رأيت أن أستنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين، ويجعل الله كلمته هي العليا، مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الوافر؛ لأنّه من هلك منهم هلك شهيدًا، وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش عاش مدافعًا عن الدين مستوجبًا على الله ثواب المجاهدين. (أي أن المسلمين في حروبهم إما النصر والعزّة، وإما الشهادة في سبيل الله، وعلى هذا يجب أن تكون حياتنا كلها خالصة لله تعالى، وجهادًا في سبيله، في كل لحظة من لحظات الحياة؛ يقول أحد الصالحين: إن الإنسان لا يستطيع أن يختار لحظة موته، ولكنه يستطيع أن يختار كيف يموت, أي أنه إذا كانت حياة المرء كلها جهادًا في سبيل الله، وعملاً خالصًا لوجه الله سبحانه، فلا شك أنك ستموت وأنت على نفس هذه الحياة، وبذلك تكون قد اخترت أن تموت في سبيل الله، وفي المقابل إذا كنت تحيا للدنيا، ولا تفكّر إلا لنفسك، وتقتصر أحلامك وآمالك على ما يهمك وحدك، ولا تهتم بأمور المسلمين، فهذا يعني أنك ستموت على ما عشت من أجله!).يقول أبو بكر الصديق رأيه هذا، ثم يقول: هذا رأيي الذي رأيت، فأشيروا عليَّ. فيقوم عمر بن الخطاب فيقول: الحمد لله الذي يخصّ بالخير من يشاء من خلقه، والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} [الحديد:21]، قد والله أردت لقاءك لهذا الرأي الذي رأيت، فما قُضِى أن يكون حتى ذكرتَه، فقد أصبتَ أصاب اللهُ بك سبيل الرشاد، سرِّبْ إليهم الخيل في إثر الخيل، وابعثْ الرجالَ بعد الرجال، والجنود تتبعها الجنود؛ فإن الله ناصر دينه، ومعزٌّ الإسلام وأهله، ومنجزٌ ما وعد رسوله.وهكذا نجد أن عمر بن الخطاب متفق مع أبي بكر، ويضع له الخطة التي يراها مناسبة لفتح الشام، وهي أن تخرج كلّ طاقة الجيش الإسلامي المتبقية لفتح الشام.ثم يقوم عبد الرحمن بن عوف فيقول: يا خليفة رسول الله، إن الروم وبني الأصفر حدٌّ حديد وركنٌ شديد، والله ما أرى أن تُقحم الخيل عليهم إقحامًا، ولكن تبعث الخيل فتغير في أدنى الأرض؛ فتأخذ منهم وترهبهم ثم ترجع إليك، فإذا فعلوا ذلك بهم مرارًا أضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم، فقووا بذلك على عدوهم، ثم تبعث إلى أرضي أهل اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعًا إليك، فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك، وإن شئت أغزيتهم. ثم سكت وسكت الناس.
اختلاف وجهات النظر بين الصحابة:كان لكلٍّ من الصحابة -رضوان الله عليهم- وجهة نظر تتعلق بالاستراتيجية العسكرية، ورؤيتهم لطريقة إنفاذ الجيوش، فإذا كان عمر يرى أن يخرج الجيش كله لقتال الروم -كما فعل في حروب فارس- فإن ابن عوف يقيس تلك الحرب على ما فعله الصديق نفسه في فتح فارس، حيث جاء المثنى بن حارثة من قبائل بكر بن وائل شمال الجزيرة العربية إلى حدود العراق، وطلب من الصديق أن يسمح له بالإغارة على حدود العراق، فوافقه أبو بكر الصديق على ذلك، وبدأ المثنى يُغير غاراتٍ متعددة، حتى ذهب خالد بن الوليد بجيش المسلمين لفتح فارس، في حين لم يكن ذلك تفكير عمر ، إذ سنراه في فتح فارس يرسل الجيوش الإسلامية كلها دفعة واحدة، ويجهز في فتح القادسية 32 ألف مجاهد، ثم 60 ألفًا لموقعة المدائن؛ ولذا يقترح أن يكون الجيش مقسمًا إلى مجموعات تحارب ثم تعود بالغنائم، حتى يتمرن المسلمون على حرب الروم؛ لأنهم مرهوبو الجانب.فقال لهم أبو بكر: ماذا ترون يرحمكم الله؟ (ولم يكن باقي المجلس قد تحدث عن رأيه في الخروج إلى الشام) فقام عثمان بن عفان وقال: رأيي أنك ناصح مخلص لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيًا تراه لعامتهم صلاحًا فاعزم على إمضائه؛ فإنك غير ظَنِين ولا متهم.وهكذا كان رأي عثمان أن أبا بكر موفق في كل قراراته، فإذا اختلف المسلمون في القرار الأسلم للحرب، فإنه يرجع الأمر كله لأبي بكر الصديق، ويعلن أنه مطيع له. وانتظر الصديق ليسمع رأي بقية المسلمين، فقام طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار فقالوا: صدق عثمان فيما قال، ما رأيت من رأي فأمضه، فإنا سامعون لك مطيعون، لا نخالف أمرك، ولا نتهمك، ولا نتخلف عن دعوتك.وهكذا اتفق الجميع على رأي عثمان ، وعلى الخروج إلى الشام بشكل عام، وبقي واحد منهم لم يُدلِ برأيه، وهو عليّ ، فسأله أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال علي : أرى أنك مباركُ الأمر، ميمون النقيبة، وإن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم الجنود، نُصرت عليهم إن شاء الله.فقال أبو بكر : بشرك الله بخير! ومن أين علمت هذا؟ قال: سمعت رسول الله يقول: "لا يزال هذا الدين ظاهرًا على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون". أي أنه إذا التقى المسلمون والمشركون في موقعة وكان المؤمنون على إيمان صحيح، وأخذوا بأسباب النصر، فإن الله ناصرهم على المشركين.فقال أبو بكر: سبحان الله! ما أحسنَ هذا الحديث! (أي أن أبا بكر لم يكن قد سمع هذا الحديث) مسند الإمام أحمد عن جابر بن سمرة، لقد سررتني به سرّك الله في الدنيا والآخرة, وهكذا قام المجلس على هذا الاتفاق بالخروج لحرب الروم.
تعليق