دائماً ما تصف الصحافة الغربية كل من موسكو وبكين بأنهما من أعداء أوربا وأمريكا, وكذا فإن الصحافة والرأي العام في الدول الغربية ينظر إلى نظام الحكم في الدولتين على أنه نظام استبدادي حيث تُكمّم الأفواه ويتم الزج بالمعارضين فى السجون.
والحقيقة أن هناك تطابُقاً منذ سنين فى وجهات نظر كل من روسيا والصين تجاه القوى الغربية, فكلتا القوتين تعتبران القوى الغربية من الخصوم وليس الأصدقاء, ولكن من ينظر إلى الأمر بتلك البساطة لم يصل للحقيقة بعد, فالعلاقات بين موسكو وبكين تتجه إلى الأسوأ خاصة عقب إعلان الصين عن تأسيس تحالف لمحاربة الإرهاب بمنطقة "آسيا الوسطى", ذلك التحالف الذي لن يشمل روسيا مما يُنذِر بتدهور فى العلاقات بين البلدين خلال السنوات المقبلة.
وإذا عدنا إلى القرن الثامن عشر سنجد أن كل من روسيا ووالصين كانتا تسعيان للسيطرة على منطقة آسيا الوسطى حيث أحكمت روسيا قبضتها على منطقة سيبيريا Siberia بينما وسّعت الصين من نفوذها بمنطقة منشوريا Manchuriaبغرض مواجهة المد الروسي مما أدّى إلى صراع مستتر بين كل من الصين وروسيا لا زال مستمراً حتى اليوم.
والواقع أن روسيا ومنذ تلك الحقبة فى القرن الثامن عشر سجّلت تفوقاً واضحاً على الصين فيما يخص القوة العسكرية مما دفع بالروس إلى توسيع سيطرتهم فيما بعد لتشمل جمهوريات "آسيا الوسطى" بما فيها منغوليا التي سيطرت موسكو عليها خلال الحقبة السوفيتية, والأهم هو أن الصين المنتشية بالإنجازات التي حققتها في المجالين الاقتصادي والعسكري باتت في الوقت الحالي تُمثِل تهديداً حقيقياً للوجود الروسي بوسط آسيا.
ويقول مراقبون أن موسكو باتت تشعر بقلق بالغ من التحالف الجديد الذي ستقوم بكين بتأسيسه لمحاربة الإرهاب, فلو ظهر هذا التحالف إلى النور سيكون هناك مزيد من التعاون والتنسيق الأمني والاستخباراتي والعسكري بين الصين وجمهوريات آسيا الوسطى التي كانت يوماً ضمن حدود الاتحاد السوفيتي السابق مما يُمثِل تهديداً مباشراً للمصالح الروسية بالمنطقة.
وما زاد الأمر سوءاً بالنسبة لموسكو هو أن باكستان وأفغانستان وطاجيكستان أبدت موافقتها على الانضمام للحلف الصيني الجديد بل أن هناك مفاوضات جارية لتوسيع دائرة الحلف ليشمل دولاً أخرى, وما يؤكد على التعاون بين الصين والدول الجديدة المنضمة للحلف هو قيام بكين مؤخراً بتقديم 70 مليون دولار للحكومة الأفغانية بغرض دعمها فى مواجهة الإرهاب.
والحقيقة أن امتداد تنظيم الدولة الإسلامية شرقاً أدّى إلى وضع بكين في مرمى تهديدات التنظيم كما أدى أيضاً إلى قطع الطريق على موسكو إذا ما حاولت التشكيك في نوايا بكين تجاه تأسيس الحلف الجديد المُناهِض للإرهاب خاصة عقب تلميحات روسية بأن هدف إنشاء الحلف الجديد هو بسط نفوذ بكين بالمنطقة وليس محاربة الإرهاب.
ويقول مراقبون أن التحالف الصيني الجدي المُناهِض للإرهاب يأتي تنفيذاً لسياسة جديدة تتبعها بكين ترمي إلى لعب دور أكبر على الساحتين الإقليمية والدولية, وما يؤكد على ذلك هو إعلان بكين عن تأسيس أول قاعدة للأسطول الصيني خارج البلاد سيكون مقرها دولة جيبوتي وهي المنطقة التي تشهد حضوراً عسكرياً أمريكياً, كما أن الاستراتيجية العسكرية الصينية في الوقت الحاضر باتت تقوم على مبدأ حماية المصالح الصينية في أية منطقة على سطح الأرض والتخلّي عن السياسة الدفاعية التي كانت تنتهجها بكين لعقود.
والواقع أن روسيا تعي جيداً التطورات التي طرأت على السياسة الخارجية الصينية خلال السنوات القليلة الماضية مما جعل موسكو تشعر بقلق بالغ إزاء الطموحات الصينية خارج الحدود والتي من المتوقع أن تمتد لتشمل مناطق آسيا الوسطى والقوقاز وأوكرانيا.
ولا يجب علينا إغفال دور الولايات المتحدة فيما يخص نذر المواجهة بين موسكو وبكين, فواشنطن متورطة في احتلال أفغانستان منذ 15 عاماً مضت كما أن لها مصالح بمنطقة آسيا الوسطى من الممكن أن تتأثر بالصِدام بين موسكو وبكين, ويقول مراقبون أن الولايات المتحدة سيكون لها دوراً هاماً في حسم الصراع الذي يلوح في الأفق بين موسكو وبكين حول السيطرة على منطقة آسيا الوسطى عبر قيام واشنطن بالانحياز لأحد الطرفين والوقوف بوجه الطرف الآخر.
رابط المقال:
http://blogs.reuters.com/great-debat...y-roil-russia/
تعليق