الجيـــل المتقـــدم منهـــا دخـــل بالفعـــل الخدمـــة
صراعـــات الشــرق الأوســـط ترجـــح مــن جديـــد كفـــة الصواريـــخ المضـــادة للــــدروع
صراعـــات الشــرق الأوســـط ترجـــح مــن جديـــد كفـــة الصواريـــخ المضـــادة للــــدروع
مما لا شك فيه أن عمليات الحروب المعاصرة والحديثة قد توسعت ، وازدادت معها وتيرة استخدام المقذوفات الموجهة المضادة للدروع التي تطلق من الأرض والجو على حد سواء . إن هذا التوسع كان نتيجة حتمية للقفزة التقنية التي تحققت في مجال تصميم وتطوير الدوائر والرقائق الالكترونية الحديثة . وقد يتساءل البعض عن مدى الحاجة الحقيقية لهكذا منظومات دقيقة ومكلفة في آن واحد ، والجواب ببساطة أن الجيوش الحديثة والعصرية ، لم تعد تتحمل استهلاك كميات هائلة من ذخائر الأسلحة التقليدية لتدمير أهداف نقطوية معادية . كما إنها لا تستطيع توفير أعداد كبيرة من الطائرات والدبابات والمدافع وغيرها .. ولمشاغلة هدف ما ، يستطيع المقذوف الموجه مهاجمته وتدميره بدقة أكبر وبدرجة مخاطرة أقل نسبياً . وليس أكثر من دليل على صحة ذلك القول من تصوير الحالة السائدة خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما كان الأمر يتطلب لتدمير دبابة واحدة فقط ، قيام الطائرات بطلعات متعددة وإلقاء حوالي 800 قنبلة لإصابتها ، في حين يمكن في زمننا الحالي تدمير نفس الهدف بواسطة صاروخ واحد موجه نوع Maverick .
الحاجة لتقليل زمن تعرض وانكشاف exposure time منصات إطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدروع أو زمن التواجد في منطقة الهدف العدائية ، أدت بلا شك لظهور منظومات بقابلية "أطلق وأنسى" fire and forget ، مما ساهم بشكل أكبر في تعزيز حماية أطقم التشغيل . كما سجلت خطوات جدية وملموسة في مجال مواجهة الإجراءات المضادة الكهروِبصرية electro-optical countermeasure وقابليات الإعاقة والتشويش ، وباتت الصواريخ المضادة للدروع أكثر تحصيناً ومقاومة لأنماط هذه الوسائل .. ويرى بعض الباحثين أن أحد أهم التحديات للمجسات وأنظمة البحث الحديثة تكمن في مدى التغطية العملياتي ، والذي يأتي على الأرجح نتيجة التقييدات المناخية والامتصاص الجوي للإشارات atmospheric absorption ، مما يحتم الإمعان المسبق في اختيار أحزمة ترددات البواحث ، خصوصاً عند الحديث عن الأنواع الكهروبصرية منها electro-optical . لقد وجد الباحثين أن تصميم الباحث لابد أن يتضمن بعض المساومة والحلول الوسطية بين عدة عوامل متعارضة ، والمهم في النهاية هو تكييف المنتج لإنجاز ما يطلب منه من مهام .
وفي الوقت الذي قللت فيه مقذوفات الجيل الثالث الموجهة المضادة للدروع من خطر النيران المعادية والمضادة على مشغليها ، إلا أنها في المقابل تعاني من معضلة الكلفة Cost-effectiveness مما يجعلها خياراً صعباً للكثيرين . ولصياغة ذلك بصورة مبسطة ، نقول إن المرء يأمل بكسب المعركة ، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون قادراً على تغطية نفقات ذلك المكسب . فمع ذات التقدم والتطور التقني ، فإن القابليات التشغيلية لأنظمة هذه الصواريخ ومنصات إطلاقها ، خصوصاً تلك المرتبطة والمثبتة على العربات المدرعة والمروحيات ، زادا إلى حد كبير ، وبالتالي ارتفعت أيضاً كلف نفقاتهم بشكل متزامن gone up costs . إن القيمة النسبية لمنصة إطلاق صاروخ مضاد للدروع من الجيل الحالي ، تبلغ نموذجياً أكثر من 30 ضعف قيمة الصاروخ ذاته . لذلك ، الكلفة العالية لمنصات الإطلاق firing platform بالإضافة للأطقم المدربة والقذائف المحمولة ، أوجدت الحاجة لضمان أن تكون مستويات الاستنزاف والاستهلاك attrition levels لمثل هذه المنصات مقبولة ورخيصة إلى القوات المستخدمة . لقد تطلب الأمر تحديد واختصار زمن تعرض وانكشاف منصة الإطلاق وكذلك طاقم التشغيل إلى الفترة الزمنية الضرورية الدنيا ، فقط لتسهيل اكتساب الهدف وإطلاق القذيفة عليه . هذا ما دعا الكثير من الشركات المتخصصة لاستئناف تطوير منظومات جديدة ذات قابليات متعددة للتوجيه الجزئي أو الكلي ، التي منحت في وقتنا الحاضر للعديد من منظومات الصواريخ الموجهة المضادة للدروع .
المنظرون الميدانيون الروس يحملون رؤاهم وتعليقاتهم الخاصة بشأن الاستعانة بالمقذوفات ذاتية التوجيه autonomous homing ، فهم يعتقدون أن الغرب يستعجل عرض فوائد ومزايا advantages منظوماتهم العاملة وفق هذا النمط من التوجيه . وهم يرون أن هذه الصواريخ التي يعمل جلها وفق آلية البحث بالأشعة تحت الحمراء IR seeker واكتساب الصورة الحرارية الصادرة عن الهدف ، رغم ميزاتها العديدة ، إلا أنها محكومة بنواحي تقنية تحد وتقيد من قيمتها الحقيقية . منها أن أداء الباحث من ناحية قابلية اكتساب الهدف target acquisition لا تتجاوز حتى الآن مسافة 2.5 كيلومتر ، مما يفرض تقييدات وعقبات على مدى إطلاق النار . الأمر الآخر يتعلق بمدى موثوقية واعتمادية الباحث السلبي ، فهذا يتطلب في عمله تحقيق مقارنة وتباين أعلى لصورة الهدف وتحليل بصري optical resolution بالمقارنة لتلك المطلوبة لأنظمة التشغيل التوجيهي التقليدية . هناك أيضاً احتمال عالي لفشل وإخفاق عملية التوجيه ، بسبب إما حالة التشويش المحيطة أو في الاكتساب الطبيعي للهدف من قبل باحث الصاروخ . إن الضرر والعائق الرئيس لتبني الصواريخ الموجهة بواسطة باحثها الخاص كما يراه الروس يكمن في كلفتهم العالية ، التي تبلغ نحو ثلاثة أضعاف تلك الخاصة بأنظمة التوجيه نصف الآلية semiautomatic guidance . لذلك ، الكثير من الجيوش لا تستطيع تحمل شراء مثل هذه الأنظمة بالأعداد المطلوبة ، حيث يفضل الكثير منهم اقتناء أعداد محدودة وبالتمازج مع منظومات الجيل السابق الصاروخية الموجه المضادة للدبابات .
تعليق