دبابــــــــــات المعركــــــــــة الرئيســــــــــة
وأهمية تفعيل منظومة الإجراءات المضادة في ساحة المعركة
وأهمية تفعيل منظومة الإجراءات المضادة في ساحة المعركة
يجزم العديد من المنظرين العسكريين ، أن دبابات المعركة الرئيسة ستحتاج في المستقبل المنظور إلى التأكيد على بعض التجهيزات القياسية لإتمام عملها بشكل آمن ، مثل كاشف للأشعة تحت الحمراء IR detector ، نظام تعريف بالهدف target identification ، مستقبل تحذير ليزري laser warning receiver .. هذه التجهيزات وربما غيرها ، تلحق ضمن مفهوم "أنظمة الحماية النشيطة" APS ، حيث يمكن تقسيمها من حيث طبيعة الإجراءات المضادة Countermeasures وردود الأفعال إلى صنفين رئيسين : الأول يطلق عليه أنظمة "القتل الناعم" soft kill ، في حين يطلق على النوع الآخر أنظمة "القتل الصعب" hard kill . ومن خلال الاختلاف العملياتي بين كلا المفهومين ، فإنهما يشتركان في بعض النواحي التشغيلية ، منها (1) الكشف الدقيق وتتبع التهديد (2) تفعيل الإجراءات المضادة لهزيمة ودحر التهديد القادم (3) تسريع رد الفعل وإكماله خلال أجزاء أو ثوان معدودة ، عند مدى مواجهة قصير وفي جميع الأحوال الجوية (4) تخفيض الأخطار والأضرار الإضافية للحد الأدنى تجاه الأفراد والعربات القريبة .. وفي حين تعمل منظومات القتل الناعم على التشويش على القذائف المعادية ، بغرض حرفها عن مسارها باستخدام إجراءات تخفيض وإرباك الإشارات الكهرومغناطيسية ، بالإضافة لاستخدام وسائل الحجب والإخفاء والمشوشات وأخيراً الفخاخ الخداعية decoys دون العمل على تدمير أو إتلاف السلاح المهاجم ، فإن منظومات القتل الصعب في المقابل تعمل على الاشتباك واعتراض disrupts الصاروخ أو القذيفة القادمة لضرب الهدف المدرع قبل وصولها لمرحلة التماس المادي مع العربة حاملة النظام ، وتأكيد حالة الإتلاف أو التدمير لها .. إن عمل منظومات القتل الصعب يرتكز على تهيئة وتوفير مظلة واقية لحد معين ، على شكل منطقة نيران دفاعية نشيطة ، تؤمن مسافة أمنة safe distance حول العربة المستهدفة .
لقد أثبتت الصراعات والمعارك التي جرت في العقود الماضية وبما لا يجعل مجالاً للشك على أن صفائح التدريع مهما كانت جيدة وبمميزات استثنائية ، فإنه يمكن للعديد من مخاطر وتهديدات ساحة المعركة الحالية تجاوزها وإلحاق الضرر الهيكلي بها . لذا اعتمدت أنظمة الحماية النشيطة في أسلوب عملها على بعض الأدوات الكهرومغناطيسية لاكتشاف التهديد القادم ، ثم بعد ذلك التعامل معه إما بإطلاق بعض أنواع الذخيرة الاعتراضية بقصد إحباط ذلك الهجوم ، أو القيام بإجراءات تشويش وإرباك مضادة . هكذا برز الدور الأعظم والمهم لمجسات التحذير أو لأنظمة كشف التهديد detection systems لتجنب الإصابة والأضرار الناتجة . ففي هذه الحالة ، يلقى على عاتق هذه الأنظمة مهمة كشف القذائف المشغلة والمندفعة نحو أهدافها المقصودة ، مثل القذائف الصاروخية الموجهة وكذلك المقذوفات غير الموجهة . هذه الأنظمة يجب أن تميز وتفرق بين الأهداف الحقيقية وتلك الوهمية أو الخاطئة وبالتالي منع الإنذارات الزائفة . هم يجب أن يميزوا بين الصواريخ أو القذائف الأخرى التي تهدد العربة المحمية ، وتلك التي ستخطئها أو تصوب نحو أهداف أخرى قريبة (مثال على هذه الأنظمة ، مستقبلات التحذير الليزرية LWR التي تدمج عادة في عملها مع قاذفات قنابل الدخان) .. المشوشات تحت الحمراء Infrared jammers هي الأخرى أدوات طورت لمواجهة الصواريخ المضادة للدروع الموجه بصرياً أو SACLOS (القيادة نصف الآلية إلى خط البصر) . هذه المشوشات غير القابلة للاستهلاك تصدر إشارات في طيف الأشعة تحت الحمراء لإرباك نظام السيطرة على القذيفة في منصة الإطلاق وبالتالي إرسال إشارات مضللة وزائفة للصاروخ false signals لكي يخطئ هدفه . هذه المشوشات التي يمكن إلحاق عملها مع أنظمة التحذير الليزرية ، تستطيع العمل وفق نمطين ، الأول عندما تكون العربة في وضع تشويش مستقر وتبث في اتجاه ثابت ، نموذجياً على القوس الأمامي وبتوافق مع السلاح الرئيس . هذه الطريقة تستخدم متى ما عرف مصدر ووجهة قدوم التهديد . النمط الآخر عندما العربة في وضع الحركة ، حيث تبث المشوشات بينما هي تنفذ مسح أفقي ثابت ومستمر horizontal scan لكي تزيد إلى حد كبير من قطاع المنطقة المحمية . هذه الطريقة مستعملة في حالة توافر تهديد غير محدد المصدر .. استخدام آخر لليزر في الإجراءات المضادة أمكن بلوغه ، وذلك كأداة إعماء أو إبهار للبصر Lasers dazzle يوجه نحو مشغلي منظومة السلاح أو المجسات الكهروبصرية electro-optical للأسلحة المضادة للدبابات العدائية (اعتماداً على الشروط والظروف البيئية ، المدى الفعال لأنظمة الإعماء يمكن أن يبلغ تقريباً 5-10 كلم) . لعمل هذا ، وحدة إطلاق شعاع الليزر يجب أن تدمج مع كاشفات التحليل الزاوي العالي angular resolution وذلك لإنجاز وتحصيل دقة الإشارة الضرورية . متطلبات مستويات الطاقة في هذه الأنظمة يمكن أن تكون مخفضة نسبياً بحيث لا تلحق أضراراً دائمة ، مع ذلك هناك ليزرات أكثر قوة ، ومن المحتمل أن تتسبب في أضرار بعيدة الأثر للمنظومات الكهروبصرية ، وتعمي المشغلين ورماة القذيفة المعادية (العديد من هذه المنظومات تزود بفلاتر ومرشحات خاصة لتخفيض الأضرار البصرية) . بسبب هذا ، هناك اعتراضات سياسية قوية إلى أسلحة الطاقة الليزرية الموجهة laser-based directed energy ، للحد الذي استوجب صدور قرار أممي لمنع تصنيعها واستخدامها (اتفاقية لاهاي الفصل الرابع العام 1980) .
بداية منظومات الحماية النشطة APS اقترح في الولايات المتحدة خلال الستينات ، عندما طورت إحدى أهم مؤسسات البحث العسكري المتخصصة Picatinny Arsenal في شمال نيوجيرسي ، طورت منظومة حماية نشيطة للدبابات تعتمد في عملها على رادار دوبلر Doppler radar لاكتشاف القذائف المقتربة ، وحساب سرعتها لتحديد اللحظة والفرصة الملائمة للإطباق عليها وتدميرها قبل أن تضرب هي هدفها . يستعمل هذا الرادار تأثير دوبلر doppler effect لقياس سرعة الأهداف التي تكشفها التغطية الاتجاهية للهوائي ، حيث يرسل رادار دوبلر موجة مستمرة بتردد ثابت ، ويستخدم الهوائي نفسه في كل من عمليتي الإرسال والاستقبال . وعندما تصطدم الموجة المرسلة بهدف مقترب من الرادار ، فإن الموجات تنعكس عند تردد أعلى من التردد المرسل . وعندما يكون الهدف مبتعداً عن هوائي الرادار ، فإن الموجة المرتدة reflection تصبح ذات تردد أقل ، وكلما كان الهدف أسرع في أي من الاتجاهين كان الفرق أكبر بين تردد الموجة المرسلة وتردد الموجة المنعكسة . وبقياس الفرق في التردد ، يحدد رادار دوبلر سرعة الهدف قيد التتبع . الفكرة كانت قائمة على إطلاق شحنة متشظية fragments باتجاه مسار المقذوف لتحطيمه أو حرفة عن مساره على أقل تقدير ، قبل أن تبلغ رأسه الحربية ذات الشحنة المشكلة جسم الهدف . الرادار كان القاعدة المقترحة كثيراً لاكتشاف القذائف المهاجمة ، وتم تثبيت إحدى هذه الأنظمة بالفعل خلال العام 1960 على دبابة M60 بقصد الاختبار . على أية حال ، هناك أضرار لاستخدام الرادار في منظومات الحماية النشيطة للدبابات ، أحدها صعوبة اكتشاف القذائف تجاه خلفية من الضوضاء وتداخل الإشارات التي تتولد متى ما الرادار كان مستخدم بالقرب من مستوى سطح الأرض . أنظمة رادار بطبيعتها هي أيضاً نشيطة active ، مما يعني سهولة كشف العربات التي تحملها من قبل العدو . بديل اكتشاف آخر للقذائف جرى اختباره في إسرائيل بداية العام 1980 ، اعتمد على أنظمة كهروبصرية electro-optical ، حيث أن لهذه الأنظمة ميزة الكشف السلبي passive ، لذلك هي ليست عرضة للرصد أو لهجوم المقذوفات الباحثة عن الإشارات الكهرومغناطيسية ، بالإضافة إلى أنها أقل تكلفة من منظومات الكشف الرادارية . هي تعتمد في كشفها للقذائف المضادة على الإشارات الحرارية والبصرية للعوادم الساخنة والمضيئة لمحركات هذه المقذوفات . لذا يعاب على هذا النوع من التجهيزات عدم قدرته على رصد المقذوفات حرة الطيران التي تقترب من أهدافها ، مثل الذخيرة الفرعية حرة السقوط submunitions أو قذائف الهاون . هذه الأسباب وغيرها دعت المعنيين للعودة لمنظومات الكشف الرادارية ، خصوصاً مع اشتمال العديد منها على معالج دقيق microprocessor لتحليل الإشارات الواردة عن منظومة رصد وتعقب الهدف ومن ثم تحديد الإجراءات المضادة المناسبة للتفاعل ، بما في ذلك تحديد أين ومتى يتم اعتراض الهدف .
أما أول نظام للحماية النشيطة APS دخل الخدمة العملياتية ، فقد كان السوفييتي "دروز" Drozd ، الذي طور خلال عامي 1977-1982 ودخل الخدمة في العام 1983 على دبابات T-55 التابعة لمشاة البحرية السوفيتية . صمم هذا النظام (يدخل ضمن مفهوم أنظمة القتل الصعب) للعمل كبديل للدرع السلبي أو التفاعلي ، للدفاع ومواجهة أسلحة العدو المضادة للدبابات . هو معد لتوفير الحماية تجاه القذائف الكتفيه والصواريخ الموجهة المضادة للدروع ، حيث استخدم دروز مجسات رادارية ذات موجة مليمتريه millimeter wave radar (من النوع بدائي التصميم والقدرات) على كل من جانبي البرج لاكتشاف المقذوفات القادمة ، بالإضافة إلى وحدة كهربائية مساعدة حدد مكانها إلى الخلف من البرج . رادار الرصد أشتمل على مرشح معالج Processor لتحديد طبيعة الأخطار ، وتوجيه النظام نحو الأخطار الحقيقية فقط المقتربة بسرعة تتراوح بين 70-700 م/ث . استخدام النظام عدد 8 مقذوفات من عيار 107 ملم ، عدد 4 على كل من جانبي البرج لاعتراض الصواريخ المعادية . واشتملت هذه على رؤوس حربية متشظية مع صمامات تحفيز تقاربيه (نمط التشظية كان من النوع المخروطي cone-shaped) . عانى هذا النظام من عدة عيوب ونواقص ، إذا بدا أن راداره كان غير قادر على تقرير مستويات التهديد threat levels بشكل كافي ، ومقذوفات النظام للدفاع عن النفس تسببت في مستويات عالية بشكل غير مقبول تقريباً من الأضرار العرضية والجانبية collateral damage ، خصوصاً إلى المشاة المرافقين والمترجلين . النظام كان غالي الكلفة جداً على ما يقال أيضاً ، وأن تكاليفه كانت تتجاوز قيمة الدبابة الحاملة نفسها . مع ذلك ، ورغم الملاحظات العديدة التي سجلت على المنظومة دروز إلا أن السوفييت يدعون أنها استطاعت تسجيل نسبة نجاح في أفغانستان بلغت 80% ، وتم بالفعل تصنيع عدد 250 وحدة من النظام لصالح الدبابات التابعة للبحرية السوفييتية T-55 .
دبابة منظمة حلف شمال الأطلسي الأولى التي دمجت نظام حماية للقتل الناعم كانت الفرنسية AMX-56 Leclerc ، التي دخلت الخدمة مع الجيش الفرنسي في العام 1992 ، ثم بعد ذلك بسنتين في الإمارات العربية المتحدة . لقد جهزت الدبابة لوكليرك بالنظام القاذف Galix ، الذي طور من قبل شركتي Giat وLacroix Tous Artifices . هذا النظام يحتوي على عدد تسعة سبطانات إطلاق لمقذوفات من عيار 80 ملم تمت ملاءمتها إلى جانبي سقف البرج . ومن أجل مواجهة الطيف الأكبر من مخاطر ساحة المعركة ، طورت لهذا النظام ذخيرة خاصة ، عبارة عن قذائف حجب وستر دخانية screening smoke grenades ، بالإضافة إلى أفخاخ عاملة بالأشعة تحت الحمراء infrared decoys ، قادرة على مواجهة مخاطر متعددة الأطياف ، مثل التعين الليزري أو بالأشعة تحت الحمراء أو البصري . ويمكن لقذيفة الحجب والإخفاء أن تصبح الفحص نافذة المفعول في أقل من ثانيتين فقط ، وتزود حماية لأكثر من 30 ثانية في شروط الرياح البالغ سرعتها أربعة أمتار في الثانية . يمكن لهذه المنظومة أيضاً أن تطلق قنابل الدخان التقليدية أيضاً ، أو الغاز المسيل للدموع tear gas ، أو المضادة للأفراد وكذلك قذائف الإنارة illumination rounds . مع ذلك جزئية ضعف ونقيصة لوحظت في ترتيب النظام ، وتتعلق هذه بعدم تزويد الدبابة لوكليرك بنظام كشف شعاع الليزر laser detection لتحفيز عمل الإجراءات المضادة .