كثيرة هي المنظمات الدولية غير الحكومية التي ترفع شعار حماية حقوق الانسان والدفاع عن تلك الحقوق , وتصدر بين الفينة والأخرى تقارير تتعلق بما تسميها انتهاكات لهذه الحقوق حسب مفهومها .
ويمكن اعتبار منظمة هيومن راتس ووتش من أكثر تلك المنظمات شهرة , وهي بالتعريف : منظمة دولية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها، مقرها مدينة نيويورك , و تأسست في سنة 1978 للتحقق من أن الاتحاد السوفياتي يحترم اتفاقات هلسنكي ، وكانت منظمات أخرى قد أنشئت لمراقبة حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم , وقد نتج عن دمج هذه المنظمات تأسيس هذه المنظمة .
ومن الأهداف المزعومة التي ترفعها هذه المنظمة من خلال تقاريرها حول ما تقترفه الحكومات من أفعال في مجال حقوق الإنسان : الدفاع عن حرية الفكر والتعبير , و السعي لإقامة العدل والمساواة في الحماية القانونية ، وبناء مجتمع مدني قوي , و محاسبة الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان ....... الخ
وقبل الحديث عن آخر تقارير المنظمة المتعلقة بما يسمى "حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية , لا بد من التنويه بأن منظمة هيومن رايتس ووتش وأمثالها من المنظمات الدولية الغربية غير الحكومية ليست صنيعة غربية من الألف إلى الياء فحسب, و تحمل من الأفكار الغربية حول ما يسمى حقوق الإنسان والمرأة , والمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والاعتقادية ... ما يتناقض تماما مع مبادئ وقيم وأصول الإسلام ......... بل هي بالإضافة لما سبق تحاول تشويه صورة الاسلام بشتى الوسائل , وتعمل جاهدة منذ زمن على الترويج بوجود تناقض بين تعاليم الاسلام و أوامره وبين حرية المرأة وحرية التعبير وغيرها مما تسميه حقوق الإنسان حسب مفهومها .
ومع هذا المفهوم الغربي القاصر عما يسمى " حقوق الإنسان " , هناك ازدواجية صارخة في تعامل هذه المنظمات مع الانتهاكات التي تقع على تلك الحقوق , ففي الوقت الذي يتم فيه تسليط الضوء إعلاميا على ما تراه تلك المنظمات انتهاكا لحقوق الإنسان في الدول السنية , تتعامى هذه المنظمات عن انتهاكات جسيمة وفظيعة لنفس الحقوق في الدول الغربية .
والآن يمكن عرض آخر تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش حول المملكة العربية السعودية , لنقف عندها بعض الوقفات التي أراها من الأهمية بمكان .
فقد انتقد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا نظام ولاية الرجل على المرأة في السعودية، وقال : إنه لا يزال يمنعها من حقوقها – حسب زعم التقرير - رغم إصلاحات الحكومة .
وجاء في التقرير أن المرأة البالغة في السعودية تحتاج إلى تصريح من وليّ أمرها للسفر إلى الخارج والزواج ومغادرة السجن ، بعد قضاء العقوبة ، وقد تحتاج إلى موافقته أيضا للعمل أو الحصول على رعاية صحية .
وأول ما يمكن الوقوف عليه في هذا التقرير هو شدة انشغال هيومن رايتس ووتش – وأخواتها - بمسألة الولاية على المرأة في المملكة وقيادتها للسيارة .....الخ , وتجاهلها للمرأة السورية والعراقية والبورمية والفلسطينية , وما يتعرضن له من انتهاكات جسيمة تصل إلى حد القتل والاغتصاب والاختطاف , وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام , بل ويؤكد خبث أغراضها وأهدافها من تلك التقارير .
أما الوقفة الثانية فهي مع تلك العبارة الملغومة التي تتهم فيه المنظمة نظام ولاية الرجل على المرأة في الإسلام بأنه ما يزال يمنعها من حقوقها !! وهي عبارة خطيرة أراد من خلالها تقرير المنظمة الانتقاص من دين الله الخاتم قبل أن ينتقد حكومة بلاد الحريمن باسم الدفاع عما يسمى "حقوق الإنسان" .
فمن المعلوم أن نظام ولاية الرجل على المرأة في الإسلام ثابت بنصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ .......... } النساء/ 34 , وأي انتقاد لهذا النظام فهو انتقاد لكلام الله وشرعه ودينه .
ويمكن الوقوف ثالثا على مسألة محاولة التقرير اعتبار أي ولاية على المرأة انتقاص لها ولحريتها , وهو في الحقيقة خطأ جسيم نصا وعقلا , فمن قال : إن ولاية الأب على ابنته – مثلا - بالمفهوم الإسلامي الصحيح للولاية هو انتقاص لها ؟! بل ولايته عليها هو غاية الكمال ومنتهى الرحمة بها .
وأخيرا يمكن ملاحظة محاولة المنظمة الدولية فرض تصوراتها الغربية وأفكارها العلمانية أو اللادينية عن حرية المرأة وحقوق الإنسان على دول تدين بدين الإسلام وتريد أن تطبق تعاليم على مجتمعاتها باختيارها .... وهو ما يعتبر بحد ذاته انتهاكا فاضحا لحقوق الإنسان الذي تزعم المنظمة أنها تعمل لحمايتها ورعايتها !!!
ثم لماذا لا تركز المنظمة على الانتهاكات الصارخة لحقوق المرأة في عقر دراها "أمريكا" , حيث تؤكد الكثير من التقارير حجم الظلم والاضطهاد الذي تتعرض له المرأة هناك , والذي يصل في كثير من الأحيان إلى الضرب العنيف الذي لا يهين المرأة فحسب , بل ويشوه الكثير من ملامحها الخارجية !!
وضمن هذا السياق رد الخبير التربوي والأستاذ بجامعة الملك سعود محمد عبدالعزيز الشريم على تدخل منظمة هيومن رايتس في شؤون المملكة فيما يخص تقريرها المتعلق بسمنة السعوديات الذي أرجعت المنظمة سببه إلى حرمانهن من ممارسة الرياضة قائلا :
"إن سمنة السعوديات ليس سببها حرمانهن من الرياضة كما تدعي المنظمة ، مؤكداً أن موقف المنظمة بُني على بيانات غير صحيحة ومضللة , مؤكدا أن مجتمع المنظمة "أمريكا" يعاني من المشكلة أكثر منا !!
وقال الشريم : " قدمت منظمة الاتحاد العالمي للسمنة - وهي مؤسسة تمثل 50 جهة متخصصة -إحصائيات عن السمنة في العالم ، فبلغت نسبة السمنة لدى النساء الأمريكيات (40,4%) والبرازيليات (16,9%) والسعوديات (33,5 % ) " .
وأضاف : " أما نسبة السمنة لدى الفتيات بحسب الموقع نفسه ، فقد بلغت لدى الأمريكيات (29,5%) والبرازيليات (34,6%) والسعوديات (28,4% ) " .
أما بالنسبة للرجال، قد بلغت نسبة السمنة لدى الأمريكيين (35%) والبرازيليين (12,5%) والسعوديين (24,1%)، وبلغت نسبة السمنة لدى الفتيان الشباب الأمريكيين (29,7%) والبرازيليين (26,7%) والسعوديين (24,8%).
وأكد الشريم أنه من خلال تحليل الإحصائيات السابقة ، نجد السمنة في أمريكا أعلى من السعودية في الفئات الأربع ، رغم توفر فرص ممارسة الرياضة وارتفاع الوعي بأهميتها !!
إذا : ليس أكذوبة حماية حقوق الإنسان هو ما يدفع منظمة هيومن رايتس ووتش للاستمرار في انتقاد المملكة السعودية , من خلال أمثال هذه التقارير التي لا يمكن أن توصف إلا بالكيدية .... وإنما الرغبة بتشويه صورتها أمام العالم , وخصوصا بعد قرارها بمواجهة المشروع الصفوي في المنطقة .
تعليق