يوسف البنخليل
الخليج العربي بدون الأمريكان «1»
اعتـــادت دول مجلــس التعــاون علــى أن تكون واشنطن محوراً أساساً في تفاعلات النظام الإقليمي الخليجي، لنتحدث عن مرحلة ما بعد تأسيس الدول الخليجية الحديثة بشكلها اليوم.
ففي السبعينات اعتادت دول الخليج العربيــة علــى «مبـدأ نيسكون» عندمــا طرح فكرة العمودين المتساندين «السعودية وإيران» من أجل حماية أمن الخليج. لاحقاً تغيرت المعطيات وصارت إيران خارج إطار العمود الأمريكي المعتمد بقيام الثورة الخمينية في طهران فبراير 1979.
قيام الثورة الخمينية ساهم في تعزيز مصالح الدول الخليجية مع واشنطن وخاصة من الناحية التجارية، وجاء غزو العراق للكويت والدور الأمريكي في تحرير الكويت ليكون مرحلة جديدة من التحول في العلاقات أسفرت عن توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية بين واشنطن ودول مجلس التعاون بشكل أحادي وليس جماعياً.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ظل الوضع قائماً إلى أن حاولت واشنطن توريط دول مجلس التعاون الخليجي في مأزق غزو العراق في العام 2003، ولكن التحفظ الخليجي ورفض المشاركة المباشرة، كان مؤشراً أولياً على عدم الارتياح الخليجي من الدور الأمريكي في المنطقة، خاصة وأن نهاية الغزو أسفرت عن صراع طائفي دموي أكمل عقداً من الزمن قبل شهور، والأهم أنه ساهم في صعود جماعات راديكالية تؤمن بفكر ولاية الفقيه المتطرف إلى سدة الحكم في بغداد ليظهر محور إقليمي جديد، وهو محور طهران ـ بغداد طبعاً بجهود أمريكية.
المفاجأة الأكبر كانت لاحقاً عندما فوجئت دول مجلس التعاون بالموقف الأمريكي تزامناً مع اندلاع ثورات الربيع العربي في ديسمبر 2010، وحجم التعاطــــف والضغوط التي مارستهــــــا الإدارة الأمريكية دعماً لتغيير الأنظمة الخليجية الحاكمة التي دائماً ما كانت تعتبر أنظمة حليفة وصديقة. كان المثال الأوضح في المنامة التي وقفت واشنطن مع الجماعات الراديكالية التي طالبت بإسقاط النظام الملكي الدستوري الحاكم، وإقامة الجمهورية الإسلامية على غرار النظام الثيوقراطي الإيراني، ووصلت ذروة هذه الضغوط إلى فرض الكونغرس حظراً على بيع السلاح لحكومة البحرين.
في هذه المرحلة، وهي المرحلة التي قد تكون انتهت قبل عدة أيام انتهت حالة الثقة بين واشنطن والعواصم الخليجية، وانتهى التحالف الإستراتيجي من غير عودة، وحتى إن عادت الثقة، فإن تراجع شعبية الولايات المتحدة يزداد كثيراً على المستوى الشعبي وخاصة مؤسسات المجتمع المدني التي تعتقــد أن لواشنطن دوراً كبيراً في محاولات التغيير السياسي في المنطقة، وبالتالي من الصعب جداً إعادة الثقة لدى الرأي العام الخليجي بأهمية واشنطن ودورها كحليف في المنطقة، خاصة وأنه لا توجد قناعة لدى دوائر صنع القرار الأمريكية بضرورة السعي لإعادة الثقة للرأي العام في المنطقة.
هذه المقدمة التاريخية الموجزة تلخص مسار العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، وهي مهمة إذا كنا نبحث عن إجابة لما سيكون عليه الخليج من دون الأمريكان كسيناريو يقوم على تراجع قبول دول مجلس التعاون الخليجي للنفوذ الأمريكي. سنحاول تقديم مجموعة من الأطروحات حول هذا السيناريو خلال الأيام المقبلة.
/
الخليج بدون الأمريكان «2»
لم تكترث الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً بمصالحها مع دول مجلس التعاون الخليجي، فالفكرة اليوم ليست في إلغاء مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وإنما إلغاء مصالحها مع الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربية.
واشنطن لا تؤيد التفريط في نفط الخليج الذي يزيد على 464 مليار برميل كاحتياطي نفطي مؤكد، ولكنها تؤيد التخلي عن حلفائها القدامى في المنطقة لأنها أوجدت البديل في جماعات راديكالية تجاه أنظمتها، ولكنها ليست راديكالية تجاه المصالح الأمريكية وكذلك مصالح إسرائيل.
للمرة الثانية على التوالي، وفي نفس المكان بمقر الأمم المتحدة تصدم الإدارة الأمريكية دول مجلس التعاون الخليجي عندما أكدت عدم حرصها على العلاقات الأمريكية - الخليجية، وتؤكد أيضاً أن مسألة التحالفات التاريخية مجرد فكرة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.
لنتذكر قليلاً، ففي المرة الأولى خلال سبتمبر 2011 دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى ضرورة الاستماع للوفاق في خطوة كانت إعلاناً رسمياً بدعم إدارته لها. حينها كانت المكافأة الإيرانية سريعة عندما أعلنت طهران إفراجها عن مواطنين أمريكيين محتجزين في الأراضي الإيرانية.
يتكرر المشهد ذاته في مقر الأمم المتحدة أيضاً وخلال سبتمبر الماضي، أي بعد سنتين على الموقف الأول ليظهر الرئيس أوباما من جديد ويصنف البحرين من ضمن بلدان التوتر الطائفي كما هو الحال بالنسبة لكل من العراق وسوريا التي تشهد مجازر يومية. فماذا كانت المكافأة الإيرانية؟
سريعاً قام سفير طهران لدى الأمم المتحدة بالموافقة على الطلب الأمريكي بإجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين أوباما وروحاني، رغم الاستجداءات التي قام بها البيت الأبيض لعقد اجتماع «عابر» بين الرئيسين!
حالة التناغم في المصالح بين واشنطن وطهران واضحة اليوم، وباتت أكثر وضوحاً إثر التراجع المفاجئ للبيت الأبيض عن قرار توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري. ولذلك لا نستغرب من موقف الأسد عندما أشاد بالتقارب الأمريكي - الإيراني.
ما هو التبرير الأمريكي لحلفائها الخليجيين عن توجهها للتقارب مع طهران؟
لن يكون هناك تبرير، ولكنها سياسة كسر الوعود كاتجاه عام في السياسة الخارجية الأمريكية، وبالتالي ليس مهماً من وجهة نظر أمريكية تضرر الحلفاء في الخليج.
في ضوء هذه التطورات باتت الحاجة ملحة لموقف وتحرك خليجي مشترك تجاه التطورات الإقليمية، وتجاه مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة. ومن الضروري أن تدرج هذه المسألة ضمن أجندة القمة الخليجية المقبلة.
/
الخليج بدون الأمريكان (3)
الخليج بدون الأمريكان لن يكون خليجاً من غير تواجد أمريكي، بل ستستمر المصالح الاستراتيجية لواشنطن فيـه، ولكــن مسؤوليـــة إدارتها وحمايتها ستتركز لدى محور ليس المحور التقليدي الذي اعتمدت عليـه واشنطـــن منــذ 30 سنة، بل محور جديد من الممكن أن يكون محور النفوذ الإيراني الممتد من طهران مروراً ببغداد وجنوب بيروت وانتهاء بدمشق. الخليـــج بـــدون الأمريكـــان هــي حالة تمثل سيناريو محتمل بدأنا بمشاهـــدة تفاصيله، ولن يكـــون الخليـــج بــدون أمريكـــان، وإنمــا ستكون الحقيقة هي دول مجلس التعاون بدون الأمريكان. وقد يبدو سيناريو جنونياً لمن شهد تطورات التحالف المعاصر بيــن العواصـــم الخليجية وواشنطن.
إذا كان التواجد العسكري الأمريكي سمة من سمة العلاقات الخليجية - الأمريكية بسبـــب التسهيـــلات العسكريــــة الواسعــــة المقدمــــة لواشنطن والتي تنامت بشكل لافت بعد حرب تحرير الكويت في العام 1991، فإنها في حالة الخليج بدون أمريكان ستتراجع كثيراً، وقد تنتهي، أو تتركز في الأراضي العراقية والإيرانية إذا حدث تطبيع مستقبلاً، أو قد يكون خياراً متاحاً وهو إقامة قاعدة عسكرية عائمة في مياه الخليج العربي أو بحر العرب.
تراجع التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، وظهور حالة الخليج بدون الأمريكان تعني تراجع الدور الأمريكي في حماية أمــن الخليــج، وهـــو مــا سيدفـــع دول مجلـــس التعاون الخليجي إلى خيارين؛ الأول البحــث عـــن قـــوة دوليـــة جديدة لتعزيز أمن الخليج، وخلق توازن القــوى الإقليمـي، ويفتـرض هذا الخيار أن تلجأ دول مجلس التعاون إلى تنويع مصادرها من الأسلحة. أو الخيار الثاني وهو الاعتماد العسكري الذاتي، بحيث لا تعتمد هذه الدول في حفظ الأمــن الإقليمي على قوة دولية كما حدث خلال القرنين الماضيين، بريطانيا أولاً ثم الولايات المتحدة.
إذا لجأت دول الخليج العربية إلــى الخيار الثاني، فإنها ستضطر إلى زيادة نفقاتها العسكرية رغم أنهــا نفقـات تعتبــر الأعلى علـــى المستوى العالمي. واللافت هنا أن النفقات العسكرية الخليجية الحالية المرتفعة من الممكن أن تكون أكثر ارتفاعاً عما هو عليه الوضع اليوم، فالوضع الحالي يعتمد على تحالف عسكري مع واشنطن، ورغم ذلك فإن النفقات العسكرية مرتفعة، فكيف يمكن أن يكون عليه الوضع إذا غاب الحليف العسكري؟
طبعاً خيارات وفرص كثيرة واسعة، فهناك العديد من القوى الكبرى ترغب في ملء أي فراغ عسكري أو أمني في منطقة الخليج العربي، ويمكن إقامة تحالفات ثنائية أو تحالفات جماعية وهي الأفضل طبعاً. ولكن المخاوف تتركز على كيفية ضبط النفقات العسكرية بحيث لا تشكل عبئاً مقابل أي اختلال عسكري محتمل في موازين القوى.
في كافة الخيارات فإن تراجع الدور الأمريكي في أمن الخليج من شأنه أن يخلق تهديدات جديدة بين القوى الإقليمية في المنطقة، ومن شأنه أن يدفع بسباق تسلح في المنطقة يذكرنا بما كان عليه الوضع مطلع الثمانينات من القرن العشرين.
الخليج العربي بدون الأمريكان «1»
اعتـــادت دول مجلــس التعــاون علــى أن تكون واشنطن محوراً أساساً في تفاعلات النظام الإقليمي الخليجي، لنتحدث عن مرحلة ما بعد تأسيس الدول الخليجية الحديثة بشكلها اليوم.
ففي السبعينات اعتادت دول الخليج العربيــة علــى «مبـدأ نيسكون» عندمــا طرح فكرة العمودين المتساندين «السعودية وإيران» من أجل حماية أمن الخليج. لاحقاً تغيرت المعطيات وصارت إيران خارج إطار العمود الأمريكي المعتمد بقيام الثورة الخمينية في طهران فبراير 1979.
قيام الثورة الخمينية ساهم في تعزيز مصالح الدول الخليجية مع واشنطن وخاصة من الناحية التجارية، وجاء غزو العراق للكويت والدور الأمريكي في تحرير الكويت ليكون مرحلة جديدة من التحول في العلاقات أسفرت عن توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية بين واشنطن ودول مجلس التعاون بشكل أحادي وليس جماعياً.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ظل الوضع قائماً إلى أن حاولت واشنطن توريط دول مجلس التعاون الخليجي في مأزق غزو العراق في العام 2003، ولكن التحفظ الخليجي ورفض المشاركة المباشرة، كان مؤشراً أولياً على عدم الارتياح الخليجي من الدور الأمريكي في المنطقة، خاصة وأن نهاية الغزو أسفرت عن صراع طائفي دموي أكمل عقداً من الزمن قبل شهور، والأهم أنه ساهم في صعود جماعات راديكالية تؤمن بفكر ولاية الفقيه المتطرف إلى سدة الحكم في بغداد ليظهر محور إقليمي جديد، وهو محور طهران ـ بغداد طبعاً بجهود أمريكية.
المفاجأة الأكبر كانت لاحقاً عندما فوجئت دول مجلس التعاون بالموقف الأمريكي تزامناً مع اندلاع ثورات الربيع العربي في ديسمبر 2010، وحجم التعاطــــف والضغوط التي مارستهــــــا الإدارة الأمريكية دعماً لتغيير الأنظمة الخليجية الحاكمة التي دائماً ما كانت تعتبر أنظمة حليفة وصديقة. كان المثال الأوضح في المنامة التي وقفت واشنطن مع الجماعات الراديكالية التي طالبت بإسقاط النظام الملكي الدستوري الحاكم، وإقامة الجمهورية الإسلامية على غرار النظام الثيوقراطي الإيراني، ووصلت ذروة هذه الضغوط إلى فرض الكونغرس حظراً على بيع السلاح لحكومة البحرين.
في هذه المرحلة، وهي المرحلة التي قد تكون انتهت قبل عدة أيام انتهت حالة الثقة بين واشنطن والعواصم الخليجية، وانتهى التحالف الإستراتيجي من غير عودة، وحتى إن عادت الثقة، فإن تراجع شعبية الولايات المتحدة يزداد كثيراً على المستوى الشعبي وخاصة مؤسسات المجتمع المدني التي تعتقــد أن لواشنطن دوراً كبيراً في محاولات التغيير السياسي في المنطقة، وبالتالي من الصعب جداً إعادة الثقة لدى الرأي العام الخليجي بأهمية واشنطن ودورها كحليف في المنطقة، خاصة وأنه لا توجد قناعة لدى دوائر صنع القرار الأمريكية بضرورة السعي لإعادة الثقة للرأي العام في المنطقة.
هذه المقدمة التاريخية الموجزة تلخص مسار العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، وهي مهمة إذا كنا نبحث عن إجابة لما سيكون عليه الخليج من دون الأمريكان كسيناريو يقوم على تراجع قبول دول مجلس التعاون الخليجي للنفوذ الأمريكي. سنحاول تقديم مجموعة من الأطروحات حول هذا السيناريو خلال الأيام المقبلة.
/
الخليج بدون الأمريكان «2»
لم تكترث الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً بمصالحها مع دول مجلس التعاون الخليجي، فالفكرة اليوم ليست في إلغاء مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وإنما إلغاء مصالحها مع الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربية.
واشنطن لا تؤيد التفريط في نفط الخليج الذي يزيد على 464 مليار برميل كاحتياطي نفطي مؤكد، ولكنها تؤيد التخلي عن حلفائها القدامى في المنطقة لأنها أوجدت البديل في جماعات راديكالية تجاه أنظمتها، ولكنها ليست راديكالية تجاه المصالح الأمريكية وكذلك مصالح إسرائيل.
للمرة الثانية على التوالي، وفي نفس المكان بمقر الأمم المتحدة تصدم الإدارة الأمريكية دول مجلس التعاون الخليجي عندما أكدت عدم حرصها على العلاقات الأمريكية - الخليجية، وتؤكد أيضاً أن مسألة التحالفات التاريخية مجرد فكرة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.
لنتذكر قليلاً، ففي المرة الأولى خلال سبتمبر 2011 دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى ضرورة الاستماع للوفاق في خطوة كانت إعلاناً رسمياً بدعم إدارته لها. حينها كانت المكافأة الإيرانية سريعة عندما أعلنت طهران إفراجها عن مواطنين أمريكيين محتجزين في الأراضي الإيرانية.
يتكرر المشهد ذاته في مقر الأمم المتحدة أيضاً وخلال سبتمبر الماضي، أي بعد سنتين على الموقف الأول ليظهر الرئيس أوباما من جديد ويصنف البحرين من ضمن بلدان التوتر الطائفي كما هو الحال بالنسبة لكل من العراق وسوريا التي تشهد مجازر يومية. فماذا كانت المكافأة الإيرانية؟
سريعاً قام سفير طهران لدى الأمم المتحدة بالموافقة على الطلب الأمريكي بإجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين أوباما وروحاني، رغم الاستجداءات التي قام بها البيت الأبيض لعقد اجتماع «عابر» بين الرئيسين!
حالة التناغم في المصالح بين واشنطن وطهران واضحة اليوم، وباتت أكثر وضوحاً إثر التراجع المفاجئ للبيت الأبيض عن قرار توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري. ولذلك لا نستغرب من موقف الأسد عندما أشاد بالتقارب الأمريكي - الإيراني.
ما هو التبرير الأمريكي لحلفائها الخليجيين عن توجهها للتقارب مع طهران؟
لن يكون هناك تبرير، ولكنها سياسة كسر الوعود كاتجاه عام في السياسة الخارجية الأمريكية، وبالتالي ليس مهماً من وجهة نظر أمريكية تضرر الحلفاء في الخليج.
في ضوء هذه التطورات باتت الحاجة ملحة لموقف وتحرك خليجي مشترك تجاه التطورات الإقليمية، وتجاه مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة. ومن الضروري أن تدرج هذه المسألة ضمن أجندة القمة الخليجية المقبلة.
/
الخليج بدون الأمريكان (3)
الخليج بدون الأمريكان لن يكون خليجاً من غير تواجد أمريكي، بل ستستمر المصالح الاستراتيجية لواشنطن فيـه، ولكــن مسؤوليـــة إدارتها وحمايتها ستتركز لدى محور ليس المحور التقليدي الذي اعتمدت عليـه واشنطـــن منــذ 30 سنة، بل محور جديد من الممكن أن يكون محور النفوذ الإيراني الممتد من طهران مروراً ببغداد وجنوب بيروت وانتهاء بدمشق. الخليـــج بـــدون الأمريكـــان هــي حالة تمثل سيناريو محتمل بدأنا بمشاهـــدة تفاصيله، ولن يكـــون الخليـــج بــدون أمريكـــان، وإنمــا ستكون الحقيقة هي دول مجلس التعاون بدون الأمريكان. وقد يبدو سيناريو جنونياً لمن شهد تطورات التحالف المعاصر بيــن العواصـــم الخليجية وواشنطن.
إذا كان التواجد العسكري الأمريكي سمة من سمة العلاقات الخليجية - الأمريكية بسبـــب التسهيـــلات العسكريــــة الواسعــــة المقدمــــة لواشنطن والتي تنامت بشكل لافت بعد حرب تحرير الكويت في العام 1991، فإنها في حالة الخليج بدون أمريكان ستتراجع كثيراً، وقد تنتهي، أو تتركز في الأراضي العراقية والإيرانية إذا حدث تطبيع مستقبلاً، أو قد يكون خياراً متاحاً وهو إقامة قاعدة عسكرية عائمة في مياه الخليج العربي أو بحر العرب.
تراجع التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، وظهور حالة الخليج بدون الأمريكان تعني تراجع الدور الأمريكي في حماية أمــن الخليــج، وهـــو مــا سيدفـــع دول مجلـــس التعاون الخليجي إلى خيارين؛ الأول البحــث عـــن قـــوة دوليـــة جديدة لتعزيز أمن الخليج، وخلق توازن القــوى الإقليمـي، ويفتـرض هذا الخيار أن تلجأ دول مجلس التعاون إلى تنويع مصادرها من الأسلحة. أو الخيار الثاني وهو الاعتماد العسكري الذاتي، بحيث لا تعتمد هذه الدول في حفظ الأمــن الإقليمي على قوة دولية كما حدث خلال القرنين الماضيين، بريطانيا أولاً ثم الولايات المتحدة.
إذا لجأت دول الخليج العربية إلــى الخيار الثاني، فإنها ستضطر إلى زيادة نفقاتها العسكرية رغم أنهــا نفقـات تعتبــر الأعلى علـــى المستوى العالمي. واللافت هنا أن النفقات العسكرية الخليجية الحالية المرتفعة من الممكن أن تكون أكثر ارتفاعاً عما هو عليه الوضع اليوم، فالوضع الحالي يعتمد على تحالف عسكري مع واشنطن، ورغم ذلك فإن النفقات العسكرية مرتفعة، فكيف يمكن أن يكون عليه الوضع إذا غاب الحليف العسكري؟
طبعاً خيارات وفرص كثيرة واسعة، فهناك العديد من القوى الكبرى ترغب في ملء أي فراغ عسكري أو أمني في منطقة الخليج العربي، ويمكن إقامة تحالفات ثنائية أو تحالفات جماعية وهي الأفضل طبعاً. ولكن المخاوف تتركز على كيفية ضبط النفقات العسكرية بحيث لا تشكل عبئاً مقابل أي اختلال عسكري محتمل في موازين القوى.
في كافة الخيارات فإن تراجع الدور الأمريكي في أمن الخليج من شأنه أن يخلق تهديدات جديدة بين القوى الإقليمية في المنطقة، ومن شأنه أن يدفع بسباق تسلح في المنطقة يذكرنا بما كان عليه الوضع مطلع الثمانينات من القرن العشرين.
تعليق