الغارات الاسرائيلية المتتالية على سوريا تحفز مراكز الـ Think-Tanks
تصدرت الغارات "الاسرائيلية" على مواقع سورية اهتمامات مراكز الابحاث ووسائل الاعلام الامريكية كافة وخصوصاً مراكز سبر الأفكار أو ما يسمى بـ Think Tanks. الاولى كرست جهودها للتوصل الى فهم ادق لنظم الدفاع الجوية السورية التي اعتبرتها اقل فعالية مما كانت عليه قبل نشوب الازمة وتسليح المعارضة المسلحة. كما سعت مراكز الابحاث الى التوقف عند العوامل التي دفعت "اسرائيل" لشن هجماتها ونطاقات ردود الفعل.
سأستعرض في هذا الموضوع مجموعة من الدراسات البحثية التي نشرت مؤخراً وصدرت من مراكز سبر الأفكار في أمريكا والتي ركزت على التطورات المتسارعة عقب الغارة "الاسرائيلية" وموقف روسيا تحديداً، والقاء الضوء على الصراع التاريخي على النفوذ في الاقليم بين تركيا وروسيا الساعية للثبات في مياه البحر المتوسط والحد من سيطرة الأولى. الأهداف الروسية ليست طارئة بل تمتد عميقاً في التاريخ منذ تشكيلات الامبراطورية الروسية، مروراً بالاتحاد السوفياتي وإلى الراهن الروسي، ليلقي مزيد من الضوء على دوافع الدعم الروسي للدولة السورية.
إذن نلقي الضوء على أهم ما جاء في هذه الدراسات والأبحاث
نبدأ أولاً مع دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS للمؤرخ العسكري أنتوني كوردسمان حيث أن الغارات "الاسرائيلية" المتتالية على سورية حفزت شهية مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS للبحث والنيل من نظم الدفاع الجوية السورية فكما جاءت في الدراسة بأن نظم الدفاع الجوية السورية "التي تضم صواريخ ارض- جو (سام) قديمة وادخلت عليها بعض التحديثات الجزئية لكنها تبقى عرضة للتشويش والتدابير الالكترونية المضادة، وايضاً للصواريخ الاشعاعية المضادة." واوضح انه لا يتوفر معلومات دقيقة حول ما تبقى من نظم الدفاعات الجوية الفاعلة، سيما وان جهود سورية للتسلح بنظامي S-300 و S-400 اصطدمت بتوجهات روسية للأخذ بعين الاعتبار قلق "اسرائيل." كما ان باستطاعة "سلاح الجو الاسرائيلي اطلاق قذائفه من الاجواء اللبنانية" لتفادي الوقوع في شرك الدفاعات الجوية المكثفة المنصوبة حول وجنوبي العاصمة دمشق. واستدرك بالقول انه لا ينبغي البناء ابعد من ذلك على نجاح الغارات الاخيرة "اذ ليس من اليسير المضي بتوسيع تلك الدائرة الى حملة اكثر شمولية."
معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War ايضاً تناول نظم الدفاعات الجوية السورية وامكانية تسديد ضربات مماثلة قائلا "النيل من قدرة سلاح الجو السوري لا يشكل ضمانة لازالة تهديد الاسلحة الكيميائية سيما وان تحريكها الى اماكن اخرى واطلاقها أمر وارد. وهذه الخاصية تقع خارج نطاق اهتمام البحث بين ايدينا." واضاف ان سهولة استهداف قوى المعارضة للطائرات المروحية دفع القوات السورية للاعتماد على القصف بالطيران الحربي "وتعزيز ثقتها لمضاعفة القصف المدفعي، واستخدام الصواريخ طويلة المدى، وصواريخ سكود ايضا."
التدخل العسكري الامريكي في سورية كان مادة اهتمام معهد ابحاث السياسة الخارجيةForeign Policy Research Institute الذي اشار الى "توجه الحكومة السورية لتصوير الانتفاضة بانها من تدبير الولايات المتحدة ولاعبين دوليين آخرين .. بينما يمضي الساسة الاميركيون تداول امكانية تدخل امريكي في سوريا، ومن غير المرجح اقدامهم على التجاوب مع مطالب غسان هيتو لتقديم سبل العون الى ما هو ابعد من ثمة "وسائل دعم غير فتاكة" .. وأمام هذه اللوحة يمضي الثوار داخل سورية الى قدرهم بمواجهة وحشية الأسد بمفردهم."
تداعيات الغارات "الاسرائيلية" أيضاً كانت محطة اهتمام معهد بروكينغز Brookings Institute اذ قال ان "الاسرائليين يراهنون على عدم حصد نتائج عكسية جراء ذلك .. والتصرف بناء على توفر معلومات استخبارية ملموسة .. والاحجام عن الانخراط المباشر في الحرب الأهلية .."
أما معهد كارنيغي Carnegie Endowment فقد شكك بقدرة قوى المعارضة على بناء مؤسسات ترتقي إلى اداء دولة على الرغم من سبل الدعم الغربية المختلفة المقدمة "اذ انها تفتقر الى الموارد المطلوبة لبسط نفوذها .. وتبقى بنيتها هشة." وحذر من "غياب الدعم المالي الغربي الضروري لدعم تلك المؤسسات" الذي سيؤدي الى بروز مجموعات متشددة مدعومة من قوى خارجية لسد الفراغ.
مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات of Democracies Foundation for Defense زعمت بأن الأسد فقد سيطرته على مخزون الاسلحة الكيميائية استناداً الى تصريحات موفدة الامم المتحدة الخاص لسورية، كارلا ديل بونتي التي اتهمت الثوار والقوى المسلحة باستخدام غاز السارين. وقالت المؤسسة ان تصريحات بونتي "قد توفر الذريعة لايران للانخراط بشكل اوضح في سورية .. مما ينبغي ان يحفز ادارة اوباما وحلفائها الغربيين على التحرك".
مركز التقدم الامريكي Center for American Progress شكك بنجاعة خيار أقطاب معسكر الحرب المطالبين بانشاء منطقة حظر جوي في سورية والتي "لن تفلح في لجم او معاقبة نظام الاسد لاستخدام اسلحة كيميائية .. بل من شانها استدراج الولايات المتحدة للتدخل عميقا في الحرب الاهلية السورية." وحث المركز صناع القرار الابقاء على "الجهود الدبلوماسية كعنصر أساسي للتوقف عند حقيقة الاتهامات الراهنة باستخدام الأسلحة الكيميائية وأيضاً للجم نزعة استخدامها مستقبلاً على ايدي نظام اأسد". واثنى المركز على جهود وزير الخارجية جون كيري لتوصل بالشراكة مع موسكو الى حل سياسي للأزمة السورية، وأمام فشلها "وحين التثبت من استخدام نظام الاسد او ابداء الجهوزية على استخدام اسلحة كيميائية، يتعين على الولايات المتحدة القيام بشن غارات عسكرية محدودة ضد منشآت الاسلحة الكيميائية والبنية اللوجستية ومراكز التحكم والسيطرة.
صلابة الموقف الروسي في الأزمة السورية
هدفت ادارة اوباما في "التبرع" بالاعلان عن غارتين "اسرائيليتين" متتاليتين على سورية الى استعادة زمام المبادرة على الصعيد الدولي والقاء تهمة التردد والارتباك بعيدا، وايضا طمأنة خصوم الادارة الداخليين، وهم كثر، الى قدرتها على ممارسة دورها الرئيس في القضايا والتحديات العالمية، خلافا للاتهامات بتراجع نفوذها وتقويض وحدانية زعامتها في العالم قاطبة. ورمت الى استثمار نتائجها المرجوة في ممارسة مزيد من الضغوط على روسيا عشية اللقاءات الرسمية بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي كما والرئيس فلاديمير بوتين.
لم يعد خافيا الخطورة الكامنة في شن الغارة "الاسرائيلية،" سيما لاستبعادها فرضية قدرة الدولة السورية على شن هجمات انتقامية، فضلا عن مفاقمتها للوضع الاقليمي وتعريضه الى نشوب حرب اخرى شاملة مع دخول العامل الروسي بقوة هذه المرة.
البيانات الغربية الصادرة عن عدد من العواصم واكبت الرواية "الاسرائيلية" لهدف الغارة بالزعم انها أتت لاعاقة ومنع تسليم اسلحة متطورة الى حزب الله عبر سورية، سيما المنشأة المستهدفة التي يعتقد انها كانت تخزن صواريخ فاتح-110 الايرانية ونظيرها السوريM-600.
البيان الرسمي السوري الصادر عن وزارة الخارجية افاد ان الغارة اصابت ثلاثة مواقع عسكرية: في ضاحية جمرايا القريبة من دمشق، وميسلون، ومطار لطائرات شراعية في الديماس بمحاذاة الحدود اللبنانية.
ما تشير اليه الغارات المتكررة هو تطور القرار "الاسرائيلي،" بمباركة امريكية على الارجح، من خانة تقديم الدعم سرا للقوى المسلحة المعارضة الى الانخراط المباشر رسميا والتعويض عن الارتباك الذي اصابها بعد خساراتها المتتالية لمواقع ميدانية وتكبدها خسائر بشرية عالية على ايدي الجيش العربي السوري؛ كما تشير الى عزمها على اعتراض الامدادات العسكرية وغيرها المتجهة غربا لحزب الله، مهما كلف الثمن.
المعادلة "الاسرائيلية" قبل الغارات الاخيرة لم تستبعد بقاء النظام السوري وما تعرض له من تدمير في مختلف المناحي والطاقات، واستعدادها للتعامل مع هذا الأمر على قاعدة عدم قدرته التحرك او المساعدة لمواجهة "اسرائيل." واعلنت عن ذلك مرارا سيما وان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو حذر سورية المرة تلو الاخرى من مغبة تسليمها حزب الله اسلحة كيميائية او اخرى متطورة، الذي اعتبره خطاً احمرا. في المقابل، اعتبر بعض الخبراء الامريكيين ان عدم التيقن من مستقبل الرئيس السوري قد يدفع بحزب الله وايران لحث الخطى وتكثيف تحركاتهما لنقل الاسلحة المتطورة الى داخل الاراضي اللبنانية.
الغارات "الاسرائيلية" وجهت رسائل متعددة لسورية وحلفائها، وعلى رأسهم روسيا التي تعزز حضورها بقوة في مياه المتوسط وما ينطوي عليه من حضور مكثف في الاقليم يواجه جهود تركيا المتواصلة للحد منه.
سورية وروسيا
استطرادا، فان اي تهديد موجه لسورية هو ايضا موجه لروسيا ولاسلحتها وقاعدتها البحرية في طرطوس السورية. كما ان استمرار الصراع المسلح في الداخل السوري يشكل تهديدا لاهداف السياسة الخارجية الروسية بعيدة الامد. توتر العلاقة بين القوتين العظميين، روسيا واميركا، يجد صداه جليا في المعادلة السورية: اصرار الولايات المتحدة على المضي بتسليح قوى المعارضة بكافة الانواع ومراهنتها على الخيار والحسم العسكري، المعادلة الصفرية، استدعى روسيا للوفاء بالتزامات تعهداتها واتفاقياتها العسكرية لاستمرار توريد الاسلحة الى سورية وتعزيز سلطات الدولة. من المرجح ان يسهم الاعتماد التسليحي لسورية على روسيا ومنظوماتها المتعددة في استمرارية نفوذ روسيا لأمد منظور حتى ولو تعدلت تركيبة الحكومة السورية مستقبلا.
كما ان روسيا لم تخفِ ضيق ذرعها من تشدد الموقف الامريكي واصراره على المعادلة الصفرية في سورية، بالرغم من كل ما تبذله الاولى من جهود لترجيح الحل السياسي التفاوضي، ولعبة التوازنات الاقليمية الدقيقة بينهما، سيما وان الولايات المتحدة لم تفي بوعودها للجم تدفق الاسلحة الى ايدي المجموعات المسلحة المختلفة، بالمعدات والموارد وجهود التدريب. كما ان الطرفان يدركان سوية اهمية تقديم تنازلات محددة متبادلة، وكل ينتظر الآخر لاتخاذ الخطوة الاولى بهذا الاتجاه.
ثابرت روسيا على تحمل منغصات الدول الغربية واتهامها بتقديم الحماية للدولة السورية، وردت باتهام مماثل لاولئك الذين يسعون "لتسييس المسألة" السورية والذهاب بعيدا لتوسيع جهود التحقيق في استخدام الاسلحة الكيميائية توطئة لشرعنة فرق التفتيش الغربية لتصول البلاد جيئة وذهابا. واوضح نجم الخارجية الروسية سيرغي لافروف انه كان من المفترض وصول خبراء الى سورية للتحقيق في امكانية استخدام اسلحة كيميائية في منطقة خان العسل بحلب؛ وبدلا من الالتزام باطار المهمة سعى اعضاؤها للمطالبة بتسهيلات الدخول الى كافة المنشآت السورية وحقها في اجراء مقابلات مع اي مواطن سوري. واردف لافروف "اعتقد ان هذا تجاوز للاطار".
كما رد الجانب الروسي على التشدد الامريكي بحصافة دبلوماسية قبيل لقاء وزير الخارجية الامريكية جون كيري في موسكو بركنه جانبا ينتظر لقاء الرئيس فلاديمير بوتين لفترة زمنية، حسبما تناقلت وسائل الاعلام العالمية. اذ تقصدت الى اظهار مدى استياء الجانب الروسي من الموقف الاميركي وللتعبير عن مدى الثقة باحراز بعض النجاحات في سياستها الخارجية.
ينبغي الاشارة في هذا الصدد الى الاعلان الروسي الامريكي المشترك عنوانه انشاء حكومة انتقالية في سورية كثمرة انجاز للسياسة الخارجية الروسية في الشأن السوري، اذ ان اعلان التفاهم يوحي الاقدام على خطوة مقبلة تم الدعوة لها منذ زمن، وفي نفس الوقت اتاحة فسحة زمنية لروسيا في المضي بدعمها للدولة السورية. كما من شان الاعلان توفير الاعذار للرئيس اوباما بعدم الانجرار وراء دعوات اقطاب الحرب للتدخل المباشر في سورية.
اما داخل المؤسسة الامريكية الحاكمة فقد رحب البعض بالاعلان كونه يمثل خطوة روسية للابتعاد عن الاسد، بيد ان الامر لا يعدو سعيا للحفاظ على ماء الوجه ولا يمثل نقطة تحول سياسية محددة في السياسة نحو سورية.
الخيارات الروسية
بروز تركيا الطاغي في الاقليم لا ينوي مزاحمة قوى عربية تقليدية مثل مصر، بل يتعداها الى الحد من تمدد النفوذ الروسي. وعليه يمكن تلمس معايير المشهد والخيارات المتاحة لروسيا على الشكل التالي:
الخيار الاول يكمن في تبني استراتيجية الطرف "الرابح يستحوذ على الكل" مما يستدعي تكثيف الدعم الروسي للدولة السورية. اذ لا زال التماسك في اقطاب الدولة السورية هو الاقوى، ويسيطر على معظم اجزاء الدولة. مع استمرار تدفق الدعم الروسي للرئيس الاسد ودعم الدولة من قطاعات واسعة من الشعب السوري، يتعذر تحقيق مطلب اسقاط الدولة. حينئذ، ما يتعين على روسيا فعله لا يتجاوز المراوحة والانتظار والمناورة السياسية لافشال مخططات الدول الخليجية لدعم المعارضة المسلحة.
واستطرادا، ستستمر روسيا في جهودها لحرف بوصلة الهجمات الديبلوماسية وطرح خيارات ديبلوماسية موازية للحل بصورة علنية، وفي نفس الوقت الاستمرار في دعم الدولة السورية باشكال متعددة. اذ من شأن دخول نظم دفاعات جوية متطورة على المشهد الميداني تحييد فعالية اسلحة الطيران لدول حلف الناتو و"اسرائيل،" التي رغم خطورتها فانها تتراجع امام التهديدات التي تمثلها قوى المعارضة المسلحة على سلامة الدولة ومرافقها. الدعم بالمعدات التقليدية كالمدرعات والذخيرة قد تعود بفائدة اكبر على تدعيم مقومات الدولة السورية. كما باستطاعة روسيا امداد سورية بقوات للمهام الخاصة، وتشغيل نظم الدفاعات الجوية بأطقم فنية روسية الامر الذي سيفرض معادلة اخرى على دول حلف الناتو و"اسرائيل" لشن غارات مقبلة على سورية. كما من شأن تلك القوى والاطقم الروسية المخولة بحماية المطارات العسكرية والموانيء البحرية تخفيف الضغط عن اعباء المهام الملقاة على عاتق القوات المسلحة السورية وتسخير جهودها للعمليات القتالية والمواجهات العسكرية، فضلا عن توفير تدريبات مكثفة للميلشيا الشعبية السورية التي اعلن عن انشائها في اعقاب الغارة "الاسرائيلية،" لمهام معارك المدن وعمليات مكافحة المتمردين.
النجاحات الروسية طويلة الامد تستدعي موازنة اهدافها ايضا مع الاهداف الايرانية، الشريك الآخر لسورية. اذ بينما تنظر روسيا لسورية كشريك باستطاعته مناوءة تركيا وحسر تقدمها ونفوذها في منطقة البحر المتوسط، تجد ايران في سورية دولة مواجهة في خط الدفاع الاول في سياق حربها مع "اسرائيل،" كما لا تنوي روسيا ايجاد الذريعة "لاسرائيل" للانخراط في الحرب الدائرة في سورية ودخولها الى جانب المعارضة المسلحة، والبقاء خارج دائرة الصراع بينما تمضي هي في تدعيم الدولة السورية بشحنات الاسلحة.
في المجمل، فان خيار "الرابح يستحوذ على الكل" يوفر اكبر الانجازات والمكاسب لروسيا، سيما وان الاسد يدين لروسيا مقومات البقاء للدولة ومؤسساتها سيكون اكثر استعدادا للتعاطي مع مطالب روسيا لتجذير نفوذها في المنطقة، لتشمل قواعد بحرية وجوية لها، على شواطيء المتوسط وحماية خاصرتها الجنوبية من ابتزاز تركي، خصمها التاريخي، الامر الذي سيعزز من خيارات روسيا لمواجهة التحدي المرئي والذي قد يشمل نشر قوات روسية داخل سورية او ربما تنشيط عمليات المقاومة الكردية لاستدراج واشغال وحدات الجيش التركي، وفرض موقف حيادي على القادة الاتراك في النزاع الدائر. ومن شأن هذا التوجه ان يحدث تصدعا في الجبهة الجنوبية لحلف الناتو.
تضافر مجموعة من العوامل سابقة الذكر، ربما تشكل ارضية لمراهنة روسيا على دعم سورية وعدم انحنائها للضغوط الدولية المتعددة والمكثفة في آن لتقييد حركتها في دعم الدولة السورية.
في المقابل، مطلب الغرب مما يتعين على روسيا القيام به سيؤدي بالضرورة الى تشظي وتقسيم سورية الى مناطق نفوذ متناثرة مع قبوله لمنطقة ساحلية تخضع لنفوذ الرئيس الاسد؛ امر ترفضه روسيا ليس بدافع تقييد حركتها في مياه المتوسط في مواجهة تركيا فحسب، بل لكونه يشذ عن تحقيق انتصار واضح.
الخيار الآخر، نظريا، هو النأي بالنفس والتخلي عن سورية وتركها تواجه مصيرها بمفردها امام حملة غربية واقليمية منظمة؛ وهو خارج عن التداول الحقيقي في اروقة السياسة الروسية لما يمثله من مخاطر استراتيجية لوقوع سورية تحت سيطرة غربية تركية ودول خليجية. بل الاخطر، لما سيمثله من انعكاسات على الاطراف الحليفة والصديقة لروسيا وما يمكنهم المراهنة عليه.
محصلة استعراض الخيارات السابقة يؤدي لارساء ارضية فهم وادراك افضل لتصميم روسيا على دعم الدولة السورية؛ وما يمثله من تتويج لاهداف سياسة خارجية من الزمن الغابر، منذ الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي والدولة الروسية الحديثة، لتحييد النفوذ التركي والفوز بموطيء قدم على مياه البحر المتوسط.
اثبتت السياسة الروسية، مرة تلو الاخرى، انها تمارس رؤية تتحلى ببعد النظر والامد الطويل، بخلاف الاطراف الاخرى المنخرطة في الصراع الدائر في سورية وعليها التي تنحو باتجاه تحقيق انجازات سريعة وقصيرة الاجل، وهي ميزة رافقت كل من اعتلى منصب الكرملين من القياصرة والسكرتاريون العامون والرؤساء.
المصادر:
1 - Syria's Uncertain Air Defense Capabilities
By Anthony Cordesman
Center for Strategic and International Studies
[ link to csis.org ]
2 - Syrian Air Force and Air Defense Capabilities
By Elizabeth O’Bagy, Christopher Harmer, Jonathan Dupree, and Liam Durfee
Institute for the Study of War
[ link to understandingwar.org ]
3 - Around the Halls: Israel's Airstrikes in Syria
Brookings Institution
[ link to brookings.edu ]
4 - Intervene With Western Aid
By Gilles Dorronsoro, Adam Baczko, and Arthur Quesnay
Carnegie Endowment
[ link to carnegieendowment.org ]
5 - Syrian Perceptions of U.S. Intervention in Syria
By Layla Saleh
Foreign Policy Research Institute
[ link to fpri.org ]
6 - The Unbearable Lightness of Syria Policy
Clifford D. May
Foundation for Defense of Democracies
[ link to defendemocracy.org ]
7 - An All-or-Nothing Approach to Syria’s Civil War Fails to Recognize the Conflict’s Complexity
By Peter Juul
Center of American Progress
[ link to americanprogress.org ]
إعداد وترجمة
عبير البحرين
تصدرت الغارات "الاسرائيلية" على مواقع سورية اهتمامات مراكز الابحاث ووسائل الاعلام الامريكية كافة وخصوصاً مراكز سبر الأفكار أو ما يسمى بـ Think Tanks. الاولى كرست جهودها للتوصل الى فهم ادق لنظم الدفاع الجوية السورية التي اعتبرتها اقل فعالية مما كانت عليه قبل نشوب الازمة وتسليح المعارضة المسلحة. كما سعت مراكز الابحاث الى التوقف عند العوامل التي دفعت "اسرائيل" لشن هجماتها ونطاقات ردود الفعل.
سأستعرض في هذا الموضوع مجموعة من الدراسات البحثية التي نشرت مؤخراً وصدرت من مراكز سبر الأفكار في أمريكا والتي ركزت على التطورات المتسارعة عقب الغارة "الاسرائيلية" وموقف روسيا تحديداً، والقاء الضوء على الصراع التاريخي على النفوذ في الاقليم بين تركيا وروسيا الساعية للثبات في مياه البحر المتوسط والحد من سيطرة الأولى. الأهداف الروسية ليست طارئة بل تمتد عميقاً في التاريخ منذ تشكيلات الامبراطورية الروسية، مروراً بالاتحاد السوفياتي وإلى الراهن الروسي، ليلقي مزيد من الضوء على دوافع الدعم الروسي للدولة السورية.
إذن نلقي الضوء على أهم ما جاء في هذه الدراسات والأبحاث
نبدأ أولاً مع دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS للمؤرخ العسكري أنتوني كوردسمان حيث أن الغارات "الاسرائيلية" المتتالية على سورية حفزت شهية مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS للبحث والنيل من نظم الدفاع الجوية السورية فكما جاءت في الدراسة بأن نظم الدفاع الجوية السورية "التي تضم صواريخ ارض- جو (سام) قديمة وادخلت عليها بعض التحديثات الجزئية لكنها تبقى عرضة للتشويش والتدابير الالكترونية المضادة، وايضاً للصواريخ الاشعاعية المضادة." واوضح انه لا يتوفر معلومات دقيقة حول ما تبقى من نظم الدفاعات الجوية الفاعلة، سيما وان جهود سورية للتسلح بنظامي S-300 و S-400 اصطدمت بتوجهات روسية للأخذ بعين الاعتبار قلق "اسرائيل." كما ان باستطاعة "سلاح الجو الاسرائيلي اطلاق قذائفه من الاجواء اللبنانية" لتفادي الوقوع في شرك الدفاعات الجوية المكثفة المنصوبة حول وجنوبي العاصمة دمشق. واستدرك بالقول انه لا ينبغي البناء ابعد من ذلك على نجاح الغارات الاخيرة "اذ ليس من اليسير المضي بتوسيع تلك الدائرة الى حملة اكثر شمولية."
معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War ايضاً تناول نظم الدفاعات الجوية السورية وامكانية تسديد ضربات مماثلة قائلا "النيل من قدرة سلاح الجو السوري لا يشكل ضمانة لازالة تهديد الاسلحة الكيميائية سيما وان تحريكها الى اماكن اخرى واطلاقها أمر وارد. وهذه الخاصية تقع خارج نطاق اهتمام البحث بين ايدينا." واضاف ان سهولة استهداف قوى المعارضة للطائرات المروحية دفع القوات السورية للاعتماد على القصف بالطيران الحربي "وتعزيز ثقتها لمضاعفة القصف المدفعي، واستخدام الصواريخ طويلة المدى، وصواريخ سكود ايضا."
التدخل العسكري الامريكي في سورية كان مادة اهتمام معهد ابحاث السياسة الخارجيةForeign Policy Research Institute الذي اشار الى "توجه الحكومة السورية لتصوير الانتفاضة بانها من تدبير الولايات المتحدة ولاعبين دوليين آخرين .. بينما يمضي الساسة الاميركيون تداول امكانية تدخل امريكي في سوريا، ومن غير المرجح اقدامهم على التجاوب مع مطالب غسان هيتو لتقديم سبل العون الى ما هو ابعد من ثمة "وسائل دعم غير فتاكة" .. وأمام هذه اللوحة يمضي الثوار داخل سورية الى قدرهم بمواجهة وحشية الأسد بمفردهم."
تداعيات الغارات "الاسرائيلية" أيضاً كانت محطة اهتمام معهد بروكينغز Brookings Institute اذ قال ان "الاسرائليين يراهنون على عدم حصد نتائج عكسية جراء ذلك .. والتصرف بناء على توفر معلومات استخبارية ملموسة .. والاحجام عن الانخراط المباشر في الحرب الأهلية .."
أما معهد كارنيغي Carnegie Endowment فقد شكك بقدرة قوى المعارضة على بناء مؤسسات ترتقي إلى اداء دولة على الرغم من سبل الدعم الغربية المختلفة المقدمة "اذ انها تفتقر الى الموارد المطلوبة لبسط نفوذها .. وتبقى بنيتها هشة." وحذر من "غياب الدعم المالي الغربي الضروري لدعم تلك المؤسسات" الذي سيؤدي الى بروز مجموعات متشددة مدعومة من قوى خارجية لسد الفراغ.
مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات of Democracies Foundation for Defense زعمت بأن الأسد فقد سيطرته على مخزون الاسلحة الكيميائية استناداً الى تصريحات موفدة الامم المتحدة الخاص لسورية، كارلا ديل بونتي التي اتهمت الثوار والقوى المسلحة باستخدام غاز السارين. وقالت المؤسسة ان تصريحات بونتي "قد توفر الذريعة لايران للانخراط بشكل اوضح في سورية .. مما ينبغي ان يحفز ادارة اوباما وحلفائها الغربيين على التحرك".
مركز التقدم الامريكي Center for American Progress شكك بنجاعة خيار أقطاب معسكر الحرب المطالبين بانشاء منطقة حظر جوي في سورية والتي "لن تفلح في لجم او معاقبة نظام الاسد لاستخدام اسلحة كيميائية .. بل من شانها استدراج الولايات المتحدة للتدخل عميقا في الحرب الاهلية السورية." وحث المركز صناع القرار الابقاء على "الجهود الدبلوماسية كعنصر أساسي للتوقف عند حقيقة الاتهامات الراهنة باستخدام الأسلحة الكيميائية وأيضاً للجم نزعة استخدامها مستقبلاً على ايدي نظام اأسد". واثنى المركز على جهود وزير الخارجية جون كيري لتوصل بالشراكة مع موسكو الى حل سياسي للأزمة السورية، وأمام فشلها "وحين التثبت من استخدام نظام الاسد او ابداء الجهوزية على استخدام اسلحة كيميائية، يتعين على الولايات المتحدة القيام بشن غارات عسكرية محدودة ضد منشآت الاسلحة الكيميائية والبنية اللوجستية ومراكز التحكم والسيطرة.
صلابة الموقف الروسي في الأزمة السورية
هدفت ادارة اوباما في "التبرع" بالاعلان عن غارتين "اسرائيليتين" متتاليتين على سورية الى استعادة زمام المبادرة على الصعيد الدولي والقاء تهمة التردد والارتباك بعيدا، وايضا طمأنة خصوم الادارة الداخليين، وهم كثر، الى قدرتها على ممارسة دورها الرئيس في القضايا والتحديات العالمية، خلافا للاتهامات بتراجع نفوذها وتقويض وحدانية زعامتها في العالم قاطبة. ورمت الى استثمار نتائجها المرجوة في ممارسة مزيد من الضغوط على روسيا عشية اللقاءات الرسمية بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي كما والرئيس فلاديمير بوتين.
لم يعد خافيا الخطورة الكامنة في شن الغارة "الاسرائيلية،" سيما لاستبعادها فرضية قدرة الدولة السورية على شن هجمات انتقامية، فضلا عن مفاقمتها للوضع الاقليمي وتعريضه الى نشوب حرب اخرى شاملة مع دخول العامل الروسي بقوة هذه المرة.
البيانات الغربية الصادرة عن عدد من العواصم واكبت الرواية "الاسرائيلية" لهدف الغارة بالزعم انها أتت لاعاقة ومنع تسليم اسلحة متطورة الى حزب الله عبر سورية، سيما المنشأة المستهدفة التي يعتقد انها كانت تخزن صواريخ فاتح-110 الايرانية ونظيرها السوريM-600.
البيان الرسمي السوري الصادر عن وزارة الخارجية افاد ان الغارة اصابت ثلاثة مواقع عسكرية: في ضاحية جمرايا القريبة من دمشق، وميسلون، ومطار لطائرات شراعية في الديماس بمحاذاة الحدود اللبنانية.
ما تشير اليه الغارات المتكررة هو تطور القرار "الاسرائيلي،" بمباركة امريكية على الارجح، من خانة تقديم الدعم سرا للقوى المسلحة المعارضة الى الانخراط المباشر رسميا والتعويض عن الارتباك الذي اصابها بعد خساراتها المتتالية لمواقع ميدانية وتكبدها خسائر بشرية عالية على ايدي الجيش العربي السوري؛ كما تشير الى عزمها على اعتراض الامدادات العسكرية وغيرها المتجهة غربا لحزب الله، مهما كلف الثمن.
المعادلة "الاسرائيلية" قبل الغارات الاخيرة لم تستبعد بقاء النظام السوري وما تعرض له من تدمير في مختلف المناحي والطاقات، واستعدادها للتعامل مع هذا الأمر على قاعدة عدم قدرته التحرك او المساعدة لمواجهة "اسرائيل." واعلنت عن ذلك مرارا سيما وان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو حذر سورية المرة تلو الاخرى من مغبة تسليمها حزب الله اسلحة كيميائية او اخرى متطورة، الذي اعتبره خطاً احمرا. في المقابل، اعتبر بعض الخبراء الامريكيين ان عدم التيقن من مستقبل الرئيس السوري قد يدفع بحزب الله وايران لحث الخطى وتكثيف تحركاتهما لنقل الاسلحة المتطورة الى داخل الاراضي اللبنانية.
الغارات "الاسرائيلية" وجهت رسائل متعددة لسورية وحلفائها، وعلى رأسهم روسيا التي تعزز حضورها بقوة في مياه المتوسط وما ينطوي عليه من حضور مكثف في الاقليم يواجه جهود تركيا المتواصلة للحد منه.
سورية وروسيا
استطرادا، فان اي تهديد موجه لسورية هو ايضا موجه لروسيا ولاسلحتها وقاعدتها البحرية في طرطوس السورية. كما ان استمرار الصراع المسلح في الداخل السوري يشكل تهديدا لاهداف السياسة الخارجية الروسية بعيدة الامد. توتر العلاقة بين القوتين العظميين، روسيا واميركا، يجد صداه جليا في المعادلة السورية: اصرار الولايات المتحدة على المضي بتسليح قوى المعارضة بكافة الانواع ومراهنتها على الخيار والحسم العسكري، المعادلة الصفرية، استدعى روسيا للوفاء بالتزامات تعهداتها واتفاقياتها العسكرية لاستمرار توريد الاسلحة الى سورية وتعزيز سلطات الدولة. من المرجح ان يسهم الاعتماد التسليحي لسورية على روسيا ومنظوماتها المتعددة في استمرارية نفوذ روسيا لأمد منظور حتى ولو تعدلت تركيبة الحكومة السورية مستقبلا.
كما ان روسيا لم تخفِ ضيق ذرعها من تشدد الموقف الامريكي واصراره على المعادلة الصفرية في سورية، بالرغم من كل ما تبذله الاولى من جهود لترجيح الحل السياسي التفاوضي، ولعبة التوازنات الاقليمية الدقيقة بينهما، سيما وان الولايات المتحدة لم تفي بوعودها للجم تدفق الاسلحة الى ايدي المجموعات المسلحة المختلفة، بالمعدات والموارد وجهود التدريب. كما ان الطرفان يدركان سوية اهمية تقديم تنازلات محددة متبادلة، وكل ينتظر الآخر لاتخاذ الخطوة الاولى بهذا الاتجاه.
ثابرت روسيا على تحمل منغصات الدول الغربية واتهامها بتقديم الحماية للدولة السورية، وردت باتهام مماثل لاولئك الذين يسعون "لتسييس المسألة" السورية والذهاب بعيدا لتوسيع جهود التحقيق في استخدام الاسلحة الكيميائية توطئة لشرعنة فرق التفتيش الغربية لتصول البلاد جيئة وذهابا. واوضح نجم الخارجية الروسية سيرغي لافروف انه كان من المفترض وصول خبراء الى سورية للتحقيق في امكانية استخدام اسلحة كيميائية في منطقة خان العسل بحلب؛ وبدلا من الالتزام باطار المهمة سعى اعضاؤها للمطالبة بتسهيلات الدخول الى كافة المنشآت السورية وحقها في اجراء مقابلات مع اي مواطن سوري. واردف لافروف "اعتقد ان هذا تجاوز للاطار".
كما رد الجانب الروسي على التشدد الامريكي بحصافة دبلوماسية قبيل لقاء وزير الخارجية الامريكية جون كيري في موسكو بركنه جانبا ينتظر لقاء الرئيس فلاديمير بوتين لفترة زمنية، حسبما تناقلت وسائل الاعلام العالمية. اذ تقصدت الى اظهار مدى استياء الجانب الروسي من الموقف الاميركي وللتعبير عن مدى الثقة باحراز بعض النجاحات في سياستها الخارجية.
ينبغي الاشارة في هذا الصدد الى الاعلان الروسي الامريكي المشترك عنوانه انشاء حكومة انتقالية في سورية كثمرة انجاز للسياسة الخارجية الروسية في الشأن السوري، اذ ان اعلان التفاهم يوحي الاقدام على خطوة مقبلة تم الدعوة لها منذ زمن، وفي نفس الوقت اتاحة فسحة زمنية لروسيا في المضي بدعمها للدولة السورية. كما من شان الاعلان توفير الاعذار للرئيس اوباما بعدم الانجرار وراء دعوات اقطاب الحرب للتدخل المباشر في سورية.
اما داخل المؤسسة الامريكية الحاكمة فقد رحب البعض بالاعلان كونه يمثل خطوة روسية للابتعاد عن الاسد، بيد ان الامر لا يعدو سعيا للحفاظ على ماء الوجه ولا يمثل نقطة تحول سياسية محددة في السياسة نحو سورية.
الخيارات الروسية
بروز تركيا الطاغي في الاقليم لا ينوي مزاحمة قوى عربية تقليدية مثل مصر، بل يتعداها الى الحد من تمدد النفوذ الروسي. وعليه يمكن تلمس معايير المشهد والخيارات المتاحة لروسيا على الشكل التالي:
الخيار الاول يكمن في تبني استراتيجية الطرف "الرابح يستحوذ على الكل" مما يستدعي تكثيف الدعم الروسي للدولة السورية. اذ لا زال التماسك في اقطاب الدولة السورية هو الاقوى، ويسيطر على معظم اجزاء الدولة. مع استمرار تدفق الدعم الروسي للرئيس الاسد ودعم الدولة من قطاعات واسعة من الشعب السوري، يتعذر تحقيق مطلب اسقاط الدولة. حينئذ، ما يتعين على روسيا فعله لا يتجاوز المراوحة والانتظار والمناورة السياسية لافشال مخططات الدول الخليجية لدعم المعارضة المسلحة.
واستطرادا، ستستمر روسيا في جهودها لحرف بوصلة الهجمات الديبلوماسية وطرح خيارات ديبلوماسية موازية للحل بصورة علنية، وفي نفس الوقت الاستمرار في دعم الدولة السورية باشكال متعددة. اذ من شأن دخول نظم دفاعات جوية متطورة على المشهد الميداني تحييد فعالية اسلحة الطيران لدول حلف الناتو و"اسرائيل،" التي رغم خطورتها فانها تتراجع امام التهديدات التي تمثلها قوى المعارضة المسلحة على سلامة الدولة ومرافقها. الدعم بالمعدات التقليدية كالمدرعات والذخيرة قد تعود بفائدة اكبر على تدعيم مقومات الدولة السورية. كما باستطاعة روسيا امداد سورية بقوات للمهام الخاصة، وتشغيل نظم الدفاعات الجوية بأطقم فنية روسية الامر الذي سيفرض معادلة اخرى على دول حلف الناتو و"اسرائيل" لشن غارات مقبلة على سورية. كما من شأن تلك القوى والاطقم الروسية المخولة بحماية المطارات العسكرية والموانيء البحرية تخفيف الضغط عن اعباء المهام الملقاة على عاتق القوات المسلحة السورية وتسخير جهودها للعمليات القتالية والمواجهات العسكرية، فضلا عن توفير تدريبات مكثفة للميلشيا الشعبية السورية التي اعلن عن انشائها في اعقاب الغارة "الاسرائيلية،" لمهام معارك المدن وعمليات مكافحة المتمردين.
النجاحات الروسية طويلة الامد تستدعي موازنة اهدافها ايضا مع الاهداف الايرانية، الشريك الآخر لسورية. اذ بينما تنظر روسيا لسورية كشريك باستطاعته مناوءة تركيا وحسر تقدمها ونفوذها في منطقة البحر المتوسط، تجد ايران في سورية دولة مواجهة في خط الدفاع الاول في سياق حربها مع "اسرائيل،" كما لا تنوي روسيا ايجاد الذريعة "لاسرائيل" للانخراط في الحرب الدائرة في سورية ودخولها الى جانب المعارضة المسلحة، والبقاء خارج دائرة الصراع بينما تمضي هي في تدعيم الدولة السورية بشحنات الاسلحة.
في المجمل، فان خيار "الرابح يستحوذ على الكل" يوفر اكبر الانجازات والمكاسب لروسيا، سيما وان الاسد يدين لروسيا مقومات البقاء للدولة ومؤسساتها سيكون اكثر استعدادا للتعاطي مع مطالب روسيا لتجذير نفوذها في المنطقة، لتشمل قواعد بحرية وجوية لها، على شواطيء المتوسط وحماية خاصرتها الجنوبية من ابتزاز تركي، خصمها التاريخي، الامر الذي سيعزز من خيارات روسيا لمواجهة التحدي المرئي والذي قد يشمل نشر قوات روسية داخل سورية او ربما تنشيط عمليات المقاومة الكردية لاستدراج واشغال وحدات الجيش التركي، وفرض موقف حيادي على القادة الاتراك في النزاع الدائر. ومن شأن هذا التوجه ان يحدث تصدعا في الجبهة الجنوبية لحلف الناتو.
تضافر مجموعة من العوامل سابقة الذكر، ربما تشكل ارضية لمراهنة روسيا على دعم سورية وعدم انحنائها للضغوط الدولية المتعددة والمكثفة في آن لتقييد حركتها في دعم الدولة السورية.
في المقابل، مطلب الغرب مما يتعين على روسيا القيام به سيؤدي بالضرورة الى تشظي وتقسيم سورية الى مناطق نفوذ متناثرة مع قبوله لمنطقة ساحلية تخضع لنفوذ الرئيس الاسد؛ امر ترفضه روسيا ليس بدافع تقييد حركتها في مياه المتوسط في مواجهة تركيا فحسب، بل لكونه يشذ عن تحقيق انتصار واضح.
الخيار الآخر، نظريا، هو النأي بالنفس والتخلي عن سورية وتركها تواجه مصيرها بمفردها امام حملة غربية واقليمية منظمة؛ وهو خارج عن التداول الحقيقي في اروقة السياسة الروسية لما يمثله من مخاطر استراتيجية لوقوع سورية تحت سيطرة غربية تركية ودول خليجية. بل الاخطر، لما سيمثله من انعكاسات على الاطراف الحليفة والصديقة لروسيا وما يمكنهم المراهنة عليه.
محصلة استعراض الخيارات السابقة يؤدي لارساء ارضية فهم وادراك افضل لتصميم روسيا على دعم الدولة السورية؛ وما يمثله من تتويج لاهداف سياسة خارجية من الزمن الغابر، منذ الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي والدولة الروسية الحديثة، لتحييد النفوذ التركي والفوز بموطيء قدم على مياه البحر المتوسط.
اثبتت السياسة الروسية، مرة تلو الاخرى، انها تمارس رؤية تتحلى ببعد النظر والامد الطويل، بخلاف الاطراف الاخرى المنخرطة في الصراع الدائر في سورية وعليها التي تنحو باتجاه تحقيق انجازات سريعة وقصيرة الاجل، وهي ميزة رافقت كل من اعتلى منصب الكرملين من القياصرة والسكرتاريون العامون والرؤساء.
المصادر:
1 - Syria's Uncertain Air Defense Capabilities
By Anthony Cordesman
Center for Strategic and International Studies
[ link to csis.org ]
2 - Syrian Air Force and Air Defense Capabilities
By Elizabeth O’Bagy, Christopher Harmer, Jonathan Dupree, and Liam Durfee
Institute for the Study of War
[ link to understandingwar.org ]
3 - Around the Halls: Israel's Airstrikes in Syria
Brookings Institution
[ link to brookings.edu ]
4 - Intervene With Western Aid
By Gilles Dorronsoro, Adam Baczko, and Arthur Quesnay
Carnegie Endowment
[ link to carnegieendowment.org ]
5 - Syrian Perceptions of U.S. Intervention in Syria
By Layla Saleh
Foreign Policy Research Institute
[ link to fpri.org ]
6 - The Unbearable Lightness of Syria Policy
Clifford D. May
Foundation for Defense of Democracies
[ link to defendemocracy.org ]
7 - An All-or-Nothing Approach to Syria’s Civil War Fails to Recognize the Conflict’s Complexity
By Peter Juul
Center of American Progress
[ link to americanprogress.org ]
إعداد وترجمة
عبير البحرين
تعليق