ماذا تريد إيران من مصر ما بعد الثورة؟
بقلم: محمد السلمي
موسم الهجرة إلى طهران!
ما أن نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير في الإطاحة بنظام حسني مبارك حتى سارعت إيران إلى وصف هذه الثورة الشعبية بأنها امتداد للثورة الإيرانية التي حدثت قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. منذ ذلك الوقت، ما انفكت إيران تتقرب إلى مصر بشكل ملفت للأنظار. هذا التقرب (ولا أقول تقاربا لأنه من الجانب الإيراني فقط) أخذ طرق مختلفة ووسائل متباينة تصب في وعاء واحد. فقد تحدث من يتربع على رأس الهرم السياسي في إيران، المرشد الأعلى في إيران على خامنئي إلى الشعب المصري وباللغة العربية من منبر صلاة الجمعة في طهران مشددا على أن ما يحدث في العالم العربي عموما ومصر تحديدا هو صحوة إسلامية مستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران بقيادة سلفه روح الله الخميني. كما أعربت إيران عن استعدادها في دعم الاقتصاد المصري من خلال بيع بعض السلع بأسعار مخفضة أو تسيير أفواج من السياح الإيرانيين إلى هناك.
انتقلت المرحلة الإعلامية والنظرية هذه إلى مرحلة أهم وأخطر ألا وهي تطبيق ذلك من خلال استقطاب إيران لشخصيات إعلامية مصرية وتنظيم رحلات لهم إلى إيران بميزانيات شبه مفتوحة واستقبال وصفه الكثيرون ممن شاركوا في تلك الرحلات بالأسطوري وإقامة في فنادق خمسة نجوم. كما رُتب لهذه الوفود لقاءات مع شخصيات إيرانية مهمة مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، وعلي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران الأسبق و المستشار السياسي للمرشد الأعلى وآخرين.
بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة عقود، شهد شهر يونيو من عام 2011 انطلاقة هذه الوفود، حيث توجه وفد مصري أطلق على نفسه اسم وفد “الدبلوماسية الشعبية” إلى طهران وضم حوالي 45 فردا من الشخصيات العامة والثقافية وبعض رجالات الأزهر، بينهم المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، والدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الأسبق، والفنان عبد العزيز مخيون، والدكتور إبراهيم الزعفراني أمين لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب ومؤسس حزب النهضة، وزوجته الدكتورة جيهان الحلفاوي مرشحة جماعة الإخوان في انتخابات مجلس الشعب 2005، والشيخ جمال قطب، وعصام سلطان القيادي بحزب الوسط، والإعلامي وائل الإبراشي.
قامت السلطات الإيرانية بتنظيم استقبال حاشد لهذا الوفد فما أن هبطت الطائرة التي تقلهم في مطار الخميني الدولي جنوب العاصمة طهران حتى لاحظ الوفد حشودا يقدر عددها وفقا لتقارير إعلامية بـ 400 شخصاً من بينهم مسؤولين في الحكومة الإيرانية بالإضافة إلى العديد من القنوات التلفزيونية والصحف الإيرانية.
خلال هذه الزيارة تم ترتيب لقاء بين أعضاء الوفد و الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة أعرب أحمدي نجاد عن أمله في استئناف العلاقات مع القاهرة وشدد على المكاسب التي ستحققها الدولتان من التعاون المشترك بينهما، وأن ذلك سيؤدى إلى بلورة قوة عظمى تجبر أعداءها على الهروب من المنطقة على حد تعبيره، كما أعرب في الوقت ذاته عن استعداده قبول، وعلى الفور، أي دعوة توجه له لزيارة مصر.
هذا التلهف لزيارة مصر أثار استغراب بعض أعضاء الوفد المصري حيث نقل موقع “تابناك” الإيراني عن أحد الصحفيين المصريين المشاركين في الوفد قوله: “شعرت أن أحمدي نجاد مصري أكثر من المصريين أنفسهم” مضيفاً بأنه سيكتب تقريرا حول الزيارة وسيكون تحت عنوان “أحمدي نجاد: مصري في شوارع طهران” طبقا لما ذكر الموقع الإيراني.
على الرغم من هذه الاستقبال الأسطوري ولباقة نجاد في خطابه إلى الوفد المصري، إلا أن اللقاء لم يخل من مواقف سلبية مسحت الكثير من الانطباع الإيجابي الذي تم رسمه حتى تلك اللحظة. ففي اللقاء ذاته ألقى رئيس الإذاعة والتلفزيون عزت الله ضرغامي كلمة أثارت غضب بعض أعضاء الوفد وشعروا بنوع من الإهانة حيث قال ضرغامي موجهاً حديثه للوفد المصري: “إن الغرب يريد شراء ثورتكم بـ40 مليون دولار ونحن سندفع أكثر فهل ستقبلون ببيعها؟ لكن الصحفية المصرية نشوى الحوفي مراسلة، جريدة المصري اليوم ردت عليه بالقول: “لن نبيع ثورتنا لا لأمريكا ولا أوروبا ولا إيران واطلب منك أن تسحب كلامك هذا”.
إهانة أخرى تعرض لها الوفد المصري من المسؤول الإيراني ذاته هي أن ضرغامي بدأ يشرح الدستور الأساسي الإيراني وكيفية تشكيل الحكومة فقاطعه أحد أعضاء الوفد المصري قائلا إن “المصريين أول من كتب القانون ولدينا حضارة قديمة ونعرف كيف نشكل حكومة ولسنا بحاجة إلى تعليماتكم”.
لوبي إيراني!
في الصدد، تحدثت وسائل إعلامية مصرية عن خلافات نشبت بين أعضاء الوفد المصري وندم بعضهم على مرافقه هذا الوفد. فقد أعرب أحد أعضاء الوفد عن ندمه على السفر إلى إيران، وقال حسب ما نشر في صحيفة المصري اليوم: “اكتشفنا أن إيران تريد أن تدخل مصر في حرب، بمنحها تأييدا سياسيا لحزب الله في لبنان وتسهيل دخول عناصر مسلحة إلى سيناء لاقتحام الحدود وشن حرب تبدأ بحرب عصابات تتحول إلى حرب منظمة، بعد ضمان دخول القوات المسلحة المصرية كطرف بها في مراحل لاحقه”.
وأضاف هذا الشخص الذي لم يكشف عن هويته “أنه كان يدعم رحلة الوفد الشعبي لإيران من أجل تحسين العلاقات بين البلدين، وعندما وجد تصادما مع توجهات إيران بإصرارها على دعم التوسع الشيعي في مصر، وجرجرة مصر إلى حرب غير محمودة العواقب حاليا، رغب في الانسحاب من الوفد، والعودة للبلاد” وفقا لما ذكرته الصحيفة.
من جانب آخر، كان من المقرر أن يقوم وفد من المشايخ المصريين بزيارة إلى إيران بعد عودة الوفد الأول مباشرة ولكن وزير الأوقاف المصري محمد عبد الفضيل القوصى، وقبل ساعات من مغادرة الوفد لمطار القاهرة، أمر بإلغاء هذه الزيارة حيث قام مسؤول أمني بإبلاغهم بذلك من دون أن يقدم مزيدا من التوضيحات.
هذه الردود القوية، وربما غير المتوقعة بالنسبة للجانب الإيراني، جعلت طهران تغير من استراتيجيتها في التعامل مع الوفود المصرية اللاحقة وكذلك ربما غيرت من طريقة اختيارها لكل عضو من أعضاء الوفود. فمنذ ذلك الوقت دأبت إيران على تنظيم زيارات وفود مصرية تجاوز عددها السبعة و إحاطتها وما يناقش فيها بكثير من الكتمان والحذر الشديدين وكان الغالب الاكتفاء بوصف هذه الوفود على أنها إعلامية، نسائية، دينية، فنية فقط من دون أن يكون هناك تغطية إعلامية لتفاصيل تلك الزيارات أو حتى معلومات عن المشاركين في معظمها.
لاشك في أن إيران تسعى من وراء تلك الزيارات التي نظمتها ولازالت إلى تشكيل لوبي إيراني في مصر ما بعد الثورة، وقد يكون هذا اللوبي إعلاميا أكثر من أن يكون سياسياً على الأقل في الظروف الراهنة.
ترويج سياسي
هناك دلالات كثيرة على صحة ذلك حيث كشف التوتر الذي حصل في العلاقات السعودية المصرية مؤخرا واستدعاء الرياض لسفيرها في القاهرة الكثير من النقاط المهمة. من التصريحات التي تصب في هذا الاتجاه، ما نقل عن القائم بأعمال مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة مجتبى أماني قوله إن “الشعب المصري لا يتم تهديده حتى لو تم سحب جميع السفراء.. وإيران على استعداد تام لدعم الثورة المصرية والتعاون التجاري والصناعي بين البلدين”، وكذلك تصريحات القيادي الشيعي ورئيس مؤسسة آل البيت بمصر والمقرب من طهران، محمد الدريني، الذي قال إنه “لو انسحبت كل دول الخليج من مصر لن يؤثر في المصريين شيئا، والوقت قد حان للتعاون مع إيران والتحالف معها ضد دول الاستعمار الأجنبي وعملائها في الخليج، فمصر وإيران اتحادهما معا يقوض أي تدخل خارجي ويجعل البلدين قادرين على مواجهة المخططات التي تنال من استقلالهما” (شبكة الإعلام العربية “محيط).
الأهم من هذين التصريحين هو المعلومات التي كشف عنها الخبير العسكري المصري اللواء حسام سويلم في تصريحات بثتها قنوات تلفزيونية مصرية من أن إيران أرسلت 500 مليون دولار لتمويل المشاغبين لإثارة الفوضى في مصر خلال فترة التوتر في العلاقات مع السعودية. إضافة إلى ذلك فقد كشف تقرير نشرته صحيفة الشرق السعودية مؤخرا أن إيران سعت إلى استقطاب إعلاميين مصريين بهدف تسخير هذه الشخصيات لخدمة الأجهزة الأمنية الإيرانية والترويج للسياسة الخارجية لطهران في المنطقة عبر استضافتهم باستمرار عبر وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية بهدف نقد أي دولة عربية تُشَن عليها حملة إعلامية من قبل هذه الوسائل الإعلامية خاصة التلفزيونية منها.
وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية الحالية ممثلة في المجلس العسكري وقفت في وجه الكثير من المحاولات الإيرانية الساعية إلى وضع قدم في مصر مثل إلقاء القبض في الصيف الماضي على قاسم الحسيني الدبلوماسي الإيراني و المستشار الثالث ببعثة المصالح الإيرانية بالقاهرة بتهمة التجسس حيث قام بتكوين عدد من الشبكات الاستخباراتية وكلف عناصرها بتجميع معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية عن مصر ودول الخليج نظير مبالغ مالية.
أضف إلى ذلك إغلاق الحسينية التي افتتحها علي الكوراني، رجل الدين الشيعي اللبناني المقيم في قم، ومداهمة مكتب قناة العالم في القاهرة ومصادرة جميع محتوياته وكذلك منع عرض أفلام إيرانية في مصر. إلا أن الجانب الإيراني لم يتوقف عن محاولاته أو يشعر باليأس مطلقا فسياسة إيران تتسم بالنفس الطويل وعدم الاستسلام سريعا.
وعلى الرغم من ذلك كله فقد استمرت طهران في استضافة الوفود المصرية حيث عاد من طهران قبل أيام وفد مصري ضخم كان قد شارك في الفعاليات التي تقيمها إيران في ذكرى رحيل الخميني، واستمرت الزيارة لمدة أسبوع كامل، كما غادر الجمعة الماضي وبدعوة رسمية من الحكومة الإيرانية وفد آخر يضم خمسة وثلاثين أسرة من أسر شهداء الثورة المصرية لتكريمهم من قبل الرئيس الإيراني، كما نقلت صحيفة الأهرام عن القائم بأعمال مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة.
أصوات معارضة
بعض الأصوات المصرية أعلنت معارضتها لهذه الزيارة، وفي هذا الصدد اتهم علي جنيدي، المتحدث باسم أسر شهداء ثورة 25 يناير بالسويس، ما يعرف بحزب “ثوار التحرير” (لايزال تحت التأسيس)، بمحاولة توريط أسر الشهداء فيما سماه بـ”دعوة مشبوهة” لزيارة إيران من أجل تكريمهم مضيفاً بأنه طلب منهم الإفصاح عن مصدر تمويل الزيارة والهدف من ورائها وأسماء المشاركين في هذه الزيارة فرفضوا مما دعاه إلى إبلاغ الجهات الأمنية للتحقيق مع مسؤولي هذا الحزب ومعرفة ملابسات الدعوة، وفقا لما نشرته صحيفة الشروق المصرية.
خلاصة القول، في ظل الظروف التي تمر بها مصر حالياً وانشغالها بالكثير من الشؤون الداخلية الهامة والتركيز عليها، تسعى إيران إلى استغلالها خير استغلال من خلال بناء قاعدة إعلامية في الداخل المصري مهمتها تلميع صورة إيران بين الشعوب العربية.
المهمة الأكثر صعوبة بالنسبة لطهران ولكنها لا ترى استحالتها هي العمل على ضم مصر إلى صفها أو تكوين البديل لحليفها السوري المهدد بالزوال في ظل ثورة الشعب السوري الحالية.
قبل بضعة أشهر كانت إيران تتحدث عن مثلث إسلامي يتكون من إيران ومصر وتركيا، أما بعد موقف الأخيرة من الثورة السورية، وصعوبة تحقق هذا المثلث فقد استبدلتها طهران بالحليف العراقي بقيادة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي و غيره من حلفاء إيران في العراق.
للأمانة منقوووووول ...
المصدر: مجلة المجلة ..وأيضا من مدونة محمد السلمي .
بقلم: محمد السلمي
موسم الهجرة إلى طهران!
ما أن نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير في الإطاحة بنظام حسني مبارك حتى سارعت إيران إلى وصف هذه الثورة الشعبية بأنها امتداد للثورة الإيرانية التي حدثت قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. منذ ذلك الوقت، ما انفكت إيران تتقرب إلى مصر بشكل ملفت للأنظار. هذا التقرب (ولا أقول تقاربا لأنه من الجانب الإيراني فقط) أخذ طرق مختلفة ووسائل متباينة تصب في وعاء واحد. فقد تحدث من يتربع على رأس الهرم السياسي في إيران، المرشد الأعلى في إيران على خامنئي إلى الشعب المصري وباللغة العربية من منبر صلاة الجمعة في طهران مشددا على أن ما يحدث في العالم العربي عموما ومصر تحديدا هو صحوة إسلامية مستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران بقيادة سلفه روح الله الخميني. كما أعربت إيران عن استعدادها في دعم الاقتصاد المصري من خلال بيع بعض السلع بأسعار مخفضة أو تسيير أفواج من السياح الإيرانيين إلى هناك.
انتقلت المرحلة الإعلامية والنظرية هذه إلى مرحلة أهم وأخطر ألا وهي تطبيق ذلك من خلال استقطاب إيران لشخصيات إعلامية مصرية وتنظيم رحلات لهم إلى إيران بميزانيات شبه مفتوحة واستقبال وصفه الكثيرون ممن شاركوا في تلك الرحلات بالأسطوري وإقامة في فنادق خمسة نجوم. كما رُتب لهذه الوفود لقاءات مع شخصيات إيرانية مهمة مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، وعلي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران الأسبق و المستشار السياسي للمرشد الأعلى وآخرين.
بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة عقود، شهد شهر يونيو من عام 2011 انطلاقة هذه الوفود، حيث توجه وفد مصري أطلق على نفسه اسم وفد “الدبلوماسية الشعبية” إلى طهران وضم حوالي 45 فردا من الشخصيات العامة والثقافية وبعض رجالات الأزهر، بينهم المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، والدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الأسبق، والفنان عبد العزيز مخيون، والدكتور إبراهيم الزعفراني أمين لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب ومؤسس حزب النهضة، وزوجته الدكتورة جيهان الحلفاوي مرشحة جماعة الإخوان في انتخابات مجلس الشعب 2005، والشيخ جمال قطب، وعصام سلطان القيادي بحزب الوسط، والإعلامي وائل الإبراشي.
قامت السلطات الإيرانية بتنظيم استقبال حاشد لهذا الوفد فما أن هبطت الطائرة التي تقلهم في مطار الخميني الدولي جنوب العاصمة طهران حتى لاحظ الوفد حشودا يقدر عددها وفقا لتقارير إعلامية بـ 400 شخصاً من بينهم مسؤولين في الحكومة الإيرانية بالإضافة إلى العديد من القنوات التلفزيونية والصحف الإيرانية.
خلال هذه الزيارة تم ترتيب لقاء بين أعضاء الوفد و الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة أعرب أحمدي نجاد عن أمله في استئناف العلاقات مع القاهرة وشدد على المكاسب التي ستحققها الدولتان من التعاون المشترك بينهما، وأن ذلك سيؤدى إلى بلورة قوة عظمى تجبر أعداءها على الهروب من المنطقة على حد تعبيره، كما أعرب في الوقت ذاته عن استعداده قبول، وعلى الفور، أي دعوة توجه له لزيارة مصر.
هذا التلهف لزيارة مصر أثار استغراب بعض أعضاء الوفد المصري حيث نقل موقع “تابناك” الإيراني عن أحد الصحفيين المصريين المشاركين في الوفد قوله: “شعرت أن أحمدي نجاد مصري أكثر من المصريين أنفسهم” مضيفاً بأنه سيكتب تقريرا حول الزيارة وسيكون تحت عنوان “أحمدي نجاد: مصري في شوارع طهران” طبقا لما ذكر الموقع الإيراني.
على الرغم من هذه الاستقبال الأسطوري ولباقة نجاد في خطابه إلى الوفد المصري، إلا أن اللقاء لم يخل من مواقف سلبية مسحت الكثير من الانطباع الإيجابي الذي تم رسمه حتى تلك اللحظة. ففي اللقاء ذاته ألقى رئيس الإذاعة والتلفزيون عزت الله ضرغامي كلمة أثارت غضب بعض أعضاء الوفد وشعروا بنوع من الإهانة حيث قال ضرغامي موجهاً حديثه للوفد المصري: “إن الغرب يريد شراء ثورتكم بـ40 مليون دولار ونحن سندفع أكثر فهل ستقبلون ببيعها؟ لكن الصحفية المصرية نشوى الحوفي مراسلة، جريدة المصري اليوم ردت عليه بالقول: “لن نبيع ثورتنا لا لأمريكا ولا أوروبا ولا إيران واطلب منك أن تسحب كلامك هذا”.
إهانة أخرى تعرض لها الوفد المصري من المسؤول الإيراني ذاته هي أن ضرغامي بدأ يشرح الدستور الأساسي الإيراني وكيفية تشكيل الحكومة فقاطعه أحد أعضاء الوفد المصري قائلا إن “المصريين أول من كتب القانون ولدينا حضارة قديمة ونعرف كيف نشكل حكومة ولسنا بحاجة إلى تعليماتكم”.
لوبي إيراني!
في الصدد، تحدثت وسائل إعلامية مصرية عن خلافات نشبت بين أعضاء الوفد المصري وندم بعضهم على مرافقه هذا الوفد. فقد أعرب أحد أعضاء الوفد عن ندمه على السفر إلى إيران، وقال حسب ما نشر في صحيفة المصري اليوم: “اكتشفنا أن إيران تريد أن تدخل مصر في حرب، بمنحها تأييدا سياسيا لحزب الله في لبنان وتسهيل دخول عناصر مسلحة إلى سيناء لاقتحام الحدود وشن حرب تبدأ بحرب عصابات تتحول إلى حرب منظمة، بعد ضمان دخول القوات المسلحة المصرية كطرف بها في مراحل لاحقه”.
وأضاف هذا الشخص الذي لم يكشف عن هويته “أنه كان يدعم رحلة الوفد الشعبي لإيران من أجل تحسين العلاقات بين البلدين، وعندما وجد تصادما مع توجهات إيران بإصرارها على دعم التوسع الشيعي في مصر، وجرجرة مصر إلى حرب غير محمودة العواقب حاليا، رغب في الانسحاب من الوفد، والعودة للبلاد” وفقا لما ذكرته الصحيفة.
من جانب آخر، كان من المقرر أن يقوم وفد من المشايخ المصريين بزيارة إلى إيران بعد عودة الوفد الأول مباشرة ولكن وزير الأوقاف المصري محمد عبد الفضيل القوصى، وقبل ساعات من مغادرة الوفد لمطار القاهرة، أمر بإلغاء هذه الزيارة حيث قام مسؤول أمني بإبلاغهم بذلك من دون أن يقدم مزيدا من التوضيحات.
هذه الردود القوية، وربما غير المتوقعة بالنسبة للجانب الإيراني، جعلت طهران تغير من استراتيجيتها في التعامل مع الوفود المصرية اللاحقة وكذلك ربما غيرت من طريقة اختيارها لكل عضو من أعضاء الوفود. فمنذ ذلك الوقت دأبت إيران على تنظيم زيارات وفود مصرية تجاوز عددها السبعة و إحاطتها وما يناقش فيها بكثير من الكتمان والحذر الشديدين وكان الغالب الاكتفاء بوصف هذه الوفود على أنها إعلامية، نسائية، دينية، فنية فقط من دون أن يكون هناك تغطية إعلامية لتفاصيل تلك الزيارات أو حتى معلومات عن المشاركين في معظمها.
لاشك في أن إيران تسعى من وراء تلك الزيارات التي نظمتها ولازالت إلى تشكيل لوبي إيراني في مصر ما بعد الثورة، وقد يكون هذا اللوبي إعلاميا أكثر من أن يكون سياسياً على الأقل في الظروف الراهنة.
ترويج سياسي
هناك دلالات كثيرة على صحة ذلك حيث كشف التوتر الذي حصل في العلاقات السعودية المصرية مؤخرا واستدعاء الرياض لسفيرها في القاهرة الكثير من النقاط المهمة. من التصريحات التي تصب في هذا الاتجاه، ما نقل عن القائم بأعمال مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة مجتبى أماني قوله إن “الشعب المصري لا يتم تهديده حتى لو تم سحب جميع السفراء.. وإيران على استعداد تام لدعم الثورة المصرية والتعاون التجاري والصناعي بين البلدين”، وكذلك تصريحات القيادي الشيعي ورئيس مؤسسة آل البيت بمصر والمقرب من طهران، محمد الدريني، الذي قال إنه “لو انسحبت كل دول الخليج من مصر لن يؤثر في المصريين شيئا، والوقت قد حان للتعاون مع إيران والتحالف معها ضد دول الاستعمار الأجنبي وعملائها في الخليج، فمصر وإيران اتحادهما معا يقوض أي تدخل خارجي ويجعل البلدين قادرين على مواجهة المخططات التي تنال من استقلالهما” (شبكة الإعلام العربية “محيط).
الأهم من هذين التصريحين هو المعلومات التي كشف عنها الخبير العسكري المصري اللواء حسام سويلم في تصريحات بثتها قنوات تلفزيونية مصرية من أن إيران أرسلت 500 مليون دولار لتمويل المشاغبين لإثارة الفوضى في مصر خلال فترة التوتر في العلاقات مع السعودية. إضافة إلى ذلك فقد كشف تقرير نشرته صحيفة الشرق السعودية مؤخرا أن إيران سعت إلى استقطاب إعلاميين مصريين بهدف تسخير هذه الشخصيات لخدمة الأجهزة الأمنية الإيرانية والترويج للسياسة الخارجية لطهران في المنطقة عبر استضافتهم باستمرار عبر وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية بهدف نقد أي دولة عربية تُشَن عليها حملة إعلامية من قبل هذه الوسائل الإعلامية خاصة التلفزيونية منها.
وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية الحالية ممثلة في المجلس العسكري وقفت في وجه الكثير من المحاولات الإيرانية الساعية إلى وضع قدم في مصر مثل إلقاء القبض في الصيف الماضي على قاسم الحسيني الدبلوماسي الإيراني و المستشار الثالث ببعثة المصالح الإيرانية بالقاهرة بتهمة التجسس حيث قام بتكوين عدد من الشبكات الاستخباراتية وكلف عناصرها بتجميع معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية عن مصر ودول الخليج نظير مبالغ مالية.
أضف إلى ذلك إغلاق الحسينية التي افتتحها علي الكوراني، رجل الدين الشيعي اللبناني المقيم في قم، ومداهمة مكتب قناة العالم في القاهرة ومصادرة جميع محتوياته وكذلك منع عرض أفلام إيرانية في مصر. إلا أن الجانب الإيراني لم يتوقف عن محاولاته أو يشعر باليأس مطلقا فسياسة إيران تتسم بالنفس الطويل وعدم الاستسلام سريعا.
وعلى الرغم من ذلك كله فقد استمرت طهران في استضافة الوفود المصرية حيث عاد من طهران قبل أيام وفد مصري ضخم كان قد شارك في الفعاليات التي تقيمها إيران في ذكرى رحيل الخميني، واستمرت الزيارة لمدة أسبوع كامل، كما غادر الجمعة الماضي وبدعوة رسمية من الحكومة الإيرانية وفد آخر يضم خمسة وثلاثين أسرة من أسر شهداء الثورة المصرية لتكريمهم من قبل الرئيس الإيراني، كما نقلت صحيفة الأهرام عن القائم بأعمال مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة.
أصوات معارضة
بعض الأصوات المصرية أعلنت معارضتها لهذه الزيارة، وفي هذا الصدد اتهم علي جنيدي، المتحدث باسم أسر شهداء ثورة 25 يناير بالسويس، ما يعرف بحزب “ثوار التحرير” (لايزال تحت التأسيس)، بمحاولة توريط أسر الشهداء فيما سماه بـ”دعوة مشبوهة” لزيارة إيران من أجل تكريمهم مضيفاً بأنه طلب منهم الإفصاح عن مصدر تمويل الزيارة والهدف من ورائها وأسماء المشاركين في هذه الزيارة فرفضوا مما دعاه إلى إبلاغ الجهات الأمنية للتحقيق مع مسؤولي هذا الحزب ومعرفة ملابسات الدعوة، وفقا لما نشرته صحيفة الشروق المصرية.
خلاصة القول، في ظل الظروف التي تمر بها مصر حالياً وانشغالها بالكثير من الشؤون الداخلية الهامة والتركيز عليها، تسعى إيران إلى استغلالها خير استغلال من خلال بناء قاعدة إعلامية في الداخل المصري مهمتها تلميع صورة إيران بين الشعوب العربية.
المهمة الأكثر صعوبة بالنسبة لطهران ولكنها لا ترى استحالتها هي العمل على ضم مصر إلى صفها أو تكوين البديل لحليفها السوري المهدد بالزوال في ظل ثورة الشعب السوري الحالية.
قبل بضعة أشهر كانت إيران تتحدث عن مثلث إسلامي يتكون من إيران ومصر وتركيا، أما بعد موقف الأخيرة من الثورة السورية، وصعوبة تحقق هذا المثلث فقد استبدلتها طهران بالحليف العراقي بقيادة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي و غيره من حلفاء إيران في العراق.
للأمانة منقوووووول ...
المصدر: مجلة المجلة ..وأيضا من مدونة محمد السلمي .
تعليق