خطوات البحث الروسية في مجال الشحنات المتراكمة
في العام 1941 فوجئ أطقم الدبابات السوفييتية وأصيبوا بالذهول وهم يرون القذائف الألمانية وهي ترتطم بدباباتهم لتترك ثقوباً عميقة على الهياكل والأبراج . أطلق الألمان على هذا النوع من الذخائر تسمية Hohlladungsgeschoss والتي تعني القذيفة ذات الشحنة المجوفة . لقد عملت الماكنة الحربية الألمانية في السنوات 1939-1943 على تطوير أسلحة وذخائر بشحنات مشكلة من أنواع وأعيرة مختلفة ، كوسيلة مبتكرة لهزيمة ودحر دروع دبابات الحلفاء . على أية حال ، الاحتكار الألماني لم يدم طويل ، وفي تاريخ 23 مايو من العام 1942 تم اختبار أول مكافئ سوفييتي لقذائف المدفعية الألمانية ، وكان من عيار 76.2 ملم ، ليدخل الخدمة بعد ثلاثة أيام فقط تحت التعيين الرسمي BR-353A . هذه القذيفة التي جرى استنساخها بتقنية الهندسة العكسية reverse engineering ، كانت قادرة على اختراق تدريع بسماكة 75-90 ملم عند الارتطام بزاوية 90 درجة . كما طور السوفييت قذائف مماثلة أكبر قطراً من عيار 122 ملم حملت التعيين BR-460A مع قابلية اختراق حتى 200 ملم . السوفييت ابتكروا أيضاً أول سلاح يدوي لهم يعمل بتقنية الشحنة المشكلة كما تذكر بعض المصادر في العام 1943 ، عندما طوروا القنبلة اليدوية نوع RPG-43 كسلاح مؤثر مضاد للدروع وكبديل ناجح عن القنبلة اليدوية الأقدم من نوع RPG-40 التي اعتمدت في مفعولها على شحنة شديدة الانفجار . زودت القنبلة اليدوية RPG-43 بصمام تصادمي مع شحنة مشكلة بقطر 95 ملم مع 612 غرام من مادة TNT شديدة الانفجار ، وكان لها القدرة على اختراق نحو 75 ملم من الفولاذ ، لتحسن في مراحل لاحقة من الحرب بالسلاح RPG-6 الذي أدخل الخدمة في أكتوبر العام 1943 . هم أيضاً طوروا اللغم الأرضي الطائر المدعو LMG (اختصار flying mine Galitskiy) مع شحنة مشكلة ومتفجرات من نوع TNT . هذا اللغم استعمل من قبل السوفييت بنجاح كبير ضد الدروع الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث صعد المقذوف على منصة خشبية ثابتة في تجويف أرضي غير عميق ، وهو مصوب باتجاه الطريق المحتمل لمرور الدبابة . عملية المشاغلة وإطلاق المقذوف تتم عندما يتم جذب سلك إعثار ملحق بصمام في قاعدة المقذوف .
أطلق السوفييت على تأثير الشحنة المشكلة اسم الشحنة المتراكمة Cumulative Charge ، والكلمة لاتينية الأصل cumulatio وتعني التكدس أو التزايد في إشارة إلى آلية عمل هذا النوع من الشحنات والقائمة على تركيز طاقة الانفجار . التأثير التراكمي لوحظ بداية في العام 1864 من قبل المهندس والجنرال العسكري الروسي "ميخائيل بورسكوف" M. Boreskov الذي استخدم هذه الظاهرة لثقب الصخور وألواح الأشجار الصلبة لبناء التحصينات . بورسكوف عمل في مجال زراعة الألغام واكتشف أن شحنة متفجرة من النتروغلسرين nitroglycerine مع تجويف موجه ستمتلك بشكل ملحوظ تأثير تدميري أعلى بكثير من الشحنات التقليدية . التأثير شوهد أيضاً من قبل قائد عسكري سوفييتي آخر هو "ديمتري أندريفسكي" Dmitry Andrievskiy ، الذي عمل العام 1865 على تفجير شحنة من الديناميت ملئت بورق مقوى كرتوني مع تجويف محشو بنشارة الخشب . نتائج الدراسات العملية المتعلقة بتأثير طاقة المواد المتفجرة ظهرت في الإتحاد السوفيتي أثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث ينسب الفضل في تطوير الرؤوس الحربية المشكلة للبروفسور "سيكورفسكي" M.J. Sukharevsky ، الذي أجرى أول دراسة منظمة حول التأثير التراكمي cumulative effect وأصدر أول أبحاثه ورسائله العلمية في هذا المجال العام 1923-1926 . عمل الرجل على الشحنات المشكلة التي احتوت على تجاويف بدون كساء أو غلاف معدني ، واستطاع معرفة وإيجاد الرابط بين عملية اختراق الدروع بهذه الشحنات وشكل التجاويف ، بالإضافة للعوامل المؤثرة الأخرى . لقد وصف سيكورفسكي تجاربه الشاملة بالتجاويف غير المبطنة في أنواع مختلفة من الأشكال والزوايا ، حيث لاحظ بأنه يمكن لتجويف مخروطي أن يولد تأثير اختراق صغير (لشحنة غير مبطنة unlined charge) ، كما دون في سجلاته العلمية أن الأهمية العملية الكبرى لقذائف الشحنة المشكلة تكمن في إمكانية تحويل وزن قذيفة مدفعية إلى النصف ، وزيادة التأثير المتفجر من قبل عامل 3 إلى 5 . لكن للأسف وبشكل مأساوي ، انتهت بحوث سيكورفسكي العلمية في هذا المجال مع سقوطه كضحية لإحدى حملات التطهير الستالينيه Stalin's purges .
تعليق