بسم الله الرحمن الرحيم
حال الفتح الإسلامي
للأندلس
من المفيد جدا أن
نتعرف على حالة أوروبا والوضع الذي كانت عليه - خاصة بلاد الأندلس - عند الفتح
الإسلامي وكيف كان؟ وكيف تغير هذا الوضع وهذا الحال بعد دخول أهل هذه البلاد
الإسلام؟ والواقع أن أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش فترة من فترات الجهل العظيم
جدا، حيث الظلم هو القانون السائد، فالحكام يمتلكون الأموال وخيرات البلاد، والشعوب
تعيش في بؤس كبير، والحكام بنوا القصور والقلاع والحصون، بينما عامة الشعب لا يجد
المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقر شديد، بل إنهم يباعون ويشترون مع الأرض،
وبالنسبة للفرد نفسه، فالأخلاق متدنية والحرمات منتهكة، وبُعد حتى عن مقومات الحياة
الطبيعية، فالنظافة الشخصية - على سبيل المثال - مختفية بالمرة، حتى إنهم كانوا
يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يهذبونها، وكانوا - كما يذكر الرحالة المسلمين
الذين جابوا هذه البلاد في هذا الوقت - لا يستحمّون في العام إلا مرة أو مرتين، بل
يظنون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحة لهذا الجسد، وهي خير وبركة
له.
وكانوا
يتفاهمون بالإشارة، فليست لهم لغة منطوقة أصلا فضلا عن أن تكون مكتوبة، وكانوا
يعتقدون بعض اعتقادات الهنود والمجوس من إحراق المتوفى عند موته، ومن حرق زوجته معه
وهي حية، أو حرق جاريته معه، أو من كان يحبه من الناس، والناس تعلم وتشاهد هذا
الأمر، فكانت أوربا بصفة عامة قبل الفتح الإسلامي يسودها التخلف والظلم والفقر
الشديد، والبعد التام عن أي وجه من أوجه الحضارة المدنية، ولنقارن هذا بما أصبحت
عليه أوروبا وبلاد الأندلس بعد الفتح
الإسلامي.
المسلمون في الشمال
الإفريقي
لكي نفهم الفتح الإسلامي للأندلس لا بد أن نتعرف على طبيعة الوضع
في البلاد الملاصقة لهذا البلد وهي بلاد الشمال الإفريقي، فقد دخلها الإسلام قبل
فتح الأندلس بسبعين سنة، أي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان يسكن هذا الإقليم
(إقليم الشمال الإفريقي) قبائل ضخمة تسمى قبائل البربر - سنفصل الأمر فيها قريبا
بمشيئة الله - وهذه القبائل كانت دائمة الارتداد عن دين الله سبحانه وتعالى، فتدخل
في الإسلام، ثم ترتد، ثم تسلم، ثم ترتد، ودارت حروب بين هذه القبائل والمسلمين
انتهت باستقرار الإسلام في هذا الإقليم أواخر سنة خمس أو ست وثمانين من الهجرة على
يد موسى بن نصير رحمه الله.
فكرة فتح الأندلس
لم تكن فكرة فتح الأندلس وليدة أيام موسى بن نصير، بل إنها
فكرة قديمة جدا، فمنذ أن استعصت القسطنطينية على الفتح زمن عثمان بن عفان رضي الله
عنه - وكانت الحملات الإسلامية قد وصلت إليها - قال قولته: إن القسطنطينية إنما
تفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في
الأجر.
فكان عثمان رضي الله عنه يعني أن المسلمين سيفتحون الأندلس أولا (غرب
أوروبا) ثم يتوجهون منها صوب القسطنطينية (شرق أوروبا) فيفتحونها من قِبَل الغرب لا
من قِبَل الشرق، من جهة البحر الأسود في ذلك الوقت،
لكن المسلمين لم يستطيعوا
أن يصلوا إلى هذه المنطقة من المغرب العربي إلا في أيام بني أمية وفي فترة حكم موسى
بن نصير على الشمال الإفريقي.
موسى بن نصير وعقبات فتح
الأندلس
العقبة الأولى: قلة السفن
وجد موسى بن نصير أن المسافة المائية التي سيقطعها بين المغرب
والأندلس لا تقل عن ثلاثة عشر كيلو مترا، وهو ليس لديه سفنا كافية لعبور هذه العقبة
المائية، فمعظم فتوحات المسلمين - باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري وفتح قبرص
- كانت برية، ومن ثم لم يكن هناك حاجة كبيرة إلى سفن ضخمة، تلك التي احتاجوا إليها
هنا لتنقل الجنود وتعبر بهم مضيق جبل طارق ليصلوا إلى
الأندلس.
العقبة الثانية:
وجود
جزر البليار النصرانية في ظهره إن دخل الأندلس
كان موسى بن نصير قد تعلم من
أخطاء سابقيه؛ فلم يخطو خطوة حتى يأمن ظهره أولا، وفي شرق الأندلس كانت تقع جزر
تسمى جزر البليار، وهي قريبة جدا من الأندلس، ومن هنا فإن ظهره لن يكون آمنا إن هو
دخل الأندلس، وكان عليه أولا أن يحمي ظهره حتى لو كانت هذه الجزر تابعة
للرومان.
العقبة
الثالثة:
وجود ميناء سبتة المطل على مضيق جبل
طارق في يد نصارى على علاقة بملوك الأندلس
كان ميناء سبتة المطل على مضيق جبل
طارق والذي لم يُفتح مع بلدان الشمال الإفريقي، كان يحكمه ملك نصراني يُدعى يُليان
أو جريان، وكان لهذا الملك علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غَيْطَشَة، وغيطشة هذا
كان قد انقلب عليه لوذريق أو رودريقو - كما يُنطق في بعض الأحيان - وتولى حكم
الأندلس، وكانت العقبة تكمن في خوف موسى بن نصير من أن ينقلب عليه يوليان صاحب
ميناء سبتة والذي سيكون في ظهره ويتحد مع لوزريق صاحب الأندلس، حتى وإن كان على
خلاف معه، فمن يضمن ألا يدخل يوليان مع لوزريق في حربه ضد موسى بن نصير نظير مقابل
مادي أو تحت أي بند آخر؟
العقبة الرابعة: قلة
عدد المسلمين
كانت العقبة الرابعة التي واجهت موسى بن نصير هي أن
قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من جزيرة العرب ومن الشام واليمن قوات محدودة
جدا، وكانت في نفس الوقت منتشرة في بلاد الشمال الإفريقي، ومن ثم فقد لا يستطيع أن
يتم فتح الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين، هذا مع خوفه من أن تنقلب عليه بلاد
الشمال الإفريقي إذ هو خرج منها بقواته.
العقبة الخامسة:
قوة عدد النصارى
في
مقابل قوة المسلمين المحدودة كانت تقف قوات النصارى بعدتها وضخامتها عقبة في طريق
موسى بن نصير لفتح الأندلس، فكان للنصارى في الأندلس أعداد ضخمة، هذا بجانب قوة
عدتهم وكثرة قلاعهم وحصونهم، وإضافة إلى ذلك فهم تحت قيادة لوزريق القائد القوي
المتكبر.العقبة السادسة
طبيعة جغرافية الأندلس وكونها أرض
مجهولة بالنسبة للمسلمين
وقف البحر حاجزا بين المسلمين وبين بلاد الأندلس، فلم
تعبر سفنهم هذه المنطقة من قبل فضلا عن أن يرتادوها أصلا، ومن ثم فلم يكن لهم علم
بطبيعتها وجغرافيتها، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة الإقدام على غزو أو فتح هذه
البلاد، وفضلا عن هذا فقد كانت بلاد الأندلس تتميز بكثرة الجبال والأنهار، تلك التي
ستقف عقبة كئود أمام حركة أي جيش قادم، خاصة إذا كانت الخيول والبغال والحمير هي
أهم وسائل ذلك الجيش في نقل العدة والعتاد
حال الفتح الإسلامي
للأندلس
من المفيد جدا أن
نتعرف على حالة أوروبا والوضع الذي كانت عليه - خاصة بلاد الأندلس - عند الفتح
الإسلامي وكيف كان؟ وكيف تغير هذا الوضع وهذا الحال بعد دخول أهل هذه البلاد
الإسلام؟ والواقع أن أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش فترة من فترات الجهل العظيم
جدا، حيث الظلم هو القانون السائد، فالحكام يمتلكون الأموال وخيرات البلاد، والشعوب
تعيش في بؤس كبير، والحكام بنوا القصور والقلاع والحصون، بينما عامة الشعب لا يجد
المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقر شديد، بل إنهم يباعون ويشترون مع الأرض،
وبالنسبة للفرد نفسه، فالأخلاق متدنية والحرمات منتهكة، وبُعد حتى عن مقومات الحياة
الطبيعية، فالنظافة الشخصية - على سبيل المثال - مختفية بالمرة، حتى إنهم كانوا
يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يهذبونها، وكانوا - كما يذكر الرحالة المسلمين
الذين جابوا هذه البلاد في هذا الوقت - لا يستحمّون في العام إلا مرة أو مرتين، بل
يظنون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحة لهذا الجسد، وهي خير وبركة
له.
وكانوا
يتفاهمون بالإشارة، فليست لهم لغة منطوقة أصلا فضلا عن أن تكون مكتوبة، وكانوا
يعتقدون بعض اعتقادات الهنود والمجوس من إحراق المتوفى عند موته، ومن حرق زوجته معه
وهي حية، أو حرق جاريته معه، أو من كان يحبه من الناس، والناس تعلم وتشاهد هذا
الأمر، فكانت أوربا بصفة عامة قبل الفتح الإسلامي يسودها التخلف والظلم والفقر
الشديد، والبعد التام عن أي وجه من أوجه الحضارة المدنية، ولنقارن هذا بما أصبحت
عليه أوروبا وبلاد الأندلس بعد الفتح
الإسلامي.
المسلمون في الشمال
الإفريقي
لكي نفهم الفتح الإسلامي للأندلس لا بد أن نتعرف على طبيعة الوضع
في البلاد الملاصقة لهذا البلد وهي بلاد الشمال الإفريقي، فقد دخلها الإسلام قبل
فتح الأندلس بسبعين سنة، أي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان يسكن هذا الإقليم
(إقليم الشمال الإفريقي) قبائل ضخمة تسمى قبائل البربر - سنفصل الأمر فيها قريبا
بمشيئة الله - وهذه القبائل كانت دائمة الارتداد عن دين الله سبحانه وتعالى، فتدخل
في الإسلام، ثم ترتد، ثم تسلم، ثم ترتد، ودارت حروب بين هذه القبائل والمسلمين
انتهت باستقرار الإسلام في هذا الإقليم أواخر سنة خمس أو ست وثمانين من الهجرة على
يد موسى بن نصير رحمه الله.
فكرة فتح الأندلس
لم تكن فكرة فتح الأندلس وليدة أيام موسى بن نصير، بل إنها
فكرة قديمة جدا، فمنذ أن استعصت القسطنطينية على الفتح زمن عثمان بن عفان رضي الله
عنه - وكانت الحملات الإسلامية قد وصلت إليها - قال قولته: إن القسطنطينية إنما
تفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في
الأجر.
فكان عثمان رضي الله عنه يعني أن المسلمين سيفتحون الأندلس أولا (غرب
أوروبا) ثم يتوجهون منها صوب القسطنطينية (شرق أوروبا) فيفتحونها من قِبَل الغرب لا
من قِبَل الشرق، من جهة البحر الأسود في ذلك الوقت،
لكن المسلمين لم يستطيعوا
أن يصلوا إلى هذه المنطقة من المغرب العربي إلا في أيام بني أمية وفي فترة حكم موسى
بن نصير على الشمال الإفريقي.
موسى بن نصير وعقبات فتح
الأندلس
العقبة الأولى: قلة السفن
وجد موسى بن نصير أن المسافة المائية التي سيقطعها بين المغرب
والأندلس لا تقل عن ثلاثة عشر كيلو مترا، وهو ليس لديه سفنا كافية لعبور هذه العقبة
المائية، فمعظم فتوحات المسلمين - باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري وفتح قبرص
- كانت برية، ومن ثم لم يكن هناك حاجة كبيرة إلى سفن ضخمة، تلك التي احتاجوا إليها
هنا لتنقل الجنود وتعبر بهم مضيق جبل طارق ليصلوا إلى
الأندلس.
العقبة الثانية:
وجود
جزر البليار النصرانية في ظهره إن دخل الأندلس
كان موسى بن نصير قد تعلم من
أخطاء سابقيه؛ فلم يخطو خطوة حتى يأمن ظهره أولا، وفي شرق الأندلس كانت تقع جزر
تسمى جزر البليار، وهي قريبة جدا من الأندلس، ومن هنا فإن ظهره لن يكون آمنا إن هو
دخل الأندلس، وكان عليه أولا أن يحمي ظهره حتى لو كانت هذه الجزر تابعة
للرومان.
العقبة
الثالثة:
وجود ميناء سبتة المطل على مضيق جبل
طارق في يد نصارى على علاقة بملوك الأندلس
كان ميناء سبتة المطل على مضيق جبل
طارق والذي لم يُفتح مع بلدان الشمال الإفريقي، كان يحكمه ملك نصراني يُدعى يُليان
أو جريان، وكان لهذا الملك علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غَيْطَشَة، وغيطشة هذا
كان قد انقلب عليه لوذريق أو رودريقو - كما يُنطق في بعض الأحيان - وتولى حكم
الأندلس، وكانت العقبة تكمن في خوف موسى بن نصير من أن ينقلب عليه يوليان صاحب
ميناء سبتة والذي سيكون في ظهره ويتحد مع لوزريق صاحب الأندلس، حتى وإن كان على
خلاف معه، فمن يضمن ألا يدخل يوليان مع لوزريق في حربه ضد موسى بن نصير نظير مقابل
مادي أو تحت أي بند آخر؟
العقبة الرابعة: قلة
عدد المسلمين
كانت العقبة الرابعة التي واجهت موسى بن نصير هي أن
قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من جزيرة العرب ومن الشام واليمن قوات محدودة
جدا، وكانت في نفس الوقت منتشرة في بلاد الشمال الإفريقي، ومن ثم فقد لا يستطيع أن
يتم فتح الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين، هذا مع خوفه من أن تنقلب عليه بلاد
الشمال الإفريقي إذ هو خرج منها بقواته.
العقبة الخامسة:
قوة عدد النصارى
في
مقابل قوة المسلمين المحدودة كانت تقف قوات النصارى بعدتها وضخامتها عقبة في طريق
موسى بن نصير لفتح الأندلس، فكان للنصارى في الأندلس أعداد ضخمة، هذا بجانب قوة
عدتهم وكثرة قلاعهم وحصونهم، وإضافة إلى ذلك فهم تحت قيادة لوزريق القائد القوي
المتكبر.العقبة السادسة
طبيعة جغرافية الأندلس وكونها أرض
مجهولة بالنسبة للمسلمين
وقف البحر حاجزا بين المسلمين وبين بلاد الأندلس، فلم
تعبر سفنهم هذه المنطقة من قبل فضلا عن أن يرتادوها أصلا، ومن ثم فلم يكن لهم علم
بطبيعتها وجغرافيتها، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة الإقدام على غزو أو فتح هذه
البلاد، وفضلا عن هذا فقد كانت بلاد الأندلس تتميز بكثرة الجبال والأنهار، تلك التي
ستقف عقبة كئود أمام حركة أي جيش قادم، خاصة إذا كانت الخيول والبغال والحمير هي
أهم وسائل ذلك الجيش في نقل العدة والعتاد
تعليق