بقلم: حسان القطب مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات |
"إسرائيل اليوم اكثر أمناً". بهذه العبارة اعلن وزير الخارجية الأميركية تقديره لنتائج المفاوضات بين دول العالم الغربي وإيران حول ملفها النووي. ولا بد من ان إيران قد استوعبت ووافقت على أن أمن إسرائيل هو الخلاصة الأساسية لنهاية عملية التفاوض.هنا لا بد من إلقاء نظرة بسيطة وسريعة على المشروع الإيراني في المنطقة وتبيان أسسه. إذ منذ إنطلاق الثورة والنظام الإيراني الديني يسعى لتجنيد وتأطير كافة أتباع المذهب الشيعي في العالم العربي والإسلامي لخدمة النظام الإيراني الحاكم في طهران، تماماً على طريقة الكيان الصهيوني الذي يعتبر ان إسرائيل هي أرض الميعاد لكل يهودي في العالم، وبالتالي عليه خدمتها وحماية استقرارها. ولهذا فقد وضع النظام الإيراني أسس استراتيجيته لحكم المنطقة والهيمنة عليها أمنياً ليسهل عليه السيطرة عليها سياسياً واقتصادياً من خلال إدراك وفهم النظام الإيراني ان استقرار وامن إسرائيل هو اولوية مطلقة بالنسبة للعالم الغربي، فقد ربط مواقفه السياسية بتهديد استقرار وأمن إسرائيل وصولاً للتلويح بتدميرها وإزالتها من الوجود! وهذا المنطق استمر مسيطراً طوال العقود الماضية حتى تم الإتفاق الحالي بين مجموعة الدول 5+1 وإيران. واعتبرت إيران ان وجود سلاح نوعي يشكل تهديداً وجودياً أو فيما يطلق عليه مصطلح سلاح الدمار الشامل هو ضمانة استقرار النظام وبالتالي القدرة على حماية المشروع، إما لترهيب الدول والقوى والأحزاب الرافضة او تلك المعادية والممانعة حقيقةً لهذا المشروع. فكان لا بد من بناء وتربية وتحضير أذرع سياسية في ظاهرها وأمنية في باطنها في الدول المجاورة لترويع المعارضين ولتعبيد الطريق امام هيمنة إيران الأمنية وصولاً للمراحل اللاحقة سياسياً وإقتصادياً. من هنا وبعد ما جرى في جنيف بين الوفد الدولي وإيران والاتفاق الذي انتزع من إيران مشروعها النووي، نرى ان لا بد من توضيح أسباب انهيار أعمدة واسس هذا المشروع: - الأساس الأول. السلاح الكيميائي السوري: عند كل حالة توتر أمني في المنطقة، كانت إسرائيل تسارع لتوزيع الأقنعة الواقية من الغازات السامة، وقد تبين فعلاً ان نظام سوريا الذي ترعاه إيران كان ينتج سلاحاً كيميائياً. ولكن ليس لتهديد امن إسرائيل بل لحماية المشروع النووي الإيراني عبر استخدامه او التلويح باستخدامه، وتهديد العالم الغربي بإبادة إسرائيل حتى لا تقوم بأي عمل عسكري يهدف لتدمير او تأخير البرنامج النووي الإيراني. وعندما وجد النظام السوري وراعيه الإيراني ان بقاء النظام قد أصبح في خطر اضطر لكشف مخزونه الكيميائي باستخدامه ضد الشعب السوري والثورة السورية. لأن الأولوية هي حماية النظام والمشروع الإيراني في المنطقة وليس الشعب السوري وتامين مستقبل زاهر له. وعندما هددت الولايات المتحدة وحلفائها بمهاجمة سوريا لتدمير سلاحها الكيميائي، قام النظام السوري بتسليمه على الفور لأنه اعتبر ان المساومة على بقائه أو تأخير سقوطه قد اصبح اولوية على خدمة المصالح الإيرانية ومشروعها في المنطقة. - الأساس الثاني.المشروع النووي الإيراني: لقد تبين من سياق الأحداث والوقائع التي تلاحقت عقب تسليم النظام السوري بالأمر الواقع وخضوعه للرغبة الدولية باستلام وتدمير السلاح الكيميائي، ان النظام الإيراني عندما شعر ان مشروعه النووي قد أصبح مكشوفاً، ولا حماية له من اي سلاح استراتيجي قادر على إنزال دمار شامل بالاعداء متوافر لحمايته. سارع روحاني وفريقه وبمباركة من الولي الفقيه او مرشد النظام الإيراني علي خامنئي إلى التوصل مع دول المجموعة الدولية إلى اتفاق، يحفظ لإيران شيئاً من ماء الوجه بعد انكشاف المشروع ووصول الحال الإقتصادية في الداخل الإيراني إلى وضع سيئ دفعت بروحاني إلى اتهام الرئيس الإيراني السابق احمدي نجاد بما وصلت إليه الحال من سوء، مما جعل إيران على شفير اندلاع ثورة شعبية عارمة نتيجة تراجع وتفاقم الحال الإقتصادية وتورط إيران في تمويل الحرب السورية بشكل يجعلها الممول الوحيد لحماية نظام فشل في حماية المشاريع الإيرانية في المنطقة من سياسية إلى عسكرية. وبدون كيميائي ومشروع انتاج قدرة نووية ظاهرها سلمي وباطنها عسكري ماذا بقي لإيران من مشروعها في المنطقة. - الأساس الثالث. وهو ما تبقى لإيران من ادوات مشروعها أي منظومة حزب الله العسكرية: وهي منظومة المطلوب منها الهيمنة على لبنان وتهديد أمن إسرائيل، ليس لخدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني كما يدعّي نصرالله ومرشد الجمهورية، بل لحماية المشروع النووي الإيراني إلى جانب السلاح الكيميائي وللوصول إلى مياه البحر المتوسط وثرواته. وإلى جانب حزب الله دأبت إيران على تنمية قوى سياسية في ظاهرها ولكن أمنية ومذهبية في حقيقتها، بالرغم من انها ليست بمستوى حزب الله ولا بأهميته ولكن بهدف ارهاب الدول المجاورة (السعودية ودول الخليج والأردن). في اليمن أطلق الحوثيون على أنفسهم لقب "انصار الله" ورفعوا شعار العداء لأميركا وإسرائيل ولكن حربهم هي ضد المجتمع اليمني ووحدته الوطنية. وفي البحرين انطلقت المظاهرات تحت راية جماعة الوفاق البحرينية ولكن بهدف إضعاف الدولة وهدم مؤسساتها والمطالبة بحصة طائفية في السلطة ورفع انصار هذه الجماعة شعارات الحوثيين في اليمن. والحال عينه في العراق، فكان إطلاق القذائف على أراضي المملكة العربية السعودية من قبل مجموعة شيعية متطرفة تحمل مفاهيم المرشد وتوجيهاته رداً على تفجير السفارة الإيرانية في لبنان. وهذا ما جعل من الساحة العراقية ملعباً مفترضاً للمواجهة، ولكن مذهبياً وليس سياسياً. كافة هذه القوى والتنظيمات هي ضعيفة ومحدودة القدرات للتأثير على الساحة السياسية. في العالم العربي والدولي. ولكن الحالة الوحيدة التي تعول عليها إيران وتبني عليها الآمال وتعلق عليها الغايات لانتاج تغيير او لحماية الواقع الحالي او ما تبقى لإيران من ماء وجه بعد خسارة الدعامتين الأساسيتين لمشروعها (الكيميائي والنووي)،هي منظومة حزب الله. وهي الحالة التنظيمية الوحيدة التي تقع سلطتها وحضورها وقوتها على الحدود المشتركة بين فلسطين المحتلة (إسرائيل) ولبنان والتي سبق لنصرالله ان هدد بقصف مدنها وعمقها الداخلي ولكن كان هذا قبل انخراط حزب الله في الصراع على الساحة السورية. فما هو مستقبل ومصير حزب الله العامل أو الأساس الوحيد المتبقي من أسس الإستراتيجية الإيرانية للهيمنة على الشرق الأوسط؟من الممكن القول ان على إيران ان تعيد النظر في استراتيجيتها الموضوعة للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي ورغبتها في لعب دور إقليمي محوري بعد انهيار أدوات حماية هذا المشروع وهذه الإمكانات الواحد تلو الآخر. ومصير حزب الله هو الآخر والأخير على هذه اللائحة قد أصبح على محك المواجهة مع القوى الجهادية في المنطقة العربية مما يجعله في خضم صراع آخر بخلاف ما رسمت له الإدارة الإيرانية من توجهات واهداف خاصةً مع انفضاض التأييد الشعبي في لبنان والعالم الإسلامي لحالة حزب الله بعد انفضاح المشروع المذهبي الذي يحمله وتوجهاته لخدمة المشروع الإيراني دون الالتفات لمصالح الشعوب المستضعفة والمستهدفة والمقهورة من انظمة القهر والظلم التي تبين ان حزب الله يدعمها بقوة متخلياً عن شعاراته الدينية ومبادئه العقائدية التي طالما روج لها ونشر مفاهيمها. كما تبين ان دور حزب الله هو تهديد إسرائيل وليس خوض حربٍ معها وهذا ما نراه ونعيشه ونلمسه منذ العام 2006.إذاً بعد انكشاف حزب الله سياسياً وعقائدياً وطبيعة وحقيقة اهدافه الأمنية والسياسية وعجز إيران عن تامين الغطاء السياسي والحماية العسكرية له، يكون هذا الركن والأساس هو الوحيد المتبقي من اسس الإستراتيجية الإيرانية التي تم بناءها طوال ما يقرب من أربعة عقود بهدوء وببذل الكثير من المال والدعاية السياسية والدينية، قد أصبح في طريقة لمواجهة مصيره تماماً كما تمت الإطاحة بالسلاح الكيميائي والمشروع النووي. وبما ان حزب الله كان شعاره الدعائي السابق محاربة إسرائيل وإزالتها من الوجود ومواجهة الشيطان الأميركي الأكبر مما جعله موضع مساءلة من المجتمع الدولي واتهامه بالارهاب وتصنيفه كمنظمة إرهابية دولية خاصةً بعد تورطه في عددٍ من المشاكل الأمنية خارج الحدود اللبنانية وفي دول عدة، إلى جانب الانغماس في الفساد المالي والإداري، وتعطيل الحياة السياسية اللبنانية ومؤسسات الدولة واستعدائه لمعظم مكونات المجتمع اللبناني المتعدد بدءاً من حادثة الإعتداء في الجامعة اليسوعية وصولاً إلى نشره المسلحين في كافة المناطق وارجاء الجمهورية اللبنانية، إلى تجاوزه القوانين وعدم احترامه لها رغم حصوله على تأييد ودعم مؤسسات امنية مع الأسف.فكيف سيواجه حزب الله كافة هذه الجبهات المحلية والإقليمية والدولية التي فتحها على نفسه نتيجة الغطرسة والعنجهية التي تميزت بها مواقفه المعلنة وممارساته السياسية والتصريحات والمواقف التي يعلنها بعض قادته امثال نواف الموسوي ومحمد رعد وسواهم إلى جانب نصرالله ونعيم قاسم وحسن فضل الله. والسؤال الأخير هو هل سيستمر حزب الله في وضع الطائفة الشيعية في المواجهة مع الجميع ليحمي المشروع الإيراني وبقائه على الساحة. أم ان العقلاء في هذه الطائفة سوف يجدون حلاً للتمييز بين مواقف وسياسات حزب الله وبين مواقف سائر أبناء الطائفة الشيعية قبل انهيار الأساس الأخير من هذه الإستراتيجية التي بدأت تتهاوى بسرعة ومعها الأمبراطورية الدينية الفارسية الموعودة. http://www.middle-east-online.com/?id=166716 |
ما رايكم في الكلام اعلاه؟ ,, ارى فيه الكثير من الصحه
تعليق