الدعــم النــاري لدبابــات المعركــة فــي التضــاريس الحضريــة
المهمة الرئيسة والأكثر صعوبة بالنسبة للمدفعية ، هو الاضطلاع بدور مؤثر وحاسم ضد الدفاعات المعادية المضادة للدبابات وتوفير الدعم الناري الفعال . ففي البيئات المفتوحة يمكن للمدفعية أن توجه نيرانها ضد الخطوط الأمامية للدفاع ، بحيث تدمر الأسلحة المضادة للدروع المكشوفة أو المتخندقة ، أما في البيئات الحضرية والممدنة urbanized terrain فإن معظم الأسلحة المضادة للدروع تكون مخفية بشكل جيد تحت الأرض ، أو في المباني والإنشاءات الهيكلية المنتشرة في المدينة ، ولهذا يصعب تعيين الأهداف ، فمعظم الأهداف تمت تغطيتها من قبل العدو ، كما أن الممرات وطرق الحركة تم إخفاءها بعناية . فالعدو متحصن فوق قمة السقوف والأسطح للمباني المنتشرة ، وقد يستخدم مجاري الصرف الصحي أو الأنفاق للتنقل بين مواضعه (هنا يبرز دور وأهمية المراقبين الأماميين forward observer للاستطلاع وتحري مواضع الكمائن المحتملة) . ولذلك ينبغي تحديد واختيار نمط النيران المناسب لكل مهمة ، سواء المباشرة منها Direct Fire ، أو غير المباشرة Indirect Fire ، وكذلك اختيار الذخيرة الملائمة لمواجهة هذا التحدي .
ويمكن للمدفعية ابتداء أن تتمركز خارج أو في أطراف المدينة ، لتبدأ في دعم الهجوم المتقدم بنيرانها الكثيفة ، حيث يرتبط دور المدفعية في عمليات الدعم الهجومي Offensive Support بشكل عام ، بالمحافظة على زخم الهجوم والمحافظة على تحركات القوات الصديقة ، واستخدام نيران المدفعية لتمزيق وتشتيت دفاعات العدو المنظمة ، وكذلك توجيه نيران مركزة لعزل منطقة الهدف ، ودعم تقدم وهجوم الوحدات الصديقة assault support ، ودعم عمليات التطهير اللاحقة للمناطق التي تم الاستحواذ عليها ، وكذلك عزل وحرمان العدو من طرق وممرات التقرب للمواقع الصديقة . وينبغي الإشارة هنا لأهمية استخدام القذائف شديدة الانفجار بصمامات التأخير delay fuzes ، بهدف تطهير أسقف المباني بشظايا الانفجارات الجوية من القناصة وحاملي القذائف الكتفية المضادة للدروع (ينعدم تأثيرها عند اللجوء للأدوار السفلى) . أما في أدوار الدعم الدفاعي Defensive Support فإن المدفعية تعمل كامل جهدها في عرقلة وإبطاء تقدم الوحدات المعادية المدرعة أو من المشاة ، وتسلم هذه النيران عند أقصى مدى ممكن بهدف فصل وعزل الدروع والدبابات المعادية عن المشاة الداعمين لتحركها ، وإعاقة استخدام وسائل الاتصالات ووسائل النقل ، ومن ثم توجيه مركز الهجوم المعادي نحو مناطق القتل killing zones الصديقة والحليفة .
في التضاريس والبيئات الحضرية ، توفر المباني والإنشاءات مواضع غطاء و إخفاء ممتازة عن نظر ورصد العدو ، في ذات الوقت تعمل هذه على تقييد وتحديد قدرات القوات الصديقة على المراقبة (كما هو الحال مع المباني المرتفعة التي تعيق تسليم النيران غير المباشرة) . وتُعرض الأهداف في هذه التضاريس بشكل قصير وسريع ، وفي أغلب الأحيان بالقرب من مواقع القوات الصديقة ، مما يصعب معه من عملية اكتساب الأهداف . وهذا حقيقتاً ما حدا بالكثيرين للقول أن توظيف مدفعية الميدان في أنماط النيران المباشرة وغير المباشرة ، خلال القتال في التضاريس الحضرية يرتبط بعدة معوقات يجب النظر إليها قبل تقرير شكل الدعم الناري المطلوب ، ففي نمط الرمي غير المباشر تكون هذه النيران غير فعالة تجاه الأهداف المدرعة بسبب تراكيب البناء والجدران والإنشاءات ، فتميل القذائف للاصطدام بالأسقف والأدوار العليا بدل الارتطام بأهدافها المدرعة على الأرض ، مما يعني الحاجة لإنفاق حجم كبير من الذخيرة لإصابة هدف واحد . كما تتسبب المباني المرتفعة في خلق وإحداث منطقة ميتة dead space ، والتي تعني المنطقة التي لا تستطيع بها النيران غير المباشرة الوصول لمستوى الشارع ومشاغلة الأهداف منخفضة الارتفاع ، كالدبابات والعربات المدرعة الأخرى ، بسبب المباني المرتفعة ، وزاوية سقوط القذيفة projectile angle fall ، ولذلك تعتبر هذه المنطقة ملجأ آمن للعدو . وعادة ما تعادل المنطقة الميتة لرمي قذيفة مدفع قوسي عيار 155 ملم بزاوية منخفضة ، نحو خمسة مرات أكثر من ارتفاع المبنى الذي يجلس خلفه الهدف .
أما في نمط الرمي المباشر Direct Fire ، فيجب أن نعلم حقيقة أن المدفعية ذاتية الحركة Self-propelled لا تمتلك الحماية المدرعة الثقيلة كتلك التي تمتلكها الدبابات ، لكنهم يستطيعون العمل في البيئات والتضاريس الحضرية متى ما تم تأمينهم بشكل كافي بواسطة المشاة . ولذلك ينبغي أن تكون الاستعانة بالمدفعية في دور تأمين الدعم الناري المباشر بناء على دراسة وتحليل الحاجات الملحة للنيران الثقيلة . وعلى الأغلب في المعركة الحضرية urban combat ، تستطيع المدفعية في هذا النمط من النيران ، تعزيز ودعم مدافع الدبابات تجاه الأهداف الصلبة والقوية والأهداف المدرعة المعادية ،حيث تستطيع القذائف شديدة الانفجار توفير نيران ذات تأثير مدمر devastating affect واختراق أكثر من 90 سم من الأهداف الخراسانية والإنشائية من مسافة 2.200 م ، وبالتأكيد فإن تأثير الشظايا سيكون عنيفاً على الأهداف المدرعة ، خصوصاً الأجزاء خفيفة التدريع .
تجربة المعارك الحضرية الروسية في الشيشان عامي 94-1995 ، أظهرت أن نيران المدفعية المباشرة Direct-fire قد تكون أداة مفيدة في هذا النوع من أنماط القتال ، فعندما اقتحمت القوات الروسية العاصمة غروزني Grozny اكتشف الروس صعوبة استخدام المدفعية في نمط غير المباشر ، بسبب تواجد المباني العالية ونقص الأفراد المتخصصين في توجيه النيران ، هم واجهوا أيضاً صعوبات تقنية في أسلحتهم الرئيسة كالعربات المدرعة والدبابات ، التي عجزت عن التعامل مع فرق القناصة ومطلق قذائف RPG من الطوابق العليا للأبنية ، وهكذا استخدم الروس المدفعية القوسية Howitzer وراجمات الصورايخ ومدافع الهاون الآلية عيار 82 ملم في توجيه نيران أسلحتهم ، وفي أحيان كثيرة من مديات لا تتجاوز 150-200 م . ورغم أن الجيش الروسي امتلك ذخيرة مدفعية دقيقة التوجيه ، يمكنها تسديد ضربات جراحية دقيقة ، أمثال القذيفة الموجهة ليزريا Krasnapol وقذائف الهاون الموجهة نوع Smelchak ، إلا أنها لم تستخدم ، وذلك لاقتناع القيادات الروسية العليا بعدم جدوى استقدام ذخيرة باهظة الثمن لكي تهدر wasted في الشيشان . كما أن القادة الذين لجئوا إلي تكتيكات نيران الدعم المباشر من مديات لا تتجاوز 200 م ، أفادوا أن الدقة المطلوبة لهذه المديات يمكن بلوغها بقذائف المدفعية التقليدية ، دون الحاجة لقذائف موجهة .
تعليق