أهمية الاستخبارات الطبية
بقلم العقيد الدكتور- صالح بن إبراهيم محمد الطاسان
مقدمة
إن الحصول على المعلومات المتعلقة بمكان ما، أو منطقة معينة، مثل: معرفة التهديدات الطبية، والأمراض المنتشرةوالمستوطنة، والبيئة، وطبيعة الأرض، والطقس، وعوامل أخرى، أصبحت من الأوليات التي يحرص أي قائد عسكري أن يحصل عليها، وذلك من الممكن أن يجنّب جيشه الكثير من الخسائر في الأرواح والعتاد والوقت، لأن هذه الأمور لها تأثير مباشر على الأفراد والمعدات، وبخاصة إذا كانت هذه المنطقة مسرح للعمليات العسكرية. وكان لهذه العوامل في بعض الجيوش سواء في الحروب القديمة أو الحديثة دور كبير في تحديد المنتصر في هذه المعارك. كما أن المعلومات التي يتم الحصول عليها لها دور كبير في تحديد موقع المعركة، وتاريخ بدء الهجوم، ونوعية الهجوم؛ بالإضافة إلى استخدام الأساليب الوقائية لمنع انتشار الأمراض بين الجنود في الجيش، وبذلك تؤدي إلى رفع الروح المعنوية للأفراد وتحقيق النصر بإذن الله.
الخطر الطبي :
يجب علينا الاستفادة كثيرًا من الدراسات الطبية عند دراسة الأحداث التاريخية السابقة لأهميتها لقواتنا، مع التركيز على الأسئلة التالية:
هل كان القادة السابقون على دراية بالخطر الطبي على جنودهم؟
هل كانوا يعتبرون الخطر الطبي أثناء خططهم؟
هل العمليات العسكرية كانت ناجحة بسبب جهود القادة في مواجهة الخطر الطبي؟
هل العمليات العسكرية كانت غير ناجحة بسبب قلة جهود القادة في مواجهة الخطر الطبي؟
قبل الإجابة على هذه التساولات يجب أن نستعرض بعض الأمثلة من التاريخ والمعارك العسكريية، التي تدل على عدم اهتمام بعض القادة العسكريين آنذاك بأهمية جمع المعلومات عن مناخ وتضاريس المنطقة، والأمراض المنتشرة فيها، بالإضافة إلى النباتات، والحيوانات، والحشرات الضارة بالإنسان، وبالتالي انتشار الأمراض بين الجنود في المعركة، مما عرّضهم للهزيمة قبل مواجهتهم للعدو، وهي على سبيل المثال:
في عام 1803م، عندما أرسل (نابليون) قوة من (22) ألف مقاتل لقمع الثورة في مستعمرة (هاييتي) الفرنسية، مات (20) ألف من رجاله بسبب الحمى الصفراء في هذه الحرب، حتى قيل إن الفرنسيين أبرقوا لباريس أن الجيش كان يتقاعد في المستشفى!! وكنتيجة لذلك حققت (هاييتي) استقلالها عن طريق مقاومة بسيطة للقوات الفرنسية، وقد كان هذا بسبب قلة الحكمة في إرسال هذه القوة إلى منطقة تنتشر فيها الحمى الصفراء، كمرض وبائي بدون تحصينهم ضد الحمى الصفراء.
شن الأوروبيون حربًا بيولوجية في السهول العظمى ضد الهنود الحمر لطردهم من موطنهم الأصلي (أمريكا)، وتتلخص في أنهم قاموا بتوزيع أغطية وبطانيات ملوثة بفيروس الجدري، تم الحصول عليها من محجر صحي يحتجزون فيه المصابين بهذا المرض المعدي، بدعوى المساعدة الإنسانية، بينما كان الغرض الحقيقي منها هو نشر وباء الجدري بينهم، وبالتالي قتل أعداد كبيرة منهم دون قتال.
مثال آخر على نقص تمييز الخطر الطبي، حدث عام 1812م، عندما غزا (نابليون) روسيا، كان معه جيش قوامه (600) ألف جندي، وكانت قواته المركزية ما بين (232) إلى (300) ألف، انخفضت جميعها إلى (90) ألفًا عندما احتل روسيا. لم يعرف السبب الحقيقي وراء فناء كل هؤلاء الجنود، ولكن كان معظم ذلك بسبب الدفتيريا، والدوسنتاريا، والإجهاد، إذ بلغ معدل الوفيات المرضية 80% من عدد الجنود، ولم يبق معه إلاّ 20% فقط!! ومما هدد فرنسا أن الجيش قد تعرّض لشتاء قاس، ثم كان تأجيل المعركة بسبب زيادة نسبة الأمراض في جيش (نابليون)، وعندما عبر آخر جندي نهر (نيمين) إلى ألمانيا، لم يبق معه إلاّ (40) ألفاً فقط، وكان ألف واحد منهم فقط هو القادر على العمل العسكري.
في حرب تحرير الكويت 1991م، يقول صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير- خالد بن سلطان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات بحرب الخليج الثانية في كتابه: (مقاتل من الصحراء): "اشتكى كثير من الجنود الأمريكيين الذين شهدوا الحرب من صداع، وطفح جلدي، وكحة، وإسهال... وغير ذلك من الأمراض التي يُعتقد أن مردّها إلى حرب الخليج. حتى إن هذه الأعراض المَرَضية يُطلق عليها أحيانًا: أعراض حرب الخليج".
يتبع
تعليق