يبقى الإعلام الغربي موضوعياً بدرجة تستحق الإعجاب، إلا إذا كان الإسلام أو المسلمون طرفاً في خبر أو تقرير!! هنالك تنقلب القضية رأساً على عقب، وتتبخر النزاهة وتنتحر أمانة الكلمة، ويغدو الرأي الأحادي الصارخ بديلاً من الخبر..
لست ألقي الاتهامات جزافاً..
وقبل أن أعرض نموذجاً طازجاً، يشهد لما أقول، ينبغي لي إنعاش ذاكرتنا الجماعية المعروفة بأنها وقتية وظرفية..
تبدأ القائمة بالمارق السفيه سلمان رشدي، مروراً بالصومالية التافهة آيان حرسي علي –أو: آيان حرسي ماجان- والبنغلادشية الصفيقة تسليمة نسرين والمصري المتدثر بثياب البحث العلمي الزائف: نصر أبو زيد....
كل من أراد أن يقبلوه ليعيش في الغرب، وكل من رغب في شهرة سهلة، يعلن ردته عن الإسلام أو تنصره أو يكتفي بالطعن في القرآن الكريم والنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..
وها هي الدول الغربية تتفنن في صدّ موجات اللاجئين مؤخراً، فتضع كل دولة عليهم قيوداً تختلف عن الأخرى باسم شروط الاندماج، وعلى رأس تلك القيود التعسفية نوع الملابس والمأكولات المسموح بها والممنوعة!!حتى إن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية الشهر المقبل، اتخذ من شعار منع المسلمين من دخول أمريكا، أبرز عنوان لحملته الصليبية!!
ويظل القاسم المشترك الأكبر بين تلك السياسات يتلخص في قانون غير معلن، هو: اتركوا دينكم أو ارجعوا إلى المهالك التي هربتم منها، ونحن نتكفل باستكمال جهودنا السابقة مع سفاحيكم لإبادتكم وتخليص البشرية منكم..
في المقابل، فإن فرنسا –أم الحريات في نظر عبيدها- ضاقت بمفكر وفيلسوف من وزن روجيه جارودي، وهو قد بلغ من العمر عتياً، فقط عندما أصدر بحثاً علمياً ينفي المحرقة النازية لليهود، معتمداً على مصادر يهودية حصراً!! حوكم الرجل وصدر حكم قضائي بسجنه وتغريمه مبالغ طائلة.. فأين الحريات المزعومة ما دام البحث التاريخي خاضعاً لقوانين مزاجية انتقائية؟ ومتى كان القضاء يفصل في القضايا الفكرية والتاريخية؟ لكنها مكاييل الغرب اللعوب.. قل ما شئت هناك باستثناء تعكير خاطر الصهاينة!!
كل ذلك تاريخ حاضر ما زلنا نعيشه، والذي أيقظه في داخلي، أن قناة (DW) الألمانية فتحت ذراعيها لامرأة، تدعي أنها سعودية، فقط لأنها ارتدت عن الإسلام!! وتقدم نفسها على أنها "ناشطة" تدعو لإسقاط الولاية عن المرأة السعودية وتعمل من أجل قضايا حقوق النساء في بلدها!!!
ليس يعنينا التثبت من شخصية هذه الزنديقة ولا التأكد من حقيقة مزاعمها، فربما لم تكن مسلمة أصلاً.. سأفترض أن كل ما تشدقت به صحيح 100%، فإن من حقي المهني أن أسأل: ما فرصة شخص غريب لجأ إلى بلد يضم زهاء 80 مليون نسمة، ما فرصته في الظهور على قناتها التلفزيونية الرسمية؟ بل على أي قناة تلفزيونية محلية هناك؟
الجواب لا يحتاج إلى ذكاء ولا إلى خبرة.. يعرفه الجميع بحكم الواقع الملموس في أي مكان..
إلا أن ما ينسف خرافة الموضوعية لدى الإعلام الغربي –فقط إزاء الإسلام وأهله تحديداً- يتمثل في سؤال أتحداهم به ولن يجدوا له جواباً، غير أنهم ينطلقون من أحقادهم وأحكامهم المعلبة سلفاً..
كم شهد الغرب دخول أعداد من أبنائه في الدين الحنيف، فهل أتيح لأي واحد من هؤلاء ما أتاحته التلفزة الألمانية للمرتدة النكرة؟
والسؤال يغدو أكثر إفحاماً بنقله درجة أخرى، ليصبح: إن بين المهتدين الغربيين إلى نور الإسلام أناساً مشهورين وذوي خلفيات مرموقة، ففيهم سفراء ومفكرون ورجالات علم مبدعون وقسس سابقون، فلماذا يتم التعتيم عليهم؟ أليسوا أجدر بالأضواء من شخص أجنبي بائس ليس لديه ما يقوله للناس باستثناء أنه ارتد عن الإسلام؟
وأما نحن فنعلم الإجابة الصادقة منذ 15 قرناً، عندما أنزل ربنا تبارك وتعالى على أشرف أنبيائه ورسله قوله سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].