لا يتكلم البغدادي قائد تنظيم داعش كثيراً، ولا يطل متحدثاً إلا في مراحل مفصلية مهمة، وهو قد تحدث مؤخراً عبر تسجيل صوتي طويل للحديث عن تحديات المرحلة فيما يخص تنظيمه والمنطقة؛ ليؤرخ لمرحلة جديدة من مراحل استهداف المنطقة وكسر ما تبقى من مقومات قوتها.
هذه المرحلة تلي مرحلة أوشكت أن تنيخ راحلتها بعد أن أفرزت واقعاً جديداً للمنطقة في حده الأسوأ منذ عقود، شاركت داعش في حصولها بجانب أو بدافع من قوى عالمية وإقليمية أخرى، تلك المرحلة السابقة أو التي تقترب من نهايتها عمد فيها تنظيم البغدادي إلى ما يلي:
- إيقاف الحراك السني الذي كان قد حقق قدراً من اللحمة للأغلبية السنية، وقارب على صياغة مشروع سني عراقي موحد، وأوشك على إفراز قيادات حقيقية للسنة العراقيين، وساهم في رفع قيمة الدم السني في العراق، ولفت إلى أهمية مجاهرة السنة بحقوقهم وإيصالها لكل الحساسيات المؤثرة في الداخل، من الداخل والخارج من دون الانزواء في خانة المدافعين عن الذات ضد تهمة الإرهاب التي أراد الطائفيون الإرهابيون الصفويون إلصاقها بالسنة في العراق. وقد "نجح" ثنائي المالكي/البغدادي في تقويض هذا المشروع مبكراً والذي كان يستقي من جذور ما سمي بالثورات العربية إبان ذروتها.
- تقديم يد العون لكل القوى الرجعية من الثورات المضادة في الدول العربية لدعم تذرعها بإجراءاتها القمعية بدعوى مكافحة الإرهاب الذي بلغ أقصى مداه في الوقت عينه الذي كانت القوانين المقيدة للحريات والمصادرة لإرادات الشعوب قيد الإصدار والتفعيل؛ ففي حين كان تنظيم القاعدة يتراجع تحت وقع الانبعاث الشعبي لفكرة التغيير السلمي، حتى انعكس هذا على خطابات أسامة بن لادن الأخيرة، شرع إرهاب البغدادي في شق طريقه نحو تقويضها.. وقد نجح إلى جوار أو بدافع القوى المؤثرة في المنطقة.
- تعبيد الطريق لإيران لإقامة مشروعها الهادف إلى وضع يدها على شريط حدودي يمتد من حدودها حتى ساحل المتوسط، هذا الطريق الذي أفضى سير داعش فيه إلى مأسٍ في الفلوجة والرمادي وتكريت وغيرها أدت إلى تقليص حجم السنة فيها، وإلى تحجيم وضع السنة في الشمالين السوري والعراقي، للحد الذي أسفر عن تخفيض سكان السنة في الهلال الخصيب إلى 20% من نسبتهم قبل العدوان، وإلى تهجير أكثر من 15 مليوناً مرشحة للزيادة بعد معركتي الموصل وتلعفر القائمتين، وتتحمل داعش مسؤولية كبيرة في هذا كأداة تم باستخدامها تغطية هذا العدوان باسم مكافحة الإرهاب الداعشي.
- حققت داعش لإيران أكبر خدمة يمكن أن تتلقاها بشرعنة تكوين ميليشيا الحشد الطائفي الخارجة عن الإطار النظامي للجيش العراقي، هذا الجيش الذي هو برغم طائفيته إلا أنه لا يعد جسداً شيعياً خالصاً، لاضطرار النظام العراقي لضم ضباطاً وجنوداً سنيين فيه، وبكافة الرتب.. ومثلما قامت منظمتا أمل و"حزب الله" بالتغول عسكرياً للحد الذي جاوز بكثير قدرات الجيش اللبناني تحت عنوان "المقاومة"؛ فقد أنشئت هذه الميليشيات في العراق بدعوى مقاربة، وهي "مكافحة الإرهاب الداعشي" الذي عملت قيادة داعش على ترسيخه بأفلامها الهيوليودية للذبح والقتل والإعدامات الجماعية.
أنشيء الحرس الثوري الإيراني بذريعة عدم ضمان إخلاص الجيش الإيراني للثورة الخمينية، واستنسخت الفكرة بذرائع غير ثورية في لبنان والعراق، ومؤخراً باليمن، وقد كانت داعش أحد أبرز ذرائع تشكيل ميليشيا الحشد التي تخلو من أي سني بطبيعة الحال، وتحمل خطاباً طائفياً شرساً حاول أن يستقي "مشروعيته" من إخفاق الجيش العراقي المتعمد في الموصل والفلوجة وتكريت والرمادي وغيرها؛ فلقد أريد للجيش أن يخرج مهاناً منسحباً بثلاث فرق من الموصل – على سبيل المثال - أمام مئات من الدواعش ليصبح تشكيل الحشد "ضرورة" من بعدها، ويحضر الجيش بعد عامين تابعاً للحشد لا متبوعاً منه.
لقد كسرت داعش حدود سايكس بيكو بين العراق وسوريا، فأطرب لهذا البسطاء والسذج من المتدينين بلا فقه ودراية، ظناً منهم أنها تحمل للمستقبل أمل تحطيم الحواجز وتوحيد الأمة، ولم يدروا أنه بعد عامين من هذا ستنكمش داعش، وترثها ميليشيا الحشد الطائفي، وستتحرك مجاميعها حتى إلى خارج حدود العراق، مشفوعة بدعوة الإرهابي نوري المالكي إلى الاندفاع عبر حدود بلاد السنة صائحاً "قادمون يا نينوى قادمون يا حلب!".. إنها الخديعة الكبرى التي ساهم فيها البغدادي وتنظيمه الغامض.
لقد أمسكت داعش هذه المرة بالقلم الرصاص لترسم الخرائط مع محركيها، وهي بهذا تنهي مرحلة مأساوية، لكن لربما ستستمر داعش بوجه أو بآخر، ولقد "بشر" البغدادي بالمرحلة القادمة، فبعد الإجهاز على العراق وسوريا، سيتجه الخليفة المزعوم وميليشياته الإجرامية إلى الشمال والجنوب، تركيا والسعودية أو هكذا يدعو أنصاره في تسجيله المريب، الذي قفز فيه من فوق آبدة الموصل، التي لو كان يمثل قائداً إسلامياً حقيقياً أو قائداً عسكرياً بأي حال لكانت استهلكت معظم خطابه، غير أنه لا يرى نفسه معنياً كثيراً بقلب "خلافته"؛ فلم يعرها كثير اهتمام، وقفز مرة أخرى إلى المجهول كشأن رجال العصابات لا الحكام الحقيقيين فضلاً عن "الخلفاء"؛ فلا يهم "الخليفة الدجال" أن تسقط الموصل أو تلعفر أو الرقة؛ فكل ما يعنيه أو بالأحرى ما يعني محركيه هو نشر إرهابه في تركيا والسعودية.. وهذه الأخيرة، للمفارقة، لم ينسَ الرجل وهو في قلب المعمعة أن يهدد حتى إعلامييها، وكأن من الطبيعي على قائد عسكري يخوض حرباً أممية عليه، أن ينسى الجحافل من حوله ويلتفت إلى صحفي مغمور سبه بتغريدة أو بمقالة هزيلة، تثير شهيته لإطلاق "جهاده" المفترى من عندها!
هذه المرحلة تلي مرحلة أوشكت أن تنيخ راحلتها بعد أن أفرزت واقعاً جديداً للمنطقة في حده الأسوأ منذ عقود، شاركت داعش في حصولها بجانب أو بدافع من قوى عالمية وإقليمية أخرى، تلك المرحلة السابقة أو التي تقترب من نهايتها عمد فيها تنظيم البغدادي إلى ما يلي:
- إيقاف الحراك السني الذي كان قد حقق قدراً من اللحمة للأغلبية السنية، وقارب على صياغة مشروع سني عراقي موحد، وأوشك على إفراز قيادات حقيقية للسنة العراقيين، وساهم في رفع قيمة الدم السني في العراق، ولفت إلى أهمية مجاهرة السنة بحقوقهم وإيصالها لكل الحساسيات المؤثرة في الداخل، من الداخل والخارج من دون الانزواء في خانة المدافعين عن الذات ضد تهمة الإرهاب التي أراد الطائفيون الإرهابيون الصفويون إلصاقها بالسنة في العراق. وقد "نجح" ثنائي المالكي/البغدادي في تقويض هذا المشروع مبكراً والذي كان يستقي من جذور ما سمي بالثورات العربية إبان ذروتها.
- تقديم يد العون لكل القوى الرجعية من الثورات المضادة في الدول العربية لدعم تذرعها بإجراءاتها القمعية بدعوى مكافحة الإرهاب الذي بلغ أقصى مداه في الوقت عينه الذي كانت القوانين المقيدة للحريات والمصادرة لإرادات الشعوب قيد الإصدار والتفعيل؛ ففي حين كان تنظيم القاعدة يتراجع تحت وقع الانبعاث الشعبي لفكرة التغيير السلمي، حتى انعكس هذا على خطابات أسامة بن لادن الأخيرة، شرع إرهاب البغدادي في شق طريقه نحو تقويضها.. وقد نجح إلى جوار أو بدافع القوى المؤثرة في المنطقة.
- تعبيد الطريق لإيران لإقامة مشروعها الهادف إلى وضع يدها على شريط حدودي يمتد من حدودها حتى ساحل المتوسط، هذا الطريق الذي أفضى سير داعش فيه إلى مأسٍ في الفلوجة والرمادي وتكريت وغيرها أدت إلى تقليص حجم السنة فيها، وإلى تحجيم وضع السنة في الشمالين السوري والعراقي، للحد الذي أسفر عن تخفيض سكان السنة في الهلال الخصيب إلى 20% من نسبتهم قبل العدوان، وإلى تهجير أكثر من 15 مليوناً مرشحة للزيادة بعد معركتي الموصل وتلعفر القائمتين، وتتحمل داعش مسؤولية كبيرة في هذا كأداة تم باستخدامها تغطية هذا العدوان باسم مكافحة الإرهاب الداعشي.
- حققت داعش لإيران أكبر خدمة يمكن أن تتلقاها بشرعنة تكوين ميليشيا الحشد الطائفي الخارجة عن الإطار النظامي للجيش العراقي، هذا الجيش الذي هو برغم طائفيته إلا أنه لا يعد جسداً شيعياً خالصاً، لاضطرار النظام العراقي لضم ضباطاً وجنوداً سنيين فيه، وبكافة الرتب.. ومثلما قامت منظمتا أمل و"حزب الله" بالتغول عسكرياً للحد الذي جاوز بكثير قدرات الجيش اللبناني تحت عنوان "المقاومة"؛ فقد أنشئت هذه الميليشيات في العراق بدعوى مقاربة، وهي "مكافحة الإرهاب الداعشي" الذي عملت قيادة داعش على ترسيخه بأفلامها الهيوليودية للذبح والقتل والإعدامات الجماعية.
أنشيء الحرس الثوري الإيراني بذريعة عدم ضمان إخلاص الجيش الإيراني للثورة الخمينية، واستنسخت الفكرة بذرائع غير ثورية في لبنان والعراق، ومؤخراً باليمن، وقد كانت داعش أحد أبرز ذرائع تشكيل ميليشيا الحشد التي تخلو من أي سني بطبيعة الحال، وتحمل خطاباً طائفياً شرساً حاول أن يستقي "مشروعيته" من إخفاق الجيش العراقي المتعمد في الموصل والفلوجة وتكريت والرمادي وغيرها؛ فلقد أريد للجيش أن يخرج مهاناً منسحباً بثلاث فرق من الموصل – على سبيل المثال - أمام مئات من الدواعش ليصبح تشكيل الحشد "ضرورة" من بعدها، ويحضر الجيش بعد عامين تابعاً للحشد لا متبوعاً منه.
لقد كسرت داعش حدود سايكس بيكو بين العراق وسوريا، فأطرب لهذا البسطاء والسذج من المتدينين بلا فقه ودراية، ظناً منهم أنها تحمل للمستقبل أمل تحطيم الحواجز وتوحيد الأمة، ولم يدروا أنه بعد عامين من هذا ستنكمش داعش، وترثها ميليشيا الحشد الطائفي، وستتحرك مجاميعها حتى إلى خارج حدود العراق، مشفوعة بدعوة الإرهابي نوري المالكي إلى الاندفاع عبر حدود بلاد السنة صائحاً "قادمون يا نينوى قادمون يا حلب!".. إنها الخديعة الكبرى التي ساهم فيها البغدادي وتنظيمه الغامض.
لقد أمسكت داعش هذه المرة بالقلم الرصاص لترسم الخرائط مع محركيها، وهي بهذا تنهي مرحلة مأساوية، لكن لربما ستستمر داعش بوجه أو بآخر، ولقد "بشر" البغدادي بالمرحلة القادمة، فبعد الإجهاز على العراق وسوريا، سيتجه الخليفة المزعوم وميليشياته الإجرامية إلى الشمال والجنوب، تركيا والسعودية أو هكذا يدعو أنصاره في تسجيله المريب، الذي قفز فيه من فوق آبدة الموصل، التي لو كان يمثل قائداً إسلامياً حقيقياً أو قائداً عسكرياً بأي حال لكانت استهلكت معظم خطابه، غير أنه لا يرى نفسه معنياً كثيراً بقلب "خلافته"؛ فلم يعرها كثير اهتمام، وقفز مرة أخرى إلى المجهول كشأن رجال العصابات لا الحكام الحقيقيين فضلاً عن "الخلفاء"؛ فلا يهم "الخليفة الدجال" أن تسقط الموصل أو تلعفر أو الرقة؛ فكل ما يعنيه أو بالأحرى ما يعني محركيه هو نشر إرهابه في تركيا والسعودية.. وهذه الأخيرة، للمفارقة، لم ينسَ الرجل وهو في قلب المعمعة أن يهدد حتى إعلامييها، وكأن من الطبيعي على قائد عسكري يخوض حرباً أممية عليه، أن ينسى الجحافل من حوله ويلتفت إلى صحفي مغمور سبه بتغريدة أو بمقالة هزيلة، تثير شهيته لإطلاق "جهاده" المفترى من عندها!
تعليق