تويت
تقوم بعض المواقع ونحن منها بتعميم ترتيب الدول وفقا لقوتها العسكرية، وذلك نقلاً عن بعض المراجع العالمية التي تتابع هذا الترتيب، وهذا الترتيب لا يعكس القوة الفعلية والحقيقية للدول وسنحاول شرح مضمون هذه الأرقام ومدى الحاجة اليها وما هي المعايير التي تحدد القوة الفعلية للدول والتي لا تدخل في الأرقام المعممة.
المعيار الكمي العددي لا يعكس قوة الدولة،
وأي ترتيب يتم تعميمه لا يمكن النظر إليه أو تحليله إلا من باب المعيار العددي الكمي، وهنا تكون الأرقام فقط هي المعيار الوحيد لتحديد ترتيب قوة أي دولة بالنسبة لباقي الدول.
وهذا الترتيب لا يعكس فعلا قوة الدولة الحقيقية من منظار الفعالية، إنما يعكس المعايير التي اعتمدها منظم الترتيب والتي أودت إلى هذه النتيجة.
والأعداد التي يتم احتسابها لا تنحصر فقط بالعتاد العسكري، فعلى سبيل المثال يؤخذ بعين الاعتبار مثلاً معدلات الولادة والوفيات لبلد ما ومستوى الأعمار والذي يحدد بدوره قدرة الدولة على التعبئة في حالة الحرب ويعطي هذا الرقم معاملا مقداره على افتراض رقم ثلاثة، على اعتبار أن التجنيد العسكري هو عامل مهم في الحروب، كما يأخذ مثلا معدلات النمو الاقتصادي ويعطيها معاملا قيمته ثلاثة أيضا كون الاقتصاد يدعم الحروب، ويؤخذ أيضا في الحسبان عدد المطارات في الدولة ويعطيها معامل قدره واحد باعتبارها أقل أهمية من عامل عدد السكان، أو النمو الاقتصادي وهكذا دواليك، ليحصل بالنتيجة وبعد احتساب كافة الاعداد وضربها بالمعامل المخصص لكل منها على رقم قوة عام يُحدد من خلاله ترتيب الدولة.
وهنا تجدر الملاحظة بأن العديد من هذه الأرقام يكون وفقاً لما تم الإعلان عنه خلال السنة المنصرمة وتصدر الأرقام لتحدد الترتيب للعام المنصرم ، أي أن الأرقام لا تأخذ بما تم تحقيقه خلال العام الحالي من عتاد عسكري، كما يمكن أن تخلو هذه الأرقام من العتاد العسكري الذي لم يتم الكشف عنه إعلاميا.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى نقطة هامة وهي أنه قد يتم أحيانا اعتماد أرقام مغلوطة تكون الدولة قد عممتها بهدف الخداع والتضليل ولايهام الخصم بامتلاكها قوة رادعة تجعله يعيد حساباته في حال قرر شن حملة عسكرية عليها، أي أن واضعي التقارير يتابعون ما يتم الإعلان عنه دون الدخول في مدى صحة البرامج العسكرية المعلن عنها والتي تبقى سراً من أسرار الدول تماماً مثل البرامج التي لايتم الإعلان عنها.
الأرقام تستخدم فقط للتخطيط العسكري
وللتوضيح أكثر، هذه الأرقام تستخدم فقط للتخطيط العسكري، فالتخطيط للحملات العسكرية الكبرى يستوجب دراسة موازين القوى بالمقارنة مع عناصر القوة للدولة المعادية، وتؤخذ هذه الأرقام كمنطلق لتحديد المفهوم الاستراتيجي للحملة.
فعلى سبيل المثال إذا أردت مواجهة دولة ما يبلغ عديد جيشها الحالي مائة ألف جندي، وعديد جيش دولتك ثلاثمائة ألف جندي، دولتك في هذه الحالة تتفوق على هذه الدولة عدديا لكن وبمراجعة المعدل العمري للشباب للدولة المعادية قد يتبين أنها تستطيع تعبئة وتجنيد خمسمائة ألف متطوع وتأهيلهم لخوض المهام القتالية خلال سنة من تاريخ اندلاع الحرب، وهذا الأمر يحتم عليك اعتماد المفهوم الاستراتيجي للحماة العسكرية الذي يسمح لك بتحقيق النصر بفترة لا تتعدى التسعة أشهر، وقبل بلوغ الدولة المعادية القدرة الكاملة على تجنيد خمسمائة الف جندي مقاتل.
وهكذا دواليك، يتم دراسة مختلف الأرقام والتي تعتبر مصدر قوة للبلد المعادي وتؤخذ بالحسبان ليتمكن المخطِّط من اقتراح ما يلزم بشأن حرمان العدو من الاستفادة من مصادر القوة لديه ولضربه في مكامن الضعف التي تسمح بتحقيق النصر والحالة النهائية المرجوة من الحملة العسكرية.
الفعالية والكفاءة لا تدخل في الارقام المعممة
ما لا تذكره الأرقام هي معايير الكفاءة والفعالية التي تحدد وحدها القوة الفعلية للدولة، وسندرج هنا بعضاً من المعايير الأساسية التي لا يتم احتسابها وسنكتفي ببعض الأمثلة لتوضيح المعنى من المعيار.
1-العقيدة العسكرية:
وهي مُجمل المفاهيم والمبادئ والسياسات والتكتيكات والتقنيات والتدريبات والأساليب المُستخدمة أو المُتّبعة لضمان كفاءة وفعالية تنظيم وتدريب وتسليح وإعداد وتوظيف المؤسسة العسكرية لوحداتها التكتيكية والخدمية وهي تختلف من دولة الى أخرى وهي تختزل افضل الأساليب لاستخدام مصادر القوة الوطنية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة.
2-التدريب:
عامل التدريب هو العامل الأساس في تحديد قوة الجيوش وهو العامل المحوري في تحقيق النصر العسكري.
3-الكفاءة القتالية والخبرة:
يضاف إلى عامل التدريب، عامل الخبرة القتالية التي يكتسبها المقاتل من خوض الحروب أو من المشاركة في تمارين أو مناورات عسكرية إقليمية.
4-الجهوزية العملياتية:
امتلاك دولة ما لعدد معين من العتاد العسكري لا يعني أن هذا العتاد بأكمله جاهز لتنفيذ العمليات القتالية، أو أن العتاد سيكون جاهزاً طوال فترة العمليات القتالية بسبب الفحوصات الروتينية وغيرها من الأسباب التي تجعله غير صالحا للقتال، وهنا يؤخذ بعين الاعتبار القدرات اللوجستية للدولة ومدى قدرتها على إبقاء عتادها جاهزا للمهام القتالية أو رفع نسبة الجهوزية العملياتية لحدها الأقصى.
5-متانة التحالفات العسكرية:
معظم الحروب التي تُخاض اليوم يتم دخولها ضمن تحالفات عسكرية، وبالتالي تصبح القوة الفعلية لدولة ما بمقدار متانة التحالفات المشاركة بها وقوة حلفائها.
6-منظومة القيادة والسيطرة:
يعتبر هذا المعيار أحد أهم المعايير التي تحدد قوة الدولة وتحدد المدى العملياتي الفعال لها جغرافيا وهرميا، حيث تسمح هذه المنظومة باستمرار القيادة والسيطرة مهما تباعدت القوى عن بعضها البعض، وتبقى فعاليتها رهن بقدرتها على مقاومة مفاعيل الحرب الالكترونية والتشويش لعزلها عن الوحدات المنتشرة على أرض المعركة.
7-التفوق التكنولوجي للمنظومات القتالية: تمتلك كل منظومة قتالية ميزات تفاضلية تميزها عن مثيلاتها فمثلا الفعالية القتالية للمقاتلة ميغ 21 تختلف كليا عن قدرات المقاتلة ميغ 29 حتى أنه لا تجوز المقارنة بين هاتين المقاتلتين.
ذكرنا في هذا المقال بعض المعايير التي تحدد القوة الفعلية للدولة ولكن في النهاية تعاد صياغة هذه المعايير وفقا لطبيعة الصراع مع عدو ما، ووفقا للأهداف المراد تحقيقها من هذا الصراع، فعلى سبيل المثال ما هو معيار القوة الذي يمتلكه التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش؟
العميد الركن الطيار اندره بومعشر
الامن الوطني العربي