بقلم:سلطان سعد القحطاني
مقال يزخر بالمعلومات الهامة جدا
كل سطر فيه معلومة مهمة
..
الخميس 13 مارس 2014 03:43:38
الخلاف السعوي القطري، الذي تحول إلى خلاف خليجي قطري، كان متوقعاً للجميع. لكن المحللين لم يتوقعوا أن يكون بهذه الحدة، إلى درجة أن تهدد الرياض بـ "خنق" الدوحة، برا وبحرا وجواً، حسبما كتب في رسالة رسمية حملها سعود الفيصل إلى مسؤول خليجي.
التقى الفيصل أمير الكويت في نيويورك، وطلب منه تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، ضمن سلسلة عقوبات قررت الرياض أن تبدأ بها. قال أمير الكويت أنه سيلتقي تميم لأنه موجود أيضاً في نيويورك، ويبحث معه كافة النقاط التي تثير قلق السعوديين. لأسباب صحية لم يتم اللقاء المتوقع بين أميري الكويت وقطر في نيويورك. قبل عودته إلى الكويت مر الشيخ صباح بلندن وقال لمن التقاهم هناك إن الخليجيين بلا استثناء سيهاجمون قطر، بسبب تدخلها في شؤونهم الداخلية.
حاول أمير الكويت القيام بوساطة، لكن السعوديين كانوا حاسمين: لن نستقبل أي مسؤول قطري، ونريد أفعال، لأن السنوات الماضية كانت مجرد أقوال. عندها أحضر أمير الكويت على طائرته الخاصة أمير قطر الشيخ تميم وجرى اجتماع مع الملك عبد الله. لم يكتب لهذا الاجتماع النجاح لأن الكلام لم يعد يجدي بالنسبة للسعوديين. بل لولا وجود أمير الكويت، ومعرفة السعوديين بمصداقيته التاريخية، وعمادته للدبلوماسية الخليجية، لما هبطت طائرة تميم في الرياض، ولو بعد حين. قال لي دبلوماسي سعودي: "من يستطيع أن يرفض اقتراحا من رجل تعتبره الرياض شقيقها الروحي، مثل الأمير صباح، وعلاقته مع ملكها والأسرة أكثر من ممتازة؟".
لدى السعوديين قائمة طويلة بما فعلته الدوحة، وأولها ذلك التسجيل الذي كان فضيحة دبلوماسية كبيرة تسببت في طرد عدد من الموظفين الأمنيين في قطر. كانت نسخة من التسجيل الذي جمع حمد بن جاسم مع القذافي، وتحدثا فيه عن خطة لتقسيم السعودية، قد وصلت إلى الرياض مبكراً، وذلك من يد المسؤول الليبي محمد القشّاط، الذي سلمه لجهاز الاستخبارات السعودية. اعترف القطريون بذلك، وقالوا إن هذا كان مجرد حديث تسلية مع "المهبول" القذافي. نعم هذا ما قاله المسؤول القطري عن القذافي حينما اعتذر للسعوديين بابتسامة مرتبكة.
مشكلة القطريين هو سوء حظهم، فكل ما كانوا يفعلونه ضد السعودية كان يُكتشف بسرعة. في اجتماع في "ماربيا" سلمهم رجل السعودية القوي الأمير سلمان بن عبد العزيز قائمة بالأرقام لكل المبالغ التي دفعوها للمعارضة. في اليمن كانت تحركاتهم مكشوفة بأكثر مما يعتقدون. قرروا التستر بعمليات الفدية للأجانب المختطفين، لتكون قناة تمويل سرية للحوثيين. مع ذلك أكتشفها حلفاء السعوديون الكثيرون في اليمن، ومرروها إلى الرياض. دافع القطريون رسميا في رسائلهم مع السعوديين خلال الأشهر الفائتة عن موقفهم قائلين أنهم لم يدفعوا سوى خمسين ألف دولار فقط، وكان ذلك للإفراج عن رهينتين فرنسيين.
كان الأمر الأكثر إثارة ما أشارت إليه صحيفة "العرب" اللندنية أن القطريين حاولوا اختراق الأسرة المالكة من خلال دعم أفراد من آل سعود بالمال، لكنهم فشلوا.
تعرف الرياض أن قطر تمثل عدة مشاريع مختلفة، مشروع خاص بالأمير الوالد حمد، ثم تحالفات أميركية، إسرائيلية، والهدف قطر الكبرى، حاكمة للنفط والغاز. يضاف إلى ذلك الحالة النفسية الخاصة بالأمير الوالد التي لم يستطع أن يتجاوزها منذ سنوات: العلاقة المرتبكة مع الأب، سنوات الطفولة الضائعة التي كان بسببها منبوذا في الأسرة بسبب الحجم الزائد. فيما بعد سيكون هذا سر علاقته الملتبسة مع ابنه البكر مشعل. الأب يرى في مشعل صورته القديمة، إشكالية الوزن، ثم النبذ العائلي، وغيرها مما لا يمكن قوله. كان يتجنب دائماً سؤال السائلين عن مشعل، لدرجة أقنعت السائلين أن هذا الموضوع يثير حنق الأمير الوالد، ولذلك كان عليهم تجنبه.
رغم اكتشاف الغاز، والثروة المالية الهائلة لبلاده، وعلاقاتها مع بعض الأجهزة القوية مع واشنطن، وإسرائيل، فإن ذلك لم يكف حمد، ولم يجعله يشعر بالسلام الداخلي. تصرفاته توحي وكأنه يحاول أن يثبت شيئاً ما، لأحد ما. أن يقول إنه ند، وأنه يمكن أن يكون حاكماً له فصل وقول في التاريخ، لاعباً مؤثرا مثل فرسان آل سعود الذين تناوبوا على حكم الجزيرة العربية منذ أكثر من مئتين وسبعين عاما. كان جده قاسم الكبير شبه مندوب للسعوديين في قطر، وأبقوه حاكماً عليها تحت حمايتهم، رغم أن بلاده ملك قديم لآل خليفة الذين نزحوا إلى البحرين.
على المقلب الآخر كان يعتقد أن بلاده مُقاده إلى الجارة الكبرى. قبل سنوات من انقلابه فاتح والده المخلوع، سرا السعوديين برغبته في تغيير ولي العهد، ليضع أبنه عبد العزيز بن خليفة آل ثاني مكانه. كان عبد العزيز شخصية تحظى باحترام خليجي واسع، وكان السعوديون يقدرونه كثيراً. لكن الشخصية المحافظة للملك فهد كانت ضد تغيير كهذا. حين جاء المراسيل من قبل الملك فهد إلى الدوحة، كان عبد العزيز معتقداً أنها البشرى، لكنه صُدم من الرفض السعودي. رغم ذلك تطورت العلاقات بشكل كبير وتنقل عبد العزيز بن خليفة بين الرياض وباريس، خصوصاً بعد الانقلاب على أبيه الشيخ خليفة، وهما في رحلة خارجية.
في اجتماع مع رجل السعودية الراحل الأمير نايف سمع تميم القصة ذاتها. كان نايف بصراحته المعهودة يعيد تذكيره:" لولانا لما كنت أنت هنا تجلس أمامي يا تميم". وأعاد رواية القصة السابقة. كان القطريون يعترفون بأخطائهم ويعتذرون مرارا. لكن حين تقلع طائرتهم من الرياض يعودون للتصرفات ذاتها. الصبر السعودي مغرٍ للذين لا يعرفون السياسة، ويجهلون السياسيين. ألم يخدع هذا الصمت عبد الناصر، والقذافي، والأسد؟ ثم تحطموا على الصخرة ذاتها التي توهم ضعفها؟ يميل السعوديون إلى الصبر حتى لا يعود مجال إليه، ثم تظهر بعد ذلك تظهر طباع رجل الصحراء المتعطش للدم، للانتقام.
في سنوات شبابه الأولى كان حمد آل ثاني يميل إلى البعث، والقومية العربية، ربما بسبب تأثير أخواله، آل عطيه الذين احتضنوه بحنان واهتمام كبيرين، أو نكاية في والده الذي لم يعترف بقدراته مبكراً. فور سقوط عبد الناصر بعد حرب 67 الخاطفة مال حمد المتحمس بفكره إلى الإخوان المسلمين. ومن هناك تطورت الفكرة، في إطار رغبته بتحويلها إلى فكرة كبرى يحكم من خلالها العالم العربي.
في حديثه مع وسيط خليجي قال حمد الوالد لضيفه عن خلافه الحدودي مع السعودية: "اريد تلك الأرض لأن قبور أجدادي فيها". قال له الخليجي وهو سياسي عتيق معتق: "لأجدادي قبور في الزبارة هل نطالب بها أيضاً؟". هذه الإشارة الذكية أثارت حنق الشيخ الطموح، نظراً لأن الزبارة هي أس آل ثاني، وأساس قطر.
يعتقد كثيرون أن حمد بن جسم، وزير الخارجية القطرية السابق، هو أساس التغيير في سياسة قطر الخارجية. لا أحد يعرف أن العلاقة ملتبسة بين الحَمدين. الاثنان يعرفان أن ما بينهم يستحل أن يستمر، لذلك سوف يلتهم أحدهما الآخر، يوماً ما، وهذا ما جعل حمد، بضغوط من سيدة القصر الأنيقة، الشيخ المتعلمة موزة، أن يقبل مطالبها بتسليم العرش لابنها وفي حياته. الشيخة موزة لا تطيق حمد بن جاسم، وهو يتوجس منها، لكنه لا يستطيع أن يتصرف. لديه انسياق قدَري لأميره إلى درجة أنه أصبح رفيق سفر لا خيار له فيه مع الأمير الوالد.
في الجلسات الخاصة يروي سياسيون خليجيون أن حمد الأمير كان يسخر من حمد الوزير إلى درجة الإهانة أحياناً. وأحيانا يذهل الأمير من صمت الوزير رغم الإهانة التي تكاد أن تكون موجعة. لكن الذين لا يعرفون حمد بن جاسم يستغربون، أما الذين يعرفونه فيعرفون أنه ميكافيللي الهوى، والطباع. حين انتقده سياسي خليجي رفيع، كبير، في احدى الاجتماعات الخليجية قائلا له:" أنتم ذنب لأميركا وإسرائيل" رد حمد بكل هدوء: "بل نحن ذنب لكم طال عمرك".
منذ انقلاب حمد كان المراقبون يلاحظون أن قطر تنتهج سياسة اللا سياسة. ليس لديها قواعد في عملها السياسي، بل حركة مضادة لكل ما تقوم به السعودية، لدرجة أنها مولت فصائل متضادة في اليمن وسوريا، وذلك نكاية في الرياض. لكن هل تستمر سياسة اللا سياسة للأبد؟ هذا مستحيل. الحركة ضد تاريخ لا تنجح مهما أغرت المغرر بهم نتائج النجاح الأولية.
مقال يزخر بالمعلومات الهامة جدا
كل سطر فيه معلومة مهمة
..
الخميس 13 مارس 2014 03:43:38
الخلاف السعوي القطري، الذي تحول إلى خلاف خليجي قطري، كان متوقعاً للجميع. لكن المحللين لم يتوقعوا أن يكون بهذه الحدة، إلى درجة أن تهدد الرياض بـ "خنق" الدوحة، برا وبحرا وجواً، حسبما كتب في رسالة رسمية حملها سعود الفيصل إلى مسؤول خليجي.
التقى الفيصل أمير الكويت في نيويورك، وطلب منه تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، ضمن سلسلة عقوبات قررت الرياض أن تبدأ بها. قال أمير الكويت أنه سيلتقي تميم لأنه موجود أيضاً في نيويورك، ويبحث معه كافة النقاط التي تثير قلق السعوديين. لأسباب صحية لم يتم اللقاء المتوقع بين أميري الكويت وقطر في نيويورك. قبل عودته إلى الكويت مر الشيخ صباح بلندن وقال لمن التقاهم هناك إن الخليجيين بلا استثناء سيهاجمون قطر، بسبب تدخلها في شؤونهم الداخلية.
حاول أمير الكويت القيام بوساطة، لكن السعوديين كانوا حاسمين: لن نستقبل أي مسؤول قطري، ونريد أفعال، لأن السنوات الماضية كانت مجرد أقوال. عندها أحضر أمير الكويت على طائرته الخاصة أمير قطر الشيخ تميم وجرى اجتماع مع الملك عبد الله. لم يكتب لهذا الاجتماع النجاح لأن الكلام لم يعد يجدي بالنسبة للسعوديين. بل لولا وجود أمير الكويت، ومعرفة السعوديين بمصداقيته التاريخية، وعمادته للدبلوماسية الخليجية، لما هبطت طائرة تميم في الرياض، ولو بعد حين. قال لي دبلوماسي سعودي: "من يستطيع أن يرفض اقتراحا من رجل تعتبره الرياض شقيقها الروحي، مثل الأمير صباح، وعلاقته مع ملكها والأسرة أكثر من ممتازة؟".
لدى السعوديين قائمة طويلة بما فعلته الدوحة، وأولها ذلك التسجيل الذي كان فضيحة دبلوماسية كبيرة تسببت في طرد عدد من الموظفين الأمنيين في قطر. كانت نسخة من التسجيل الذي جمع حمد بن جاسم مع القذافي، وتحدثا فيه عن خطة لتقسيم السعودية، قد وصلت إلى الرياض مبكراً، وذلك من يد المسؤول الليبي محمد القشّاط، الذي سلمه لجهاز الاستخبارات السعودية. اعترف القطريون بذلك، وقالوا إن هذا كان مجرد حديث تسلية مع "المهبول" القذافي. نعم هذا ما قاله المسؤول القطري عن القذافي حينما اعتذر للسعوديين بابتسامة مرتبكة.
مشكلة القطريين هو سوء حظهم، فكل ما كانوا يفعلونه ضد السعودية كان يُكتشف بسرعة. في اجتماع في "ماربيا" سلمهم رجل السعودية القوي الأمير سلمان بن عبد العزيز قائمة بالأرقام لكل المبالغ التي دفعوها للمعارضة. في اليمن كانت تحركاتهم مكشوفة بأكثر مما يعتقدون. قرروا التستر بعمليات الفدية للأجانب المختطفين، لتكون قناة تمويل سرية للحوثيين. مع ذلك أكتشفها حلفاء السعوديون الكثيرون في اليمن، ومرروها إلى الرياض. دافع القطريون رسميا في رسائلهم مع السعوديين خلال الأشهر الفائتة عن موقفهم قائلين أنهم لم يدفعوا سوى خمسين ألف دولار فقط، وكان ذلك للإفراج عن رهينتين فرنسيين.
كان الأمر الأكثر إثارة ما أشارت إليه صحيفة "العرب" اللندنية أن القطريين حاولوا اختراق الأسرة المالكة من خلال دعم أفراد من آل سعود بالمال، لكنهم فشلوا.
تعرف الرياض أن قطر تمثل عدة مشاريع مختلفة، مشروع خاص بالأمير الوالد حمد، ثم تحالفات أميركية، إسرائيلية، والهدف قطر الكبرى، حاكمة للنفط والغاز. يضاف إلى ذلك الحالة النفسية الخاصة بالأمير الوالد التي لم يستطع أن يتجاوزها منذ سنوات: العلاقة المرتبكة مع الأب، سنوات الطفولة الضائعة التي كان بسببها منبوذا في الأسرة بسبب الحجم الزائد. فيما بعد سيكون هذا سر علاقته الملتبسة مع ابنه البكر مشعل. الأب يرى في مشعل صورته القديمة، إشكالية الوزن، ثم النبذ العائلي، وغيرها مما لا يمكن قوله. كان يتجنب دائماً سؤال السائلين عن مشعل، لدرجة أقنعت السائلين أن هذا الموضوع يثير حنق الأمير الوالد، ولذلك كان عليهم تجنبه.
رغم اكتشاف الغاز، والثروة المالية الهائلة لبلاده، وعلاقاتها مع بعض الأجهزة القوية مع واشنطن، وإسرائيل، فإن ذلك لم يكف حمد، ولم يجعله يشعر بالسلام الداخلي. تصرفاته توحي وكأنه يحاول أن يثبت شيئاً ما، لأحد ما. أن يقول إنه ند، وأنه يمكن أن يكون حاكماً له فصل وقول في التاريخ، لاعباً مؤثرا مثل فرسان آل سعود الذين تناوبوا على حكم الجزيرة العربية منذ أكثر من مئتين وسبعين عاما. كان جده قاسم الكبير شبه مندوب للسعوديين في قطر، وأبقوه حاكماً عليها تحت حمايتهم، رغم أن بلاده ملك قديم لآل خليفة الذين نزحوا إلى البحرين.
على المقلب الآخر كان يعتقد أن بلاده مُقاده إلى الجارة الكبرى. قبل سنوات من انقلابه فاتح والده المخلوع، سرا السعوديين برغبته في تغيير ولي العهد، ليضع أبنه عبد العزيز بن خليفة آل ثاني مكانه. كان عبد العزيز شخصية تحظى باحترام خليجي واسع، وكان السعوديون يقدرونه كثيراً. لكن الشخصية المحافظة للملك فهد كانت ضد تغيير كهذا. حين جاء المراسيل من قبل الملك فهد إلى الدوحة، كان عبد العزيز معتقداً أنها البشرى، لكنه صُدم من الرفض السعودي. رغم ذلك تطورت العلاقات بشكل كبير وتنقل عبد العزيز بن خليفة بين الرياض وباريس، خصوصاً بعد الانقلاب على أبيه الشيخ خليفة، وهما في رحلة خارجية.
في اجتماع مع رجل السعودية الراحل الأمير نايف سمع تميم القصة ذاتها. كان نايف بصراحته المعهودة يعيد تذكيره:" لولانا لما كنت أنت هنا تجلس أمامي يا تميم". وأعاد رواية القصة السابقة. كان القطريون يعترفون بأخطائهم ويعتذرون مرارا. لكن حين تقلع طائرتهم من الرياض يعودون للتصرفات ذاتها. الصبر السعودي مغرٍ للذين لا يعرفون السياسة، ويجهلون السياسيين. ألم يخدع هذا الصمت عبد الناصر، والقذافي، والأسد؟ ثم تحطموا على الصخرة ذاتها التي توهم ضعفها؟ يميل السعوديون إلى الصبر حتى لا يعود مجال إليه، ثم تظهر بعد ذلك تظهر طباع رجل الصحراء المتعطش للدم، للانتقام.
في سنوات شبابه الأولى كان حمد آل ثاني يميل إلى البعث، والقومية العربية، ربما بسبب تأثير أخواله، آل عطيه الذين احتضنوه بحنان واهتمام كبيرين، أو نكاية في والده الذي لم يعترف بقدراته مبكراً. فور سقوط عبد الناصر بعد حرب 67 الخاطفة مال حمد المتحمس بفكره إلى الإخوان المسلمين. ومن هناك تطورت الفكرة، في إطار رغبته بتحويلها إلى فكرة كبرى يحكم من خلالها العالم العربي.
في حديثه مع وسيط خليجي قال حمد الوالد لضيفه عن خلافه الحدودي مع السعودية: "اريد تلك الأرض لأن قبور أجدادي فيها". قال له الخليجي وهو سياسي عتيق معتق: "لأجدادي قبور في الزبارة هل نطالب بها أيضاً؟". هذه الإشارة الذكية أثارت حنق الشيخ الطموح، نظراً لأن الزبارة هي أس آل ثاني، وأساس قطر.
يعتقد كثيرون أن حمد بن جسم، وزير الخارجية القطرية السابق، هو أساس التغيير في سياسة قطر الخارجية. لا أحد يعرف أن العلاقة ملتبسة بين الحَمدين. الاثنان يعرفان أن ما بينهم يستحل أن يستمر، لذلك سوف يلتهم أحدهما الآخر، يوماً ما، وهذا ما جعل حمد، بضغوط من سيدة القصر الأنيقة، الشيخ المتعلمة موزة، أن يقبل مطالبها بتسليم العرش لابنها وفي حياته. الشيخة موزة لا تطيق حمد بن جاسم، وهو يتوجس منها، لكنه لا يستطيع أن يتصرف. لديه انسياق قدَري لأميره إلى درجة أنه أصبح رفيق سفر لا خيار له فيه مع الأمير الوالد.
في الجلسات الخاصة يروي سياسيون خليجيون أن حمد الأمير كان يسخر من حمد الوزير إلى درجة الإهانة أحياناً. وأحيانا يذهل الأمير من صمت الوزير رغم الإهانة التي تكاد أن تكون موجعة. لكن الذين لا يعرفون حمد بن جاسم يستغربون، أما الذين يعرفونه فيعرفون أنه ميكافيللي الهوى، والطباع. حين انتقده سياسي خليجي رفيع، كبير، في احدى الاجتماعات الخليجية قائلا له:" أنتم ذنب لأميركا وإسرائيل" رد حمد بكل هدوء: "بل نحن ذنب لكم طال عمرك".
منذ انقلاب حمد كان المراقبون يلاحظون أن قطر تنتهج سياسة اللا سياسة. ليس لديها قواعد في عملها السياسي، بل حركة مضادة لكل ما تقوم به السعودية، لدرجة أنها مولت فصائل متضادة في اليمن وسوريا، وذلك نكاية في الرياض. لكن هل تستمر سياسة اللا سياسة للأبد؟ هذا مستحيل. الحركة ضد تاريخ لا تنجح مهما أغرت المغرر بهم نتائج النجاح الأولية.