بعد القصيــــر .. سقوط يبـــرود
السوريون يطورون تكتيكاتهم القتالية

السوريون يطورون تكتيكاتهم القتالية

نعم هذا ما يشاهده ويرصده العديد من المحللين العسكريين بعد معركة يبرود ومن قبلها معركة سقوط القصير . فنتيجة تراكم الخبرات والخسائر الكبيرة التي منوا بها في المراحل الأولى من الحرب نتيجة الإجراءات الخاطئة ، حرص السوريون على تطوير تكتيكاتهم القتالية الهجومية للإستحواذ على المدن والبلدات السورية التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة . لقد كان لنصائح أصدقائهم الخبراء الروس أن أضافت بعداً جديداً لنمط عمليات القوات النظامية السورية في التضاريس الحضرية ، وأصبحوا يزجون بقواتهم ضمن توليفة صحيحة وتنسيق منظم بين سلاح الدروع والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي المساندة (طبقاً لرأي كبار المنظرين الدفاعيين الروس في فنون القتال التكتيكي ، الدبابات لا تستطيع القتال بمفردها في المدن دون دعم وإسناد المشاة الراجلين infantry support) . الصور للأسفل تعرض نمط العمليات التي قرر القادة السوريين إعتماده لتجاوز إخفاقات الماضي ، وبالتالي تخفيض خسائرهم في إطار المعدات والأفراد والتي باتت قضية تعويضها وتداركها redress شغل القيادة الشاغل .

في البداية كان يتحتم مضاعفة أعداد القوة المهاجمة ، حيث رغب القادة السوريين في أن يكون لقوات مشاتهم أفضلية عددية بنسبة لا تقل عن 5 إلى 1 كميزة مستحقة في تضاريس المعركة الحضرية . لذلك تم الاستعانة بقوات كبيرة من مقاتلي حزب الله اللبناني بالإضافة لأعداد أقل من جنود الجيش النظامي السوري ، خصوصاً مع رغبة هؤلاء في تأمين كل مبنى كانوا يسيطرون عليه . المذهب الشرقي الذي يتزعمه الروس يزعم بأنه في العمليات الحضرية ، المهاجم يحتاج لنسبة من 6 إلى 1 لمعادلة الفوائد والمزايا الطبيعية natural advantages للدفاع . لكن القيادة العسكرية السورية عوضت هذا الفارق بالقصف والتدمير الممنهج للمدن المستهدفة بقصد إرهاب السكان المحليين وإضعاف روحهم المعنوية وسحق المقاومة أو على الأقل إجبارها على التراجع والتقهقر . في بداية الصراع السوري ، القيادة العسكرية تبنت بعض الأفكار السوفييتية المتقدمة والتي كانت تتحدث عن أن الدبابات تتولى أولاً قيادة الهجوم في قتال التضاريس الحضرية والمدنية ، ثم يليها بعد ذلك عربات المشاة القتالية والمشاة الراجل dismounted infantry . أرتال الدبابات تتحرك أولياً في تشكيل صفوف متوازية على طول شوارع وطرق المدينة . هذه التكتيكات أثبت فشلها وعدم ملائمتها كلياً للقتال في المدن السورية الكبرى ، حيث هددت كثافة استخدام الأسلحة المضادة للدبابات التي تملكتها قوى المعارضة العربات المدرعة بشكل جدي وحقيقي ، وألحقت بها مئات الإصابات .

فكرة التكتيكات الحديثة تكمن في زج المشاة أولاً وتوجيهها نحو نقطة الإقتحام المحددة ، فهؤلاء في الحقيقة (المشاة المساندين والمرافقين لدبابات المعركة الرئيسة في تقدمها خلال المباني وركام المدينة) يشكلون الخطر الرئيس والأكبر الذي يجب على المدافعين مواجهته وإعتراض تقدمه . المشاة المساندين يكلفون عادة بحماية العربات والدبابات المتقدمة عن طريق تأمين المباني والأزقة في المدن والمناطق الحضرية . فالدعم المتبادل بين أفراد المشاة وفرق الدبابات ، يهدف سوية لجلب وكسب القوة القتالية القصوى للتأثير على قدرات العدو ، حيث يمثل هؤلاء المشاة عيون وآذان فريق الدبابات المتقدم . فيعمل أفراد المشاة على تحديد وتعيين أماكن المشاغلة المثلى الخاصة بالدبابات . كما تعمل هذه القوات على المناورة على طول الطرق المغطاة والمخفية concealed routes لمهاجمة عناصر العدو ، وتوفير حماية قصوى للعربات المدرعة تجاه هجمات القوات المدافعة عن المدينة . في هذه الأثناء ، يمكن لأفراد المشاة عند اكتشاف مواقع للعدو أو مصادفة نقاط مقاومة ، طلب نيران إسناد مستمرة وثقيلة من الدبابات ضد مواضع العدو القوية واستحكاماته strong-points (توفر الدبابات في هذه الحالة نيران إخماد وإسكات suppress fire تسمح بتطوير) . عربات نقل الجنود وأثناء تقدمها تستخدم مدافعها الرشاشة من عيار 30 ملم لتطهير المناطق التي تسير وتتقدم خلالها . ويمكن لهذه النيران إرباك المدافعين أو رماة الأسلحة المضادة للدروع .

وقبل وصول ودخول المشاة وإقتحامهم للنقطة المحددة ، تتولى منظومات الدفاع الجوي المرافقة ZSU-23-4 مهمة إغراق المناطق المشبوهة بنيران القذائف وإسكات النيران المضادة على الأسقف العليا والمباني داخل المدينة والتي لا تستطيع مدافع الدبابات تغطيتها والوصول لها . في هذه اللحظة ، يتم الاستفادة من غزارة نيران هذه المنظومات وإستهداف المواقع التي يلحظ منها حدوث وميض أو عصف خلفي back blast ناتج عن إطلاق نيران سلاح مضاد للدبابات . مثل هذه التكتيكات إختبرت خلال غزو العاصمة الشيشانية غروزني العام 1994-1995 وأثبتت فاعليتها وأهميتها .

الإجراءات المضادة وأفضل خيارات المدافعين :
أفضل خيارات المدافعين وخططهم يجب أن تتركز على منع دخول العربات المدرعة ودبابات المعركة لقوات العدو وبالتالي منع وصولها إلى محور التقدم الذي تسعى لبلوغه .. خنادق الدبابات tank ditches هي الأخرى وسيلة فاعلة لتخفيض سرعة تقدم القوة المهاجمة وإبطاء قابليتها على الحركة . فحفر وإنشاء هذه الخنادق يساهم في عرقلة وإبطاء تقدم العربات والتشويش على أطقمها . هذه الحفر والمهابط يجب أن تكون مع منحدرات لا تقل عن 35 درجة ، وعمق لا يقل عن 1.5 م ، وعرض 3 م أو أكثر . فمع هذه القياسات الدبابات لا تستطيع العبور وتجاوز الخندق من دون مساعدة معدات التجسير bridging equipment أو الجرافات ومزيلات الأتربة . مع ملاحظة أن أي خندق دبابة ليس كافياً لوحده كعقبة ، وسوف لن يوقف قرار المهاجم بالتوقف . لهذا توصى فرق المقاومة عادة ببذل المزيد من الإجراءات الإضافية لمضاعفة تأثير الخندق ، مثل تحديد موقع خندق الدبابة ضمن المدى الفعال الأقصى effective range للأسلحة المضادة للدبابات مع جعل مواقع إطلاق نار مغطاة ومخفية . لزيادة الفاعلية ، يتم زرع الألغام المضادة للدروع على كلتا جانبي الخندق (المقابلة للعدو والمقابلة للقوات الصديقة) ، خصوصاً في مادة التربة المفككة وقاع الخندق . حتى الخندق الأصغر سوف يساهم في نزع المحاريث ودحاريج الألغام mine rollers من مقدمة العربات المهاجمة ، ومن ثم جعل العدو أكثر عرضة للألغام على الجانب الآخر لخندق الدبابة (في الأساس ، زرع الألغام يجبر دبابات العدو للتجمع والتكدس بينما تحاول تجاوز عائق الخندق ، مما يجعلها أكثر عرضة لنيران أسلحة العدو المباشرة) . إن أي خندق بعمق أقل من 1.2 م في التربة الصلبة المتماسكة يجب أن يفهم منه أنه مجرد وسيلة تأخير وإعاقة لبضعة دقائق قليلة على المهاجم ، لذا هذه لكي تكون فاعلة فإنها يجب أن تتجاوز حاجز 1.5 م . تكتيك آخر يمكن ابتداعه يتمثل في وضع حاجز رملي مرتفع berm على جهة الخندق المقابلة للقوات الصديقة ، حيث يساهم هذا الإجراء أولاً في زيادة ارتفاع العقبة أو الحاجز ، مما يقلل معه من قوة سحب وجر الدبابات الراغبة في العبور ، كما يعيق بكفاءة تثبيت الجسور المحمولة على عربات التجسير .

تعليق