إيران بين الرؤية الأميركية الضيقة والفهم السعودي لطموحات طهران الإقليمية
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
حازت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقائه نظيره الأميركي في باريس الاثنين الماضي على قدر من الاهتمام في الإعلام العربي. فبحسب لافروف، لما أثار مع الوزير جون كيري مسألة التقارير حول إمداد الثوار السوريين بالسلاح المضاد للطائرات، رد كيري «مؤكدا بوضوح أن الأميركيين ضد ذلك».
توقيت لافروف، مباشرة بعد قمة الخريم، يهدف إلى إظهار أن الأميركيين لن يغيروا مسار سياستهم ولن يحيدوا عن تفاهمهم مع موسكو في سوريا، رغم زيارة أوباما للمملكة. الواقع هو أنه فيما يتعلق بالمسألتين الأكثر أهمية للمملكة، أي إيران وسوريا، لا يبدو أن أوباما غير موقفه. إذن، بالأساس، لافروف على حق. فرغم الضجيج الإعلامي، من غير المرجح أن يغير المقاربة التي اتبعها لثلاث سنوات.
لذا، في الحقيقة لم نكن بحاجة لشماتة لافروف لندرك أن البيت الأبيض ما زال يعارض إمداد الثوار بالسلاح المضاد للطائرات، فقد صرح بذلك أكثر من مسؤول أميركي قبل وبعد زيارة أوباما للسعودية. ففي الطائرة أثناء الرحلة إلى الرياض، كرر نائب مستشار الأمن القومي بنجامين رودز للصحافيين المسافرين معه أن الإدارة ما زالت عند تحفظاتها حيال مسألة هذا النوع من السلاح. وعاد مسؤولان رفيعان ليشددا على هذه النقطة في حديث مع الصحافيين بعد لقاء أوباما بالملك عبد الله، وأضافا أن المسألة لم تثر إطلاقا في الاجتماع. وأخيرا، ردا على سؤال حول تصريحات لافروف، كررت الناطقة باسم الخارجية الأميركية النقاط نفسها وأضافت أنه فيما يخص مسألة هذا السلاح تحديدا: «إننا على الصفحة ذاتها» مع لافروف.
لكن في الوقت نفسه، كان مسؤولون آخرون، لم يفصحوا عن هويتهم، قد سربوا خطا آخر في الإعلام، حيث زعموا أن الإدارة «تدرس» إرسال قاذفات الصواريخ المضادة للطائرات إلى الثوار. وبحسب تقريرين، كانت الإدارة «تدرس» اقتراحا بإرسال عدد محدود من القاذفات المحمولة على الكتف، مزودة بأجهزة تعقب وتحكّم تسمح بتعطيلها إن تم تسليمها إلى طرف غير موافق عليه. لكن، وللسنوات الثلاث المنصرمة، أتقنت إدارة أوباما هذا التكتيك بحيث يزعم مسؤولون مجهولو الهوية أن الإدارة تدرس تسليح الثوار، ولم يتحقق أي من هذه المزاعم. في هذه الحالة، رغم هذه التسريبات، من الواضح أن أوباما ما زال يعارض إرسال السلاح المضاد للطيران، حتى للثوار الموثوقين في الجبهة الجنوبية. وهكذا، فإن التسريبات التي زعمت غير ذلك، ربما كان الهدف منها تطمين المملكة أن واشنطن ما زالت منخرطة في الأزمة ومفتوحة على كل الخيارات. ولكن تطمين الحلفاء، من منظور أوباما، لا يعني تغيير السياسات.
وبالخصوص، أوضح البيت الأبيض أنه ليس تغيير مقاربته تجاه إيران واردا. لا شك أن المسؤولين السعوديين سمعوا تطمينات أن أوباما يعرف تماما ما يفعله. ويتضح من الملخص الأميركي الرسمي لوقائع الاجتماع بين الملك عبد الله وأوباما أن الرسالة العلنية التي أراد أوباما إرسالها هي أن على السعوديين أن يثقوا به فيما يتعلق بإيران، وأنه لن «يقبل باتفاق سيئ». لكن يدرك أوباما أن المملكة لا تنظر إلى إيران فقط من المنظار النووي الضيق، إنما من المنظار الأوسع لطموحات إيران الإقليمية وسياستها التخريبية في المنطقة. غطى أوباما هذه النقطة أيضا بجواب جاهز بأن «التركيز على المسألة النووية لا يعني أننا لسنا قلقين حول أنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
طبعا، بالنسبة للسعودية التعبير الأميركي عن «القلق» هو أمر جيد، إنما ما تريد المملكة أن تسمعه هو عن الخطوات الملموسة التي ينوي البيت الأبيض أن يأخذها للتعامل مع هذه الأنشطة المقلقة. وكان أوباما قد أرسل جوابه منذ أسابيع قبل رحلته إلى الرياض، في مقابلته مع صحيفة «بلومبرغ»: التوصل إلى اتفاق مع إيران يمنعها من حيازة سلاح نووي هو بنفسه سيلجم قدرتها على «الاستقواء على جيرانها» كما قال في المقابلة. أي بكلام آخر، ما أراد أوباما إيصاله للمملكة هو أن مقاربته الحالية هي الصائبة، وهي ستحل كل شيء، ولذا على السعوديين أن يثقوا بها.
من غير المرجح أن هذا الكلام كان كافيا للمملكة. طبعا، الزيارة رطبت الأجواء قليلا، وربما أدت إلى اتفاقات حول مسائل أخرى، وأتاحت الفرصة للملك عبد الله لإيصال وجهة النظر السعودية، وربما الاستياء السعودي، مباشرة إلى الرئيس الأميركي. لكنها لم تردم الهوة خصوصا فيما يتعلق بإيران وسوريا، وهذا ما اتضح من التصريحات الأميركية حول استمرار «الخلاف التكتيكي». بالتالي، إن كان هناك من استبشر من الزيارة تغييرا في السياسة الأميركية في سوريا، فعلى الأرجح أن تفاؤله لم يكن في محله.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
حازت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقائه نظيره الأميركي في باريس الاثنين الماضي على قدر من الاهتمام في الإعلام العربي. فبحسب لافروف، لما أثار مع الوزير جون كيري مسألة التقارير حول إمداد الثوار السوريين بالسلاح المضاد للطائرات، رد كيري «مؤكدا بوضوح أن الأميركيين ضد ذلك».
توقيت لافروف، مباشرة بعد قمة الخريم، يهدف إلى إظهار أن الأميركيين لن يغيروا مسار سياستهم ولن يحيدوا عن تفاهمهم مع موسكو في سوريا، رغم زيارة أوباما للمملكة. الواقع هو أنه فيما يتعلق بالمسألتين الأكثر أهمية للمملكة، أي إيران وسوريا، لا يبدو أن أوباما غير موقفه. إذن، بالأساس، لافروف على حق. فرغم الضجيج الإعلامي، من غير المرجح أن يغير المقاربة التي اتبعها لثلاث سنوات.
لذا، في الحقيقة لم نكن بحاجة لشماتة لافروف لندرك أن البيت الأبيض ما زال يعارض إمداد الثوار بالسلاح المضاد للطائرات، فقد صرح بذلك أكثر من مسؤول أميركي قبل وبعد زيارة أوباما للسعودية. ففي الطائرة أثناء الرحلة إلى الرياض، كرر نائب مستشار الأمن القومي بنجامين رودز للصحافيين المسافرين معه أن الإدارة ما زالت عند تحفظاتها حيال مسألة هذا النوع من السلاح. وعاد مسؤولان رفيعان ليشددا على هذه النقطة في حديث مع الصحافيين بعد لقاء أوباما بالملك عبد الله، وأضافا أن المسألة لم تثر إطلاقا في الاجتماع. وأخيرا، ردا على سؤال حول تصريحات لافروف، كررت الناطقة باسم الخارجية الأميركية النقاط نفسها وأضافت أنه فيما يخص مسألة هذا السلاح تحديدا: «إننا على الصفحة ذاتها» مع لافروف.
لكن في الوقت نفسه، كان مسؤولون آخرون، لم يفصحوا عن هويتهم، قد سربوا خطا آخر في الإعلام، حيث زعموا أن الإدارة «تدرس» إرسال قاذفات الصواريخ المضادة للطائرات إلى الثوار. وبحسب تقريرين، كانت الإدارة «تدرس» اقتراحا بإرسال عدد محدود من القاذفات المحمولة على الكتف، مزودة بأجهزة تعقب وتحكّم تسمح بتعطيلها إن تم تسليمها إلى طرف غير موافق عليه. لكن، وللسنوات الثلاث المنصرمة، أتقنت إدارة أوباما هذا التكتيك بحيث يزعم مسؤولون مجهولو الهوية أن الإدارة تدرس تسليح الثوار، ولم يتحقق أي من هذه المزاعم. في هذه الحالة، رغم هذه التسريبات، من الواضح أن أوباما ما زال يعارض إرسال السلاح المضاد للطيران، حتى للثوار الموثوقين في الجبهة الجنوبية. وهكذا، فإن التسريبات التي زعمت غير ذلك، ربما كان الهدف منها تطمين المملكة أن واشنطن ما زالت منخرطة في الأزمة ومفتوحة على كل الخيارات. ولكن تطمين الحلفاء، من منظور أوباما، لا يعني تغيير السياسات.
وبالخصوص، أوضح البيت الأبيض أنه ليس تغيير مقاربته تجاه إيران واردا. لا شك أن المسؤولين السعوديين سمعوا تطمينات أن أوباما يعرف تماما ما يفعله. ويتضح من الملخص الأميركي الرسمي لوقائع الاجتماع بين الملك عبد الله وأوباما أن الرسالة العلنية التي أراد أوباما إرسالها هي أن على السعوديين أن يثقوا به فيما يتعلق بإيران، وأنه لن «يقبل باتفاق سيئ». لكن يدرك أوباما أن المملكة لا تنظر إلى إيران فقط من المنظار النووي الضيق، إنما من المنظار الأوسع لطموحات إيران الإقليمية وسياستها التخريبية في المنطقة. غطى أوباما هذه النقطة أيضا بجواب جاهز بأن «التركيز على المسألة النووية لا يعني أننا لسنا قلقين حول أنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
طبعا، بالنسبة للسعودية التعبير الأميركي عن «القلق» هو أمر جيد، إنما ما تريد المملكة أن تسمعه هو عن الخطوات الملموسة التي ينوي البيت الأبيض أن يأخذها للتعامل مع هذه الأنشطة المقلقة. وكان أوباما قد أرسل جوابه منذ أسابيع قبل رحلته إلى الرياض، في مقابلته مع صحيفة «بلومبرغ»: التوصل إلى اتفاق مع إيران يمنعها من حيازة سلاح نووي هو بنفسه سيلجم قدرتها على «الاستقواء على جيرانها» كما قال في المقابلة. أي بكلام آخر، ما أراد أوباما إيصاله للمملكة هو أن مقاربته الحالية هي الصائبة، وهي ستحل كل شيء، ولذا على السعوديين أن يثقوا بها.
من غير المرجح أن هذا الكلام كان كافيا للمملكة. طبعا، الزيارة رطبت الأجواء قليلا، وربما أدت إلى اتفاقات حول مسائل أخرى، وأتاحت الفرصة للملك عبد الله لإيصال وجهة النظر السعودية، وربما الاستياء السعودي، مباشرة إلى الرئيس الأميركي. لكنها لم تردم الهوة خصوصا فيما يتعلق بإيران وسوريا، وهذا ما اتضح من التصريحات الأميركية حول استمرار «الخلاف التكتيكي». بالتالي، إن كان هناك من استبشر من الزيارة تغييرا في السياسة الأميركية في سوريا، فعلى الأرجح أن تفاؤله لم يكن في محله.