تُكلَّف أقمار الاستطلاع الإلكتروني (Electronic Intelligence Satellites) بمراقبة وتعقُّب والتقاط، كل ما تبثه الأجهزة الإلكترونية المعادية، سواء ما يتمركز منها، براً وبحراً، وما يُحمل جواً، وما يُحلِّق في الفضاء. وتُسجِّل الإشارات، ثم ترسلها إلى محطات الاستقبال الأرضية، إما مباشرة، أو بوساطة أقمار اتصالات خاصة. وفي هذه المحطات، يجري تحليل هذه البيانات الخام، لمعرفة نوايا العدو، والحصول على معلومات ضرورية لتخطيط العمليات، وإدارة أعمال القتال.
إن استمرار متابعة الموقف الإلكتروني، قبْل الحرب، ومراقبة أي تغييرات، أو أنشطة غير عادية ـ يساعد، إلى حدٍّ كبير، على معرفة نوايا العدو في أي عمليات هجومية. كما أن التنصت لاتصالاته، يتيح الوقوف على اتجاهات عملياته المقبلة وقوّتها.
ويحتاج تخطيط العمليات إلى مجموعة من المعلومات عن:
1. مواقع أجهزة الرادار، وأجهزة الاتصال؛ مما يمكّن من معرفة الكثير عن تشكيل القتال، ومراكز القيادة والسيطرة، ونظام المناوبة، وأوضاع الاستعداد ....
2. ترددات هذه الأجهزة، وخواص الإشعاع، بما في ذلك التردد النبضي، وعرض النبضة، وتردد الموجة الحاملة، وطريقة التعديل، التي يستخدمها الجهاز، وأساليب التغلب على الإعاقة الإلكترونية، وغيرها من التفاصيل، التي لا بدّ منها، عند تخطيط إعاقة هذه الأجهزة وشل فاعليتها، سواء بالإجراءات الإلكترونية المضادة (ECM Electronic CounterMeasures)، وهو ما يُسمى بالقتل الناعم (Soft – Kill)؛ أو بقصفها بالصواريخ المضادّة للإشعاع، أو بغيرها من الأسلحة، وهو ما يُعرف باسم القتل العنيف (Hard – Kill). وهي إجراءات حتمية، لتأمين عمليات الهجوم الجوي.
ناهيك أن المراقبة المستمرة لأجهزة الرادار، بعيدة المدى، مثل أجهزة الإنذار المبكر، لمنظومات الدفاع المضادّ للصواريخ البالستية؛ ومعرفة مداها، وتوقيتات البث، والتطورات التي طرأت عليها ـ تساعدان على تحديد مكونات هذه المنظومات، ومعرفة تمركزاتها وإمكاناتها؛ مما يؤدي إلى وضع الخطة الملائمة لتحييدها.
إضافة إلى أن تعقُّب كل ما تشعه أجهزة الرادار، أثناء العمليات، والتنصت للمحادثات التي تجـري عبْر وسائل الاتصال ـ يساعدان على كشف كل أسرار العدو، ويوضحان الموقف القتالي، أمام القادة. ولو تعذَّر حل شفرة الرسائل، المتبادلة بين المراكز المختلفة، فإن تعقُّبها، يشير إلى مواقعها، ويحدد شخصيات القادة ومستوياتهم ومواقعهم.
ومن الضروري، أن يجري تحليل المعلومات، التي تتأتّي لأقمار الاتصالات، بسرعـة، ودقة، في ضوء معلومات الاستطلاع الإلكتروني، التي تهيأت للوسائل البرية، والأجهزة المحمولة جواً وبحراً. والإسراع في إيصالها إلى القادة، يجعلها إحدى الدعامات الأساسية لتقدير الموقف، واتخاذ القرارات اللازمة لإدارة المعركة.
واستطراداً، فإن هذه الأقمار، تنفذ مهمتَين:
1. استطلاع الاتصالات (Communications Intelligence) (COMINT)، ويتحقق بالتنصت المستمر لاتصالات العدو (أو الدول الأخرى)، الهاتفية واللاسلكية والصوتية والرقمية (digital)، لمعرفة ما يقول، وما يفعل.
2. الاستطلاع الإلكتروني (Electronic Intelligence) (ELINT)، ومهمته اكتشاف مواقع الأجهزة الرادارية واللاسلكية، وخواصها. ويُخصَّص بعض الأقمار لتنفيذ المهمة الأولى، وبعضها الآخر لتنفيذ المهمة الثانية. وقد يكلَّف بعض الأقمار بالمهمتَين معاً.
ولا شك في تداخل الوسائل، المستخدمة في تنفيذ المهمتَين، نظراً إلى تقارب تردداتهما.
ويستخدم الأمريكيون، في العادة، مصطلح الاستطلاع الإشاري، (Signal Intelligence) (SIGINT) كمصطلح عام، يجمع المهمتَين، في داخله. إلا أن أغلب المراجع، تستخدم مصطلح الاستطلاع الإلكتروني (ELINT)، للدلالة على الأقمار الصناعية، بأنواعها المختلفة.
وتُحاط أقمار الاستطلاع الإلكتروني (الإشاري) الأمريكية ، بستار كثيف من السرية. ولا تنشر الولايات المتحدة الأمريكية عنها، إلا النذر اليسير. أما روسيا، فنادراً ما تنشر شيئاً، وتضنّ حتى باسمها، مكتفية بذكر الاسم الكودي "كوزموس"، عند الإطلاق، ومعه رقم مسلسل. لهذا، تتحفظ كافة المراجع، بما فيها المعتمدة، وشبه الرسمية، مثل موسوعة "جينز" (Jane's)، عند ذكر معلومات عن هذه الأقمار؛ ويتضح ذلك من كثرة تردد كلمات، مثل: ويلاحظ، ويُعتقد، ويـرى البعض، ومن المحتمل. ويرجع السبب في ذلك، إلى أن هذه المراجع، تستقي أغلب معلوماتها من مصادر غير رسمية، تعتمد، إلى حدٍّ كبير، على الاستنتاج، بعد دراسة الخواص المدارية للقمـر، ونـوع مركبـة (صاروخ) الإطلاق، والقاعدة التي أُطلق منها.
تعليق