إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاختراق المعلوماتي والتجسس الأمريكي على العالم... الأبعاد والتداعيات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاختراق المعلوماتي والتجسس الأمريكي على العالم... الأبعاد والتداعيات

    الاختراق المعلوماتي والتجسس الأمريكي على العالم... الأبعاد والتداعيات

    ألقت عمليات التجسس الأمريكي بظلالها من جديد على العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة، وفتحت فصلًا جديدًا من "أزمة ثقة" بعد نجاح المستشار السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن Edward Snowden بداية حزيران 2013 ، بتسريب معلومات حول قيام الوكالة بالتجسس على نحو 35 من القادة على مستوى العالم، وعشرات ملايين المكالمات الهاتفية في دول مختلفة، من بينها دول أوروبية. بالإضافة إلى كشفه تفاصيل برنامج تجسس أمريكي سري لغاية مما أثار الكثير من الجدل داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها بشأن طبيعة ونطاق عملها الاستخباري و المدى الكبير الذي تصل اليه وكالة الأمن القومي التي وسعت من عمليات المراقبة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 تحت دعاوى "الحرب على الإرهاب".

    والأزمة التي أحدثتها فضيحة التجسس، إعلاميّة بالدرجة الأولى، بمعنى أن وسائل الإعلام هي التي قامت بالكشف عن هذا الحدث وإعطائه أبعاداً أخرى، لتصل ما وصلت إليه. في البداية جاء تقرير المجلة الألمانية "دير شبيغل"، التي يستقى منها الرأي العام الألماني معلوماته الرسميّة في إطار السباق المحموم بين الصحف العالمية للكشف عن تفاصيل عمليات التجسس الأمريكية الواسعة. فقد كشفت المجلة عن قيام وكالة الامن القومي الامريكي ومن خلال سفارة واشنطن في برلين بأعمال تجسس منظمة وواسعة المدى بدأت بالتنصت على هاتف المستشارة الألمانية ذاتها منذ عام 2002 وحتى عام 2010، وأن المكالمات الهاتفية التي أجرتها من هاتفها تم تسجيلها طوال هذه المدة. وامتدت لتشمل كماً ضخماً من المراسلات والمكالمات الحكومية ونشرت المجلة وثيقة يعود تاريخها إلى عام 2010 تشير إلى وجود وحدة استخباراتية أمريكية تعمل في برلين وفرانكفورت تحت مسمى" خدمة الجمع الخاصة"، وهي وحدة تضم عملاء من المخابرات المركزية وموظفين رفيعي المستوى من وكالة الأمن القومي. أما "صحيفة اللوموند" الفرنسية فوجهت أصابع الاتهام وبشكل مباشر للسفارة الأمريكية في باريس بنفس المضمون الذي جاء في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، واعتبرتها نفس الأفعال ضد الرئيس الفرنسي وأضافت على الاتهام الألماني أن هناك وحدة استخبارات إسرائيلية اشتركت في أعمال التنصت على قصر الإليزيه، كما كشفت الصحيفة عن أن بعض العاملين بوكالة الأمن القومي الأمريكية يقومون بالتجسس علي أزواجهم وزوجاتهم من خلال استخدام برامج التجسس والتنصت المتوفرة في الجهاز المخابراتي.

    وفي التفاصيل التي أوردتها صحف ومجلات أوروبيّة فإن هناك وحدات تجسس أمريكية في ثمانين موقعًا حول العالم، من بينها ألمانيا وباريس وروما ومدريد وجنيف وفرانكفورت. وفي برلين حيث لا تبعد السفارة الامريكية عن مكتب ميركل أكثر من ثمانمائة متر توجد من هذه الوحدات يتمركز فيها عاملون من وكالة المخابرات المركزية والطيران والفضاء ناسا، يجمعون المعلومات ويحللونها أو يرسلونها الى مقر البيت الأبيض مباشرة. وأثبتت تلك الوسائل بالدلائل أن وكالة الأمن القومي الأمريكي ومكتب التحقيقات الفيدرالية إف بى آي يتنصتان مباشرة عبر ما يسمى قانون باتريوت على خوادم تسع شركات إنترنت أمريكية لاستخراج الدردشات الصوتية ودردشات الفيديو عبر الإنترنت والصور ورسائل البريد الإلكتروني والوثائق وسجلات الاتصال لعملاء هذه الشركات. كما تقوم أجهزة المخابرات نفسها بتسجيل المكالمات الهاتفية لعشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين.

    ردود الفعل الأوروبية

    تواصلت ردود الفعل على عمليات تجسس أجهزة المخابرات الأمريكية على ملايين الاتصالات والمكالمات في أوروبا، وتاليًا رصد لأهم تلك الردود:
    • دفع غضب ألمانيا من عملية التجسس على هاتف ميركل إلى حد القيام باستدعاء برلين للسفير الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ البلدين منذ الحرب العالمية الثانية.
    • أعلنت ألمانيا إغلاق مراكز لتبادل المعلومات المرتبط بكابلات الإنترنت العالمية، لتوقف الاتصال بالعالم الخارجي، من خلال وضع أسلوب تقني جديد، يوفر للمستخدمين خدمات الانترنت (بشكله الداخلي)، بهدف حماية البيانات الواردة والصادرة منه.
    • سعي شركات الاتصالات في ألمانيا إلى تنفيذ مشروع ضخم يهدف إلى حماية مستخدمي الانترنت داخل ألمانيا من التجسس الإلكتروني الأمريكي، يعتمد بشكل أساسي على جعل كافة مراكز تبادل المعلومات عبر الانترنت Exchange Point داخلية وليست عالمية.
    • عملت شركة ''تيليكوم'' الألمانية على التصدي للتجسس الأمريكي، من خلال إنشاء نظام بريد إلكتروني داخلي مشفّر، يقوم على تبادل البيانات عبر خادمات داخلية حصراً.
    • اقترح الاتحاد الأوروبي مراقبة حدوده بأنظمة جوية من خلال طائرات بدون طيار متطورة وأعربت الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "كاثرين اشتون" عن أهمية تلك الخطوة قائلة "هناك حاجة ماسة إلى الإعداد لبرنامج طائرات بدون طيار تكون قادرة على أن تعلو بشكل متوسط لفترات طويلة، المعروفة باسم Male.. ولكن هناك مشكلة واحدة، وهى أن تلك الطائرات تعمل في نفس مستوى الطائرات التقليدية، مما يشكل عقبات رئيسية أمام سلامة المجال الجوي".
    • تسعى البرازيل لحماية مواطنيها من التجسس الامريكي في المضي قدما لإرغام شركات الانترنت العالمية على تخزين البيانات التي تحصل عليها من المستخدمين البرازيليين داخل البلاد. ورغم معارضة شركات متعددة الجنسيات للبرمجيات ومعدات الكمبيوتر والاتصالات فإن رئيسة البرازيل "ديلما روسيف" تحث المشرعين على إجراء تصويت على مشروع القانون الذي اثاره الكشف عن عمليات تجسس أمريكية واسعة النطاق على بيانات الاتصالات البرازيلية. وإذا تم اقراره فإن القانون الجديد قد يؤثر على طريقة عمل عمالقة الانترنت مثل غوغل وفيسبوك وتويتر وشركات اخرى في اكبر بلد في أمريكا اللاتينية وأحد أكبر أسواق صناعة الاتصالات عالميًا.
    • أعلن مكتب الادعاء العام الاسباني أنه فتح تحقيقًا أوليًا في عمليات التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة بعد الكشف عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكي بالتنصت على اكثر من 60 مليون مكالمة هاتفية في اسبانيا خلال شهر واحد فقط.
    • اعرب قادة الحزبين الرئيسيين في النرويج عن غضبهم بسبب عمليات التجسس الامريكية، وطالبوا الحكومة ببحث المسألة مع ادارة اوباما. وقال تريني سكي جراندي، زعيم الحزب الليبرالي "يعد هذا هجوما على امن وسلامة المواطنين في النرويج شأنه شأن اي هجوم آخر".وقال كنوت اريلد هاريد، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، إنه شعر بالصدمة بيد أن هذا الامر لم يفاجئه. وحثت رئيسة الوزراء إيرنا سولبرج على الرد على ما تم الكشف عنه فورا وبحث الامر مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل خلال لقائهما
    • استدعت كل من فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، سفراء الولايات المتحدة، وأظهرت غضبها مما حدث، وأكدت أنه سيؤثر حتما في آفاق التعاون المستقبلي مع الإدارة الأمريكية.
    • أعلنت ألمانيا وفرنسا عن اعتزامهما التفاوض مع الولايات المتحدة لإبرام اتفاقيات تحظر على أطرافها إجراء أي عملية تجسس ضد بعضها بعضا. وبلغ الأمر في دول أوروبا من الخطورة نتيجة النشاطات التجسّسية لوكالة الأمن الوطني، أن هدّدت بوقف المفاوضات المتعلّقة باتّفاق التجارة الحرّة بين دول الأطلسي، والتي تمثّل هدفاً تجارياً استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة.
    • ألقت فضيحة التجسس الأمريكية، بثقلها على جدول أعمال القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل يوم الجمعة 25-10-2013. واعتبرت المفوضية الأوروبية أنه قد حان الوقت ليصدر الاتحاد الأوروبي ردَّ فعلٍ قوي وموحد لهذه "الإهانة الأمريكية". أما رئيس المفوضية خوسيه مانويل باروزو فقد ندد بهذه العملية، وشدد على حق الأوروبيين في حماية حياتهم الشخصية، وقال: "لا يمكن أن يتصرف المرء كأن شيئاً لم يحدث، إذ يعرف الجميع نتائج استغلال دولة قوتها للتسلل إلى حياة الناس".
    • دعا البرلماني الأوروبي الى تعليق العمل باتفاقية تتبيع تمويل الارهاب الموقعة بين واشنطن واوروبا والتي تمثل إحدى تجليات صور التعاون ما بين الجانبين.


    لقد ترافقت موجة الغضب الاحتجاجية على برامج التجسس على المواطنين في أرجاء المعمورة التي عبر عنها من خلال تظاهرات ضخمة شارك فيها الآلاف للمطالبة بإصلاح برامج المراقبة والحيلولة دون انتهاك الحريات الخاصة[14]، مع سباق الصحف ووسائل الاعلام العالمية التنقيب عن تفاصيل برامج التجسس الأمريكية خاصة "بريزم" الذي استخدمته وكالة الأمن القومي الأمريكي واستهدفت من خلاله مؤسسات وأفراد ودول في الاتحاد الأوروبي.


    البرنامج التجسسي "بريزم"

    سرّب "سنودن" Snowden معلومات سريّة للغاية تشير إلى أن وكالة NSA متورطة بأكثر من 61 الف عملية قرصنة على شركات وأشخاص وحكومات. وذكر بأن الوكالة ومكتب التحقيقات لهما القدرة للوصول مباشرة الى الخوادم المركزية لتسع شركات أمريكية رئيسية للإنترنت من خلال برنامج سري للغاية اسمه Prizm "بريزم". وتتضمن الوثائق السرية التي سربها لصحيفتي الواشنطن بوست الامريكية والغارديان البريطانية معلومات عن برنامج (PRISM) وهو برنامج تجسس رقمي مصنف بأنه سري للغاية يُشّغل من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي. ويعتبر هذا البرنامج أحد البرامج التجسسية الضخمة الذي يتيح لوكالة الأمن القومي الامريكي عبر جمع وتحليل المعلومات الوصول المباشر إلى خوادم الانترنت الكبرى للحصول على رسائل البريد الالكتروني والمحادثات دون الحاجة لأمر قضائي.

    يعد برنامج ""PRISM وريث لتاريخ من التحالفات الاستخباراتية مع حوالى مائة شركة أمريكية موثوق بها منذ السبعينيات، وتسمى وكالة الأمن القومي الأمريكية هذه بعمليات المصادر الخاصة، والتي يقع في نطاقها هذا البرنامج، وكان هناك برنامج مشابه يحمل اسم BLARNEY الذى يجمع معلومات فنية عن حركة مرور الاتصالات وأجهزة الشبكة، ووصفه بأنه برنامج جمع مستمر يعزز مجتمع الاستخبارات والشركات التجارية للحصول على المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي يمكن الحصول عليها من الشبكات العالمية واستغلالها، إلا أن برنامج PRISM يبدو أقرب لأوامر المراقبة بدون إذن قضائي المثيرة للجدل التي أصدرها الرئيس بوش عقب هجمات سبتمبر 2001.

    التزم الكونغرس بقانون حماية أميركا في عام 2007 وتعديلات قانون مراقبة المخابرات الأجنبية لعام 2008، والذي حصن الشركات الخاصة التي تعاونت بشكل طوعي في عملية جمع الاستخبارات الأميركية. قام "بريزم" بتوظيف أول شركائه، شركة "مايكروسوفت"، وبدأ ست سنوات من عملية جمع بيانات متنامية بسرعة تحت سطح جدل وطني مؤرق حول المراقبة والخصوصية.
    يركز البرنامج المصدق عليه من المحكمة على حركة الاتصالات الأجنبية، التي عادة ما تتدفق عبر الخوادم الأميركية، حتى عندما ترسل من موقع خارجي لآخر. وفي الفترة ما بين عامي 2004 و2007، أقنع محامو إدارة بوش قضاة محكمة مراقبة المخابرات الأجنبية بإصدار أوامر مراقبة في صيغة جديدة تماما. وحتى ذلك الوقت، تعين على الحكومة تقديم سبب محتمل لارتباط "هدف" أو "مرفق" بعينه بالإرهاب أو الجاسوسية. فـ "المعلومات التي تم جمعها في إطار هذا البرنامج تعتبر من بين أهم وأقيم المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي جمعتها وكالة الاستخبارية الامريكية".


    بدأ العمل بالبرنامج عام 2007 واستخدم شركة مايكروسفت للوصل إلى هدفه ومن ثم استخدم شركة "أبل" في عام 2012. من خلاله تقوم كالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الخوادم الرئيسة باختراق لتسع شركات إنترنت أميركية كبرى بشكل مباشر، وتقوم باستخلاص محادثات مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ورسائل بريد إلكتروني ووثائق وسجلات اتصال تمكن المحللين من تعقب أهداف أجنبية.


    تشير التقارير بأن هذا البرنامج يعد الأحدث في برامج التجسس حتى الآن. وربما يكون الأول من نوعه. وتتباهى وكالة الأمن القومي بسرقة أسرار وفك شفرات، وقد اعتادت أن تكون شراكات تساعدها في تحويل مسار حركة البيانات أو تخطي الحواجز.

    مازالت الأزمة التي أحدثتها عملية التجسس تتفاقم يوماً بعد يوم، مما أثار زوبعة من الانتقادات للبيت الأبيض في أكبر فضيحة هزّت الإدارة الأمريكية منذ عقود أي بعد، فرغم مرور ما يزيد على ثلاثة عقود لا يزال العالم وخاصة الولايات المتحدة يتذكر فضيحة "ووترغيت" 1968 حين قرر الرئيس الأمريكي نيكسون التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى "ووترغيت". وفي 17 يونيو/حزيران 1972 ألقي القبض على خمسة أشخاص في واشنطن بمقر الحزب الديمقراطي، وهم ينصبون أجهزة تسجيل مموهة. كان البيت الأبيض قد سجل 64 مكالمة، فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون. واستقال على أثر ذلك في أغسطس 1974.. وها هم اليوم الأمريكيون يعاودون الكرة ولكن مع حلفائهم الأوروبيين الذين سارعوا إلى مناقشة الخطوات اللازمة لمواجهة الفضيحة. التي وصفها آل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق بأنها أمر مخز ويجب أن تكون الخصوصية أولوية في عالم العصر الرقمي.


    خصوصية الأزمة الراهنة

    ليس جديدًا أن تشهد العلاقات الامريكية الأوروبية ما تشهده اليوم من توتر على خلفية التجسس الأمريكي على الأوروبيين وزعمائهم. لقد شهدت هذه العلاقات الكثير من المحطات احتاج معها الطرفان إلى "بداية جديدة"، كان أبزرها عام 2005 عندما برزت نتائج سياسات إدارة جورج دبليو بوش في العالم وتأثيرات هذه السياسات على العلاقات الأطلسية.

    لكن ما تثيره أزمة التجسس في فترة إدارة الرئيس اوباما، لا بد وأن تكون أعمق مما خلفته إدارة بوش الابن على الحلفاء. فمنذ أكثر من عقدين وتحديدا عام 1992 شرع الاتحاد الأوروبي عبر مفوضيته بتشكيل بنية لمؤسسة أوروبية تقوم على شؤون الأمن والسياسة الخارجية، سعت إلى التوفيق النسبي بين مواقف دول الاتحاد المتناقضة والمتباينة. لكن بقي الأوروبيون في خلفية المشهد الامريكي في الكثير من الملفات العالمية، مع بعض التميز المحدود الذي أبدته فرنسا وبريطانيا وألمانيا ولجنة الأمن والسياسة الخارجية، في بعض الملفات.

    حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما امتصاص صدمة حلفائه على "فضيحة التجسس" بقوله بأنهم "يتجسسون أيضا، فدعونا نتحاور.. وسوف نقوم ببعض التغييرات". مما دعا رئيس الوزراء الروسي لطرح سؤالًا مباشرًا: من سيصدق التصريحات الأمريكية التي تقول أنهم لن يتنصتوا على أصدقائهم مرة أخرى؟ وحتى تصبح التعهدات الامريكية ذات مصداقية يبدو ان أنصار الحفاظ على الخصوصية حول العالم لن يهدأ قريبًا. وواشنطن تبقى تراوح أمام خيارين إما الالتزام بهذه المبادئ التي تتحدث عنها أو الحرص على عدم تسرب أساليبها التجسسية مرة أخرى ولكن هل تستطيع؟ وهل تقدر أيضًا ترميم الثقة التي تصدعت مع أقرب حلفائها خاصة فما يتعلق بالتنسيق في تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية؟

    الملاحظ لغاية الآن من ردود فعل المسؤولين الأمريكيين على فضحية التجسس هو أنهم يبررون هذا الفعل بهاجس الخوف من الإرهاب، أو تفسيره ضمن سياق "مكافحة الإرهاب" أو ما تسمى "الحرب ضد الإرهاب"، التي بدأ الحديث عنها على خلفية هجمات 11 سبتمبر 2011، وبالتالي، فإن ما تقوم به وكالة الاستخبارات الامريكية يستند إلى القول الدارج في السياسة الميكافيلية وهي "الغاية تبرر الوسيلة". من هنا نرى أن واشنطن تتجسس مدركة تماما أن عالما بنى سياسته على مفاهيم ميكافيلية سيتعامل مع الادوات– رفضا وقبولا - وفق قدرتها على الوصول إلى الهدف، وليس استنادًا على القبول الاخلاقي بها. لهذا نرى الادارة الأمريكية تصرّح بأنها تقوم بعملية مراجعة شاملة لأساليب جمع المعلومات الاستخباراتية؛ وبنفس الوقت تقوم بتذكير أصدقائها وحلفائها بأهمّيّة التجسّس الذي تشاركهم فيه.


    التجسس من خلال محركات البحث المهيمنة

    ليست المنظومة السياسية والامنية لعلاقات دول الشمال وحدها المرشحة للتأثر، بل والاقتصادية أيضا، خاصة والحديث يطال كبرى شركات الانترنت في العالم، سواء "غوغل" أو "ياهو"، وغيرها التي تعتبر بمثابة البوابة التي يلجأ اليها مرتادو الانترنت طلبا للتواصل او تبادل المعلومات. فقد كشفت وثيقة سرية عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكي، باختراق روابط الاتصالات التي تربط بين مراكز بيانات كل من غوغل وياهو حول العالم من خلال اعتراض البيانات عن كابلات الألياف البصرية التي تستخدمها الشركتين، لجمع بيانات مئات الملايين من المستخدمين (العديد منهم أمريكان)، واستطاعت الوكالة جمع بيانات لما يقارب من 181 مليون مستخدم، في يناير 2013، تضمنت رسائل إلكترونية، نصوص، ملفات صوتية، وأشرطة فيديو بالإضافة إلى جمع بيانات المستخدمين، من خلال برنامج يطلق عليه "ماسكيولار" الذي تم تشغليه بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات البريطانية من خلال نقاط اعتراض (غير معلنة)، تقوم بنسخ البيانات التي تتدفق عبر الكابلات لكلا منهما. ورغم ان تسريبات سنودن أكدت على أن وكالة NASA تحصل بشكل يومي من شبكة Yahoo and Google معلومات تخضع للتسجيل وتقدر بمئات الملايين من المعلومات، الا الجنرال Keith Alexander أشار بالقول "أنا أستطيع القول باننا لا ندخل على خوادم Google وYahoo لكننا نسلك الطرق ألقانونيةـ عبر القضاء ـ" وهي عبارة غير مباشرة بأن الوكالة تعترض مرور المعلومات، فقد بات معروفا أن الوكالة تدخل على حزمة الالياف الزجاجية تحت البحار".


    كما أثارت عملية التجسس قلق كبريات مزودي خدمة الانترنت بعد ان تضمنت تسريبات سنودن عن اختراق وكالة الأمن القومي لعملاقي الانترنت "ياهو" و"غوغل" واعتراض بياناتهما، وهذا بحد ذاته يعتبر مخالفة قانونية كون وكالة الامن القومي تستخدم الخوادم الاميركية للتجسس. فرغم نفي المسؤولين في الخوادم الاميركية وابرزها Google فان المعلومات التي سربها سنودن تشير إلى أن "وكالة الأمن القومي الأميركية لديها اتفاقات سرية، غير معلنة مع عدد من الخوادم اي محركات الأنترنت للدخول وتصفح المشاركين في مختلف دول العالم من خلال برنامجها PRISM".

    مما دفع المستشار القانوني لشركة غوغل "ديفيد راموند" بالتعقيب على ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" بقوله "إننا قلقون منذ زمن طويل حيال احتمال وجود هذا النوع من المراقبة، ولذلك عملنا بشكل متواصل على توسيع الترميز، ليشمل عددا متزايدا من خدمات غوغل وروابطه". وعقبت شركة "ياهو" بقولها "إننا نطبق تدابير مراقبة صارمة جدا, لحماية أمن مراكز جميع معطياتنا، ولم نسمح بالوصول إلى هذه المراكز لا لوكالة الأمن القومي، ولا لأي وكالة حكومية أخرى".


    إن ممارسة الرقابة في هذه الحادثة، مثل غيرها الكثير، إنما يدعو إلى القلق وذلك بسبب الافتقار إلى الشفافية بعد أن ساور الملايين من المستخدمين الكثير من الشك بشأن حقوقهم في حرية التعبير بعد التجسس على الرسائل والمحادثات التي يجرونها.

    لقد أدرك العالم مبكرًا ما تفعله أمريكا بشركات الانترنت لديها لكن ما لم يكن يدركه حجم الرغبة الامريكية في الذهاب بعيدا في ملف التجسس. لقد سبق للبرلمان الأوروبي سنة 2000 ان اصدر تقريرا يتهم فيه الولايات المتحدة بمراقبة المكالمات، والفاكسات، والبريد الإلكتروني لشركات أوروبية من خلال برنامج تجسس يسمى "إيشلون"، وردًا على الاتهامات الأوروبية، أعلنت الولايات المتحدة إنهاء العمل بالبرنامج تماما في سبتمبر 2002. لكن بدا ان انهاء واشنطن العمل بالبرنامج كان كونها كانت تمتلك أدوات تجسسية أخرى.
    يظهر أن الولايات المتحدة تطبق سيطرتها التجسسية على العالم "مواطنين ومسؤولين"، فبينما هي تفعل ذلك مع المسؤولين تتكفل شركات الانترنت لديها بالتجسس على مواطني العالم العاديين، لهذا قال جوليان أسانج مدير موقع "ويكيليكس" إن "الفيسبوك" أكثر أداة تجسس مرعبة ابتكرها الإنسان في تاريخ البشرية، خاصة وكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتطلع على كافة بيانات البشر في شتى بقاع الأرض.

    لكن ما يدعو إلى الريبة أن المسؤولين الامريكيين لم يظهروا ندما كافيا على ما فعلوه، بل إن "نيويورك تايمز" نقلت في احد تقاريرها تأكيد أن المسؤولين الأمريكيين يرون ضرورة مواصلة التجسس على الدول.
    إنّ اتساع رقعة قدرة الولايات المتحدة الامريكية على التجسس اكبر بكثير مما يمكن رصده، وعلى حد وصف المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأميركي ووكالة الاستخبارات الأميركية، مايكل هايدن، "فإن عسكرة الإنترنت الذي اتبعته وكالة الأمن القومي الأميركي له ما يبرره، نظرا لأن تداول أغلب البيانات على الإنترنت يتم عبر خوادم أميركية، وأيضاً لأن الإنترنت اختراع أميركي سيذكر العالم كله أميركا لأجله، كما يذكر الرومان حالياً للطرق التي شيدوها، بحسب تعبيره.


    هذا الاخفاق الذي يصيب إدارة واشنطن لملفها الأمني يذكر العالم اليوم بزلزال وثائق ويكيلكس، لكنه اليوم ليس اخفاقا إداريا يمكن تفهمه، بل كارثة يضاعف حجمها تعثر اقتصادي ومالي، انتج مع أسباب موضوعية أخرى شلل امريكي تارة وتخبط تارة أخرى في ملفات كثيرة أزعج حلفاء، الى حد وصف ذلك ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، إن "اعداء امريكا لم يعودوا يخشوننا، أما أصدقاؤنا فلم يعودوا يعتمدون علينا لأنهم لم يعودوا يثقون بنا".

    ووفق تقرير لصحيفة "اندبندنت" البريطانية، فان الوثائق التي سربها "ادوارد سنودن" تظهر أن وكالة المخابرات البريطانية تشغل شبكة من "مواقع التجسس الالكترونية" على مرمى حجر من البرلمان الالماني ومكتب المستشارة الالمانية. واعتبر وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير، زعيم كتلة الديموقراطيين الاشتراكيين بالبرلمان الألماني حالياً، ان العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية بأنها في غاية التدهور والفتور. "وعلى أثر ما نشرته مجلة "ديرشبيغل" الألمانية وتأكيدها أن وكالة الأمن القومي الأمريكي تستخدم برنامجاً للتجسس الإلكتروني يحمل اسم "بريزم" وأنها استطاعت عبر هذا البرنامج استهداف مؤسسات ودول في الاتحاد الأوروبي، أصدرت المفوضية الأوروبية بياناً طلبت فيه من واشنطن تقديم تفسيرات بهذا الخصوص. ووصف رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولز معلومات التجسس تلك بأنها تمثل "فضيحة كبرى"، حال تأكدها".

    يأتي ذلك وقد توالت التقارير أخطرها هي التي تؤكد ان عمليات التجسس الامريكي لم تقتصر على الاوروبيين وحدهم، بل استهدفت منظمات الامم المتحدة نفسها وهو ما أشار إليه العميل الأميركي السابق، توماس دريك وخبير شئون الاستخبارات النمساوي، سيجفريد بيير.


    اخفاقان بفضيحتين: برادلي مانينغ وإدوارد سنودن

    اليوم، من حق الاوروبيين الشك بأن إجراءات أمنية يتعرضون لها من قبل حليفهم الاستراتيجي "العم سام" وما زالت طي الكتمان من دون الكشف عنها. وإذا كانت ويكيلكس قد وضعت علامات استفهام حول قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إدارة وثائقها السرية، فإن العالم مجددا قد وضع علامات استفهام أكبر حول الخطوط الحمر والمحاذير التي تضعها واشنطن نصب عينيها في علاقاتها مع حلفائها.
    ما يدعو الى الاستغراب استناد البعض في رفضه للتجسس الامريكي على الحلفاء الى العامل الاخلاقي، حتى كتب عدد من الكتاب عن حاجة العالم لثورة أخلاقية جذرية، رغم أن المستند الاخلاقي في تعامل الدول مع بعضها لبعض كان منذ الازل ولا زال خاضع لعامل المصالح فقط.

    في الحالتين، "ويكيلكس والتجسس على الحلفاء" كان السبب وراءهما مواطنان امريكيان قادهما موقعهما الى معرفة تصادمت مع ما يسمعانه من الخطاب الاخلاقي للسياسة الامريكية. الاول: الجندي الأمريكي برادلي مانينغ الذي سرب آلاف الوثائق السرية لموقع ويكيليكس الاليكتروني، والثاني إدوارد سنودن، الذي عمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ووكالة الأمن القومي، وقام بنشر معلومات سرية خاصة بعمل الوكالة.


    خلاصة

    أحدثت انشطة التنصت الامريكية قدرًا كبيرًا من الحرج الدبلوماسي مع الخصم والصديق على حد سواء ورغم أن رأس هرم الدبلوماسية الأمريكية حاول امتصاص نقمة غضب الحلفاء حين اعترف أن بلاده ذهبت بعيدًا في انشطة التنصت وأن الادارة الأمريكية ستحرص على عدم تكرار هذا الأمر مستقبلًا. ويبدو ان الرئيس الامريكي الذي تكاد ان تلتصق فضيحة التجسس باسمه أمر وكالة الأمن القومي الامريكي بوقف التنصت على الصندوق والبنك الدولي والأمم المتحدة في النيويورك وذلك من أجل تفادي ما يمكن تفاديه من تدهور للعلاقات الامريكية مع حلفائها وأصدقائها.
    فثمة محددات كثيرة تجعل من الصعب أن تهجر دول الاطلسي بعضها البعض بسبب الطلاق العاطفي الذي أصاب علاقاتها مع أمريكا. فهناك روسيا الراغبة في الظهور على خشبة المسرح كقوى قطبية مجددا، وهناك ملفات مصر وسوريا وهناك ما تعانيه أمريكا من أزمة مالية، وهناك الملف الايراني وما يحمله من تهديد على أمن دول الشمال، اضافة إلى اسرائيل.
    من المؤكد أن ذيول عملية التجسس لن تتوقف، وستتواصل تداعياتها لفترة زمنية على العلاقات الامريكية الاوروبية، لكن الطرفين لن يذهبا بعيدا في تمادي تأثير هذه الفضيحة على علاقاتهما، وبالتالي لن تكون هذه الأزمة سوى سحابة صيف في مسار العلاقات بين ضفتي الأطلسي، بعد أعلنت دول أوروبية عديدة أنها ستسعى إلى إيجاد أرضية تفاهم مع واشنطن قبل نهاية هذا العام في ما يتعلق بمسائل ووضع تصور أمني معلوماتي عالمي جديد ملزم للجميع ضمن إطار الأمم المتحدة، وستحل الأمور بالتفاهم وليس بقطع العلاقات الاستراتيجية إلا أن ذلك سيحتاج إلى جهد استثنائي تبذله الدول الأطراف لترميم العلاقات المأزومة عبر الأطلسي لكن الأمور قد تشتد أكثر إذا ما كشف ادوارد سنودين عن المزيد من المعلومات أو السرية.
    إنّ بعض الاتفاقيات المعلنة والسرية كافية ليهدأ الاوربيون بعد أن أعلن البيت الأبيض إلى أن أوباما مستعدّ، على ما يبدو، للتفاوض بشأن فرض قيود جديدة على أساليب جمع المعلومات كخطوة تفسر على انها مسعى لتهدئة أصوات الاحتجاج الآتية من القارة العجوز. رد واشنطن تضمن الحديث عن مراجعة ولم يتضمن "وعدًا" بعدم التجسّس "اطلاقّا" على الحليف والصديق، وخصوصاً أن الولايات المتحدة كانت تقوم بهذا العمل منذ عقود عدّة، وطالما بقيت الكثير من مصالح أوروبا بيد واشنطن سيما في الجوانب الاستخباراتية فلن يلحظ العالم الكثير من المتغيرات في العلاقات بين الجانبين. على المستوى الآخر فإنه وعلى الرغم من ان تستطيع واشنطن تقليص الضرر وتهدّئ مخاوف الدول الأوروبية بفرض بعض القيود التي تقيّد جمع المعلومات، فإن هذا الاجراء قد لا يهدّئ غضب المواطنين الأوروبيين و"مزودي الانترنت" بعد أن تبين قيام الوكالة الأمريكية بالتجسس من خلال محطات التنصت الإلكتروني التابعة على أهم المواقع على الانترنت التي يتعامل معها "المستخدمون" بشكل يومي مما حدا بمنظمات المجتمع المدني برفع دعاوى قضائية ضد وكالة الأمن القومي الأمريكية، طالبوا فيها بوقف استخدامها للبيانات، التي حصلت عليها الوكالة بطريقة غير قانونية على اعتبار ان ذلك يعد انتهاكًا و تعديًا على خصوصيتهم.

  • #2
    رد: الاختراق المعلوماتي والتجسس الأمريكي على العالم... الأبعاد والتداعيات

    المشاركة الأصلية بواسطة DOOM مشاهدة المشاركة
    الاختراق المعلوماتي والتجسس الأمريكي على العالم... الأبعاد والتداعيات


    ألقت عمليات التجسس الأمريكي بظلالها من جديد على العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة، وفتحت فصلًا جديدًا من "أزمة ثقة" بعد نجاح المستشار السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن Edward Snowden بداية حزيران 2013 ، بتسريب معلومات حول قيام الوكالة بالتجسس على نحو 35 من القادة على مستوى العالم، وعشرات ملايين المكالمات الهاتفية في دول مختلفة، من بينها دول أوروبية. بالإضافة إلى كشفه تفاصيل برنامج تجسس أمريكي سري لغاية مما أثار الكثير من الجدل داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها بشأن طبيعة ونطاق عملها الاستخباري و المدى الكبير الذي تصل اليه وكالة الأمن القومي التي وسعت من عمليات المراقبة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 تحت دعاوى "الحرب على الإرهاب".

    والأزمة التي أحدثتها فضيحة التجسس، إعلاميّة بالدرجة الأولى، بمعنى أن وسائل الإعلام هي التي قامت بالكشف عن هذا الحدث وإعطائه أبعاداً أخرى، لتصل ما وصلت إليه. في البداية جاء تقرير المجلة الألمانية "دير شبيغل"، التي يستقى منها الرأي العام الألماني معلوماته الرسميّة في إطار السباق المحموم بين الصحف العالمية للكشف عن تفاصيل عمليات التجسس الأمريكية الواسعة. فقد كشفت المجلة عن قيام وكالة الامن القومي الامريكي ومن خلال سفارة واشنطن في برلين بأعمال تجسس منظمة وواسعة المدى بدأت بالتنصت على هاتف المستشارة الألمانية ذاتها منذ عام 2002 وحتى عام 2010، وأن المكالمات الهاتفية التي أجرتها من هاتفها تم تسجيلها طوال هذه المدة. وامتدت لتشمل كماً ضخماً من المراسلات والمكالمات الحكومية ونشرت المجلة وثيقة يعود تاريخها إلى عام 2010 تشير إلى وجود وحدة استخباراتية أمريكية تعمل في برلين وفرانكفورت تحت مسمى" خدمة الجمع الخاصة"، وهي وحدة تضم عملاء من المخابرات المركزية وموظفين رفيعي المستوى من وكالة الأمن القومي. أما "صحيفة اللوموند" الفرنسية فوجهت أصابع الاتهام وبشكل مباشر للسفارة الأمريكية في باريس بنفس المضمون الذي جاء في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، واعتبرتها نفس الأفعال ضد الرئيس الفرنسي وأضافت على الاتهام الألماني أن هناك وحدة استخبارات إسرائيلية اشتركت في أعمال التنصت على قصر الإليزيه، كما كشفت الصحيفة عن أن بعض العاملين بوكالة الأمن القومي الأمريكية يقومون بالتجسس علي أزواجهم وزوجاتهم من خلال استخدام برامج التجسس والتنصت المتوفرة في الجهاز المخابراتي.

    وفي التفاصيل التي أوردتها صحف ومجلات أوروبيّة فإن هناك وحدات تجسس أمريكية في ثمانين موقعًا حول العالم، من بينها ألمانيا وباريس وروما ومدريد وجنيف وفرانكفورت. وفي برلين حيث لا تبعد السفارة الامريكية عن مكتب ميركل أكثر من ثمانمائة متر توجد من هذه الوحدات يتمركز فيها عاملون من وكالة المخابرات المركزية والطيران والفضاء ناسا، يجمعون المعلومات ويحللونها أو يرسلونها الى مقر البيت الأبيض مباشرة. وأثبتت تلك الوسائل بالدلائل أن وكالة الأمن القومي الأمريكي ومكتب التحقيقات الفيدرالية إف بى آي يتنصتان مباشرة عبر ما يسمى قانون باتريوت على خوادم تسع شركات إنترنت أمريكية لاستخراج الدردشات الصوتية ودردشات الفيديو عبر الإنترنت والصور ورسائل البريد الإلكتروني والوثائق وسجلات الاتصال لعملاء هذه الشركات. كما تقوم أجهزة المخابرات نفسها بتسجيل المكالمات الهاتفية لعشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين.

    ردود الفعل الأوروبية

    تواصلت ردود الفعل على عمليات تجسس أجهزة المخابرات الأمريكية على ملايين الاتصالات والمكالمات في أوروبا، وتاليًا رصد لأهم تلك الردود:
    • دفع غضب ألمانيا من عملية التجسس على هاتف ميركل إلى حد القيام باستدعاء برلين للسفير الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ البلدين منذ الحرب العالمية الثانية.
    • أعلنت ألمانيا إغلاق مراكز لتبادل المعلومات المرتبط بكابلات الإنترنت العالمية، لتوقف الاتصال بالعالم الخارجي، من خلال وضع أسلوب تقني جديد، يوفر للمستخدمين خدمات الانترنت (بشكله الداخلي)، بهدف حماية البيانات الواردة والصادرة منه.
    • سعي شركات الاتصالات في ألمانيا إلى تنفيذ مشروع ضخم يهدف إلى حماية مستخدمي الانترنت داخل ألمانيا من التجسس الإلكتروني الأمريكي، يعتمد بشكل أساسي على جعل كافة مراكز تبادل المعلومات عبر الانترنت Exchange Point داخلية وليست عالمية.
    • عملت شركة ''تيليكوم'' الألمانية على التصدي للتجسس الأمريكي، من خلال إنشاء نظام بريد إلكتروني داخلي مشفّر، يقوم على تبادل البيانات عبر خادمات داخلية حصراً.
    • اقترح الاتحاد الأوروبي مراقبة حدوده بأنظمة جوية من خلال طائرات بدون طيار متطورة وأعربت الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "كاثرين اشتون" عن أهمية تلك الخطوة قائلة "هناك حاجة ماسة إلى الإعداد لبرنامج طائرات بدون طيار تكون قادرة على أن تعلو بشكل متوسط لفترات طويلة، المعروفة باسم Male.. ولكن هناك مشكلة واحدة، وهى أن تلك الطائرات تعمل في نفس مستوى الطائرات التقليدية، مما يشكل عقبات رئيسية أمام سلامة المجال الجوي".
    • تسعى البرازيل لحماية مواطنيها من التجسس الامريكي في المضي قدما لإرغام شركات الانترنت العالمية على تخزين البيانات التي تحصل عليها من المستخدمين البرازيليين داخل البلاد. ورغم معارضة شركات متعددة الجنسيات للبرمجيات ومعدات الكمبيوتر والاتصالات فإن رئيسة البرازيل "ديلما روسيف" تحث المشرعين على إجراء تصويت على مشروع القانون الذي اثاره الكشف عن عمليات تجسس أمريكية واسعة النطاق على بيانات الاتصالات البرازيلية. وإذا تم اقراره فإن القانون الجديد قد يؤثر على طريقة عمل عمالقة الانترنت مثل غوغل وفيسبوك وتويتر وشركات اخرى في اكبر بلد في أمريكا اللاتينية وأحد أكبر أسواق صناعة الاتصالات عالميًا.
    • أعلن مكتب الادعاء العام الاسباني أنه فتح تحقيقًا أوليًا في عمليات التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة بعد الكشف عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكي بالتنصت على اكثر من 60 مليون مكالمة هاتفية في اسبانيا خلال شهر واحد فقط.
    • اعرب قادة الحزبين الرئيسيين في النرويج عن غضبهم بسبب عمليات التجسس الامريكية، وطالبوا الحكومة ببحث المسألة مع ادارة اوباما. وقال تريني سكي جراندي، زعيم الحزب الليبرالي "يعد هذا هجوما على امن وسلامة المواطنين في النرويج شأنه شأن اي هجوم آخر".وقال كنوت اريلد هاريد، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، إنه شعر بالصدمة بيد أن هذا الامر لم يفاجئه. وحثت رئيسة الوزراء إيرنا سولبرج على الرد على ما تم الكشف عنه فورا وبحث الامر مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل خلال لقائهما
    • استدعت كل من فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، سفراء الولايات المتحدة، وأظهرت غضبها مما حدث، وأكدت أنه سيؤثر حتما في آفاق التعاون المستقبلي مع الإدارة الأمريكية.
    • أعلنت ألمانيا وفرنسا عن اعتزامهما التفاوض مع الولايات المتحدة لإبرام اتفاقيات تحظر على أطرافها إجراء أي عملية تجسس ضد بعضها بعضا. وبلغ الأمر في دول أوروبا من الخطورة نتيجة النشاطات التجسّسية لوكالة الأمن الوطني، أن هدّدت بوقف المفاوضات المتعلّقة باتّفاق التجارة الحرّة بين دول الأطلسي، والتي تمثّل هدفاً تجارياً استراتيجياً بالنسبة للولايات المتحدة.
    • ألقت فضيحة التجسس الأمريكية، بثقلها على جدول أعمال القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل يوم الجمعة 25-10-2013. واعتبرت المفوضية الأوروبية أنه قد حان الوقت ليصدر الاتحاد الأوروبي ردَّ فعلٍ قوي وموحد لهذه "الإهانة الأمريكية". أما رئيس المفوضية خوسيه مانويل باروزو فقد ندد بهذه العملية، وشدد على حق الأوروبيين في حماية حياتهم الشخصية، وقال: "لا يمكن أن يتصرف المرء كأن شيئاً لم يحدث، إذ يعرف الجميع نتائج استغلال دولة قوتها للتسلل إلى حياة الناس".
    • دعا البرلماني الأوروبي الى تعليق العمل باتفاقية تتبيع تمويل الارهاب الموقعة بين واشنطن واوروبا والتي تمثل إحدى تجليات صور التعاون ما بين الجانبين.

    لقد ترافقت موجة الغضب الاحتجاجية على برامج التجسس على المواطنين في أرجاء المعمورة التي عبر عنها من خلال تظاهرات ضخمة شارك فيها الآلاف للمطالبة بإصلاح برامج المراقبة والحيلولة دون انتهاك الحريات الخاصة[14]، مع سباق الصحف ووسائل الاعلام العالمية التنقيب عن تفاصيل برامج التجسس الأمريكية خاصة "بريزم" الذي استخدمته وكالة الأمن القومي الأمريكي واستهدفت من خلاله مؤسسات وأفراد ودول في الاتحاد الأوروبي.


    البرنامج التجسسي "بريزم"

    سرّب "سنودن" Snowden معلومات سريّة للغاية تشير إلى أن وكالة NSA متورطة بأكثر من 61 الف عملية قرصنة على شركات وأشخاص وحكومات. وذكر بأن الوكالة ومكتب التحقيقات لهما القدرة للوصول مباشرة الى الخوادم المركزية لتسع شركات أمريكية رئيسية للإنترنت من خلال برنامج سري للغاية اسمه Prizm "بريزم". وتتضمن الوثائق السرية التي سربها لصحيفتي الواشنطن بوست الامريكية والغارديان البريطانية معلومات عن برنامج (PRISM) وهو برنامج تجسس رقمي مصنف بأنه سري للغاية يُشّغل من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي. ويعتبر هذا البرنامج أحد البرامج التجسسية الضخمة الذي يتيح لوكالة الأمن القومي الامريكي عبر جمع وتحليل المعلومات الوصول المباشر إلى خوادم الانترنت الكبرى للحصول على رسائل البريد الالكتروني والمحادثات دون الحاجة لأمر قضائي.

    يعد برنامج ""PRISM وريث لتاريخ من التحالفات الاستخباراتية مع حوالى مائة شركة أمريكية موثوق بها منذ السبعينيات، وتسمى وكالة الأمن القومي الأمريكية هذه بعمليات المصادر الخاصة، والتي يقع في نطاقها هذا البرنامج، وكان هناك برنامج مشابه يحمل اسم BLARNEY الذى يجمع معلومات فنية عن حركة مرور الاتصالات وأجهزة الشبكة، ووصفه بأنه برنامج جمع مستمر يعزز مجتمع الاستخبارات والشركات التجارية للحصول على المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي يمكن الحصول عليها من الشبكات العالمية واستغلالها، إلا أن برنامج PRISM يبدو أقرب لأوامر المراقبة بدون إذن قضائي المثيرة للجدل التي أصدرها الرئيس بوش عقب هجمات سبتمبر 2001.

    التزم الكونغرس بقانون حماية أميركا في عام 2007 وتعديلات قانون مراقبة المخابرات الأجنبية لعام 2008، والذي حصن الشركات الخاصة التي تعاونت بشكل طوعي في عملية جمع الاستخبارات الأميركية. قام "بريزم" بتوظيف أول شركائه، شركة "مايكروسوفت"، وبدأ ست سنوات من عملية جمع بيانات متنامية بسرعة تحت سطح جدل وطني مؤرق حول المراقبة والخصوصية.
    يركز البرنامج المصدق عليه من المحكمة على حركة الاتصالات الأجنبية، التي عادة ما تتدفق عبر الخوادم الأميركية، حتى عندما ترسل من موقع خارجي لآخر. وفي الفترة ما بين عامي 2004 و2007، أقنع محامو إدارة بوش قضاة محكمة مراقبة المخابرات الأجنبية بإصدار أوامر مراقبة في صيغة جديدة تماما. وحتى ذلك الوقت، تعين على الحكومة تقديم سبب محتمل لارتباط "هدف" أو "مرفق" بعينه بالإرهاب أو الجاسوسية. فـ "المعلومات التي تم جمعها في إطار هذا البرنامج تعتبر من بين أهم وأقيم المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي جمعتها وكالة الاستخبارية الامريكية".


    بدأ العمل بالبرنامج عام 2007 واستخدم شركة مايكروسفت للوصل إلى هدفه ومن ثم استخدم شركة "أبل" في عام 2012. من خلاله تقوم كالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الخوادم الرئيسة باختراق لتسع شركات إنترنت أميركية كبرى بشكل مباشر، وتقوم باستخلاص محادثات مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ورسائل بريد إلكتروني ووثائق وسجلات اتصال تمكن المحللين من تعقب أهداف أجنبية.


    تشير التقارير بأن هذا البرنامج يعد الأحدث في برامج التجسس حتى الآن. وربما يكون الأول من نوعه. وتتباهى وكالة الأمن القومي بسرقة أسرار وفك شفرات، وقد اعتادت أن تكون شراكات تساعدها في تحويل مسار حركة البيانات أو تخطي الحواجز.

    مازالت الأزمة التي أحدثتها عملية التجسس تتفاقم يوماً بعد يوم، مما أثار زوبعة من الانتقادات للبيت الأبيض في أكبر فضيحة هزّت الإدارة الأمريكية منذ عقود أي بعد، فرغم مرور ما يزيد على ثلاثة عقود لا يزال العالم وخاصة الولايات المتحدة يتذكر فضيحة "ووترغيت" 1968 حين قرر الرئيس الأمريكي نيكسون التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى "ووترغيت". وفي 17 يونيو/حزيران 1972 ألقي القبض على خمسة أشخاص في واشنطن بمقر الحزب الديمقراطي، وهم ينصبون أجهزة تسجيل مموهة. كان البيت الأبيض قد سجل 64 مكالمة، فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون. واستقال على أثر ذلك في أغسطس 1974.. وها هم اليوم الأمريكيون يعاودون الكرة ولكن مع حلفائهم الأوروبيين الذين سارعوا إلى مناقشة الخطوات اللازمة لمواجهة الفضيحة. التي وصفها آل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق بأنها أمر مخز ويجب أن تكون الخصوصية أولوية في عالم العصر الرقمي.


    خصوصية الأزمة الراهنة

    ليس جديدًا أن تشهد العلاقات الامريكية الأوروبية ما تشهده اليوم من توتر على خلفية التجسس الأمريكي على الأوروبيين وزعمائهم. لقد شهدت هذه العلاقات الكثير من المحطات احتاج معها الطرفان إلى "بداية جديدة"، كان أبزرها عام 2005 عندما برزت نتائج سياسات إدارة جورج دبليو بوش في العالم وتأثيرات هذه السياسات على العلاقات الأطلسية.

    لكن ما تثيره أزمة التجسس في فترة إدارة الرئيس اوباما، لا بد وأن تكون أعمق مما خلفته إدارة بوش الابن على الحلفاء. فمنذ أكثر من عقدين وتحديدا عام 1992 شرع الاتحاد الأوروبي عبر مفوضيته بتشكيل بنية لمؤسسة أوروبية تقوم على شؤون الأمن والسياسة الخارجية، سعت إلى التوفيق النسبي بين مواقف دول الاتحاد المتناقضة والمتباينة. لكن بقي الأوروبيون في خلفية المشهد الامريكي في الكثير من الملفات العالمية، مع بعض التميز المحدود الذي أبدته فرنسا وبريطانيا وألمانيا ولجنة الأمن والسياسة الخارجية، في بعض الملفات.

    حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما امتصاص صدمة حلفائه على "فضيحة التجسس" بقوله بأنهم "يتجسسون أيضا، فدعونا نتحاور.. وسوف نقوم ببعض التغييرات". مما دعا رئيس الوزراء الروسي لطرح سؤالًا مباشرًا: من سيصدق التصريحات الأمريكية التي تقول أنهم لن يتنصتوا على أصدقائهم مرة أخرى؟ وحتى تصبح التعهدات الامريكية ذات مصداقية يبدو ان أنصار الحفاظ على الخصوصية حول العالم لن يهدأ قريبًا. وواشنطن تبقى تراوح أمام خيارين إما الالتزام بهذه المبادئ التي تتحدث عنها أو الحرص على عدم تسرب أساليبها التجسسية مرة أخرى ولكن هل تستطيع؟ وهل تقدر أيضًا ترميم الثقة التي تصدعت مع أقرب حلفائها خاصة فما يتعلق بالتنسيق في تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية؟

    الملاحظ لغاية الآن من ردود فعل المسؤولين الأمريكيين على فضحية التجسس هو أنهم يبررون هذا الفعل بهاجس الخوف من الإرهاب، أو تفسيره ضمن سياق "مكافحة الإرهاب" أو ما تسمى "الحرب ضد الإرهاب"، التي بدأ الحديث عنها على خلفية هجمات 11 سبتمبر 2011، وبالتالي، فإن ما تقوم به وكالة الاستخبارات الامريكية يستند إلى القول الدارج في السياسة الميكافيلية وهي "الغاية تبرر الوسيلة". من هنا نرى أن واشنطن تتجسس مدركة تماما أن عالما بنى سياسته على مفاهيم ميكافيلية سيتعامل مع الادوات– رفضا وقبولا - وفق قدرتها على الوصول إلى الهدف، وليس استنادًا على القبول الاخلاقي بها. لهذا نرى الادارة الأمريكية تصرّح بأنها تقوم بعملية مراجعة شاملة لأساليب جمع المعلومات الاستخباراتية؛ وبنفس الوقت تقوم بتذكير أصدقائها وحلفائها بأهمّيّة التجسّس الذي تشاركهم فيه.


    التجسس من خلال محركات البحث المهيمنة

    ليست المنظومة السياسية والامنية لعلاقات دول الشمال وحدها المرشحة للتأثر، بل والاقتصادية أيضا، خاصة والحديث يطال كبرى شركات الانترنت في العالم، سواء "غوغل" أو "ياهو"، وغيرها التي تعتبر بمثابة البوابة التي يلجأ اليها مرتادو الانترنت طلبا للتواصل او تبادل المعلومات. فقد كشفت وثيقة سرية عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكي، باختراق روابط الاتصالات التي تربط بين مراكز بيانات كل من غوغل وياهو حول العالم من خلال اعتراض البيانات عن كابلات الألياف البصرية التي تستخدمها الشركتين، لجمع بيانات مئات الملايين من المستخدمين (العديد منهم أمريكان)، واستطاعت الوكالة جمع بيانات لما يقارب من 181 مليون مستخدم، في يناير 2013، تضمنت رسائل إلكترونية، نصوص، ملفات صوتية، وأشرطة فيديو بالإضافة إلى جمع بيانات المستخدمين، من خلال برنامج يطلق عليه "ماسكيولار" الذي تم تشغليه بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات البريطانية من خلال نقاط اعتراض (غير معلنة)، تقوم بنسخ البيانات التي تتدفق عبر الكابلات لكلا منهما. ورغم ان تسريبات سنودن أكدت على أن وكالة NASA تحصل بشكل يومي من شبكة Yahoo and Google معلومات تخضع للتسجيل وتقدر بمئات الملايين من المعلومات، الا الجنرال Keith Alexander أشار بالقول "أنا أستطيع القول باننا لا ندخل على خوادم Google وYahoo لكننا نسلك الطرق ألقانونيةـ عبر القضاء ـ" وهي عبارة غير مباشرة بأن الوكالة تعترض مرور المعلومات، فقد بات معروفا أن الوكالة تدخل على حزمة الالياف الزجاجية تحت البحار".


    كما أثارت عملية التجسس قلق كبريات مزودي خدمة الانترنت بعد ان تضمنت تسريبات سنودن عن اختراق وكالة الأمن القومي لعملاقي الانترنت "ياهو" و"غوغل" واعتراض بياناتهما، وهذا بحد ذاته يعتبر مخالفة قانونية كون وكالة الامن القومي تستخدم الخوادم الاميركية للتجسس. فرغم نفي المسؤولين في الخوادم الاميركية وابرزها Google فان المعلومات التي سربها سنودن تشير إلى أن "وكالة الأمن القومي الأميركية لديها اتفاقات سرية، غير معلنة مع عدد من الخوادم اي محركات الأنترنت للدخول وتصفح المشاركين في مختلف دول العالم من خلال برنامجها PRISM".

    مما دفع المستشار القانوني لشركة غوغل "ديفيد راموند" بالتعقيب على ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" بقوله "إننا قلقون منذ زمن طويل حيال احتمال وجود هذا النوع من المراقبة، ولذلك عملنا بشكل متواصل على توسيع الترميز، ليشمل عددا متزايدا من خدمات غوغل وروابطه". وعقبت شركة "ياهو" بقولها "إننا نطبق تدابير مراقبة صارمة جدا, لحماية أمن مراكز جميع معطياتنا، ولم نسمح بالوصول إلى هذه المراكز لا لوكالة الأمن القومي، ولا لأي وكالة حكومية أخرى".


    إن ممارسة الرقابة في هذه الحادثة، مثل غيرها الكثير، إنما يدعو إلى القلق وذلك بسبب الافتقار إلى الشفافية بعد أن ساور الملايين من المستخدمين الكثير من الشك بشأن حقوقهم في حرية التعبير بعد التجسس على الرسائل والمحادثات التي يجرونها.

    لقد أدرك العالم مبكرًا ما تفعله أمريكا بشركات الانترنت لديها لكن ما لم يكن يدركه حجم الرغبة الامريكية في الذهاب بعيدا في ملف التجسس. لقد سبق للبرلمان الأوروبي سنة 2000 ان اصدر تقريرا يتهم فيه الولايات المتحدة بمراقبة المكالمات، والفاكسات، والبريد الإلكتروني لشركات أوروبية من خلال برنامج تجسس يسمى "إيشلون"، وردًا على الاتهامات الأوروبية، أعلنت الولايات المتحدة إنهاء العمل بالبرنامج تماما في سبتمبر 2002. لكن بدا ان انهاء واشنطن العمل بالبرنامج كان كونها كانت تمتلك أدوات تجسسية أخرى.
    يظهر أن الولايات المتحدة تطبق سيطرتها التجسسية على العالم "مواطنين ومسؤولين"، فبينما هي تفعل ذلك مع المسؤولين تتكفل شركات الانترنت لديها بالتجسس على مواطني العالم العاديين، لهذا قال جوليان أسانج مدير موقع "ويكيليكس" إن "الفيسبوك" أكثر أداة تجسس مرعبة ابتكرها الإنسان في تاريخ البشرية، خاصة وكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتطلع على كافة بيانات البشر في شتى بقاع الأرض.

    لكن ما يدعو إلى الريبة أن المسؤولين الامريكيين لم يظهروا ندما كافيا على ما فعلوه، بل إن "نيويورك تايمز" نقلت في احد تقاريرها تأكيد أن المسؤولين الأمريكيين يرون ضرورة مواصلة التجسس على الدول.
    إنّ اتساع رقعة قدرة الولايات المتحدة الامريكية على التجسس اكبر بكثير مما يمكن رصده، وعلى حد وصف المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأميركي ووكالة الاستخبارات الأميركية، مايكل هايدن، "فإن عسكرة الإنترنت الذي اتبعته وكالة الأمن القومي الأميركي له ما يبرره، نظرا لأن تداول أغلب البيانات على الإنترنت يتم عبر خوادم أميركية، وأيضاً لأن الإنترنت اختراع أميركي سيذكر العالم كله أميركا لأجله، كما يذكر الرومان حالياً للطرق التي شيدوها، بحسب تعبيره.


    هذا الاخفاق الذي يصيب إدارة واشنطن لملفها الأمني يذكر العالم اليوم بزلزال وثائق ويكيلكس، لكنه اليوم ليس اخفاقا إداريا يمكن تفهمه، بل كارثة يضاعف حجمها تعثر اقتصادي ومالي، انتج مع أسباب موضوعية أخرى شلل امريكي تارة وتخبط تارة أخرى في ملفات كثيرة أزعج حلفاء، الى حد وصف ذلك ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، إن "اعداء امريكا لم يعودوا يخشوننا، أما أصدقاؤنا فلم يعودوا يعتمدون علينا لأنهم لم يعودوا يثقون بنا".

    ووفق تقرير لصحيفة "اندبندنت" البريطانية، فان الوثائق التي سربها "ادوارد سنودن" تظهر أن وكالة المخابرات البريطانية تشغل شبكة من "مواقع التجسس الالكترونية" على مرمى حجر من البرلمان الالماني ومكتب المستشارة الالمانية. واعتبر وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير، زعيم كتلة الديموقراطيين الاشتراكيين بالبرلمان الألماني حالياً، ان العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية بأنها في غاية التدهور والفتور. "وعلى أثر ما نشرته مجلة "ديرشبيغل" الألمانية وتأكيدها أن وكالة الأمن القومي الأمريكي تستخدم برنامجاً للتجسس الإلكتروني يحمل اسم "بريزم" وأنها استطاعت عبر هذا البرنامج استهداف مؤسسات ودول في الاتحاد الأوروبي، أصدرت المفوضية الأوروبية بياناً طلبت فيه من واشنطن تقديم تفسيرات بهذا الخصوص. ووصف رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولز معلومات التجسس تلك بأنها تمثل "فضيحة كبرى"، حال تأكدها".

    يأتي ذلك وقد توالت التقارير أخطرها هي التي تؤكد ان عمليات التجسس الامريكي لم تقتصر على الاوروبيين وحدهم، بل استهدفت منظمات الامم المتحدة نفسها وهو ما أشار إليه العميل الأميركي السابق، توماس دريك وخبير شئون الاستخبارات النمساوي، سيجفريد بيير.


    اخفاقان بفضيحتين: برادلي مانينغ وإدوارد سنودن

    اليوم، من حق الاوروبيين الشك بأن إجراءات أمنية يتعرضون لها من قبل حليفهم الاستراتيجي "العم سام" وما زالت طي الكتمان من دون الكشف عنها. وإذا كانت ويكيلكس قد وضعت علامات استفهام حول قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إدارة وثائقها السرية، فإن العالم مجددا قد وضع علامات استفهام أكبر حول الخطوط الحمر والمحاذير التي تضعها واشنطن نصب عينيها في علاقاتها مع حلفائها.
    ما يدعو الى الاستغراب استناد البعض في رفضه للتجسس الامريكي على الحلفاء الى العامل الاخلاقي، حتى كتب عدد من الكتاب عن حاجة العالم لثورة أخلاقية جذرية، رغم أن المستند الاخلاقي في تعامل الدول مع بعضها لبعض كان منذ الازل ولا زال خاضع لعامل المصالح فقط.

    في الحالتين، "ويكيلكس والتجسس على الحلفاء" كان السبب وراءهما مواطنان امريكيان قادهما موقعهما الى معرفة تصادمت مع ما يسمعانه من الخطاب الاخلاقي للسياسة الامريكية. الاول: الجندي الأمريكي برادلي مانينغ الذي سرب آلاف الوثائق السرية لموقع ويكيليكس الاليكتروني، والثاني إدوارد سنودن، الذي عمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ووكالة الأمن القومي، وقام بنشر معلومات سرية خاصة بعمل الوكالة.


    خلاصة

    أحدثت انشطة التنصت الامريكية قدرًا كبيرًا من الحرج الدبلوماسي مع الخصم والصديق على حد سواء ورغم أن رأس هرم الدبلوماسية الأمريكية حاول امتصاص نقمة غضب الحلفاء حين اعترف أن بلاده ذهبت بعيدًا في انشطة التنصت وأن الادارة الأمريكية ستحرص على عدم تكرار هذا الأمر مستقبلًا. ويبدو ان الرئيس الامريكي الذي تكاد ان تلتصق فضيحة التجسس باسمه أمر وكالة الأمن القومي الامريكي بوقف التنصت على الصندوق والبنك الدولي والأمم المتحدة في النيويورك وذلك من أجل تفادي ما يمكن تفاديه من تدهور للعلاقات الامريكية مع حلفائها وأصدقائها.
    فثمة محددات كثيرة تجعل من الصعب أن تهجر دول الاطلسي بعضها البعض بسبب الطلاق العاطفي الذي أصاب علاقاتها مع أمريكا. فهناك روسيا الراغبة في الظهور على خشبة المسرح كقوى قطبية مجددا، وهناك ملفات مصر وسوريا وهناك ما تعانيه أمريكا من أزمة مالية، وهناك الملف الايراني وما يحمله من تهديد على أمن دول الشمال، اضافة إلى اسرائيل.
    من المؤكد أن ذيول عملية التجسس لن تتوقف، وستتواصل تداعياتها لفترة زمنية على العلاقات الامريكية الاوروبية، لكن الطرفين لن يذهبا بعيدا في تمادي تأثير هذه الفضيحة على علاقاتهما، وبالتالي لن تكون هذه الأزمة سوى سحابة صيف في مسار العلاقات بين ضفتي الأطلسي، بعد أعلنت دول أوروبية عديدة أنها ستسعى إلى إيجاد أرضية تفاهم مع واشنطن قبل نهاية هذا العام في ما يتعلق بمسائل ووضع تصور أمني معلوماتي عالمي جديد ملزم للجميع ضمن إطار الأمم المتحدة، وستحل الأمور بالتفاهم وليس بقطع العلاقات الاستراتيجية إلا أن ذلك سيحتاج إلى جهد استثنائي تبذله الدول الأطراف لترميم العلاقات المأزومة عبر الأطلسي لكن الأمور قد تشتد أكثر إذا ما كشف ادوارد سنودين عن المزيد من المعلومات أو السرية.
    إنّ بعض الاتفاقيات المعلنة والسرية كافية ليهدأ الاوربيون بعد أن أعلن البيت الأبيض إلى أن أوباما مستعدّ، على ما يبدو، للتفاوض بشأن فرض قيود جديدة على أساليب جمع المعلومات كخطوة تفسر على انها مسعى لتهدئة أصوات الاحتجاج الآتية من القارة العجوز. رد واشنطن تضمن الحديث عن مراجعة ولم يتضمن "وعدًا" بعدم التجسّس "اطلاقّا" على الحليف والصديق، وخصوصاً أن الولايات المتحدة كانت تقوم بهذا العمل منذ عقود عدّة، وطالما بقيت الكثير من مصالح أوروبا بيد واشنطن سيما في الجوانب الاستخباراتية فلن يلحظ العالم الكثير من المتغيرات في العلاقات بين الجانبين. على المستوى الآخر فإنه وعلى الرغم من ان تستطيع واشنطن تقليص الضرر وتهدّئ مخاوف الدول الأوروبية بفرض بعض القيود التي تقيّد جمع المعلومات، فإن هذا الاجراء قد لا يهدّئ غضب المواطنين الأوروبيين و"مزودي الانترنت" بعد أن تبين قيام الوكالة الأمريكية بالتجسس من خلال محطات التنصت الإلكتروني التابعة على أهم المواقع على الانترنت التي يتعامل معها "المستخدمون" بشكل يومي مما حدا بمنظمات المجتمع المدني برفع دعاوى قضائية ضد وكالة الأمن القومي الأمريكية، طالبوا فيها بوقف استخدامها للبيانات، التي حصلت عليها الوكالة بطريقة غير قانونية على اعتبار ان ذلك يعد انتهاكًا و تعديًا على خصوصيتهم.
    العجيب كيف صار ادوارت سنودن مستشار وهو صغير بالعمر وكيف صار بالاستخبرات المركزية وهو صغير الي اعرفه ان الي يعملون بالجهاز ناس مبدعين عملوا ضباط بالجيش ولديهم خبرة + هاكرز متميزين لهم تاريخ + محللين سياسيين ويقومون بدراسات وبحوث !! + اخوي ادارة الحرب الالكترونية الي عندنا هل الي فيها ناس كفاءات ومتميزين وهل هم هاكرز ومبرمجين ! + فيه واحد مبرمج سعودي متميز اتمنى يعرضون عليه يشتغل معهم اسمه عبدالله المحمدي وهو من مكة المكرمة وعنده حساب باليوتيوب فيه 3 الاف فيديو عن البرمجة !!

    تعليق

    ما الذي يحدث

    تقليص

    المتواجدون الآن 0. الأعضاء 0 والزوار 0.

    أكبر تواجد بالمنتدى كان 170,244, 11-14-2014 الساعة 09:25.

    من نحن

    الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا... 

    تواصلوا معنا

    للتواصل مع ادارة موقع الامن الوطني العربي

    editor@nsaforum.com

    لاعلاناتكم

    لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

    editor@nsaforum.com

    يعمل...
    X